شبكة ذي قار
عـاجـل










كان العراقي يتمنى ان تعقد القمة العربية في بغداد، فمن المتعارف عليه ان ما ينجز من مشاريع تعود بالفائدة على المواطن ويجني ثمارها بحيث يشعر بنقلة نوعية في حياته، فالمشاريع وما يتحقق ستؤول للشعب، وهذا تحديدا ما كان يحصل فالمعالم الى اليوم شاخصة والفوائد منها جمة، كانت بغداد قبل وأثناء القمم تشهد نهضة عمرانية هائلة ما تزال تلقي بظلالها على الواقع البغدادي رغم التضخم السكاني، ففوائد القمم لا حصر لها، وكل مدينة تحتضن قمة أو تجمعا هاما تحتفي وتكتسي حلة رائعة وبغداد لم تكن استثناء من هذه القاعدة إلا في هذه الايام، حيث كان الجميع يتسابق ليضع بصمة خالدة في المشاريع التي تنجز.


بغداد تستحق ان يتغنى بها الشعراء والأدباء ويتسابق ابنائها في بنائها وعمرانها، فلا غرابة ان تتحول الى ورشة للبناء والأعمار، ولا غرابة ان تكون فيها ثورة عمرانية، ولا غرابة ان ينعم شعب العراق بما ينجز من مشاريع حينما كان يزدحم بالشركات العالمية المتخصصة بالبناء وشق الطرق وإعادة تعمير المناطق التراثية وربط مناطق بغداد بشبكة من الطرق والجسور المعلقة والأنفاق المتطورة التي امتدت حتى المحافظات الأخرى.


حينها تمت إعادة البنى التحتية ومنها تجديد التأسيسات الكهربائية وشبكات الاتصالات وأنابيب المياه، وحينها تم تهديم أحياء بغدادية عريقة مثل حي (الشواكة) و(الفلاحات) و(الشيخ عمر) وجزء كبير من حي (الربيع) في جانب الكرخ، لبناء أحياء حديثة بطراز عصري حضاري، وحينها شق شارع حيفا الذي زرع جانباه بعمارات عالية حينما تبارت ثلاث شركات عالمية لانجاز العمل فيه، وحينها تم توسيع مطار المثنى وهو أول مطار عراقي ببغداد، وحينها تم بناء مطار عصري مازال غاية في الروعة والخدمات، وحينها تم بناء مجموعة من الفنادق المتطورة كان من بينها فندق الرشيد الذي تم إنشاؤه قبالة قصر المؤتمرات الذي كان من المفترض أن يجتمع فيه قادة دول عدم الانحياز، وحينها بنيت العشرات من الفلل في الأحياء السكنية الراقية كالجادرية والقادسية.


كان العمل متواصلا ليلا ونهارا في شوارع وأحياء العراق، وكم كان رائعا حين استفاق أهالي بغداد وهم يرون حبيبتهم وعاصمتهم وهي تتحول الى ورشة عمل وكم كانوا فرحين وهم يرون الالاف من الآليات الثقيلة وهي في سباق مع الزمن وكيف كانت النافورات المميزة والإعمال الفنية تضيف الى اللوحة حينما تكتمل بعدا من تراث يعتز به أهالي بغداد.


نذكر ان العمل أستمر لسنوات ما بعد القمم، ولم ترهن حكومتنا الوطنية في وقتها تلك المشاريع بموضوع عقد القمة من عدمه، فمؤتمر عدم الانحياز الذي كان مقررا عقده في 1982 لم يعقد بسبب الحرب الظالمة التي شنها الفرس تنفيذا لقرارات اسيادهم، ولكن العمل رغم ذلك استمر والى ان اكملت كل المشاريع التي كانت ضمن الخطط حيث لحقت بالحملة بناء جزيرتي بغداد والأعراس السياحيتين ونصبي الجندي المجهول والشهداء التي ما تزال شاخصة الى اليوم.


ان المشهد اليوم يجعلنا نقارن بين التحضيرات الحالية وبين التحضيرات التي شهدها العراق في بداية الثمانينيات، فكل ما حصل اليوم هو اعادة ترميم ثلاثة فنادق وطلاء عدد من الشوارع التي ستسلكها الوفود وحتى طلاء ما بني قبل عشرات الاعوام ساده الفساد في انفاق دون حساب أو مراقبة من الذات أو من الغير، لذا نجد ان الارصفة التي صفت صفا تهالكت خلال ايام وليس أشهر، والخبراء يقولون ان تكلفة بناء فنادق جديدة اقل من تكلفة طلاء الفنادق التي شيدت من قبل الحكومة الوطنية الشرعية قبل عشرات السنين، وما ذكر جزء يسير من الحقيقة.


يومها كانت القمم مفخرة وشيئا لم يكن عاديا في تاريخ الشعوب، يتسابق فيها الشعراء والأدباء لكتابة الشعر ووضع الالحان للأناشيد والأغاني الوطنية التي تمجد العراق وتاريخه وحضارته، وتتغنى ببغداد العروبة، ويومها كانت تغطي شوارع العاصمة ومبانيها الزاهية وأعمدتها الملونة الاعلام والشعارات التي تؤكد على الوحدة والتلاحم، وكم كان مؤثرا الشعار الخالد "قوتنا في وحدتنا وضعفنا في فرقتنا" الذي نجده في كل مكان وتدمع عيوننا له فأين نحن اليوم من كل ذلك؟ فهذا هو حال العرب اليوم !!


من سوء حظ وطالع العراقيين ابتلائنا بحكومة المحاصصة الطائفية، فكل يتسابق بنهب الثروات والأموال تحت اختلاق الذرائع ومن بينها القمة، ومن سوء حظ وطالع العراقيين ان يتجمع الأشرار والمنافقين والمرتدين ليتفننوا باستحداث طرق لتدمير العراق والإجهاز عليه، ومن سخريات القدر وحظ وطالع العراقيين ان يتحول قصر المؤتمرات الى ملاذ وحيد للشرذمة التي كانت في ما مضى تتهكم على بنائه، ومن سوء حظ وطالع العراقيين يقوم أعضاء الأحزاب المتنفذة بالاستحواذ على الفلل التي كانت مخصصة لإقامة الوفود والقادة.


سبعٌ وستونَ عاماً مضت على عقد أول قمة عربية منذ تأسيس الجامعة العربية، وبحسابات بسيطة سنجد ان هذه القمة ستتربع والى أبد الدهر على الرقم القياسي باعتبارها صاحبة 'الانفاق الاكبر في تاريخ القمم، فيا لبؤس تلك القمة التي شلت بغداد عاصمة الرشيد وحولتها الى مدينة أشباح، ويا لبؤس تلك القمة التي أجبرت بغداد العروبة على ان تستفيق على وجود عسكري خال من الذوق وبأخلاق وطباع صفوية غريبة عن طباع العراقيين والعرب، فليس بعراقي من يفرح بتقطيع أوصال العراق وعاصمته، ومازلنا ننحدر من سيء إلى أسوء فالغرباء يستوطنون في بغداد مدينة العلم والعلماء، مدينة السلام وبيت الحكمة.


فلا بارك الله في قمة تشرعن الاحتلال، ولا بارك الله بقمة تعمل بما تستطيع لتقدم العراق جمجمة العرب على طبق من ذهب لإيران كي تعبث بأمنه و بكرامة شعبه، ولكن هيهات هيهات، فسيبقى عراق الفلاسفة والعظماء عراق التاريخ والقانون عراق الفنون والحضارة ينبض بالحياة والعنفوان والشجاعة، فثقتنا كبيرة بالله وبحزب الرسالة الخالدة البعث الرسالي الجهادي ملح الله في الارض وبالقيادة المؤمنة بالبعث والعروبة والإسلام المتمثلة بالقائد المجاهد عزة ابراهيم قائد الجهاد والتحرير وهو يمتشق سيف الحق ويحمل مشعل التحرر ويدق ناقوس الانعتاق، وبمنطق قوة الحق نعاهدك يا بغداد ونقول لا تبتأسي فسننزع عنك ثوبك الاسود ونلبسك ثوبك الابيض، فقد عمدت ثورة تموز ومنذ انطلاقتها الى بناء جيش من العلماء حينما قررت وضع ثروة البلاد في عقول العباد لتستثمرها في يوم الشدة وهذا هو اليوم قد حان .. قال الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ان العراق جمجمة العرب وكنز الإيمان ومادة الأمصار ورمح الله في الأرض فاطمئنوا فأن رمح الله لا ينكسر ..


mmsskk_msk@yahoo.com

 

 





الاثنين٠٣ جمادي الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٦ / أذار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. منهل سلطان كريم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة