شبكة ذي قار
عـاجـل










مقدمة :

منذ مطلع ثمانيات القرن السابق، و العالم يرقب تطور الأوضاع الأمنية في إقليم جنوب السودان، الذي شهد أطول حرب أهلية في تاريخ أفريقيا الحديث، و توقفت تلك الحرب لمدة قصيرة لم تتجاوز ستة أعوام  وستة أشهر بناءا على إتفاق تم توقيعه بين الحكومة و الحركة الشعبية لتحرير السودان في كينيا في عام 2005، تم بموجبه إشراك الحركة الشعبية في الحكم و إعطاء شعب جنوب السودان حق تقرير المصير و الذي من خلاله قام شعبه بالتصويت لصالح الإنفصال ضمن إجراءات أستفتاء شعبي عام، و من ثم تم إعلان إنفصال جنوب السودان رسمياً في التاسع من يوليو 2011.

 

و بعد أنفصال جنوب السودان، لم تهدأ الأحوال الأمنية، بل شهدت تصاعدأ عسكرياً خطيراً نتج عنه إحتلال عدد من المناطق داخل السودان الشمالي بواسطة جيش دولة جنوب السودان، و من ضمن ذلك كان إحتلال إقليم هجليج الغني بالنفط.

 

 لقد بات النزاع الجاري بين السودان وجنوب السودان على وشك التحول إلى حرب شاملة ومتواصلة لا هوادة فيها. وهذا يشكل تهديداً واضحاً للسلم والأمن الدوليين. إذ إن البلدين قد أصبحا على شفير العودة إلى أهوال الماضي ويهددان بجرّ المنطقة بأسرها إلى توتر أمني. ولتجنب الدمار والمعاناة كان لابد من البحث عن وسيلة تنهي هذا الاقتتال و ترسم خارطة للخروج من هذه الأزمة. هذا النزاع ذو أبعاد قديمة، و نتاج أحتقانات و مرارات ، فهو لم يبدأ في الأسبوع الماضي أو في الشهر الماضي، ولا حتى في العام الماضي. فالتوترات الكامنة وراء هذا النزاع لها جذور طويلة، وآخرها المسائل العالقة ضمن بنود اتفاقية السلام بين الحكومة و حركة و جيش تحرير السودان.

 

و لقد شهد هذا النزاع العديد من القرارات الدولية و الاتفاقات الثنائية التي حاولت أن تضع حلولاً لمسببات النزاع بين شطري السودان، إلا أن تلك القرارات و الاتفاقات جميعها لم تجد الإحترام الذي يجب من قبل الطرفين المعنيين بالموضوع.

 

شراكة بين الاتحاد الافريقي و الامم المتحدة :

في بادرة تشكل حالة من الحالات الغرائبية القليلة التي شهدها تاريخ مجلس الأمن، صدر القرار بالرقم 2046 من مجلس الأمن ، و مثار الدهشة في هذا القرار أن يصدر القرار بالاجماع و بناءاً على مقترح قرار صادر من منظمة أقليمية و دون أن يعترض عليه أي عضو من الأعضاء الدائمين، و بدون تحفظ من دولة من اي دولة عضو أخرى. و دائماً حين تكون النقاشات منعقدة لإصدار قرار من مجلس الأمن متصل بنزاع بين دولتين عضوتين بالأمم المتحدة، فأن علاقات الدولتين - و متانتها - تظهر من خلال المناقشات و البدائل و التعديلات و المقترحات، مما يجعل أمر أصدار قرار ملزم و صارم أمر من التعقيد و الصعوبة التي تعطل إصدار القرار.

 

فمقترح القرار المقدم من الاتحاد الأفريقي الى مجلس الأمن (بناء على قرار مجلس السلم و الامن الافريقي بتاريخ 24 ابريل 2012 في إجتماعه بالرقم 319)، و لم تعترض عليه الدولة العربية العضو بمجلس الأمن، كما لم تعترض/ او تتحفظ عليه روسيا او الصين، و لا شك أن الدول الدائمة العضوية الأخرى لم تعترض أو تتحفظ على القرار أو أحد فقراته، كما انه مقدم من المنظمة الاقليمية (الاتحاد الافريقي) التي ينتمي لها السودان.

 

هذا الوضع يؤشر مدى العزلة المطبقة التي يعيشها النظام الحاكم في السودان،على الصعد كافة، الدولي، الاقليمي الأفريقي و الاقليمي العربي، فقد كان السودان يؤثر بشكل كبير على القرارات الصادرة من الاتحاد الافريقي، و كان في احوال كبيرة يستفيد من تناقض المصالح بين المجتمع الغربي من جهة و روسيا و الصين من جهة أخرى، و كان في أحوال أخرى يوظف أموال البترول في شراء أصوات و قرارات المؤسسات و الدول في الاقليم الأفريقي.

 

لقد وقفت منظمة الوحدة الافريقية جنباً إلى جنب مع الرئيس البشير في قضية دارفور و المحكمة الجنايئة الدولية، إلا أن الطاولة قد أنقلبت في وجه النظام الحاكم في السودان بعد أن  قاد الاتحاد الافريقي مبادرة محاصرة الأطراف المتنازعة في السودان و بتنسيق دقيق مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لا سيما بعد أن فشل الأتحاد الأفريقي في.. فقد فرض مجلس الأمن بكل وضوح مواعيد نهائية لتنفيذ أعمال ملموسة، تتوافق مع قرار الاتحاد الأفريقي.الوصول بالاطراف المتنازعة الى طاولة توقيع اتفاق سلام.

 

و صدر قرار مجلس الامن بموجب ما لديه من سلطات تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، و الذي يتم إستخدامه في الاحوال الشديدة الخطورة على الامن و السلم الدوليين، و بموجب هذا الفصل يحق لمجلس الأمن في وقت لاحق أن يتخذ التدابير المادية و القانونية اللآزمة لوضع قرارات مجلس الأمن موضع التنفيذ.

 

و يبدو أن التجارب الحديثة تشير أن تناقض المصالح بين الدول الدائمة العضوية، كان دائما، يساهم في تسويف القضايا المتصلة بالامن و السلم، و رأينا في أكثر من حالة، كيف أن الدول العظمى ظلت تستغل طاولة مجلس الأمن من أجل تصفية حسابات بعض الدول الدائمة العضوية ضد أحد الدول الأعضاء. إلا أن تجربة السودان مع القرار 2046 أشارت أن جميع المصالح داخل مجلس الأمن قد تلاقت من أجل فرض آليات متشددة على الاطراف المتنازعة في السودان.

 

مضمون القرار :

شمل القرار على عدد من الأوامر الموجهة للأطراف المعنية ، و أهمها كان:

إنهاء الأعمال العدائية، ووقف التصريحات الإعلامية العدائية و الداعية لتصعيد الحرب ووقف الهجمات والتحركات عبر الحدود، ووقف عمليات القصف الجوي، وسحب جميع قواتهما من المناطق الحدودية و من ضمنها أبيي، وتفعيل الآليات الضرورية لترسيخ الأمن على الحدود، ووضع حد لدعم المجموعات المتمردة التي تعمل ضد الدولة الأخرى، عودة الطرفين فوراً إلى طاولة المفاوضات تحت إشراف اللجنة التنفيذية الرفيعة المستوى التي شكلها الاتحاد الأفريقي  من أجل التوصل إلى اتفاق حول المسائل الهامة العالقة، دعم خطط الاتحاد الأفريقي لإحلال السلام في السودان.

 

خارطة الطريق :

و لما كانت الدول كافة في مجلس الأمن، على أتفاق و توافق بشان إتخاذ قرار حاسم و ملزم، جاء قرارهم على نحو تفصيلي و واضح فيما يتصل بالأهداف و الوسائل.

شمل القرار على تحديدات زمنية ضاغطة و قاسية، و ذلك كما يلي:

 

1.   وقف العدائيات فورا بين الدولتين وفق قيد زمني لا يتجاوز 48 ساعة من تاريخ أجازة القرار

2.   الإعلان عن قبول هذا القرار و العمل بموجبه في قيد زمني لايجاوز اسبوعا واحدا من تاريخ صدور هذا القرار

3.   إخراج كافة القوات الموجودة في اقليم ابيي خلال اسبوعين من اجازة هذا القرار

4.   العودة الى طاولة المفاوضات دون اي شروط مسبقة ، ووفق التحديدات الزمنية التي يحددها الرئيس ثامبو أمبيكي للأطراف.

5.   التوصل لاتفاق بخصوص السلام في ولايتي جنوب كردفان و جنوب النيل الازرق في فترة لا تتجاوز  ثلاثة أشهر من تاريخ القرار.

6.   على الاتحاد الافريقي أن يرفع تقرير حول الاوضاع، مع تقييم واضح، و مقترحات، الى الامين العام للامم المتحدة خلال فترة لا تتجاوز اربعة أشهر.

7.   خلال اسبوعين ، على الامين العام للأمم المتحدة و بالتشاور مع مجلس السلم و الامن الافريقي أن يخطر مجلس الامن عن مدى إلتزام السودان و جنوب السودان و الحركة الشعبية قطاع الشمال بالقرار .

 

إن القرار و من خلال التحديدات الزمنية، جاء ضاغطاً و مباشراً في تحديد الاهداف و الجدول الزمني الخاص بالتنفيذ، مثلما أوكل كل المهمة لأجهزة الإتحاد الأفريقي.

 

أول إعتراف دولي بالحركة الشعبية :

1.   لقد خاطب القرار الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال بوصفها أحد الفاعلين في عملية تهديد السلام، و طالبها (بجانب حكومة السودان) للعمل سويةً تحت قيادة ثامبو أمبيكي و رئيس الإيقاد للوصول لحل سلمي بخصوص الأوضاع في جنوب كردفان و جنوب النيل الأزرق.

 

2.   طالب القرار قطاع لشمال التعاون مع الاتحاد الافريقي و الايقاد من أجل التوصل لسلام في مناطق النزاع، و ذلك عبر التفاوض السلمي، و من خلال إعتماد الآلية التي تم الأتفاق عليها في 28 يونيو 2011 في الاتفاق الاطاري حول الشراكة السياسية بين الحركة الشعيية و المؤتمر الوطني و بخصوص الترتيبات السياسية و الامنية في ولايتي جنوب كردفان و جنوب النيل الازرق.

 

3.   طالب القرار قطاع الشمال بالتعاون مع أجهزة الأمم المتحدة المختصة لتوصيل الاعانات الانسانية في المناطق التي يحتلها.

 

هذه الاشارات مهمة في سياق إدراج الحركة الشعبية في كافة التدابير و المقترحات المتصلة بتسوية الاوضاع في المناطق الثلاثة لا سيما منطقتي جنوب كردوفان و جنوب النيل الأزرق، ووضعت تلك الاشارات حكومة الخرطوم في وضعية الإعتراف بالحركة الشعبية قطاع الشمال (مجرد أعترافها بالقرار و قبولها العمل بموجبه)، و بالتالي يجوز لكل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التعامل مع قطاع الشمال بوصفه كائن سياسي ذو صفة قانونية معتبرة  (إكتسبها من قرار مجلس الأمن)، و يحق لهم مقابلة رؤساء الدول و حضور جلسات الامم المتحدة و الاتحاد الأفريقي إذا أستدعى الأمر و حضور المفاوضات والتمتع بالصفة الدبلوماسية مع الدول و المنظمات الدولية. هذه الوضعية ستمكن الحركة الشعبية/قطاع الشمال من إحتلال موقع متقدم على كافة الفصائل السياسية المدنية، مما يقلب معايير جدوى العمل السياسي السلمي، و يجعل الأحزاب السياسية تدخل في تحالفات معلنة أو غير معلنة مع الفصائل المسلحة لإكتساب قوة سياسية ضاغطة على حكومة المؤتمر الوطني.

 

التهديد بالعقوبات تحت الفصل السابع :

صرحت الدول الدائمة العضوية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية ، عن عزمها على دعم هذا القرار و ممارسة الضغط على الطرفين لتنفيذ خريطة الطريق، و قد وعدت سفيرة الولايات المتحدة في مجلس الامن عن عزمها للسفر للخرطوم و جوبا خلال الايام التالية على صدور القرار للشروع في تنفيذه.

 

إتفق مجلس السلم و الامن الافريقي و مجلس الامن الدولي على أن يكون هذا القرار هو الناظم النهائي لمشروع السلام في السودان، في حال تخلف الطرفان عن اتخاذ هذه الخطوات بسرعة، فان على مجلس الأمن ابتدار أية صيغة لإخضاع الجانبين للمحاسبة و فرض عقوبات بموجب الفصل السابع على أي واحد من الطرفين أو كلاهما، حسب الضرورة. ويطالب هذا القرار أيضاً حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير شمال السودان بالعودة إلى طاولة المفاوضات من أجل حل المسائل السياسية والأمنية العالقة التي تغذي بشكل كبير النزاع الجاري.

 

مباشرة أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية العبيد مروح في يوم 5 مايو قبول السودان بتنفيذ بنود القرار 2046 و أبلغ كتابة كل من مجلس الأمن التابع للامم المتحدة و مجلس السلم و الأمن التابع للإتحاد الإفريقي موافقته بتنفيذ القرار. و لن تجد الخارجية السودانية أية مبرر دولى للتلكؤ في تنفيذ القرارات الأممية التي جاءت مرهونة بقيودات زمنية صارمة، يجب الوفاء بها.

 

بالإضافة لكل ذلك، قرر مجلس الأمن في البند السادس من القرار، على أنه و في حال عدم إلتزام أي من الأطراف المعنية ( السودان - جنوب السودان - قطاع الشمال) بالقرار سيتخذ مجلس الأمن كافة الترتيبات المناسبة تحت المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة ( و التي من بينها إتخاذ تدابير عسكرية و تدخل مباشر لفرض السلم و الامن).

 

و ما لا يجب أغفاله أن القرار قد أمر أيضاً بتكوين لجنة تقصي حقائق حول الأحداث و المآسي التي صاحبت غزو هجليج و الخروج منها و الاحداث اللآحقة لذلك. و سنناقش هذه الآلية لاحقاً عند قراءتنا لسلوكيات حكومة الجنوب و حكومة الخرطوم.

 

المفاوضات المقترحة :

برعاية من الأتحاد الأفريقي و دعم من الأيقاد، سيتم ترتيب مفاوضات بين الأطراف المعنية لمعالجة الأوضاع التالية، و ذلك خلال قيد زمني لا يتجاوز الثلاثة أشهر من تاريخ اجازة قرار مجلس الامن :

1.   الترتيبات المتصلة بالبترول و الدفعيات المتعلقة بإنتاجه و ترحيلة.

 

2.   إيجادإتفاق خاص بوضع القوات و المليشيا المسلحة الموجودة في مناطق النزاع، أستنادا على الإتفاق الإطاري الذي كانت قد أبرمته حكومة السودان مع الحركة الشعبية قطاع الشمال.

3.   الاتفاق حول النزاعات المتصلة بترسيم الحدود .

4.   الوضع النهائي لمنطقة أبيي.

 

إن الموضوعات المتصلة بكافة تلك الأمور كانت الأطراف المعنية قد توصلت بخصوصها لإتفاقات و مفاهمات، إلا أن عدم جدية الطرفين جعل الأوضاع تذهب الى أبعاد مأسوية، لذا حين ينعقد الحوار بخصوص كل نقطة من تلك النقاط لن يبدأ من العدم بقدر ما إنه سيبدأ من حيث وقفت الاتفاقات و المفاهمات السابقة، و قد أشار القرار الى تلك الوثائق و أعتبرها مرجعا للحلول القادمة.

 

دور ضاغط للإعلام العالمي :

حاولت سفيرة الولايات المتحدة في الامم المتحدة أن تصور الفظائع الكبيرة التي ظلت ترتكبها حكومة البشير ضد المواطنين العزل في جنوب السودان، و أشارت إلى التقارير الأخبارية و الصحفية عن الاوضاع المأساوية في جنوب السودان، فقد قالت :

 

"فالتقارير حول استمرار السودان بحملة القصف الجوي ضد جنوب السودان، الموثقة مرة أخرى بأقوال شهود عيان والمنشورة على الصفحة الأولى من صحيفة واشنطن بوست، تثير الهواجس وتسبب القلق العميق، ولا سيما بعد الخطوات الأخيرة التي اتخذها جنوب السودان باتجاه عملية السلام".

 

و هذا الدور الضاغط للإعلام الدولي شمل ضمن ما شمل التسريبات الصحفية التي أطلقتها قناة الجزيرة و قناة العربية التي صورت والي ولاية جنوب كردفان بوصفه مجرم حرب يستهدف المدنيين و الأهالي من أبناء منطقة جبال النوبة.

 

قراءة في سلوك الأطراف المعنية :

حكومة الجنوب :

نعتقد بأن هناك دلائل عديدة تشير إلى أن حكومة الجنوب كانت على علم مسبق بمشروع قرار مجلس السلم و الأمن الأفريقي، و أن سلوكها أبان الحرب و بعدها يكشف قراءتها لتطورات الاحداث، و على العكس من حكومة الخرطوم التي لم تدلل سلوكياتها بمآلات الخطوة القادمة، لذا كانت منشغلة للغاية بتحشيد الرأي العام الداخلي، و بالانتصار على جبهة الحرب في هجليج.

 

لماذا دخلت حكومة الجنوب هجليج؟

هذا السؤال محوري و الإجابه عليه تشير إلا أن مجلس الأمن ما كان له أن يتخذ جملة تلك القرارات (القرار 2046) ما لم تدخل دولة الجنوب في أقليم هجليج. إذن أرادت الحركة أن تهيئ لأصدقائها الدوليين المشهد العام بحيث يكون مهيأ لاصدار قرارات لصالح أنهاء الأزمة بشكل كامل بما في ذلك البترول.

 

أرادت حكومة الجنوب أن تضع أقليم هجليج ضمن الأقاليم المختلف حولها، وأن تدخلها داخل نطاق الحرب، بحيث يكون أي قرار صادر من مجلس الامن شامل لهذه المنطقة أيضاً. وقد تردد بأن الأضافة الاخيرة التي طرأت على الخريطة الجغرافية للجنوب قد شملت منطقة هجليج.

 

من واقع قراءة القرار يتبين أن حكومة جنوب السودان، قد أدارت سلسلة من العلاقات الدولية المتشابكة و المتناقضة، بدعم و إسناد ملحوظ من شركائها الدوليين مدركة ومستغلة في ذلك لمصالح الصين التي تتطلب بسط السلام بين الشطرين بأي ثمن حماية لاستثماراتها في صناعة النفط وفي تدفقه وعبر الشمال وهو ما دفعها وحليفها الروسي الى التوافق مع بقية أعضاء مجلس الآمن في اصدار القرار ، لذا يمكن قراءة أعلان حكومة الجنوب إنسحابها  من منطقة هجليج، و إعلانها الإنسحاب من منطقة أبيي، و ترحيبها بالمفاوضات السلمية، كانت جميعها خطوات إستباقية لصدور القرار، مما يعني بالنتيجة إنها كانت على دراية تامة بمآلات الأمور.

 

حكومة السودان :

إن العديد من الخطوات السياسية توحي بأنها لم تكن مدروسة وفق الأستراتيجية الدبلوماسية، إذا قام كل من رئيس الجمهورية و النائب الأول لرئيس الجمهورية و وزير الدفاع و والي ولاية جنوب كردفان بإطلاق التصريحات الحربية والمتطرفة، التي كانت توحي بأن الحكومة كانت منشغلة فقط بمشهد الحرب وبردود الفعل و لم تكن تدري ماذا تخفي هذه الحرب من إحتمالات و مآلات. وقد و ضعت تلك التصريحات الحكومة السودانية في وضع دبلوماسي سيئ، إستطاعت حكومة الجنوب أن توظفه بالصورة التي تصور الحاكمين في الخرطوم بالعنصرية و الوحشية و اللآنسانية.

 

إن العديد من المحاولات الدبلوماسية كان بمقدور السلطة في الخرطوم إبتدارها و العمل على تحويل الحرب من عسكرية محضة إلى حرب دبلوماسية شرسة، لا سيما أن منطقة هجليج لم تكن مدرجة بالاساس ضمن مناطق النزاع بين الدولتين لو لم يكن همها هو توظيف المعركة لفك عزلتها الجماهيرية الخانقة وكذلك لو أعملت العقل والحكمة ولم تخضع لقوى التصعيد الغوغائي داخل نظامها.

 

فهل تتدارك سلطة الانقاذ في المفاوضات ما فاتها تداركه في الحرب؟

 

 





الجمعة٢٠ جمادي الاخر ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / أيــار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب منظمة المحاميين البعثيين / الخرطوم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة