شبكة ذي قار
عـاجـل










1


عندما أوشك الصبر الجميل حيال أرزاء الموت أن ينطفئ لجأ البغداديون إلى كتابة الأسماء والعناوين وأرقام الهواتف علي (أفخاذ) أبنائهم فتية وشباباً، تحسباً من عواقب (المجهول) اللاحقة، فالغياب الأبدي أصبح ظاهرة يومية، تعبر عنها جثث الشهداء المتناثرة في أنحاء العاصمة وأطرافها، هكذا أصبح الحال في العام 2006 لدى أهل بغداد وسكان المدن، أنهار الدم تتدفق في كل زاوية ودار، في الشوارع والساحات، فيما تتوالى النازلات على أفئدة الأمهات حزناً مقيماًً.


2


التتار الجدد حملة البنادق والسيوف، وفرق الموت يداً بيد مع الأمريكي المحتل، يلاحقون الضحايا من بيت إلى بيت، يحصدون الأرواح. وعلى الضفة الأخرى من نهر الموت تتنوع أدوات الردى وفنون القتل: بالمثقاب الكهربائي مرة، وبالسموم البطيئة مرة أخرى، وبالمقاصل وقطع الأعناق مرة ثالثة، تنفتح بوابات الغياب، فتبتلع الأقبية السرية، والسجون والمعتقلات، آلافاً مؤلفة من جميع الاعمار: صبية وفتياناً، رجالاً ونساءً، وتمتد أيادي الفرق الآثمة إلى الأمهات والأطفال، اغتيالاً وقتلاً وتغييباً.


3


قلق ما بعد الموت، مكابدة لا مثيل لها في التاريخ الإنساني، تلك التي ملأت البيوت بالأحزان والمخاوف، خشية ضياع هوية الأبناء، بعد أن شاعت ظاهرة الجثث المجهولة، فكل الذي يبقى من الضحية جسد مشوه أو كومة من أشلاء مبعثرة، فابتكر العراقيون ولأول مرة في تاريخ الموت، الكتابة على الجسد، عن طريق حفر الأسماء وتثبيت العناوين على أيدي الأبناء من الفتيان والشباب وسيقانهم وصدورهم، للاستدلال عليهم في حال تعرضهم للقتل والتشويه، في رحلتهم اليومية إلى العمل أو المدرسة أو الجامعة .


فالكتابة هي الفرصة الأخيرة، في تعرف ذوي المغدورين على أبنائهم من بين الجثث المجهولة الهوية خاصة بعد شيوع ظاهرة التشويه باقتلاع العيون وانتزاع الرؤوس.


4


أوصلت حكومتا الاحتلال الثالثة والرابعة، مواطني العاصمة إلى حافة الجنون جراء المأزق المأساوي الذي لم يعد بوسع مواطن أن ينفلت منه، وليس ثمة من خيارات متاحة أمام العراقيين إلا الاختباء أوالهجرة أو الموت، بعد أن أصبح الموت الذي يفرون منه قائماً في كل مكان، جهاراً نهاراً، في المنزل، العمل، الجامعة، المسجد، إذ تنقض فرق القتل الجوالة، كما الوحش الضاري، حاملة الموت إلى المنازل والأسواق والمدارس والجامعات، حتى بات الإنسان (الحيّ) قتيلاً، والقتيل (حياً) إزاء هذه التبادلية المتعسفة، أضحت بغداد (مدينة السلام) جحيماً مستعراً بأنواع الفواجع والارزاء كلها، عبر فنون التقتيل وضروب التشويه: (فقء العينين، اقتلاع الأسنان، تهشيم الفكين، اجتذاع الأيدي، تقطيع الأطراف، اجتثاث فروة الرؤوس، ثقب العظام بالمثقاب الذي اقترن استخدامه باسم وزير الداخلية جبر صولاغ).


5


المحظوظ من هؤلاء الضحايا من يلفظ أنفاسه في أول مرحلة من مراحل (التقتيل) أو المسلخ (المصلخ) بلغة العراقيين؟!!


6


بحوزة منظمات حقوق الانسان؛ قاعدة معلومات تفصيلية تضم وثائق وبيانات وأشرطة فيديوية، توثق جرائم تعذيب العراقيين وقتلهم وتغييبهم، لاتزال تتصدر تقاريرها الدورية تنشر بانتظام حتى اليوم

والسلام على الشهداء ..

 

 





الثلاثاء١٦ صفر ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٠ / كانون الثاني / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عبد الستار الراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة