شبكة ذي قار
عـاجـل










من الواضح أن دور إيران المقبل في العراق بات يحسب له الحساب من قبل (العملاء) في المنطقة الخضراء ، الذين قدموا خدمات كبيرة للمصلحة الإيرانية تحت المظلة الطائفية ، حتى مطالب البعض منهم بخروج المحتل من العراق لم تكن بدوافع وطنية ، بل الغاية منها أفراغ الساحة العراقية لإيران!!، إلا أن الوضع بعد أنسحاب القوات المحتلة سيكون مختلفاً مع حكومة (القامّة والزنجيل) والأحزاب الطائفية التابعة لإيران ، فكل هؤلاء كانوا مطايا لتنفيذ الأجندة الفارسية ، وهم يعرفون حق المعرفة كيف ينظر لهم الفرس بدونية ، حتى أكبر عملاء إيران (الشمر) محمد باقر الحكيم (خلده الله في قعر جنهم) ، كان يشكو من ذلك رغم المكانة التي حضى بها في إيران ، الجدير بالذكر أن الحكيم عندما عاد للعراق ببركة الدبابة الأمريكية ( كما فعلها أبوه من قبل وعاد للنجف ببركة الدبابة البريطانية عام 1917 ) ، وجه رسالة لإيران شكرهم فيها على (ضيافتهم) له كل تلك السنوات ، وأثنى على الرعاية (المباركة) التي شملته ، ومن الطبيعي أن يقرأ الفرس ما بين سطور هذه الرسالة ، خصوصاً أن نوايا الحكيم بالتصدي للمرجعية في النجف كانت مكشوفة ، ولابد أنهم شبهوا رسالة الحكيم برسالة ديغول للبريطانيين عندما قال لهم "شكراً لدعمكم ... أنتهى دوركم"، (المقارنة بمعنى الرسالة وليست بالشخصيات ، فديغول مقاوم والحكيم عميل) ، وبناءاً على ذلك قتلوا الحكيم شر قتله لأنه أراد أن يستقل عنهم وينافسهم على المرجعية التي يستعمرها الفرس ، أذاً ... قيود العمالة لإيران ليس لها مفك ، والخروج عن طاعة الولي الفقيه يعني اللحاق بالحكيم إلى جهنم وبئس المصير ، وحتى لايفهم البعض أن عملاء المنطقة الخضراء أصبحت لديهم صحوة ضمير ، ويردون الخروج من تحت عباءة الولي الفقيه والعمل ضد مصلحة إيران ، فالمقصود هو الخوف من أنتهاء الصلاحية التي تقود صاحبها إلى حتفه ، كما حدث مع العميل محمد باقر الصدر عندما فضح الخميني الرجيم أرتباطاته مع إيران على العلن ليرسل به إلى حبل القصاص العادل ويزيحه عن الطريق ، والأمثلة كثيرة ، أذاً .. لابد أن يحسب العملاء الحساب للفرس ، لأن مصيرهم بات مرتبط بالأجندة الإيرانية.

 

التحركات الآخيرة التي نشهدها في هذه الفترة تؤكد أن البعض ، وهم من أقرب المقربين لإيران ، بدأوا يضعون المستقبل القريب في حساباتهم ، وأول من هرول إلى إيران ليقدم فروض الطاعة والولاء هو عمار الحكيم ، ويثبّت نفسه أمام الولي الفقيه (كلباً وفياً) لهم كما كان عمه وأبوه من قبل ، وبطبيعة الحال فقد غلبت المصلحة الشخصية عند عمار الحكيم أحساسه العاطفي تجاه من قتل عمه وناصب جده محسن الحكيم العداء!!، كما فعل مقتدى الصدر وتنازل عن دم والده مقابل أن يمسد قاتل أبوه (الولي الفقيه) على رأسه ، على أية حال ... هناك صورة آخرى نشهدها من خلال إبراهيم الأشيقر (الذي أثبت وجوده على الساحة السياسية بصحن "فسنجون" قدمه لبريمر) ، فقد صرح قبل أيام أن إيران لن تتدخل في الشأن العراقي بعد رحيل القوات الأمريكية!!، عجيب ... يظن هذا المعتوه أن العراقيين سذج إلى الحد الذي يصدقون فيه هذا الهذيان ، فإيران موجودة على أرض الواقع منذ 2003 ، والسفير الإيراني هو صاحب الحل والربط ولاصوت يعلوا على صوته في العراق ، وجلال الطالباني يجتمع بممثل الولي الفقيه (قاسم سليماني) على الحدود ليتلقى منه الأوامر ، كل هذا يحدث تحت أنظار الأمريكيين ، وهم من فضح هذه الحقائق بوثائق ويكيليكس ، طيب ... إذا كان الولي الفقيه يحرك حكومة (القامّة والزنجيل) بـ (الريموت كونترول) والأمريكيون في العراق ، فماذا سيفعل عندما تفرغ الساحة له؟!، لكنني أجزم بأن الأشيقر كان يطمئن نفسه وليس الآخرين ، فهو أشد خوفاً على مستقبله ، لأن المتوقع أن يكون كرسي حكومة (القامّة والزنجيل) من نصيبه في الدورة القادمة ، حسب صفقه أبرمها مع نوري المالكي برعاية إيرانية!!، لكن تبدل الظروف قد تلغي الأتفاقات السابقة ، لتحل محلها خطط جديدة تخدم المصالح الإيرانية.

 

أما نوري المالكي فقد وقع آسيراً لمخاوف وضعته بين سندان البعثيين وفكرة الأنقلاب العسكري التي سلبت منه النوم ، وبين مطرقة إيران ، فشن حملة أعتقالات طالت البعثيين (العسكريين منهم بصورة خاصة) ، بإيعاز من إيران ومباركة أمريكية ، وهي ضربة أستباقة غايتها أضعاف حزب البعث داخل العراق ، لكن الوضع بالنسبة للمالكي لم ينتهي عند هذا الحد ، رغم وجود قوة عسكرية أمريكية في الكويت للتدخل السريع ، وخمسة عشر ألف جندي أمريكي يتمركزون في بغداد بحجة التدريب وحماية السفارة الأمريكية ، فهناك قضية مستقبل إيران في المنطقة وأستفرادها بالساحة العراقية ، فالأحداث الجارية في سورية ستؤثر على إيران سلباً أذا ما أنتهى الأمر بسقوط نظام بشار الأسد ، لأن إيران ستفقد نظاماً قوياً حليفاً لها وداعماً رئيسياً لحزب الله الذي يعتبر الذراع الطويل لإيران في لبنان ، ولهذا بدأت إيران بتحريك الأوضاع في البحرين من جديد كوسيلة ضغط تساوم بها على سورية ، وبالنتيجة فأن زوال نظام العلويين في دمشق سيؤثر على ثبات إيران في المنطقة ، وبالتالي تنعكس على سياستها في العراق ، وكما أسلفنا أن علاقة إيران بعملاءها تربطها المصالح والأجندات ، فأذا ما دعت الحاجة للتخلص من المالكي (مثلا) فلا يحسب لديهم غير كلب أجرب (أجلكم الله) يستحق الموت ، والشيء بالشيء يذكر أن الولي الفقيه أرسل (محمود هاشمي الشاهرودي) ليسحب بساط المرجعية من تحت مقعد السيستاني ، رغم إن الآخير فارسي وقدم خدمات كبيرة لإيران ، لكن المصلحة الإيرانية تستوجب رمي السيستاني بالقمامة ، كما وأنه من غير المستبعد أن يصل الدور إلى الولي الفقيه ليسحق الأيرانييون على رأسه بأحذيتهم ، خصوصاً أن الظروف الحالية مناسبة لمثل هذا التحرك ، مثل الخلافات الكبيرة بين نجاد وخامنئي ، وأعتراف الأمم المتحدة بمنظمة مجاهدي خلق في العراق ، أزدياد حنق العرب على إيران ، تحركات واسعة من المعارضة الأحوازية ورغبة الشارع الإيراني في القضاء على نظام ولاية الفقيه ... إلخ ، فماذا سيكون مصير نوري المالكي لو أن هذا حدث؟!، على هذا الأساس جاءت زيارة نوري المالكي إلى أمريكا في هذا الوقت ليضرب على الحديد وهو ساخن ، فتثبيت العلاقات مع أمريكا ضرورية لبقاءها على الخط وقريبة منه ، أولاً ... ليثبت لإيران أنه مطلباً إمريكياً وبذلك يضمن عدم أنقلاب الولي الفقيه عليه ، لإن إيران لاتقترب أبداً من المصالح الإمريكية ، كذلك سينظر له الإيرانيون كحلقة وصل بينهم وبين البيت الأبيض ، وثانيا ... أن أمريكا مضمونة البقاء أكثر من إيران ، فإذا ما حدث أي شيء للنظام الإيراني فأن لديه جدار آخر يحمي ظهره ، ومن الملاحظ أن المالكي يلعب على الحبلين في نفس الوقت ، فهو يوقع الأتفاقات الصناعية والتجارية مع إيران ويفتح لهم السوق العراقية على مصراعيها ويطلب من الأمريكيين أن يستثمروا أموالهم في العراق ويقيموا مشاريعهم على ارضه ، كما أنه يدعم موقف إيران تجاه أحداث سورية ويحذر من أن التغيير في سورية سيؤدي إلى حرب أهلية !!، لكن في أمريكا غير موقفه وأعلن عن دعمه لرغبة الشعب السوري في التغيير لأنه ببساطة يغازل أوباما بهذا الموقف ، وفي مجال آخر ينفي أن يكون العراق منطلقاً لهجوم يستهدف إيران وبنفس الوقت يذهب لزيارة قبور الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق!!، هذا التناقض يدل على أن المالكي يحاول أن يسترضي جميع الأطراف بكل السبل المتاحة ، الكذب ، التملق ، الدجل .. إلخ.

 

القضية ليست أزمة سياسية وأنما أزمة شرف ، فالشريف يضع نصب عينه القضية الوطنية قبل أن يلتفت لقضاياه الشخصية ، رحم الله الشهيد صدام حسين فقد قال "أن أولادي لايخطرون على بالي بقدر ما أهم بقضية العراق"، رحم الله أهل الغيرة والشرف.  

 

 

بلال الهاشمي

باحث في الشؤون الإيرانية والتاريخ الصفوي

http://alhashmibilal.blogspot.com/

alhashmi1965@yahoo.com

١٧ / كانون الاول / ٢٠١١

 

 





السبت٢١ محــرم ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٧ / كانون الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بلال الهاشمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة