شبكة ذي قار
عـاجـل










العروبة هوية وانتماء وولاء تتضافر في تعريفها عناصر تاريخية وثقافية وعرقية وحضارية معروفه شأنها شان كل التكوينات البشرية التي عرفها الإرث البشري منذ ولادته الأولى المقرة دينيا طبقا لما أورده الخالق جل شانه وتعالى في عرشه الكريم سبحانه في الرسالات الربانية أو تلك التي تنظر من زاويتها عبر النظرية العلمية بغض النظر عن قبولنا لها أو رفضنا. العروبة تشكيل بشري لا يختلف اثنين في الإشارة إليه باسمه وعنوانه والرقعة الجغرافية التي ترسخت فيها ولادته وسفره الممتد إلى الأزل . وهي بهذا التجريد المبسط لا تواجه مشكلة مع احد مثلها مثل الأقوام الأخرى التي قطنت الصين أو الهند أو بلاد فارس أو بلاد الأناضول أو الجنس الأسمر الإفريقي أو غيرها.

 

تتبلور مشاكل العروبة الراهنة أو ما سلف منها عندما تفترن بالدين و/ أو بالسياسة فتطفو على سطح العالم وكأنها نواة لازمة متكررة الحدوث تعيد إخلاف نفسها كل حين والإخلاف المعروف في علم البايولوجيا قد يكون هو الوصف الأقرب إلى استهداف العروبة بالأزمات الموضوعية أو الأزمات التي تولد من رحمها لأسباب هي الأخرى متعددة .

 

العامل الديني في الاستهداف متأت من أن العروبة قد اختارها الله لتكون حاملة لرسالة الختم الربانية وهي الإسلام الحنيف والذي جاء ليكمل كل ما هو غير تام في تشريعات صلة الإنسان بالله من حيث كونه أكمل الأديان ومسك ختامها وهذا ما جعل العروبة تتقاطع فورا مع الديانات السماوية السابقة ليس في منهجها النازل وحيا من الله سبحانه لان الأديان جاءت بتسلسل منطقي وعلمي لا يعلو عليه علم ولا منطق بل بصيغة التزمت والانغلاق والرفض ممن اعتنقوا المسيحية واليهودية على سبيل المثال وصارت قناعاتهم العقلية ومداركهم المادية والحسية غير قادرة على التجدد والانطلاق من مشروع يراه الله سبحانه انضج وأكمل مما سبقه وخاصة من هم غير عرب.

 

وعلى هذا صار على العرب لزاما أن يتحركوا في كل اتجاهات المعمورة لإبلاغ رسالة الدين الجديد وان يفتحوا البلدان ويسقطوا الإمبراطوريات ويفرضوا إرادة السماء بكل ما يحتاجه الفرض من أدوات ووسائل عقلية أو عسكرية. ونشأ عن ذلك عداء متأصل بين أرباب الديانات السابقة والبلدان المفتوحة هم يرونه عداءا موضوعيا من وجهات نظرهم ويتعاطون معه كاحتلال واستعمار وترتبت عليه ثارات لامناص من بقاء جذوتها مشتعلة إلى يوم الدين والعرب كانوا وما زالوا يتعاطون معه على انه أداء لرسالة مقدسة كان واجب وأمانة حملها يقتضي ما اقتضاه.

 

هذا جانب فقط من جدلية الخلاف الناتج عن الدين وجانبه الآخر يكمن في بعض العرب المسلمين الذين اخذوا فلسفة أممية الإسلام وتبنوها فصارت العروبة بالنسبة لهم جسرا للعبور إلى تلك الأممية فاعتنقوا سياسة تدعوا إلى الوحدة الإسلامية وهي وحدة لا يعترض عليها العرب أصلا لكنهم يرفضون أن تتحقق على حساب حقهم السياسي في الوحدة. وأخذت هذه الإشكالية قوتها وخطورتها كعامل خلاف وشرذمة للموقف العربي عندما تبنى العرب المسلمون تفسيرات فقهية ولغوية وفكرية في فهمهم للقران المجيد وللسنة النبوية تحولت من قراءات مستنيرة واجتهاد ايجابي إلى خناجر تمزق وجود العرب عندما جندها البعض لتكون مفاتيح سياسية عبر تأسيس الأحزاب الطائفية المختلفة.

 

أما الجانب السياسي في مصادر الخلاف فهو يبرز مع توق العرب الحديث والمعاصر إلى إعادة توحيد بلادهم التي مزقتها إفرازات ونتائج الاحتلال الفارسي ومن ثم الاحتلال العثماني واستثمرتها بدهاء محسوب الدول التي انتصرت في الحرب الكونية الثانية فمزقت العرب إلى دول صورية على حدود وهمية مصطنعه وأبقتها تحت السيطرة السياسية والاقتصادية رغم الزعم باستقلالها لأسباب تتعلق بالثروات التي حبا الله بها ارض العرب . كان من بين نتائج تداخل وتفاعل جانبي العداء الديني والسياسي للأمة العربية هو إقامة الكيان الصهيوني في ارض فلسطين لتبقى الدولة الصهيونية سرطانا ينخر جسد الأمة ويديم عوامل ضعفها وانحطاطها ولتبقى البقرة التي تجهز أعداء العرب بمقومات نماءهم وازدهارهم وهي لا تمنح ولا تعطى إلا القوت الذي يبقيها حية تهب الحليب . وما زالت حركة السياسة المعادية للعرب وتعبيراتها الاقتصادية والعسكرية تأخذ مدياتها العدوانية كلما لاحت في الأفق ممكنات نهوض عربي يقرب العرب من حلمهم الوحدوي الذي تنطلق منه كل فرعيات التطور المرتقبة.

 

امتدت خلافات العرب الذاتية وبتأثيرات مرئية وغير مرئية من الأعداء التقليديين الدينيين والسياسيين طبقا لما أوضحنا أعلاه لتتجسد بانشطارهم أفقيا وعموديا إلى تيار قومي يضع وحدة العرب وحريتهم واستعادة حقوقهم التي استلبها أعداءهم عبر مراحل الصراع الممتدة إلى زمن ما بعد الفتوحات الإسلامية التي نفذها وقادها العرب , امتدت لتتبلور بصيغتها السياسية المدمرة عندما أسس بعض العرب المسلمون أحزابا طائفية تؤمن لدعاتها ومؤسسيها استخدام العواطف الاثنية ومحفزاتها الايجابية والسلبية معا لتامين القاعدة الشعبية المطلوبة للانتشار وتأكيد الكينونة. والمشكلة الأكبر التي ظلت تنمو وتكبر مثل كرة الثلج هي الاستقطاب بين النهج القومي والنهج الطائفي الديني السياسي هي الخلاف على جانب سياسي محدد يعبر عن نفسه بوضوح أحيانا ويتخفى خلف شعارات باهته أحيانا أخرى ألا وهو الخلاف على الوحدة العربية .

 

إذن .. لا مشكلة للعروبة مع الاسلامويين بقدر التعلق بأصل تعريفها المجرد عن توقها ونزعتها السياسية الوحدوية ولا مشكلة مع العروبة عند القوميين لا من حيث التعريف ولا من حيث صلتها الروحية المفروغ منها بالدين.فالقوميون , المتدين منهم والعلماني المؤمن منهم , لا يتقاطعون مع الدين لأنهم أصلا إما مسلمون أو من ديانات أخرى موحدة لله جل في علاه والعرب المسلمون عندما يتعاطون بالعلمانية المؤمنة فهم يعبرون عن جوهر تعاطي الإسلام الحنيف مع باقي الأديان وأهلها فضلا عن الانفتاح على المدنية وعواملها المتجددة. غير إن الاسلامويين يقفزون فوق الهوية القومية أو يتجاهلونها حيث يصهروها ضمن الهوية الإسلامية الأممية التي يناشدون بها وتغذى عبر أقطاب دولية معروفه أجنبية منها إيران على ضفة بخطها المتبني لولاية الفقيه التي لا يعرف جل المسلمين لها أصلا في الإسلام أو خطها المتبني للمرجعية الطائفية الحوزوية التي يجادل فيها وفي أحقية وجودها ملايين المسلمين وتركيا العثمانية على الضفة الأخرى التي يجادل في أحقيتها ملايين أخرى من المسلمين وفي مقدمتهم العرب الذين يرون بالحكم العثماني على انه ليس حكم خلافه إسلامية بقدر ما كان استعمارا ظالما شانه شان أي استعمار آخر.

 

حاول القوميون تطبيق نهجهم هنا وهناك من جغرافية العرب منذ بداية الاستقلال الصوري لدولهم التي ابتكرها سايكس وبيكو غير أنهم أخفقوا لان توحيد الجغرافية والإنسان العربي لا يخدم الغرب المتوحش لاستثمارات شبه مجانية في جسد البقرة الحلوب تشكل عصبا وشريان الحياة عنده ولا تخدم فكرة وجود وبقاء الكيان الصهيوني كأداة متقدم ميدانيا لإدامة تشرذم العرب وإدامة حيثيات وممكنات الهيمنة على مقدراتهم من جهة وفشلوا لمواجهتهم العقبات التي بدا بوضعها وتغذيتها التيار الطائفي السياسي بأحزابه وتشكيلاته المختلفة. غير إن لحظة الزمن الفارقة في صراع النهج القومي مع أعداءه من الامبرياليين والصهاينة وأحزاب الطوائف قد ولدت مع انقضاض الغرب بقيادة أميركا على الدولة القومية في العراق وإقامة نظام المحاصصة الطائفية وتبني دستورا كهنوتيا طائفيا جعل العراق مقسما من الناحية الواقعية والميدانية إلى دويلات مسخ يبدو معها عودته إلى الدولة البسيطة التي كانت أمرا في غاية الصعوبة ولا تحققها إلا معجزة انتصار المقاومة العراقية بإرادة الله سبحانه وهي معجزة برهنت المقاومة العراقية قدرتها على تحقيقها بمعونة الله. إن تلك اللحظة الفارقة قد أفرزت موقفا غربيا امبرياليا صهيونيا جديدا يتجه إلى استثمار نتائج احتلال العراق وتمزيقه طائفيا وعرقيا عبر التصالح مع بعض الأحزاب الطائفية في الوطن العربي والتي أثبتت للامبريالية والصهيونية إنها عربية بلا نزعة وحدوية وإنها مستعدة للتعايش مع الكيان الصهيوني.

 

اللحظة الفارقة تلك تجعل العرب الآن أمام حروب أهلية واقتتال طائفي وديني وعرقي لا يخدم العرب في شقهم المعتنق للإسلام السياسي ولا العرب في شقهم المعتنق للنهج القومي بل يجعل منهم كلهم أدوات قتل لبعضهم واضطراب يدمر أسس الحياة المدنية والدينية على السواء ويحقق مصالح الامبريالية والصهيونية دون عناء ولا خسائر تقدمها كما حصل في احتلال العراق كنموذج يقع خارج الوصف من حيث حجم ما أوقعته المقاومة الوطنية العراقية بالاحتلال من خسائر وما زالت توقعه أو في ليبيا بدرجة اقل حيث الموت والتدمير ليبي محض بالدرجة الأولى ولا خسائر لدى الغرب بصيغة حلف الناتو إلا ببضعة الصواريخ التي دفعت الرجعية العربية الخليجية ثمنها وسقطت دون أن تنفجر أو انفجرت بعيدا عن جماجم الليبيين !. والمؤكد يقينا إن الإسلام السياسي سيحقق توقه المتهالك للسلطة سواء بالنموذج العراقي - الليبي أو بالنماذج الأخرى التي جرت في تونس ومصر أو التي ستجري لاحقا بإحدى الأسلوبين طبقا لمقتضيات الحال غير انه لن يحقق الأمن والاستقرار لان خط المواجهة سيبقى ساخنا مع النهج القومي الوحدوي كما انه لن يقترب خطوة واحدة من وهم الوحدة الإسلامية.

 

إن العربي المعتنق للنهج القومي يجد أمامه عدوين الآن هما الامبريالية والصهيونية ومن تبعهما والطائفية السياسية والعرقية بأحزابها ألمعروفه وهو يدرك حقيقة موضوعية تفرض حالها هي إن العدو الثاني في هيكله المادي الأساس عربي ..أي انه عدو من دمه ولحمه ويبقى السؤال الملح الآن هو: هل سيجد العرب ذاتهم القومية المسلمة المؤمنة يتوقها الوحدوي أم سيجدون ذاتهم المسلمة في إطارها السياسي الذي يرفع شعارا يعرف حتى من يرفعوه بأنه محض وهم لان الوحدة الإسلامية لها حضور معنوي فقط ولا يمكن أن يكون لها مشتركات حضور مادي إلى يوم الدين ؟.وهل يمكن للعرب أن يمارسوا الديمقراطية التي تجعل الإنسان العربي يقرر في نهاية الممارسة أي التهجين اقرب إلى هويته العروبية واقرب إلى واقعه الراهن والسالف فيحققون وحدتهم التي نراها قدرا لا بد له أن يتحقق ويمارسون في نفس الوقت التنافس السياسي المتمدن والمتحضر الذي يحقن دماءهم ويحمي مصالحهم كلها بما فيها الأرض في الاحواز والخليج والجولان والاسكندرونه وسبته ومليله ؟؟ . والسؤال الأخطر من بين كل التساؤلات هو كيف سيتوافق العرب مع أحزاب الطوائف التي جلبت الاحتلال ومارست إعلاما كاذبا مزورا لتسويغ فعلها المنكر الحرام وكيف يمكن لمثل هكذا أحزاب أن ترتقي إلى مستوى الوطنية الذي يحمي كياناتنا القطرية بحيث لا ينطبق علينا المثل المتداول في العراق : ما رضا بجزه .. رضا بجزه وخروف والجزة هي صوف الخروف عند قصها !!!.

 

 





السبت١١ ربيع الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٤ / شبــاط / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة