شبكة ذي قار
عـاجـل










تاريخ الشعوب المكافحة وحركات التحرر الوطني والقومي زاخر بنماذج ايجابية من رجال تلاقت في شخصياتهم الشجاعة والإيمان والفكر العميق المعبر عن فهم ووعي بجدوى الحياة في شقها الايجابي الباقي كأثر ثابت البصمات في سفر المواقف لأن الإنسان موقف، و إلا فهو محض كائن حيواني يقضي وطر حياته المقررة ربانيا ويغادر.

 

بناء الإنسان غاية ووسيلة في برامج وإيديولوجيات القوى والحركات والأحزاب الثورية، لأن هكذا بناء متكامل فكريا وعقائديا وسلوكيا، هو الطريق الوحيد لتحقيق غاياتها الشريفة, الوطنية أو القومية, وغايات التحرر والانعتاق والاستقلال وامتلاك المصير الحر. وقد كان حزب البعث العربي الاشتراكي رائدا في وضع الإنسان كقيمة عليا من حيث كونه غاية ووسيلة في الاقتراب من تحقيق أهداف الأمة في الوحدة والحرية والاشتراكية. وكانت تجربة بناء الإنسان من بين ابرز سمات التجربة البعثية في الحكم 1968 -2003 حيث وضعت عملية تنمية الإنسان العراقي عموما والبعثي بشكل خاص كمعلم جوهري من معالم التغيير الثوري في العراق تعبر بشكل لا لبس فيه عن صدق البعث وقدراته الإيديولوجية على إحداث التغيير الثوري ونقل الفكر والمبادئ إلى ميادين الإنتاج الفعلي.

 

ولكي لا ابتعد كثيرا عن هدف هذا المقال عبر الإيغال في تقديم واستهلال لا بد منه، فإنني سأطرح الهدف الأهم مما ارتجي الوصول إليه: إن الإنسان العراقي البعثي قد صمد صمودا أسطوريا وتحدى إيران وهو أسير في أقفاصها ومعتقلاتها الوحشية ولم يذعن أو يهادن أو يستسلم قط ... ولا يمكن لهكذا بعثيين رساليين مرابطين وثابتين على المبادئ أن يضعفوا أو يهنوا وهم يواجهون ظروف الهجرة واحتمالات ضغوط مخابرات الدول المضيفة. وإن مَن يتخبطون في صيد المياه العكرة ينقصهم الوعي والمعرفة بهذه الحقيقة الساطعة المبرهنة المثبتة أو إنهم, وهذا هو الأرجح, يحاولون فصم الصلة بين الأمس القريب الذي ما زالت أحداثه وشخوصه حية تتحدث وتعلن عن نفسها رغم ضيق المساحة المتاحة لها للإعلان وبين مرحلة ما بعد عهر الاجتثاث لفكر وتنظيمات البعث الذي تبنته أميركا الغازية وأزلامها الطوائفيون والعرقيون وتجار الدولار من المنافقين والطارئين على معاني العقيدة والإيمان.

 

تشكلت الشخصية الرسالية للبعثيين في العراق عبر غرس ثوابت النضال والجهاد والصبر والمطاولة والتضحية والوطنية والروح الوحدوية القومية وتكليل كل هذه القيم والمفاهيم بعبق الإيمان بالله سبحانه وتعالى  في سلوكية ونفسية وعقلية الإنسان. وكانت ميادين البناء والتدريب العسكري تتداخل بطريقة مدروسة لتتوحد إرادتي الارتقاء والاستعداد الجهادي عبر ممارسات العمل الشعبي في معسكرات شهدها العراق عرضا وطولا لبناء مدارس ومستشفيات وإصلاح أراض زراعية وشق جداول وانهار وترع لمياه السقي وحملات زراعة أو حصاد لمحاصيل صناعية وغذائية  في أضخم عملية شعبية ثورية لتغيير حال العراق المتخلف, ومعسكرات تدريب الجيش الشعبي الذي شكل ظهيرا وعمقا سوقيا شعبيا عظيما لجيش العراق الوطني والتحق بها جميع البعثيين في كل العراق في دورات وتشكيلات تواصلت من بداية السبعينيات وحتى يوم الاحتلال المجرم فضلا عن الالتحاق الإلزامي بالخدمة العسكرية لكل شباب العراق. وترافقت هذه الفعاليات مع برامج توعية وتثقيف مكثفة يشرف عليها ويديرها قيادات حزبية مثقفة ومتفاعلة ميدانيا مع الفعاليات التعبوية والتحشيدية الجماهيرية العظيمة.

 

المشاركة الجماهيرية الواسعة في البناء الذاتي والبيئي للإنسان أعلاه تأطرت أيضا بتجارب التنظيمات النقابية والمهنية التي أطرت كل شرائح المجتمع وتعاطت وعمقت مفاهيم ثورية عقائدية مبرمجة للارتقاء بوعي الإنسان وأدواره الوطنية والقومية ولإنتاج الإنسان المنتمي العقائدي وخاصة البعثيين الرساليين منها منها على سبيل المثال لا الحصر:

 

( البعثي أول مَن يضحي وآخر مَن يستفيد _ عهد البطولة _ القومية حب قبل كل شئ _ الإسلام ثورة لا يفهمها إلا الثوريون _ كان محمد كل العرب محمد فليكن العرب اليوم كلهم محمد _ امة عربية واحدة ... ذات رسالة خالدة _ وحدة .. حرية.. اشتراكية _ صار الشعب شدة ورد والريحه بعثية )

 

وقد تفاعلت هذه الأسس والمبادئ والقيم فأنتجت آلاف البعثيين الرساليين الذين يقدمون العقيدة على الروح ولديهم الاستعداد للتضحية بالغالي والنفس بما في ذلك الروح والولد والمال من اجل المبادئ وموقف الشرف الوطني والقومي وهم رجال انصهرت كياناتهم وحياتهم ومصالحهم بالبعث والعراق والأمة وقضاياها المصيرية.

 

وشارك البعثيون كلهم دون استثناء في معارك قادسية صدام المجيدة 1980 – 1988 أما كجنود وضباط في جيش العراق الباسل أو ضمن قواطع الجيش الشعبي (ثم شاركوا ببسالة نادرة أيضا في معركة الحواسم ضمن تشكيلات شجاعة أخرى مثل جيش القدس العراقي وتشكيلات فدائيو صدام التي تزاحم شبابها مثل الأسود الكاسرة في التصدي لآلة الغزو المجرمة من أم قصر حتى ساحة الفردوس ببغداد. وهم نفسهم مَن شكل فصائل المقاومة التي هزمت أميركا في صفحات جهادية ملحمية من معارك لم تتوقف قط).

 

في معارك القادسية التي صدت ريح الطائفية الخمينية الصفوية الفارسية المجرمة عن العراق والأمة, وقع الآلاف من البعثيين أسرى عند الجانب الإيراني وقد لقن هؤلاء البعثيون الفرس دروسا فريدة في الوفاء للعراق والأمة وفي الثبات على مبادئ البعث و الإخلاص للقائد التاريخي صدام حسين ورفاقه الغيارى رغم تعرضهم لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي التي ما شهد لها العالم مثيلا من قبل.

 

كان البعثيون الرساليون الاسرى يخرجون من جولات التعذيب بالجلد بالعصي والكي بالكهرباء والحبس الانفرادي في الحمامات لشهور طويلة مع سوء الغذاء المقدم وانعدام الخدمات الصحية ليمارسوا حياتهم الحزبية التنظيمية في اجتماعات حزبية نموذجية يرددون فيها شعار الحزب المعروف عند البدء وبعد الانتهاء وكأنهم يعيشون حياة طبيعية في قرى ومدن العراق وكأنهم أحرار لا تنز جلودهم وأظافرهم وأعضاءهم التناسلية دماء وحروقا من آثار التعذيب.

 

ليعطني أي إنسان في الكون نموذجا واحدا على حزبيين مؤمنين رساليين كهؤلاء .. وأتحدى أي من أقزام الطائفية ودعاتها أن يكونوا قد استحضروا هذا السلوك الإنساني الحزبي والسياسي الفريد، بل والأسطوري وهم يلطخون صفحات الفيس بووك والانترنيت بلغوهم وتخريفهم، بل إننا على يقين إن بعضهم لم يسمع به قط ... لم يسمعوا بنماذج من طراز الرفاق الأسرى الأبطال نزار السامرائي و جبار النجفي ولا عباس الكربلائي.

 

وكان البعثيون أصحاب المبادئ وشرف الموقف والرجولة الفذة يتدربون على فنون القتال كالملاكمة والمصارعة ويعلمونها لبعضهم البعض ليواجهوا التوابين المتساقطين في المعارك اليومية التي كان يدبرها ويديرها حراس السجون ويشرف عليها المقبور محمد باقر الحكيم والمقبور عبد العزيز الحكيم في العديد من الأقفاص والمعتقلات حيث يسلطون عدة توابين على بعثي واحد فينازلهم بشرف وبطولة ويقاتلهم بشراسة الأسود والنمور، حتى يسقط مضرجا بدمائه ليجهز عليه القاتل المجرم محمد باقر الحكيم أو عبد العزيز وهم يرتدون رتبهم و بزاتهم العسكرية الفارسية قاتلهم الله تعالى الى يوم الدين. وكان العديد من الأسرى البعثيين الرساليين يفقد أعضاءه نتيجة الضرب الذي يؤدي إلى تلف يصيب الكلية أو الأضلاع أو عظام الأطراف مثلا وكانت هذه الجولات هي أنماط من التعذيب الذي يمارسه الأسرى ضد بعضهم البعض وبمساندة مباشرة من حراس الأقفاص للتوابين المتساقطين وابتكره العجم لتدمير ثبات البعثيين. وقد عاد العديد من أسرانا الأبطال من أهالي الرمادي وكربلاء وبابل والنجف وميسان مثلا وهم معوقون وفاقدين للبصر أو لإحدى الكليتين أو احد الأطراف بعد احتجزوا لسنوات طويلة بعد انتهاء الحرب بسبب استخدام الحراس للسكاكين والعصي والبسامير وموسى الحلاقة وبوكسات الحديد.

 

ولم يفت في عضد البعثيون الرساليون ولم يهنوا ولم يستسلموا بل ظلوا يطرشون آذان جلاديهم الفرس بهتافات وطنية كتلك التي نرددها في العراق: بالروح بالدم نفديك يا عراق وبالروح بالدم نفديك يا صدام و امة العرب واحدة ذات رسالة خالدة رغم أن بعض المعتقلات والأقفاص كانت مبنية تحت الأرض لا ترى النور قط ولم يسكتوا رغم التعذيب والقتل وفقأ العيون وتكسير الأسنان وقطع الأعضاء الداخلية والخارجية .. هل سمع بعض أدعياء الطائفية والتصالح مع حزب الدعوة هذه الملاحم الإنسانية العجيبة؟؟ والله لو أنهم سمعوا لأنحنوا أمام عظمة البعث ورجاله من أبناء العراق عربا وأكرادا, مسلمين ومسيحيين وصابئة ويزيديين وغيرهم لا فرق قط فجامعهم الأكبر هو الوطن وعقيدة الأمة.

 

هل سمع بعض مَن يمارسون إعلام الاجتثاث المباشر وغير المباشر وإعلام التبشيع والتخوين والتشتيت الطائفي البغيض ببعض صور الثبات الأسطوري لآلاف البعثيين وقيامهم بتشكيل خلايا وفرقا وشعبا حزبية وهم في أقفاص الأسر التي يقع بعضها تحت سطح الأرض ولم يروا النور لسنوات طوال؟؟ هل عرفوا وسمعوا بأسماء رددها ويرددها سفر الشجاعة والرجولة المتفردة من أبناء النجف وكربلاء والانبار وديالى والموصل وميسان والبصرة وذي قار وصلاح الدين ممن قادوا تنظيمات البعث في إيران وهم أسرى وتحت وطأة التعذيب المتوحش؟

 

لو كانوا سمعوا واعتبروا واتعظوا لما خونوا بعض رجال البعث من اسود القادسية وأسراها لمجرد أنهم يعيشون ضيوفا في هذا القطر العربي أو ذاك وهو يقيم علاقات مع إيران..ألا ليخسأ المتهافتون..لأن مَن لم يرضخ لإيران وأجنداتها وهو جريح ممزق الجسد أو أسير بلا حول ولا قوة إلا إرادته العروبية البعثية وغيرته القومية.. فكيف يسقط في حبالها وهو حر طليق وأمامه كل حدود الأرض مفتوحة وبوسعه على اقل تقدير أن يعود إلى ارض العراق حيث مالنا الأخير ومرابض قيادتنا ومقاومتنا الباسلة؟؟ إن رفاق البعث المعروفة أسماءهم وغير المعروفة كلهم من أبطال القادسية ومنهم من فقد عضوا طاهرا من أعضاءه كساقه مثلا ومنهم من مازالت جروحه تنفتح بين حين وآخر وشظايا الفرس ما زالت توجع عينه وصدره ورأسه ومنهم من ظل محجوزا في أقفاص الأسر النازية الإيرانية أكثر من عشرين عام. إنهم أحرار العراق والعروبة وعشاق الشهادة ورجال المقاومة والدور التاريخي في مرحلة ما بعد الغزو والاجتثاث ومعهم وخلفهم مئات الآلاف من البعثيين الرساليين الذين زرع البعث فيهم عناوين الرجولة والبطولة وبث فيهم صدام حسين وعزة إبراهيم وطارق عزيز وطه ياسين وعدي وقصي وبرزان وأبو الحسن وعواد البندر كل معاني الصبر والجلد والثبات المؤمن.

 

ألا تبا وسحقا لأشباه الرجال من المالكي إلى الحكيم إلى الاعرجي إلى مقتدى إلى الهاشمي والسامرائي وصولا إلى  الصغار الأقزام مراهقي الانترنيت والفيس بووك وقنوات الأمركة والطوائف اللاهثة خلف السلطة التي لا تحكم حتى خلفيات جلوسها والسحت الحرام المترتب على كراسي الخيانة والعمالة والارتزاق .. هؤلاء الذين لا يعرفون معنى الرباط والثبات ولا  يقدرون قيمة المبادئ والشرف والعقيدة فصاروا يسقطون على غيرهم خصالهم الرديئة دون أن يقرؤوا مواقف الأمس وأفعال اليوم التي يسطرها رجال النقشبندية وجيش الصحابة وجيش محمد وسرايا الفلوجه والطف وديالى والكوت الجهادية..

 

رجال البعث .. الذين ظلوا عراقيين عربا يقاتلون العجم بصدور عارية وهم أسرى عزل في معتقلات إيران الرهيبة, لا يمكن أن يخضعوا لإرادة ولا لتوجيه مخابرات هذا البلد أو ذاك من البلدان التي ضيفتهم بعد الغزو حيث هاجروا بدينهم وعقيدتهم وموقف الشرف ليمارسوا الجهاد حيثما كانوا لأن قبضات المخابرات ليست بسطوة حراس وجلادي أقفاص الأسر، ولأن رجالنا أحرار بوسعهم أن يعبروا الحدود إنا شاءوا والحدود ليست كأسوار قلاع الأسر في إيران قطعا.. رجال البعث الذين انتصروا على إيران في القادسية عربا وكردا وسنة وشيعة ومسيحيين وشبك وصابئة ويزيدين قادهم صدام حسين وعزة إبراهيم وكلا الرجلين ما زال يقودهم بأطياف الروح الخالدة ونبض العقيدة وبسيف الجهاد والمقاومة المنتصرة بإذن الله.

 

البعثيون الرساليون يعجزون الاجتثاث والتبشيع والشيطنة وينتصرون بعون الله في داخل العراق وخارجه لأنهم يقبضون على دروب الحق والفضيلة ويتمسكون بوطنيتهم وقوميتهم ويتنفسون بأريج الوفاء لشعبهم و لشهدائهم وأسراهم ويتمسكون بإستراتيجية التحرير والاستقلال وبنموذجهم الثوري القومي التحرري الاشتراكي الذي عليه تتعلق الآمال والرجاء والطموحات العربية كلها.

 

 





الثلاثاء١٦ صفر ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٠ / كانون الثاني / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة