شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :-

الدولة العميقة مصطلح بدأنا نسمع به في الآونة الاخيرة بصورة متواترة، والمقصود بهذا المصطلح الهيكل العظمي للدولة، أو لنقل الاركان الاساسية للدولة والتي لا تتغير بتغير الحكومات فيه. ففي الولايات المتحدة الامريكية يشكل ثالوث البنتاغون والمخابرات المركزية ومركز الاموال ( وول ستريت ) اسس الدولة العميقة الامريكية . والـدولـة العـميـقـة في تركي ( على سبيل المثال ) فأنها تمثل مجموعة من التحالفات النافذة والمناهضة للديمقراطية داخل النظام السياسي التركي، وتتكون من عناصر رفيعة المستوى داخل أجهزة المخابرات ( المحلية والأجنبية ) ، والقوات المسلحة التركية والأمن والقضاء والمافيا. فكرة الدولة العميقة مشابهة لفكرة "دولة داخل الدولة". ولهؤلاء المعتقدين بوجودها، فالأجندة السياسية للدولة العميقة تتضمن الولاء للمصالح اولا. والعنف ووسائل الضغط الأخرى قد تم توظيفهم تاريخياً بطريقة خفية في الأغلب للتأثير على النخب السياسية والاقتصادية لضمان تحقق مصالح معينة ضمن الاطار الديمقراطي ظاهرياً لخريطة القوى السياسية. الرئيس التركي السابق سليمان أدميرال يقول أن منظر وسلوك النخب ( التي يسيطر عليها العسكر ) التي تكون الدولة العميقة، وتعمل على الحفاظ على المصالح الوطنية، يشكله إيمان متجذر، يعود إلى سقوط الدولة العثمانية، بأن البلد هو دوماً "على حافة الهاوية. وفي العراق منذ البداية شرعت قوى الهيمنة والاحتلال بتكوين الدولة العميقة. من اجل تامين مصالحهم في العراق العربي ومن بعده في المنطقة والتأثير بسير الاحداث فيها بما يوافق نظرية ( الفوضى الخلاقة ) و مشروع ( الشرق الاوسط الكبير ) ، وسيطرت قوى الظلام والعصابات والمليشيات ،

 

مثلما سيطرت احزاب كانت ومازالت ذائعة الصيت لجميع العراقيين بأجرامهم وتاريخهم المنحاز للأجنبي، التي اخذت على عاتقها تأسيس نواة وادوات الاجهزة التي تعين قيادة الدولة العميقة لبلوغ مقاصدها، لذلك انشئت العديد من الاجهزة الامنية المرتبطة ب ( مكتب رئيس الوزراء ) والذي يشرف على جميع التشكيلات والعصابات والمليشيات ، ومن الطبيعي يضع على راس هذا المكتب احد اتباع قوى الظلام ومن الضالعين في الاجرام ، فاكتملت حلقة الحكم الطائفي بين قوى الاحتلال المؤلفة من ( التحالف الثلاثي الايراني الامريكي الصهيوني ) والاحزاب المسيرة من الخارج ، و عصابات الجريمة المنظمة ، ومليشيات متنفذه، ودخل العراق عصرا ليس مظلما فحسب بل عصر الانحطاط والجريمة المرعبة ، لا يكفي الكلام عن كيفية تشكيل الدولة العميقة في العراق الجديد ،بل من الضروري الوقوف على مساوئها وخطورتها في تمزيق المجتمع من اجل مصالح قوى الظلام، لذلك من الضروري جدا البحث عن الاسباب الاجتماعية والثقافية التي تجعل امر هذه الدولة ممكنا وممتدا طويلا في الزمن. ومن اجل الوقوف على حقيقة ما جرى ، ومن ثم التساؤل الاهم لماذا دمر العراق بهذا الشكل المريع.؟ ما هي الاسباب الحقيقة لتشكيل الدولة العميقة في العراق بهذه المرحلة .؟

 

ما دور عملاء ايران وجواسيس اسرائيل واذناب الامريكان في تشكل الدولة العميقة ؟. ومن الضرورة بمكان معرفة الاسباب الحقيقة للعدوان على العراق ومن ثم احتلاله وبعدها مرحلة تدميره بالكامل. وهنا لابد ان نستذكر كتاب الصحفي الفرنسي " جون كلود موريس" الذي يحمل عنوان: "لو كررت ذلك على مسمعي فلن أصدقه" الذي عرض بمنتهى الجرأة ما يسميه واقعة خطيرة تتمثل في المكالمات الهاتفية التي جرت بين البيت الأبيض الأمريكي وقصر الإليزيه الباريسي بين عامي 2002 و2003 الميلاديين، فكان جورج دبليو بوش يتصل بالرئيس الفرنسي جاك شيراك بمعدل مرتين في اليوم، ليحثه على ضرورة المشاركة في الحرب القادمة على العراق، وحاول الإعلام الأمريكي المتصهين تمرير رسالة " القضاء على أسلحة الدمار الشامل" على الصعيد الدولي، بينما حاولت صحف أوربية تمرير لعبة "ضرورة إقامة نظام ديمقراطي في العراق" و" التخلص من نظامه السياسي القائم . إلا أن الأسباب الحقيقية والحقيقية جدا للحرب ظلت غامضة، ليس لأن العالم كان يعي جيدا أنه لا أسلحة دمار في العراق أكثر مما يوجد في إسرائيل نفسها. يقول الكاتب،" العالم ظل لشهور طويلة يردد الأسطوانة المشروخة عن أسلحة الدمار الشامل التي لا توجد –بحسب الكذب الدعائي-سوى في العراق، إلى درجة أن الحرب كانت بالنسبة للأحداث أشبه بتحصيل حاصل، لكن الواقع أن ما كان يبحث عنه الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ( نيابة عن حلفائه الأقرب إلى قلبه ( اليهود ) " لا علاقة له بالأسلحة، لقد كان يبحث ـ نيابة عن إسرائيل ـ عن "يأجوج ومأجوج" !! إنها الحقيقة الأغرب التي يمكن العالم أن يتخيلها، ويضيف في وصفه الأشياء:" لا أحد يمكن أن يصدق مجرد التصديق أن يقرر رئيس أكبر دولة في العالم شن الحرب على دولة تقع في قارة أخرى بحثا عن شيء غريب، بل وغريب جدا، لأن الرئيس الأمريكي كان يبحث حقا عن "يأجوج ومأجوج"،

 

هذا لأن جورج دبليو بوش، لم يُخْفِ يوماً أنه "مؤمن جدا" وأن " الرب" يوجهه نحو الأهداف التي يسعى إليه ( ! ) وأنه ــ وهذا الأخطر ــ لا يؤمن بأهداف غير تلك التي تصب في خدمة المصالح اليهودية الأكثر تطرفا، والتي ببساطة تحاول القضاء على من يخالفها في العقيدة، وفي الرأي، وفي التفكير، وفي الوجود ككل ! يضيف الكاتب :" من يعرف جورج دبليو بوش من خلال الذين سايروه منذ طفولته، يمكنه التأكد من حقيقة كبيرة وهي أنه كان شخصا مؤمنا فعلا بالمذهب الصهيوني، بكل أبعاده الدينية والفكرية والإيديولوجية والسياسية، مثلما كان يؤمن دائما بالخرافات الدينية التي تحكي عنها الكتب اليهودية، بل وكان يجد فيها راحة روحية بالنسبة إليه، لأنه كان يرى فيها شيئا مدهشا وأن الرب لا يمكن أن يسمح لغير اليهود بالعيش على الأرض ! لهذا لم يكن غريبا أن يتلفظ جورج دبليو بوش بعبارات دينية قبل البدء في الكلام، مثلما كان يتلفظ بعبارات من التوراة تحديدا للحديث عن أحلامه، فقد كان يهوديا في تفكيره إلى أبعد حد. " وينقل الكاتب إحدى المكالمات التي جرت بين بوش وشيراك، وهي المكالمة التي كشفها الرئيس الفرنسي للكاتب "جون كلود موريس" بالصوت يحكي فيها جورج دبليو بوش لأول مرة عن سر خطير يريد كشفه لجاك شيراك كي يغير رأيه ويشارك معه في غزو العراق، إذ يقول شيراك:" تلقيت من بوش مكالمة هاتفية غريبة في مطلع عام 2003، فوجئت بالرئيس الأمريكي وهو يطلب مني الموافقة على ضم الجيش الفرنسي للقوات المتحالفة ضد العراق، مبررا ذلك بتدمير آخر أوكار "يأجوج ومأجوج" !! وأضاف شيراك في حديثه للكاتب أن الرئيس الأمريكي "أكد" له أن "يأجوج ومأجوج" مختبئان في الشرق الأوسط، قرب مدينة بابل العراقية القديمة، وقال بوش بالحرف الواحد:" إنها حملة إيمانية مباركة يجب القيام بها، وواجب إلهي مقدس أكدت عليه نبوءات التوراة والإنجيل" !! ويؤكد جاك شيراك ( بحسب الكتاب ) أنه صعق عندما سمع هذا الكلام، وأن تلك المكالمة ليست مزحة، بل كان بوش جادا في كلامه، وفي خرافاته وخزعبلاته التي وصفها جاك شيراك بالسخيفة.

 

 ومن جانبه اعترف وزير الأمن الصهيوني الأسبق "آفي ديختر" بدور الكيان الصهيوني في تدمير العراق واحتلاله، مؤكدا على التحالف مع الأحزاب الكردية ودعمها لمصلحة الكيان الصهيوني. وقال في محاضرة حول الدور "الإسرائيلي" في العراق بعد احتلاله: "لقد حققنا في العراق أكثر مما خططنا وتوقعنا"، مشيرا إلى أن تحييد العراق عن طريق تكريس أوضاعه الحالية تشكل أهمية استراتيجية للأمن الصهيوني. وأضاف: "تحييد العراق عن طريق تكريس أوضاعه الحالية ليس أقل أهمية وحيوية عن تكريس وإدامة تحييد مصر، تحييد مصر تحقق بوسائل دبلوماسية لكن تحييد العراق يتطلب استخدام كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة حتى يكون التحييد شاملا كاملا".

 

وتابع: "إن العراق تلاشى كقوة عسكرية وكبلد متحد، وخيارنا الاستراتيجي بقاءه مجزأ ". وزاد: "ما زال هدفنا الإستراتيجي هو عدم السماح لهذا البلد أن يعود الى ممارسة دور عربي واقليمي وان تحليلنا النهائي وخيارانا الاستراتيجي هو أن العراق يجب أن يبقى مجزأ ومنقسماً ومعزولا داخلياً بعيدا عن البيئة الإقليمية". وحول دور الاحزاب الكردية في تسهيل احتلال العراق قال آفي ديختر: "ذروة اهداف اسرائيل هو دعم الاكراد بالسلاح والتدريب والشراكة الامنية من اجل تأسيس دولة كردية مستقلة في شمال العراق تسيطر على نفط كركوك وكردستان". وأضاف: "هناك التزام من القيادة الكردية بإعادة تشغيل خط النفط من كركوك الى خط IBC سابقا عبر الأردن وقد جرت مفاوضات أولية مع الأردن وتم التوصل الى اتفاق مع القيادة الكردية، وإذا ما تراجع الأردن فهناك البديل التركي أي مد خط كركوك ومناطق الإنتاج الأخرى في كردستان تتم الى تركيا واسرائيل، لذلك جاءت عملية تدمير الدولة العراقية ، واعادة تشكيلها وفق ما يخدم مصالح اركان ادارة الدولة العميقة الناشئة في عراق ما بعد الاحتلال. وحين سمحت دول الاحتلال والجريمة للأحزاب السياسية العراقية التي رافقتهم في المحتل وحملت معول تهديم العراق، لاعتلاء كرسي الحكم في بغداد ، هي عملية تأسيس متشابكة لهيكل الدولة العميقة في العراق المحتل . من هنا نحاول تسليط الضوء على هذه الدولة الناشئة بفعل الاحتلالين الامريكي الصهيوني والايراني الصفوي .

يتبع

 

 





الاثنين١٧ جمادي الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٩ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب داود الجنابي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة