شبكة ذي قار
عـاجـل










في مثل هذه المناسبات قلما يحتفل ابناء الشعب في بلد ما احتفالا حيا متدفقا بأريج العطر والحب , الا اذا كان ميلاد المحتفى به شخصية متفردة دخلت نفوس ابناء الشعب وتوحدت معهم , فاصبحت واحدة في الكل , والكل في توحد في عواطفه , محبة للشخصية المتفردة بالحب , في مثل هذه الحالة تكون الشخصية المحتفى بها خارجة عن حدود المالوف او المتعارف عليه في الحياة العادية .


تحتفل الشعوب بأعياد ميلاد زعمائها سنويا , ولكن هذه الاحتفالات تظل رتيبة لا تخرج عن نطاق البروتوكول المتعارف عليه , وتحتفل بعض الشعوب والامم باعياد ميلاد قادتها , الذين اصبحوا رموزا لها في حياتهم وبعد موتهم , وكيف اذا كانت النهاية استشهادا بطوليا ؟ . مثل هذا الاحتفال يكون له معنى ومذاق خاص , يتحدد من خلاله الامل وتوقد شموع الامل لتضئ درب المستقبل .


ميلاد الشهيد صدام حسين له معناه الخاص في نفوس ابناء الامة العربية ممن رضعوا حليب العزة والكرامة والاباء ,لان صدام حسين مثل كل معاني القيادة التاريخية بحق , ومن خلال التجربة كان صدام القائد والرمز , من خلال العلاقة الصافية التي تكونت بينه وبين ابناء الشعب , وبعيدا عن الالفاظ الشعرية والنعوت التي غصت بها لغتنا العربية , فاني اتوقف عند نقطة وهي ان صدام الذي قاد الحزب قبل الثورة وبعدها وقاد المقاومة حتى استشهاده , كان النبع الصافي لكل قيمنا الاصلية والحافظ لها , والمدافع عنها ضد كل محاولات التشويه والاحتواء او التقليد الاعمى لما هو خارج بيئتنا العربية . وفي الوقت نفسه ظل صدام حسين الضمانة لاستمرار حيوية الحزب ومبادئه النبيلة , لكي تتفاعل مع الانسان الجديد المتطور ومع مستلزمات الحياة العصرية , والضمانة لاحياء تواصل الامة العربية مع تاريخها وتراثها العريق , والضمانة لاستمرار التقدم والرقي للامة كلها .


عرف الانسان منذ القديم معنى القيادة ومارس دور القائد في الحياة , واصبحت القيادة ظاهرة مـألوفة في الحياة السياسية والاجتماعية . القائد الذي يتبوأ القيادة بجدارة هو الذي يبرز من بين صفوف الجماعة التي ينتمي اليها , وهو الاقدر على تحسس ألامها ومشكلاتها ومتجاوب مع وطموحاتها , وهذا القائد يتصف بالذكاء والثقة بالنفس والقدرة على التنظيم , ومؤثرا في الجماعه , ولديه القدرة على مجابهة الصعاب , وادارة امور الجماعة في اصعب المواقف , ويملك الجرأة على استخدام السلطة في اسوأ الاحوال . هذا القائد هو الذي عرفه البعض بالبطل , نظرا لدوره المتميز في قيادة المجتمع وقيادة حركة التاريخ , فهو البطل الذي ينصاع له الجنس البشري طواعية ويشعرون بالضرورة الملحة لاطاعته . هذا القائد هو الذي يبرز من بين الجماهير , وهو من تنتظره الجماهير لكي ينقذها من حالة التدهور والانحطاط الى حالة النهضة والرقي , وهو الذي اندمجت مصالحه مع مصالح الجماهير ,ومثل هذا القائد يوجه التاريخ ويسبق الاحداث ويرسم طريق المستقبل بعقل وعزم وارادة .


عرف العراقيون العديد من الزعماء والحكام وخضعوا لهم واطاعوهم وهتفوا لهم في معظم الاحيان طواعية او كرها , ولكن معظمهم لم يتركوا اثرا عميقا في نفوسهم اثناء حكمهم او بعده , لانهم وصلوا الى السلطة بشتى السبل ووضعوا فواصل كبيرة وعوازل بينهم وبين الشعب , فابتعد الشعب عنهم لانهم بالمقابل ابتعدوا عن اماني الشعب وهمومه والامه . وصدام عاش الام الناس وهو صغير ورفض الظلم وانتفض ضده من اجل الشعب . ومنذ صباه رضع حليب القومية العربية ومبادئ البعث , كما تربى على مبادئ الرجولة والشجاعة فاسبغ على مبادئه الجرأة والاقدام والتضحية , ومنذ الصبا وهب نفسه لمبادئه ولوطنه ولخدمة الشعب , فكانت حياته حربا ضد الظلم وضد الظالمين وضد الفساد والتخلف .وعندما اشتد ساعده ومضى سيفه دخل اتون المعارك النضالية وكان يخرج منها وهو امضى عودا واصلب ارادة واكثر التزاما بالمبادئ التي رضعها.


خرج صدام حسين من بين الناس يحمل همومهم ويتمثلها في نفسه ويصرفها سلوكا وقرارات كانت تلقى تجاوبا من الناس الشرفاء . عرفه العراقيون الاباة قبل الاخرين , وعرفه البعثيون منذ عشرات السنين وبالذات عندما انقذ الحزب من كبوته بعد ردة 18 تشرين عام 1963 , والذي تمكن من اعادة الرجحان والسيطرة لخط الحزب القومي بعد ردة 23 شباط 1966 في سوريه , والذي قاد مسيرة الحزب التنظيمية قبل ثورة 17 تموز وبعدها , والذي صاغ نظرية العمل في الحزب . عرفه الجميع مخططا للثورة وعرفوه قائدا لها , وحقق بفعل عقله الراجح وعزمه الراسخ انجازات كبيرة وجوهرية على طريق النهضة والانبعاث القومي .


ان المسح الشامل للسمات التي اتسم بها صدام حسين وملاحظة الانجازات التي حققها في شتى المجالات وفي اقسى الظروف يؤكد ان شخصيته لم تتطورولم تنمو بشكل طبيعي وفق السياقات الخاصة بنمو شخصيات الافراد العاديين , ولكنها نمت وتطورت ضمن تفاعلها مع الظروف التي احاطت بها , ومواجهتها التحديات والصعوبات , وتصاعد نمها وتطورها بمنطق العبقريات , وليس بمنطق الكفاءات العادية ـ كما عبر رفيقه القائد المؤسس ـ فقد تطورت شخصيته بقفزات كبيرة تختصر الزمن دون ان تقفز فوق المراحل , فكان تكونها متينا صلبا خاليا من الثغرات , تتسم بالعبقرية الحقة .


في ذكرى ميلاد رمز من رموز الامة التاريخيين , لا نحي الذكرى لمجرد التمجيد المديح , وان كان هذا لا يعجب الحاقدين والعملاء من الطائفيين والانقساميين , ولكننا نتوقف عند المنهج والبرنامج الذي وضعه الشهيد صدام حسين قبل استشهاده وبعده , فهو الذي صاغ من خلال نظرية البعث , برنامجا جهاديا ضد المستعمر والمحتل , وضد الظلم وضد الفساد وضد التخلف , وضد الفقر . برنامجا نهضويا تنمويا يرقى بالامة من حالة التردي الى حالة النهضة , والوقوف على قدم المساواة مع الامم الناهضة المتقدمة . المطلوب ان نعمل من اجل المشروع القومي النهضوي التقدمي , وهذه المهمة هي من مسؤولية الاحزاب القومية واليسارية والوطنية والشخصيات التي تؤمن بهذا المشروع .

 

 





السبت٠٧ جمادي الاخر ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٨ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. حسن طوالبه نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة