شبكة ذي قار
عـاجـل










اقتصر قرار طي صفحة العراق بالنسبة للإدارة الأميركية، بإعلان الرئيس باراك أوباما الانسحاب من هذا البلد، بعد ما يقرب من تسع سنوات من الاحتلال والقتال والفوضى التي ما زالت تجتاح العراق، في حين تصارعت دوائر صنع القرار الأميركي قبيل بداية الغزو في صياغة نوع الحكم وهوية الذين يتولون السلطة الشكلية في العراق بعد اكتمال الحرب.


فقد اصطف البنتاجون ( وزارة الدفاع ) مع الجناح المتطرف داخل الحزب الجمهوري لوضع واجهات ذات صبغة علمانية لإدارة الحكم في العراق، واتجهت وزارة الخارجية والاستخبارات المركزية لتولي رجالها من المعارضة العراقية السلطة الشكلية، أما نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني فقد اختار الحل الوسط، واقترح تشكيل مجلس انتقالي شكلي يتألف من ستة أشخاص، ليصبح الواجهة التي تقف خلفها إدارة أميركية واسعة يمسكون بالقرار بصورة كاملة.


أخذت هذه السيناريوهات مساحة واسعة داخل أروقة البيت الأبيض والدوائر الرئيسية الأخرى المعنية بصنع القرار الأميركي، وفي الوقت نفسه كان الجنرال المتقاعد جي جارنر قد وصل مدينة الكويت بصحبة عدد كبير من المستشارين الأميركيين ومجموعة من المعارضين العراقيين السابقين، الذين تم تدريبهم في براغ بإشراف ضباط وكالة المخابرات الأميركية، وفي قصر كويتي مطل على البحر كان الفريق المرافق لجي جارنر ينتظرون انتهاء العمليات العسكرية في محيط العاصمة العراقية، للانتقال إلى بغداد.


قبل الجديث عن القرار الأميركي بشأن وجود قواتهم في العراق، لا بد من تأمل حجم الثقة التي يقف عليها أصحاب القرار في الدولة الأولى في العالم، هؤلاء الذين ورثوا وسائل وأساليب التعامل مع القوة الكبرى التي برزت بعد الحرب العالمية الثانية ( الاتحاد السوفيتي )، وكيف تمكنوا من هزيمة تلك القوة العملاقة وتفكيك دول الاتحاد السوفيتي دون إطلاق رصاصة واحدة، وبالتأكيد لم يضع هؤلاء في حساسباتهم ظهور ما يدوخ رؤسهم، أو يقلقهم، في بلد صغير، يعيش الناس فيه تحت ضغوطات وجوع وقساوة الحصار المفروض عليه منذ عام 1990.


لهذا فإن القرارات الخاصة بصياغة الحياة السياسية والاجتماعية والتربوية والثقافية قد تم إقرارها وفق الرغبة الأميركية البحتة، ولم يكن ثمة أي اعتبار لإرادة العراقيين، نتيجة لنظرة الغرور الأميركية والاستعلاء المطلق، وكل ما وضعوه في حساباتهم هم النفر الضئيل من الذين عملوا معهم، ودربوهم على تنفيذ ما تريد الإدارة الأميركية في العراق بعد بسط السيطرة العسكرية على هذا البلد.


ربما لم يلمس الكثيرون أن الارتباك قد بدأ في وقت مبكر في منظومة صناعة القرار الخاص بالعراق في حقبة ما بعد الغزو، فقد تبخرت بسرعة خطة تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق للحكم، وتم الإعلان عن تعيين امرأة أميركية لتصبح حاكمة منطقة بغداد، وربما أرادوا بذلك إعادة صورة البريطانية ( مس بيل ) التي كان لها دورها الفاعل في الحكم البريطاني للعراق مطلع القرن الماضي.


ولم يشاهد العراقيون السيدة الأميركية ولم تظهر لها تصريحات في وسائل الإعلام التي انشغلت بالقضية العراقية، وقبل أن يستقر جي جارنر الذي بدأ مشواره الأول في العراق بإطلاق النكات ضمن تصريحاته المحدودة لوسائل الإعلام، ومع هبوب رياح العراق الساخنة ضد الوجود الأميركي في العراق في وقت مبكر، تسربت معلومات عن تغيير جوهري في السياسة الأميركية في العراق، وبينما يتحدث الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش عن الانتصار الكبير في العراق، مبشرا بمرحلة هائلة في هذا البلد ( خطاب بوش الشهير في الأول من مايو عام 2003 ) ، فقد دب القلق والارتباك في دوائر صنع القرار في البيت الأبيض، فالصورة أخذت تتغير بسرعة، والقناعات لم تعد تلك القناعات التي سادت خلال الأشهر والأسابيع التي سبقت بداية الغزو، لأن التقارير التي تصل من مدن العراق تحمل الكثير من القلق والمخاوف، إذ حلت قذائف الآربي جي مكان الورود التي وعدوا بها، وبدأ مسلسل عودة جثامين جنودهم في وقت مبكر جدا.


لقد أرغم ذلك القلق وتلك المخاوف جميع أطراف صناعة القرار على إعادة حساباتهم، بعد أن تضعضعت قناعاتهم، فاتفقوا على إجراء التغييرات السريعة ، فانطوت صفحة جارنر والسيدة التي وصلت العراق معه في وقت مبكر جدا، ووصل بديله بول بريمر في الخامس عشر من مايو عام 2003، ليعترف بعد سنة وشهر بأنه لم يتمكن من النوم بسبب الصواريخ والانفجارات التي تستهدف مقر إقامته وسط بغداد.

 

 





الاثنين٢٣ جمادي الاخر ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٤ / أيــار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب وليد الزبيدي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة