شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ ان نشأت الجامعة العربية والزعماء العرب يعقدون قممهم , ويسطرون قرارات عديدة لم ترى النور في يوم من الايام باستثناءات محدودة , وما يلاحظ على عقد القمم ان الزعماء لايحضرون الاجتماعات بدعوى مشاغلهم في اقطارهم , ويوكلون المهمة لوزراء خارجيتهم , او في بعض الاحيان الى سفرائهم او مندوبيهم في الجامعة العربية , وهذا تعبير عن استهتارهم بالقمة وبالجامعة ايضا . واذا حضروا القمة سرعان ما يغادرون مكان الانعقاد ويوكلون المهمة الى مندوب عنهم . وقد تميزت قمة بغداد عام 1978 بأنها قمة جادة , ففيها تم عزل مصر السادات , ونقل الجامعة العربية من القاهرة الى تونس , وتم رصد 12 مليار دولار لدعم اقطار المواجهة مع العدو الصهيوني , اي الاردن وسوريه ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية . وهي القمة التي حقد عليها زعماء دول الخليج العربي , وقال بعضهم " لقد حلبونا في تلك القمة " , وكانت الاشارة الى الشهيد المرحوم صدام حسين , الذي انجح القمة بدوره الايجابي الفعال , وتقدمه في البذل والسخاء من اجل قضية فلسطين , التي كانت هاجسه في الليل والنهار , ومستعد لبذل الغالي من اجلها , وتحرير الارض المحتلة من الصهاينة العنصريين .


قمة تمهد للاحتلال :
ولنا ان نستذكر قمة القاهرة عام 1990 التي رأسها المخلوع حسني مبارك , والذي فرض بالتعاون مع دول الخليج , الوثيقة الامريكية , الخاصة بفرض حصار على العراق , والسماح للقوات الاجنبية بالتواجد في الاراضي العربية وخاصة في اراضي دول الخليج , وحال دون مبادرة البعض من الزعماء لحل المشكلة بين العراق والكويت بالطرق السلمية وفي الاطار العربي دون تدخل اجنبي . وفي حقيقة الامر صارت القمم العربية مناسبة للمجاملات وتحقيق المصالح الخاصة على حساب المصلحة القومية العليا .


واذا عدنا الى تلك القمة وما تبعها من فرض حصار على العراق الذي راح ضحيته اكثر من نصف مليون انسان بين طفل وكبير في السن , بسبب نقص الدواء والغذاء ,نجد ان الاقطار العربية كانت سببا في احتلال العراق عام 2003 , اذ ما كان بالامكان ان تدخل القوات الامريكية البرية الى العراق لو لم تدخل من اراضي الدول المجاورة للعراق , وما كان بامكان الطائرات ان تقصف الاهداف العراقية لو لم تفتح الاجواء العربية امامها , اي من الاردن والكويت والسعودية , واذكر انني عندما خرجت من بغداد الى الاردن في 14/4/2003 , كانت الطريق الدولية من بغداد وحتى الرمادي مليئة بالاليات العسكرية الامريكية قادمة من الغرب اي من الاردن . وقد اضطر سائق السيارة التي تقلنا الى السير على طريق ترابية محاذية للطريق الدولية . لقد ساهمت الدول العربية في العدوان على العراق بتقديم التسهيلات الى القوات الغازية , واليوم هي الدول ذاتها عازمة على عقد القمة في بغداد , وهي جريحة تعاني من الاحتلال وما سببه لها وللعراقيين من ويلات وازمات وامراض نفسية وجسدية واجتماعية , وما سببه لها عملاء الاحتلالين الامريكي والايراني من مصائب لا تندمل بعد عشرات السنين . يأتي هؤلاء الزعماء لحضور القمة في بغداد , التي من المتوقع ان تعقد في قصر الرضوانية قرب مطار صدام ( بغداد ) , ولعدة ساعات لا اكثر , اي انها قمة بروتوكولية تنفيذا لتوجيهات الادارة الامريكية , لتثبيت عميلهم نوري المالكي , ولارضاء نظام الملالي في ايران التي تأمل ادارة اوباما الهزيلة ان تتوصل معه الى تسوية بشأن الملف النووي . كما يأمل بعض الزعماء العرب استرضاء نظام الملالي حتى لا يثير لهم مشاكل داخلية , ويؤلب شعوبهم عليهم .


ان انعقاد القمة في بغداد هي استكمال للدور التأمري الذي لعبه الزعماء العرب ضد العراق طيلة العقد الذي سبق الاحتلال . كما انه تأكيد لولائهم للادارة الامريكية ودول الغرب الاستعمارية . وهو قبول بالمخطط الغربي والصهيوني الرامي الى تقسيم الاقطار العربية على اساس ديني وطائفي وعرقي . وهو شهادة ولاء لنظام الملالي بدوره الاقليمي التأمري والتخريبي في المنطقة , وتشجيعه على ممارسة دور الشرطي في الخليج العربي والمنطقة عموما , وهو استكمال لدور الشاه من قبل . اقول ان الدماء البريئة التي سفكت في العراق هي في اعناق الزعماء العرب ممن كانوا مشاركين في المؤامرة او الساكتين عليها . ومن حق العراقيين ان يطالبوا هؤلاء الزعماء بتعويضات عن كل الذين قتلوا قبل مطالبة الولايات المتحدة وقبل مطالبة ايران الملالي ايضا , لان هذه الجهات كانت مسؤولة عن ما اصاب العراقيين من كوارث .


الجامعة وعاء وسخ :

كلنا يعرف ان نشأة جامعة الدول العربية عام 1945 كان بمقترح من دولة بريطانيا العظمى , كبديل لفكرة الوحدة العربية . وقد حرصت بريطانيا منذ عام 1905 على وأد كل فكرة حول الوحدة العربية , ففي ذاك العام عقدت لجنة " بانرمان " نسبة الى رئيس وزراء بريطانيا انذاك كامبل بانرمان ورئيس حزب الاحرار ايضا مؤتمر في لندن ضم اكثر من 200 شخصية من المختصين في السياسة والاقتصاد والاجتماع والاديان للفترة من 1905 ـ1907 لبحث الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط , وقد اصدر المؤتمر وثيقة كبيرة , ابرز ما ورد فيها " علينا ان لا ندع افكارا مجنونة كالتي راودت محمد علي باشا في مصر بالظهور ثانية " , وتعني ان لا تتيح بريطانيا للعرب ان يقيموا وحدة عربية بين اقطارهم التي جزءتها القوى الاستعمارية . ومن اجل الحيلولة دون تحقيق هذا الهدف . لان الاقوام التي تسكن في هذه المنطقة يجمعها التاريخ واللغة والمصالح , واذا ما توحدت فسوف يكون بمقدورها افشال مخططات الغرب في هذه المنطقة التي تدر لبنا وعسلا . "لابد من زرع كيان غريب بين المشرق العربي والمغرب العربي , والمقصود زرع الكيان الصهيوني في فلسطين , حتى يحول دون وحدة العرب .


منذ ذاك الوقت الجامعة العربية لم تحقق طموحات العرب في الوحدة او في التضامن في اقل تقدير , رغم ان للجامعة ميثاق يحكم عملية العلاقات بين الاقطار العربية على اساس المصلحة القومية للعرب , كما تم صياغة قوانين سياسية تعمل على حل الخلافات والنزاعات بين اقطارها , وقوانين اقتصادية تسعى الى تحقيق وحدة اقتصادية من توحيد الرسوم الجمركية , والسوق العربية الحرة , وقوانين قانونية مثل نظام الامن الجماعي العربي لحل المشكلات التي تنشب بين الاقطار العربية . فالعيب لم يكن في صياغة القوانين والمواثيق , بل العلة في التطبيق والنوايا . لم تستطع الجامعة ان تحول دون النزاعات بين الاقطار العربية كما حصل بين العراق والكويت , وبين دولة الامارات وايران وبين اليمن وارتريا وبين السعودية وجاراتها وغيرها الكثير من المشكلات التي رحلت الى الامم المتحدة والى لجان تحكيم دولية, وكانت نتائجها في غير صالح العرب .


نهوض مريب :

الغريب ان الجامعة العربية نهضت من السبات منذ عام في الاقل , اي منذ بدأت الانتفاضات العربية وبالذات في الازمة الليبية , حيث تحركت الجامعة بتوافق غير مسبوق , حيث ادانت نظام معمر القذافي , وأيدت المنتفضين عليه , واحالت الموضوع الى مجلس الامن الدولي , وايدت قراره بالتدخل الاممي في الشأن الليبي , وهو ما حدث بتدخل حلف الناتو لتنفيذ قرار مجلس الامن بحماية المدنيين , وبدلا من الاكتفاء بحماية المدنيين , اخذت بقصف القوات الليبية النظامية الى ان سقط نظام القذافي بقتله والتشنيع بجثته .


اليوم تنشط الجامعة العربية في اصدار القرار تلو القرار في الشأن السوري , واتخذت قرارات قوية , تؤيد حصار سوريه وفرض عقوبات على النظام فيها . ومثل هذه القرارات مهمة لو كانت تنطبق على الجميع , فلم نلحظ اي اهتمام بالشأن الفلسطيني , حيث تتغول السلطات الصهيونية على ابناء الشعب الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة . بالامس ووزراء الخارجية العرب مجتمعون في مقر الجامعة في القاهرة , اعتدت القوات الصهيونية على قطاع غزة , وقتلت وجرحت العشرات. وفي الجانب السياسي عطلت حكومة نتنياهو المحادثات الثنائية , باصرارها على مواصلة بناء المستوطنات في الضفة الغربية وفي القدس بوجه خاص .


الا تستحق فلسطين ان تتوقف الجامعة عندها وتتخذ قرارات مهمة وجادة للحد من الصلف الصهيوني , وتحمي ابناء الشعب الفلسطيني من الحراب المسلطة عليهم ليل ـ نهار . اليس من الواجب ان تتخذ قرارا موحدا للضغط على الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وعلى روسيا والصين , لكي يتخذوا مواقف صارمة ضد الصلف الصهيوني , واجبار الحكومة الصهيونية على تنفيذ قرارات الامم المتحدة العديدة . اليس من الواجب ان تدعم المقاومة الفلسطينية سياسيا وماديا لتواجه الة الحرب الصهيونية ؟.


ان نشاط الجامعة ازاء بعض القضايا العربية تثير الريبة والشك , وفي نتائج قراراتها نلمس انها تخدم المخططات الامريكية والصهيونية , لان النتائج الاولية لكل الانتفاضات الشعبية لا تنبئ بالخير , بل ان النتائج المتحصلة تصب في صالح القوى المعادية , ما يجري في تونس من تعصب ديني واثارة الفتنة لن يخدم الشعب التونسي الذي انتفض ضد الفقر والفساد والتسلط من نظام ابن علي , وما يجري في مصر من تخندق ديني لايخدم الشعب المصري الفقير الذي بات يفتقد الى الامن والهدؤ . وكذلك الحال في اليمن والاردن وغيرها ..


لقد شهدت الاعوام الماضية دعوات الى انشاء جامعة عربية شعبية تمثل القوى العربية الشعبية , توازي الجامعة الرسمية , وتلتزم بمطالب الشعب وتحقق اماله وطموحاته , دونما مداراة للانظمة الرسمية , التي تحرص على البقاء في كرسي الحكم اطول مدة ممكنة . اليس من الواجب ان تتداعى القوى العربية القومية واليسارية لتحيي هذه الفكرة في ظل الانتفاضات العربية لضمان مسارها , والحيلولة دون مصادرتها او ركوب موجتها والالتفاف عليها لحرف مسارها .

 

 





الخميس٢٨ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٢ / أذار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. حسن طوالبه نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة