شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما يقال أن الخميني الرجيم (خلده الله في قعر جهنم) وصل إلى السلطة بمباركة وتخطيط أمريكي "يلطم" أتباع إيران وينشدون قصيدة "رهائن السفارة الأمريكية"، وهم يفسرونها على مزاجهم الطائفي ، لكن هذه القضية التي مر عليها أكثر من ثلاثون عاماً لها وجهاً حقيقياً لم يشاهده الكثيرون ، ولهذا أصبح من الضروري تقليب صفحات تلك القضية وقراءتها بالشكل الصحيح لنزيل عنها بعض الغموض ، وقبل أن نغوص في تفاصيلها سنذكر حدث تاريخي مهم ... بعد أنتهاء حكم السلالة القاجارية عام 1925 بالأنقلاب على الشاه احمد ميرزا القاجاري وقيام الحكم البهلوي برعاية بريطانية ، بدأت المشاكل تدب بين بريطانيا والحاكم الجديد رضا شاه بهلوي بعد فترة قصيرة ، وحتى يحمي الأخير ملكه ويضع خلف ظهره جداراً صلباً يستند إليه أرتمى بإحضان الشيوعية ليتقرب من روسيا ، كما أنه عمل على جذب رجال الدين إلى جانبه بمنحهم دوراً سياسياً متمثل بمجلس شورى يشرف عليه خمسة من الفقهاء!!، ليشكل بذلك ضغطاً على البريطانيين الذين عصفت بهم (في نفس الفترة) خلافات مع مرجعيات النجف المتمثلة بالنائيني والأصفهاني.

 

قضية رهائن السفارة الأمريكية هي كالأتي .. أحتجزت إيران موظفي السفارة الأمريكية والبالغ عددهم 52 فرداً لمدة 444 يوماً ، من تاريخ 4/10/1979 وحتى 20/1/1981 ، وقد أعلن الخميني الرجيم (خلده الله في قعر جهنم) أن سبب أحتجاز الرهائن هو للضغط على أمريكا لتسليم الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي الذي كان في أمريكا للعلاج ، هذا هو ظاهر القضية ، لكن ما حدث خلف الكواليس يؤكد أن للقضية وجه آخر!!، فما هو الوجه الحقيقي لها ، أول ما يتبادر إلى الذهن سؤال مهم جداً وهو .. بما أن الخميني أحتجز الرهائن الأمريكيين للمساومة على تسليم الشاه محمد رضا بهلوي (حسب أدعاءه) ، فلماذا أبقاهم لديه حتى بعد وفاة الشاه في 27/7/1980؟!، وسؤال آخر .. لماذا أطلق الخميني سراح الرهائن في نفس اليوم الذي تسلم فيه رونالد ريغان الرئاسة في 20/1/1981 خلفاً لجيمي كارتر؟!، وأخيراً .. لماذا أنتظر الخميني ما يقارب التسعة أشهر قبل أن يتخذ موقفاً معادياً من أمريكا؟!.

 

بدأت القضية عندما وصل الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي إلى أمريكا قادماً من منفاه في مصر لتلقي العلاج ، الأمر الذي أزعج الخميني وأثار مخاوفه ، فمن غير المستبعد أن يشك الخميني بنوايا أمريكية لدعم عودة الشاه للحكم في إيران!!، خصوصاً أنه لم يفي بألتزامته تجاه الأتفاق الذي خرج به المجتمعون في فرنسا ، فقد أجتمع موفودون من البيت الأبيض وجماعة الخميني في نوفل لوشاتو وأتفقوا على أقامة نظام سياسي مستقر في إيران مؤلف من رجال الدين وقادة الجيش الإيراني ، لكن بعد تسلم الخميني السلطة أستفرد بالقرار السياسي وأعدم جنرالات الجيش خوفاً من أنقلابهم عليه في المستقبل ، ولم يكتفي بذلك بل لاحق الهاربون منهم وتم أغتيالهم ، كما أن الخميني كان يخاف الشاه كثيراً ، يقول أبو الحسن بني صدر (أول رئيس جمهورية لإيران) ، "إن الخميني كان يخاف من العودة إلى إيران وقيادة الثورة بوجود الشاه ، وكان أبنه أحمد يسألني كل يوم تقريباً أن كان الشاه سيرحل أم لا"!!، وبالفعل لم يرجع الخميني إلا بعد مغادرة الشاه بخمسة عشر يوماً ، وهنا تظهر حقيقة خوف الخميني من عودة الشاه إلى إيران بدعم أمريكي ، رغم أن الأمريكيون هم من هيئوا الظروف للخميني لتسلق السلطة إلا أنه لايأمن أنقلابهم عليه كما أنقلبوا على الشاه!!، ومن هنا بدأ الخميني بالعمل على حماية سلطانه وأسناد ظهره إلى جدار قوي ، ففعل كما فعل رضا شاه بهلوي (الحدث الذي ذكرناه في البداية) عندما أختلف مع البريطانيين الذين توجوه ملكا على إيران ، فأحتضن الخميني الشيوعيين ليسند ظهره على جدار الأتحاد السوفيتي العدو رقم واحد لإمريكا ، وقد أثارت هذه الخطوة غضب بعض الشخصيات الدينية فوصف علي الكوراني الخميني بأنه "حمار أمتطاه الشيوعيون"، كما أن فرح ديبا (زوجة الشاه بهلوي) تطرقت لهذه المسألة قائلة أن حزب تودة الشيوعي عارض نظام حكم الشاه فكيف يتحالف مع الخميني!!.

 

كان أمام الخميني فكرة للضغط على أمريكا لتسليم الشاه ومحاكمته وأعدامه ، فقرر حجز رهائن السفارة الأمريكية والمساومة بهم ، وهذا يوضح لماذا أنتظر الخميني ما يقارب التسعة أشهر قبل أن يتخذ موقفاً معادياً من أمريكا ، فالسبب كان شخصياً يرتبط بخوف الخميني على سلطته ، وقد ضرب الخميني في هذه اللعبة عصفورين في حجر واحد ، الأول .. هو حجر الرهائن لبعض الوقت ليلوي ذراع أمريكا ، والثاني .. للتخلص من بعض الشخصيات وأتهامهم بالتخابر مع أمريكا ضد الثورة ، فقد أعتقلت زمر الخميني "عباس أمير انتظام" بتهمة التخابر مع أمريكا ، بالأعتماد على وثائق حصلوا عليها من السفارة الأمريكية ، وعباس هذا كان مكلفاً من قبل الخميني نفسه بالأتصال بالأمريكيين ، كما أدعوا أنهم حصلوا على وثائق تدين "صادق قطب زادة" بالأتصال مع المخابرات الأمريكية ، وسيق لحبل المشنقة ، وجر بذيوله شخصيات كثيرة أراد الخميني أبعادها عن الطريق.

 

توفي الشاه محمد رضا بهلوي في 27/7/1980 ومع هذا ظل الرهائن قابعون في سجون الخميني ولم يطلق سراحهم ، لماذا..؟!، لقد تحولت قضية الرهائن من مسألة لوي ذراع إلى صفقة سياسية أبرمت بين الحزب الجمهوري الأمريكي الذي كان يتزعمه رونالد ريغان وبين الخميني ، وقد ذكر "محمد بهشتي" (رئيس مجلس القضاء الأعلى المعين من قبل الخميني) أن قضية الرهائن الأمريكيين موجهة ضد الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر"!!، بعد فضيحة "ووترغيت" التي أدت إلى أستقالة الرئيس الجمهوري "ريتشارد نيكسون" عام 1974 ، أصبح وضع الحزب الجمهوري الأمريكي سيئاً جداً ، وهم بحاجة إلى معجزة تقوي موقفهم أمام الديمقراطيين ، فأستغل مرشحهم "رونالد ريغان" قضية الرهائن في إيران ليبني عليها دعايته الأنتخابية ، وعلى هذا الأساس عقدت الصفقة بين الطرفين على أبقاء الرهائن قيد الحجز حتى يفوز المرشح الجمهوري ، وهذا الكلام ليس تحليل شخصي أو استنتاجات من وحي الخيال ، وإنما حقيقة واقعية لا لبس فيها ، أثبتتها دراسات أمريكية متخصصة ، وقد وصفها "أبو الحسن بني صدر" بأنها مسرحية كان لـ "هنري كيسنجر" و "روكفلر" دوراً في صياغتها!!، كما أن هناك لقاءات حدثت في مدريد مع جماعة ريغان وبوش وفي باريس أيضاً ، مثل الخميني فيها أبن أخيه "رضا بسنديده" ، وقد تعهد ريغان بتنفيذ مطالب إيران عندما يصل إلى السلطة إذا ما أبقى الخميني على الرهائن لحين فوزه!!، ويبدو أن فضيحة "إيران غيت" كان مكافئة ريغان للخميني ، وفي 20/1/1980 ردد رونالد ريغان القسم لتوليه منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وفي نفس اليوم هبطت طائرة تحمل على متنها الرهائن الأمريكيين الذي وعد ريغان في دعايته الأنتخابية بحل أزمتهم حال فوزه بالأنتخابات.

 

 

بلال الهاشمي

باحث في الشؤون الإيرانية والتاريخ الصفوي

http://alhashmibilal.blogspot.com

alhashmi1965@yahoo.com

٠٦ / نيسان / ٢٠١٢

 

 





الجمعه١٤ جمادي الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٦ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بلال الهاشمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة