شبكة ذي قار
عـاجـل










الفرق بين "التشيع الفارسي" و "التشيع العربي" ، أن الأول عبارة عن حركة سياسية تخفت برداء الدين ، أتخذت من التشيع وسيلة للتوسع والنفوذ ، وقد تطورت هذه الحركة وتوسعت بشكل كبير بعد قيام الدولة الصفوية عام 1501م ، وأصبح لها فقهاً مشوهاً وفلسفة عقائدية منحرفة متجددة تخدم المصالح الفارسية ، إما "التشيع العربي" فهو مذهب عقائدي أعترف به رسمياً من قبل الطوائف الأسلامية في "مؤتمر علماء النجف" الذي عقد في النجف عام ( 1743م ) برعاية "نادر شاه أفشار"، والمؤتمر عبارة عن مناظرة للتقريب بين المذاهب الإسلامية ، نتائجها موثقة وأسماء رجال الدين المشاركين فيه معروفة ومدونة ، ومن أبرزهم "السيد عبد الله بن الحسين السويدي العباسي" ( متوفى سنة 1760م ) ، وقد كان المؤتمر ضربة قاضية تلقاها فقهاء التشيع الفارسي ، ظلت تؤلمهم عقود طويلة حتى قرروا أن يعدلوا الموازين بقضية مماثلة يصنعها فقهائهم ، فجاءوا بكتاب "مؤتمر علماء بغداد" نسبوه لشخص يحمل أسم "شبل الدولة مقاتل بن عطية الحجازي"!! ، يتحدث هذا الكتاب عن مناظرة يدعى أنها حدثت في بغداد أيام الحكم السلجوقي ، بين رجال دين شيعة يتزعمهم "السيد العلوي"، وآخرين من السنة يتزعمهم "الشيخ العباسي"، وكان الداعي لهذه المناظرة هو الحاكم السلجوقي "جلال الدولة ملكشاه" ، الذي أصدر أوامره إلى وزيره الحكيم "نظام مُلك" بالإعداد للمناظرة لبيان الحق من الباطل ، وتم ذلك بالفعل وأنتهت المناظرة لصالح "العلوي" بعد أن عجز "العباسي" عن الرد والمواجهة ، وكانت النتيجة أن دخل الملك السلجوقي ووزيره "نظام مُلك" وقادة الجيش وكبار موظفي الدولة إلى المذهب الشيعي ، ثم ألتحق بهم جموعاً كبيرة من الناس ، فأثار ذلك غضب أهل السنة الذين أنتقموا من الملك السلجوقي ووزيره بقتلهم!!

 

قبل أن ندخل في صلب الموضوع أود التطرق لجملة وردت في إعلان صدور النسخة الثالة من هذا الكتاب ، والذي تبنت ما تسمى بـ "لجنة سيد الشهداء" طباعته ونشره ، جاء فيها .. "أن لجنة سيد الشهداء أخذت على عاتقها تحديد ما هي أهم الكتب التي يحتاجها الظرف الحالي في العراق"!!، والعبد لله يسأل .. هل الظرف الحالي في العراق يتحمل مثل هذه الكتب التي تزيد من الحريق الطائفي؟!، أم أن هذه اللجنة تريد سكب الزيت على النار خدمة للمصالح الإيرانية!!، والعجيب بالأمر أنهم يتهمون "صدام حسين" ( رحمه الله ) بإحداث فراغ ثقافي نتيجة لمنع طباعة ونشر مثل هذه الكتب التي تهدد المجتمع الأسلامي ، فلو كان نظام "صدام حسين" طائفي وغايته تفريق المسلمين لسمح بطباعة ونشر وثائق ووقائع "مؤتمر علماء النجف" ، وغيرها الكثير من الكتب والمنشورات الآخرى التي كان لها أن تهدم ركائز التشيع الفارسي ، لكن "صدام حسين" ( رحمه الله ) لم يكن ليؤجج الفتن كما هو حال أتباع الولي الفقيه ، الذين يروجون للفكر الإيراني وينشرون مطبوعات ألفها فقهاء التشيع الفارسي مثل كتاب "مؤتمر علماء بغداد".

 

بالعودة للموضوع .. قرأت كتاب "مؤتمر علماء بغداد" أول مرة في نهاية التسعينات ، الملفت للنظر هو عدم وجود مصادر آخرى تذكر تلك المناظرة المزعومة نهائياً ، في تلك الفترة جمعتني الصدفة مع أحد رجال الدين في النجف ، وهو باحث تاريخي متخصص في علم الأنساب ، سألته عن الكتاب ومصادره فكان جوابه غير معقول ، فقد قال .. أن أحد الأشخاص كان في زيارة إلى "باكستان" ، ودخل إلى مكتبة للمطالعة فوجد هذا الكتاب ، وهو نسخة واحدة وقديمة ، فعرض على أصحاب المكتبة ما يطلبوه من مال لشراء الكتاب لكنهم رفضوا ، مما أضطر إلى نسخه كتابةً ، وهذا هو مصدر الكتاب!!، كما أكد آخرون هذه الرواية مع أختلاف المكان ، فالبعض ذكر "الهند" وليس "باكستان" ، ومن جانبي أقول "حدث العاقل بما لايعقل فأن صدق فلا عقل لهلو إن كل شخص يأتي بقصاصات ورق تسرد أحداث تاريخية يدعي انه نسخها من كتاب لم يراه أحد من قبل أو يسمع به ، ويؤخذ بكلامه ، فأن بمقدورنا اليوم أن نغير التاريخ لصالحنا بكل بساطة!!، وهذا هو الأفلاس بعينه!!.

 

الجدير بالأهتمام في هذا الكتاب هو الملك السلجوقي "أبو الفتح ملكشاهبنألب أرسلان" المعروف بـ "جلال الدولة ملكشاه" ، وهو ثالث الملوك السلاجقة ، الذي حكم بالفترة ( 1072 – 1092 ) ، فقد أظهر الكتاب جهل الملك بالمذهب الشيعي تماماً ، وكأنه يسمع به أول مرة ، إلى الدرجة التي صدم فيها عندما قيل له أن الشيعة لايعترفون بخلافة الصحابة الثلاث ( رضي الله عنهم ) !!، وظل طيلة المناظرة يسأل وزيره "نظام مُلك" عن الشيعة وعقيدتهم!!، أنه أمر مضحك ، يدل على أستهانة الجهة التي ألفت مسرحية "مؤتمر علماء بغداد" بعقول الأتباع المعروف عنهم السذاجة والجهل بالتاريخ ، فمن غير المنطقي أن لايعرف الملك المعتقدات التي يؤمن بها الرعية ، ويكون جاهل بالمذاهب الأسلامية وهو يحكم بالشريعة ، مع العلم أنه يحب مجالسة العلماء ووزيره مهتم بنشر العلوم الدينية ( حسب ما تذكره الكتب التاريخية ) ، فهل يعقل هذا!!، بالإضافة إلى أن الملك "سلجوقي" ، وهذه المهزلة الكبرى ، لأن "السلاجقة" هم من من طردوا "البويهيين" من بغداد عام 1055م!!.

 

لنوضح الصورة أكثر .. دخل "البويهيون" إلى بغداد عام 945م ، وسيطروا على الحكم وإدارة شؤون الدولة حتى أنهم خلعوا الخليفة العباسي "المستكفي بالله" من الحكم وقتلوه بعد إن عذبوه أشد العذاب ، ونصبوا "المطيع لله" خلفاً له ، والتاريخ يذكر لنا كيف تأذى الخلفاء العباسيون بسببهم ، و"البويهيون" شيعة فرس أشاعوا الطائفية في بغداد وعزلوا المناطق السنية ببناء جدران حولها وقتلوا على الهوية الطائفية ، وتحت ظلهم ظهرت "الشعوبية" التي همشت العرب وحقرتهم ، وقد اندلعت الكثير من الثورات ضدهم نتيجة الظلم والطائفية والشعوبية التي مارسوها ، فأستنجد الخليفة العباسي "القائم بأمر الله" بـ "السلاجقة" عام 1055م فطردوا البويهيين خارج بغداد ، بأختصار .. النفوذ "البويهي" دام 110 سنوات قلبوا فيها بغداد رأساً على عقب بحكم طائفي شعوبي ، نستذكره اليوم بمرارة بعد 957 سنة ، فهل من المنطقي والمعقول أن يسأل "جلال الدولة ملكشاه السلجوقي" بعد 17 عام على رحيلهم عن الشيعة والتشيع وأصول عقيدتهم؟!، والغريب أنه من السلاجقة الذين طردوهم!!، قد يقول البعض إن الملك السلجوقي كان يسأل عن التشيع العربي وليس الفارسي!!، سنقول لهم .. أقرءوا كتاب "مؤتمر علماء بغداد" لتجدوا أن الحوار مبني على عقيدة التشيع الفارسي وليس العربي ، فالتشيع العربي لايطعن في الصحابة ويكفرهم ، ولا يعتبر الفتوحات الأسلامية أساءة للأسلام ، وإنما هذه عقيدة الفرس.

 

وزيادة في كشف كذبة هذه المناظرة المزعومة ، سأل الملك السلجوقي عن عدد الشيعة في العالم الأسلامي فأجاب الوزير "نظام مُلك" بانهم يشكلون نصف المسلمين!!، من المفروض إن هذا الكلام قيل قبل 950 سنة!!، أي قبل أن تتشيع كامل إيران ، لأن الإيرانيون فرض عليهم التشيع عام 1501م على يد عدو الله "أسماعيل الصفوي" ، الذي طور مفاهيم التشيع الفارسي ليلبسه حلة جديدة ويصبح تشيعاً صفوياً ، المهم .. حسب الكتاب المزعوم أن الشيعة يشكلون نصف المسلمين ، فمن المنطقي أن يكونوا اليوم هم الأغلبية في المجتمع الأسلامي ، خصوصاً أن إيران تشيعت ، اليوم تمارس حملة لنشر التشيع في المجتمعات الفقيرة مستخدمة المال والنساء ( المتعة ) لإغواء الرجال ، لكننا نعلم أن كل الشيعة بمن فيهم الشيعة العرب لايشكلون سوى 20% من عدد المسلمين!!، فكيف يفسر هذا التناقض والهفوة التي وقع فيها مخترع الرواية المكذوبة؟!.

 

من جانب آخر .. ليس لنا مع التشيع العربي أي خلاف ، وإنما هناك أختلاف فقهي كما يوجد بين المذاهب الأربعة أختلافات فقهية ، وهذا ما تثبته نتائج "مؤتمر علماء النجف" السالف الذكر ، لكن مع التشيع الفارسي أو الصفوي لدينا خلاف كبير ، بل هو تصادم عقائدي أكثر منه خلاف ، والتقريب مستحيل كما يستحيل تقارب القطب الموجب من القطب السالب ، وهذا يعني أننا نمتلك من الحجج والبراهين ما نواجه به التشيع الفارسي ، ومع هذا فقد أظهر الكتاب المهزلة أن المناظر المشار له بأسم "العباسي" بالضعف والحيرة وعجزه عن الرد وأختيار الأسئلة!!، فلو كان فلماً تجارياً رخيصاً يتكلم عن مبارة بكرة القدم بين فريق محترف وآخر أشبال ، لحسب المؤلف حساب المشاهدين وأحترم عقولهم وجعل الأشبال يسجلون هدفاً واحداً ولو بضربة جزاء ، لكن الجهة التي ألفت الكتاب لم تأخذ بنظر الأعتبار عقول القراء ، لأن المقصود بهذا الكتاب هم السذج من أتباعهم الذين يعتقدون إن التطبير والزحف واللطم عبادة ، لكنني أجزم لو أن الفنان الشعبي "شعبولة" يناظر "السيستاني" لحاجج بطريقة أفضل وأخرسه ، لكنهم تعمدوا أظهار ضعف حجة المخالف لهم ، والطامة الكبرى أن المناظر "العلوي" في الرواية المزعومة يدعي أن ما يحاجج به مذكور في كتب أهل السنة ، ويؤيد ذلك الوزير "نظام مُلك" ويعترف بها "العباسي" بخجل ، مع العلم أن كتب أهل السنة لاتحمل مثل تلك الأباطيل التي أستدل بها "العلوي"!!، وهنا نقف عند حقيقة منطقية .. لو فرضنا صحة هذه المناظرة ، فأن "العلوي" كان يكذب ، فما أستدل به وأدعى أنه مذكور بكتب أهل السنة ليس موجوداً!!، ومن الطبيعي أن تكون هذه الكذبة مكشوفة أمام المخالفين لهم ، لكن أتباعهم سيصدقون دون أن يتأكدوا ، وهذا هو المقصود ، أقناع أتباعهم!!.

 

العجيب في الأمر أن الوزير "نظام مُلك" كان يؤيد ما يقوله "العلوي" بكل صغيرة وكبيرة ، ويؤكد للملك السلجوقي أن ما يقوله "العلوي" صحيح ولا شك فيه ، كما أنه حذر الملك منذ البداية أن هذه المناظر قد تؤدي إلى أنتصار التشيع!!، السؤال الذي يطرح نفسه .. مادام "نظام مُلك" يعلم أن الحق مع الشيعة وأن الحقيقة في فقهمهم ، فلماذا لم يتشيع من قبل حدوث المناظرة؟!، وكيف يفسر المعتقدون بمسرحية "مؤتمر علماء بغداد" أن الوزير "نظام مُلك" كان من الدعاة لنشر المذهب السني ، وقد أسس المدارس "النظامية" التي كانت تدرس الفقه الديني على المذهب الشافعي ، وواحدة من تلك المدارس موجودة في خرسان!!.

 

الجدير بالأهتمام أن المناظرة المزعومة لم تكن فقهية وأنما تاريخية وهذا يبين حقيقة أن التشيع الفارسي حركة سياسية وليس مذهباً فقهياً ، والمقصود بهذا الكتاب هم أتباع التشيع الفارسي ، فمثل هذه المناظرات المفبركة تزيد ثقتهم بما يعتقدون به ، بمعنى أدق أنهم يخدعون أتباعهم ، كما أن التشابه الكبير بين "مؤتمر علماء النجف" و "مؤتمر علماء بغداد" ( الأسماء والأحداث ) يدل على أن الغاية من وراء نشر هذا الكتاب هو تمويه الحقيقة ، وتشتيت فكر أتباعهم مابين المؤتمر الحقيقي والمفبرك ، وفي الختام أقول .. لطالما تلاعب الفرس بالحقائق وحرفوها ، ليصنعوا تاريخ على مقاسهم يخدم أجندتهم ، مثل "كسر ضلع الزهرة" ، لكن الذنب لايتحمله الفرس وحدهم وإنما الذنب الأكبر يتحمله كل من يأخذ بكلامهم ويصدقه ، فلو لم يجد الفرس من يسمعهم لما تجرءوا على الحديث مجدداً.

 

 

بلال الهاشمي

باحث في الشؤون الإيرانية والتاريخ الصفوي

http://alhashmibilal.blogspot.com

alhashmi1965@yahoo.com

٢٩ / نيسان / ٢٠١٢

 

 





الاحد٠٨ جمادي الاخر ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٩ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بلال الهاشمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة