شبكة ذي قار
عـاجـل










اثارني مقال لاحد كتاب بلدي ممن تنكروا لامتهم ودينهم , وتبرعوا مع الغربيين والحاقدين للهجوم على العرب وعلى الاسلام . فهذا الكاتب شن هجوما على العرب , انهم قوم اعتادوا الغزو والسلب , وعندما جاء الاسلام وجههم محمد ـ بدون احترام او تسليم عليه كما هي اخلاق المسلم ـ وجههم الى خارج الجزيرة العربية ليمارسوا الغزو على اقوام غير عربية . ليس غريبا ما نشهده اليوم من هجمة على الامة العربية وعلى الفكر القومي , اذ تعرضت الامة ما لم تتعرض له امة اخرى . لماذا ؟ لو كانت الامة والوطن خارج مساحة القارات الثلاث التي تشكل قلب العالم القديم , هل يتذكرها احد او يعيرها اي اهتمام ؟ واقول لمن يؤمن بالله وحكمته , ما السر وراء انزال الديانات السماوية على هذه البقعة من الارض . ولماذا كان اختياره الانبياء من اهل هذه البقعة الجغرافية ايضا ؟ هل لان اهل هذه البقعة متخلفون كما يدعي البعض ؟ ولو كانوا متخلفين لما اسند لهم مهمة نشر رسالات السماء الى الاقوام الاخرى .


البعض ينكر ما للعرب من فضل وقيمة في التاريخ الانساني , ويصف العرب بالتخلف والجهل , ولكن هل كانت الامم من حولهم احسن حالا منهم ؟ ام كانوا امثالهم بالسلوك والمعرفة ؟ . كل المعلومات التاريخية تفيد ان العرب في الصحراء كانوا يجيدون التجارة والحساب ومعرفة النجوم واشياء من الطب , وتفاعل اهل مكة مع الامم من حولهم سواء مع الروم او مع الفرس او مع الاحباش , وعرفوا الكثير من المعلومات وتفاعلوا معها . ولو كانوا متخلفين كما يروج البعض لما تعامل معهم الاخرون من الامم الاخرى . اما انهم كانوا يمتهنون القنص والغزو , فهذا السلوك كان سمة الامم الاخرى , ولماذا جاء اليونانيون الى بلادنا ؟ ولماذا جاء الرومان اليها ايضا وكذلك الفرس والترك وغيرهم , فالغزو كان سمة ذاك العصر وما زال الى يومنا هذا . فلماذا يتهم العرب بهذه السمة لوحدهم ؟ .


جاء الاسلام فحارب بعض العادات السيئة , واقر العادات والتقاليد الحسنة وبهؤلاء القوم انتشر الاسلام وكانوا من ارقى الدعاة الذين تمكنوا ان يمتلكوا النفوس والعقول , فدخلت الامم في الاسلام , وقليل منهم من دخل خوفا من دفع الجزية , رغم ان الجزية كانت لضمان امنهم وتوفير مستلزمات حياتهم . والتاريخ يذكر رسائل الخلفاء الراشدين لجيوشهم ومنها رسالة ابو بكر الصديق التي اكد فيها على عدم التعرض للانسان ومنهم الشيوخ والنساء والاطفال , وعدم التعرض للمعابد الدينية ورجال الدين من الديانات التي سبقت الاسلام , حتى انهم لم ينسوا عدم التعرض للاشجار المثمرة وعدم توسيخ الانهار . كل ذلك دليل على تقدم هؤلاء القوم وانسانيتهم الذين كرمهم الله بحمل اعظم الرسالات .


عند استذكار التاريخ نجد انه لاتوجد امة في العالم تعرضت للتحديات كما تعرضت الامة العربية , ولاتوجد تجربة نهضوية تعرضت للهجوم والتشويه كما تعرضت التجربة العربية . هل هو لقصور في رسالة الامة , ام لجهل الامة بمستلزمات النهضة والتقدم او التعامل مع مستجدات العصر ؟ . للوقوف على ذاك الواقع نجيب على بعض الاسئلة الانف ذكرها .


عندما قامت الدولة العربية الاسلامية الاولى في التاريخ ,حسب تعبير الجغرافي البريطاني ( هالفورد ماكندر ) كانت امبراطورية امتدت من اطراف قارة اسيا شرقا الى ابواب فرنسا غربا , وقد ضمت تلك الدولة شمال الهند ووسط اسيا وايران الى جانب بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا . هذه الامبراطورية التي امتدت على ثلاث قارات شغلت العالم القديم , حيث سيطرت على المحيطات والبحار , كانت امبراطورية تحررية لا استعمارية , تقدمية لا رجعية , انسانية لا شوفينية , منفتحة لا منغلقة . كانت امبراطورية الخير والنماء والتقدم والوحدة , خلاف الحضارة الغربية التي وصفها الفيلسوف الفرنسي ( روجيه غارودي ) بانها قائمة على القرصنة البحرية وعلى ايديولوجيا السطو . الامبراطورية العربية ـ كما عبر ماكندر ـ حررت الشعوب من التعسف الروماني وظلمهم , ومن التعسف الوثني الفارسي , كما انها كانت ذات نظام ديمقراطي لا مركزي بمفهوم العصر الحديث , حيث انتقلت عاصمة هذه الامبراطورية من المدينة المنورة الى دمشق وبغداد والقاهرة والاندلس , لم تتعدى على شعب من الشعوب , ولم تحتقر قومية او دينا او مذهبا , بل احترمت الاديان والمذاهب ومنحت معتنقيها حرية العبادة والاعتقاد , وتفاعلت مع نتاجات الامم الحضارية فاخذت عنهم العلوم وطورت على نظرياتهم العلمية ونقحت بعضها , واضافت على جزئياتها , واعطت الكثير للاخرين ولا سيما الغربيين . ورغم هذا قابل الغرب هذا العطاء بالاساءة ونكران الجميل , فصدرت عشرات الكتب المسيئة للعرب والاسلام . ولنا ما قالته المستشرقة الالمانية ( زيغرد هونكه ) خير دليل على ابداعات العرب فقالت " ان الطفرة العلمية الجبارة التي نهض بها ابناء الصحراء من العدم , لمن اعجب النهضات العلمية في تاريخ العقل البشري .وان هذا الشعب الصحراوي حمل لواء النهضة الفكرية في العالم بسرعة البرق , وقبض على صولجان السيادة الثقافية في العالم , وظل ابناء الصحراء حاملين هذا الصولجان من دون منازع مدة لا تقل ثمانية قرون , وان انتصاراتهم المتلاحقة التي جعلت منهم سادة للشعوب المتحضرة في هذا العصر لفريدة من نوعها لدرجة تجعلها اعظم من ان تقارن بغيرها , وان ما حققه العرب لم تستطع ان تحققه شعوب كثيرة اخرى ."


لقد قابل الغرب عطاء العرب في الاندلس بالنكران , وتم تشريد العرب ومعهم اليهود نحو الجنوب .ولو استعرضنا التاريخ لوجدنا ان الغربيين جاؤوا الى ديار العرب غزاة طامعين في ارضهم الاسترتيجية ,وعندما سعى محمد علي باشا والي مصر ان يوحد بلاد الشام مع وادي النيل , تكالبت عليه دول الغرب لاخراج قوات ابراهيم باشا من بلاد الشام , ومن ثم تحجيم دورة الوحدوي والنهضوي .


ان العرب الذين يمثلون الاديان والمذاهب لا يعرفون الحقد ولا الانانية ولا التعصب الديني او المذهبي او القومي , انما اساء الحكام التابعين للغرب لسمعة العرب , لانهم حكموا باسم الدين تارة , او باسم القومية المتعصبة تارة اخرى , او باسم المذهب كما هو الان . فالظلم الاتي من الغرب معروفة دوافعه , اما الظلم الاتي من الاقربين فهو اشد ايلاما , لان الذي يخلع عنه جلده يصبح عاريا ولا يشعر بالامان والدفئ في الحياة الدنيا .

 

 





الاحد٢٢ محــرم ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٨ / كانون الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. حسن طوالبه نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة