شبكة ذي قار
عـاجـل










أطال الله في عمر شاعر الثورة العربية المعاصرة مظفر النواب وهو يصف في سبعينيات قصائده تلكم الصفقات والصفاقات وتبادلاتها بين الدول المسماة "العظمى" وربيبتها إسرائيل على حساب العرب وقضاياهم المصيرية.


مرت عقود من السنين والعرب، بيسارهم ويمينهم، كانوا يظنون بثقة شبه عمياء بمبدئية الدول "العظمى " من قضاياهم، وعلى ضوء تلك النيات انقسم العرب إلى معسكر نعت نفسه بـ " التقدمي" ، تبع مواقف الاتحاد السوفيتي وسياساته في الحرب الباردة، ومعسكر آخر سموه خصومه بـ " الرجعي"، نتيجة لتبعيته لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية وتحالفاتها الإقليمية ضد ما سمي حينها " منع النفوذ الشيوعي".


وبعد العدوان الثلاثيني على العراق شتاء 1991 وفي تسعينيات القرن الماضي سقط الاتحاد السوفيتي وجميع دول حلفائه واحدا واحدا، وبسقوط معسكر " حلف وارشو" مسح التاريخ السياسي المعاصر، " العالم الثاني" وبعدها كتلة سميت خطئا، "العالم الثالث" واختفت معهما تدريجيا مسميات التقدمية والرجعية لدول "العالم العربي" وبدأ عهد جديد من التصنيفات السياسية لدول العرب بجمهورياتهم وممالكهم وشيوخهم وهم يسعون إلى إقرار الديمقراطية السياسية في أنظمتهم المتهالكة.


كان العد التنازلي لإنهاء دولة العراق قد بدأ، والتحقت لانجازه وبتحالفات الولايات المتحدة، العديد من الدول العربية. لا فرق هذه المرة بين تلك الدول العربية من كان ينتسب منها إلى "المعسكر الرجعي العربي" أو المعسكر "التقدمي". صار رأس العراق وقيادة نظامه مطلوبا بضربة عربية أمريكية صهيونية، تتوجت بالانتصار عبر الحرب في التاسع من أفريل/ نيسان 2003.


وبمسح العراق من خارطة الصراع العربي الإسرائيلي والصراع العربي ـ الفارسي، شطب العراق من الحضور في ما يسمى بكيانات الشرق الأوسط الجديد، وبغياب العراق تقدم الزحف الإيراني ليحصد مكاسبه التي انتظرها بعد أن قدم للرجعيين والتقدميين معا خدماته اللوجستية تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية لإزاحة العراق كليا من الصراع العربي الصهيوني، بشكل أساسي، وإحلال كيانات طائفية سياسية، تدير العملية السياسية الجارية اليوم في عراق منقسم على نفسه، ويتراجع نحو مرحلة إعادة تشكيله وفق الرغبات الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وبالتنسيق التام مع العدو الصهيوني ودولته اللقيطة إسرائيل.


لقد توافقت الإرادات الدولية التي وسمها قصيد مظفر النواب الخالد بعنوان ضمن قصيدته وسمى سلم الحرب الباردة حينها بـ " وفاق الدبين" الذي انتهى بتكريس تحطيم العراق، وحلت بعد تفكك السوفيت حديقة حيوان أخرى، تتمثل في ساحة مناطحات وهمية في خيمة سيرك جديد للسياسة الدولية، أبطالها الدب الأمريكي والوعل الإيراني، وساحة الحديقة الجديدة وموقع خيمة سيركها في المنطقة الخضراء خلف رواق السفارتين الأمريكية والإيرانية.


ولم تعد المعركة الجديدة على أعلاف السيرك وأبطاله الجدد وحقوق مالكيه من الأمريكيين والفرس ؛ بل أخذت منحى وعنوان آخر يتصاعد منه ومن تحت مدخنة المشروع النووي الإيراني الكثير من تسريبات الأخبار التي تذكرنا بالحرب الباردة بين حلفي الأطلسي ووارشو. وهناك في الوسط كتلة أجواق من الساسة والطبالين ونافخي البوق والندابين تسعى، كل حسب دوره، في محاولات منع الاصطدام تارة والتوسط لإطفاء نار الفتن النووية، ومنهم يسعى إلى التهديد بالتدخل وإحباط إنجاز ما سمي " المشروع النووي الإيراني"... الخ من تلك الاسطوانة التي تم شرخها عقد من التصعيد الإعلامي الغربي والإيراني المضلل لشعوب أُمتنا العربية والإسلامية.


المعروف أن سقوط الاتحاد السوفيتي في العقد الأخير من القرن الماضي وتفكك العديد من وحداته العسكرية النووية واختراق مافيات التهريب للوقود النووي بكل أشكاله أسهم بتزويد الترسانة الإيرانية بالبلوتونيوم واليورانيوم المخصب بشتى وأنواع التراكيز المطلوبة. لقد حصل الإيرانيون فعلا على ضالتهم من اليورانيوم الكافي لسد طموحاتهم النووية التي انتظروها منذ عهد الشاه قبل أن يتعلموا حينها جيدا كل تقنيات التخصيب لليورانيوم واستخلاص البلوتونيوم من نفايات المفاعلات الكهرونووية وغيرها أو الوصول إلى تركيب أجهزتها المطلوبة للتخصيب. وربما يكون لأول مرة في التاريخ النووي أن يحصل بلد ما في الكرة الأرضية، كإيران، على اليورانيوم والبلوتونيوم، وبتلك الكميات الكبيرة، قبل أن يتمكنوا من تشغيل مفاعل نووي واحد بطاقات تشغيلية عالية، يكون قادرا على توفير تلك المواد النووية الانشطارية المطلوبة لإنجاز تفجير نووي، مطلوب ضمن التوجهات العسكرية النووية للدولة الفارسية، سواء بقيادة بهلوية ساقطة أو سلطة خمينية صاعدة .


وخلال ثلاث عقود بدأت تتكشف للمراقب الموضوعي ذلك التوافق التاريخي بين " قيادة الثورة الإسلامية وقياداتها بإيران وأوامر ولاية فقيهها" وبين " الشيطان الأكبر" وتجلى للجميع زيف تلك المعركة الوهمية، التي صدعت الرؤوس، في بعض سياقات الإعلام المطلوب لتأجيج الحملات الإعلامية والصحفية بين إيران وحلفائها، من جهة، وبين " الشيطان الأكبر"، في الوقت يتم التراضي والتوافق والتنسيق وتقاسم النفوذ والمشاركة الفعلية والمباشرة على تدمير بلدين إسلاميين جارين للجمهورية الإسلامية في إيران، وهما أفغانستان والعراق.


هذا التنسيق بدأ منذ ثمانينيات العام الماضي بإشعال الحرب على العراق بصيغ وأشكال متعددة، وتواصل التنسيق في تسعينيات القرن الماضي بإضعاف العراق وتسليط الضغط عليه، بحجة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وتهم سعي العراق لأجل امتلاك السلاح النووي. كان عملاء إيران في المعارضة العراقية، وفي مقدمتهم حسين الشهرستاني وخضر حمزة والجلبي وآل الحكيم وحلفائهم من الأكراد الساعين للانفصال وينتظرون فرصتهم يحرضون العالم كله على تدمير العراق، قبل أن يصبح دولة نووية.


ورغم سنوات الحصار وزيارات فرق التفتيش الأممية التي أكدت بما لا يقبل الشك إن العراق كان بعيدا جدا عن الوصول إلى امتلاك الأسلحة النووية. كانت كل تلك الجهات تغطي الجهد الإيراني عمليا وتساعده على تمرير وانجاز عديد خطواته نحو امتلاك السلاح النووي وتطوير منظومات أسلحته الصاروخية، القريبة والبعيدة المدى، وتتواطأ على ملئ خزاناته النووية من اليورانيوم والبلوتونيوم العابر للحدود من مصادر عدة ، لا يهم سواء بطريقة القرصنة أو التهريب أو المساومات بحماية أمريكية أو روسية وحتى صينية وكورية شمالية أيضا. ولا يمكن تناسي التواطؤ الصهيوني والسكوت الروسي على فضائح ضعف الدولة الروسية عن حماية مخزوناتها النووية التي صارت عرضة للتفكيك والتهريب والبيع في الأسواق السوداء وتحت قبضة مافيات التهريب الدولية للوقود النووي، وخاصة نحو إيران القريبة منها والمستعدة للدفع بأثمان سخية للجنرالات الروس الذين خوت بطونهم من الخبز بعد تسريحهم من الخدمة بعد تفكيك الجيش الأحمر.


صارت المساومة على ما سمي بعمليات التخصيب لليورانيوم الايراني غطاء واضحا لتمرير صفقات تهريب اليورانيوم وتدفقه على إيران، مخصبا وجاهزا، بفضل تسريبات السوق السوداء للمواد النووية. ومقابل تلك الصفقات ظلت " دولة إيران الإسلامية" تفي بوعودها في تنفيذ المساومات السياسية على حساب حرية وحقوق الشعوب الإسلامية، وتمادت القيادات الإيرانية المتعاقبة في عقد الصفقات والمقايضات بمواقفها التي خذلت شعوب وقضايا الشيشان وأفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين، بهذا الموقف أو ذاك، مستفيدة أيضا من موقعها الإستراتيجي على طريق تصدير النفط والتحكم في عمليات العرض والطلب في كميات تصديره وبيعه بأبخس الأثمان وبصفقات سرية سواء مع الغرب ودوله أو دول الشرق ، رغم صخب الإعلام الإيراني وكيله الشتائم المعلنة ضد اليهود و ضد دول و"عالم الكفر الغربي الصليبي".


ولعبت الأوساط الغربية وإعلامها ومناوراتها السياسية لعبتها باستكمال الدور الإيراني في التضليل لتمرير الصفقات وكأن إيران "راعية للتحرير للمظلومين" أو "راعية للإرهاب" ... الخ من المسميات. لقد كانت صراعات القضايا السياسية مع إيران تبدو وكأنها أكبر من القضايا التي تختلف حولها الصراعات الدولية ومنها المشاريع النووية في المنطقة؛ فبعد الانتهاء من الملف العراقي نهائيا بإسقاط وتفكيك دولته الوطنية ونظامه السياسي، بدى صراع " الدبين" يلوح من جديد ولكن بممثلين جدد وحرب لا تشبه الحرب الباردة السابقة ، مرارا تبدو أكثر سخونة، وكثيرا من المرات تبدو كحالات نطاح موسمية وظرفية عابرة، ومفتعلة الاشتعال والإطفاء معا في كل الأوقات. تجلى ذلك في حرب تخصيب اليورانيوم، وبات الإعلام من كلا الطرفين يشد ويرخي في لعبته عندما يتحدث بين وقت وآخر حول منع إيران نهائيا من التخصيب تارة، وتارة أخرى يتحدثون عن نسب معينة من التخصيب المعروضة على إيران، وتارة عن مواعيد افتتاح مفاعلها النووي على ضفاف الخليج العربي، أو منعه أو حتى قصفه وتدميره.. الخ. وتبادل أدوار التهديد بالقصف أو التساهل مع إيران وإمهالها فرصا جديدة الأمريكيون والإسرائيليون وفي أدوار متناسقة ومستمرة وبالتبادل في لعبة واضحة. كلها عبرت عن سياسات مفتعلة، كانت تسعى إلى توفير غطاء أمريكي وإسرائيلي يحجب حقيقة واحدة: هي إيران كانت قد استكملت عدتها النووية واجتازت الصعوبات لتصبح دولة نووية ثامنة كما أفصح عن ذلك رئيسها محمود نجاد ، خلال تلك الفترات طورت إيران من قدراتها الصاروخية، لمختلف المسافات، وبعديد الأنواع من الرؤوس الحاملة لأسلحة الدمار الشامل من كيمياوي إلى نووي، وإنها ومنذ أكثر من عقد ونصف من الآن تكون قد جمعت ما يكفيها من مئات الكيلوغرامات إن لم تكن الأطنان من اليورانيوم المخصب والبلوتونيوم الجاهز للتفجير، والمطلوب لإتمام تفجيرها النووي الأول المنتظر منذ سنوات حكم الشاه وبعده حكم الآيات.


هذه المراوغة، ولعبة " الغميضة" أحكمتها إيران وتمارسها بنجاح، حتى الآن، في الملعب السياسي الدولي، مع صغار الدول ومع كبارها، ومع الكبار خاصة، تتجلى في تلك المناورات التي تنتقل بها الملفات النووية الإيرانية من أروقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مجلس الأمن، والى المؤتمرات الإقليمية المنعقدة حول مختلف المشاكل الدولية، ومن ثم يجري التداول حولها في السر والعلن عبر سفارتي أمريكا وإيران في المنطقة الخضراء ببغداد، حيث يتم التوافق والتعايش بأجلى صوره من اقتسام النفوذ السياسي والاقتصادي والأمني عبر وكلائهما في الحكومات العراقية المتتالية، بمباركة أقزام العملية السياسية الجارية في العراق بتوجيه إيراني ـ أمريكي مشترك.


للوهلة الأولى يبدو، لمن لازال يعيش أوهام وجود الصراع الإيراني مع "الشيطان الأكبر" لازال قائما، ويظن البعض أن إسرائيل بعيدة عن هذا السيرك وعن لاعبيه. وهذا الاعتقاد بات خاطئا وتدحضه الوقائع على الأرض. إن الدولة الصهيونية أخذت بدور المهرج السياسي بوكالة أمريكية، هو الدور المطلوب لها الذي تعلن فيه نيتها بضرب المفاعلات الإيرانية بين الفينة والأخرى. ورغم هذا التهديد الإسرائيلي المعلن لم نلمس من إسرائيل أي قلق من خطوة إيرانية محتملة كرد فعل قد يؤدي بإيران إلى ضرب إسرائيل بضربة إستباقية. لكن المؤكد إن إسرائيل لديها ضماناتها منى عدم وجود أية أخطار إيرانية تهدد وجودها أو أمنها الداخلي أو الإقليمي وخاصة من قبل حلفاء إيران من جيرانها ، سوريا ولبنان ممثلا بحزب الله.


والحقيقة، كما تبينها الشواهد، عند آفاق الفصل الأخير من المسرحية إن إسرائيل تبقى هي اللاعب الأساسي في وضع المسرح النووي الإيراني، وعلى ضوء أدوارها يمكن للمشروع الإيراني أن يمر، وكأن إسرائيل والولايات المتحدة خلفها تنتظران من الوقت ما يكفيهما لتعلنا للعرب العزل إن السلاح النووي الإسرائيلي الصهيوني سيكون الملاذ الأخير لحماية خيمة العرب من سطوة وابتزاز السلاح النووي الفارسي، ولكون إسرائيل ، كما تدعي أنها هي الأخرى مستهدفة من الخطر النووي الإيراني، فلم يبق للعرب سوى التطبيع والاندماج في مخططات إسرائيل العسكرية والحمائية بمظلة أمريكية بدفع تكاليف الدرع الصاروخي أو السقف الحديدي المانع لصواريخ إيران من المرور. تلك هي مضامين دعوات إسرائيل والولايات المتحدة في دفع النظام العربي القديم والجديد إلى الدعوة للوحدة مع إسرائيل ضد هذا ما يسمى "العدو النووي الفارس" القادم قريبا بثوبه الطائفي والمذهبي الشيعي؟.


إسرائيل تريد إقناع البعض من حكام المنطقة بأن تعريض أمن إسرائيل لخطر نووي إيراني، لا يعني حرق إسرائيل وحدها؛ بل سيحرق جيرانها من العرب، وان المحرقة النووية لو اشتعلت في المنطقة ستشعل العرب وإسرائيل معا؛ فما على العرب إلا أن يصدقوا هذا الدجل الصهيوني والإيراني المتناغم معا في كثير من محطاته، ليدفعوا ما تبقى من مدخراتهم المالية وودائعهم الاقتصادية إلى جيوب السماسرة الأمريكيين وشركاتهم الحمائية الخاصة لبناء ما يسمى بالدروع الصاروخية التي تحمي سماء وأجواء محميات الخليج وإسرائيل وتركيا وبعدها أوربا وبكلفة مالية ضخمة يدفعها العرب.


في ظل كل ذلك تحصد إيران ثمرات خدمتها الطويلة للغرب وإسرائيل فنراها تطالب وبكل وضوح وصراحة بأخذ مكانتها ودورها كدولة إقليمية شبه عظمى في الشرق الأوسط الجديد وتطالب بضمان حضورها الحيوي في كل الصفقات الدولية والتعامل معها كلاعب أساسي يتجاوز الدور الإسرائيلي السابق، أو "دور دول الرجعيات العربية"، وحتى تركيا، وهذا الدور لا يشمل منطقة الخليج العربي، بل يتعدى إلى بقية الأقاليم العربية، سواء في تحديد مستقبل العراق أو سوريا أو لبنان وحتى قضية التسوية النهائية للقضية الفلسطينية وأخذ حصتها في الضم المباشر لعدد من جزر الخليج العربي، ومنها البحرين وأخذ رأيها في قضايا الصراعات الوطنية في اليمن والصومال وجيبوتي ولها الدور الهام في تشكيل بعض من إمارات الحكم الذاتي للطوائف الشيعية في جنوب العراق ومنطقة الإحساء والقطيف شرق السعودية وفي صعدة اليمنية، وفي لبنان وجنوبه، وفي سوريا في حالة تقسيمها.


أما عروض إسرائيل وغيرها لإيران التي نسمع بها هذين اليومين والتي وردت من خلال مقالة صحيفة ها آرتس الصهيونية واقتراحاتها الجديدة حول رفع نسبة التخصيب لليورانيوم المنتج في إيران، أو تحديدها لكميات اليورانيوم المخصب الممكن تملكه عند إيران، والحديث عن طرق تحديد استعمالاته وأغراضها، فقد باتت قضية جزئية يريدون بها إشغال الرأي العام المحلي أو الخارجي، والخاسر الأكبر هم العرب المغفلين في متاهاة التدخل المالي والسياسي في أحداث الربيع والخريف العربي هنا وهناك.


إنها الملهاة الهالكة التي تقود العرب بأرجلهم إلى الاحتراق بالجحيم النووي الإسرائيلي والإيراني معا، قبل أن تصحو " الثورات العربية" الصاخبة في هذا البلد العربي او ذاك على وقع التدخلات الإيرانية والإسرائيلية في مصير العرب بشكل كامل.


المقالة الإسرائيلية الأخيرة في الصحيفة الصهيونية تفصح عن عبارة شاعرنا الكبير مظفر النواب بوصفه لأمثال تلك الصفقات بعبارات من مثل " سبحان وفاق الدبين" لان ما يجري فعلا هو ضحك على ذقون العرب والمسلمين، يفصح عن جوهر ما راد به مظفر النواب يقوله نصا ان ما يجري : " نصف لواط يعني" ، وإسرائيل لم تكشف عن وفاقها العلني والكامل مع إيران بعد، ولكنها ستبقى شريكتها في كل الصفقات التي حلت بمنطقتنا.


وفي الوقت الذي " البارحة 20 ماي 2012" التقى به المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية " يوكيا أمانو" برئيس هيئة الطاقة النووية الإيرانية فريدون عباسي في مستهل تلك الزيارة للمسؤول النووي الأُممي لطهران، والتي استمرت ليوم واحد فقط، ألمح وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك إلى إمكانية أن تكون بلاده أكثر مرونة تجاه تخصيب اليورانيوم بمستوى منخفض.


وبطبيعة الحال، تذكرنا الزيارة الجديدة لأمانو بزيارات سابقه محمد البرادعي، عراب المشروع النووي الإيراني، بموافقة أمريكية ، فيعلن هو الآخر: [... أن يكون موضوع الزيارة الرئيسي هو التمهيد لإمكانية تفتيش المواقع العسكرية الإيرانية، وخاصة مجمع بارشين الذي تثير حوله إعلاميا تسريبات يدعى أصحابها أنها على صلة من تقارير الاستخبارات الغربية بأن إيران تستخدم مجمع بارشين في تنفيذ برامج الأسلحة السرية].


مثل هذا القول سمعناه بعديد المرات من البرادعي، ولم يتم التفتيش المرتقب بسبب التعنت الإيراني وبفضل الصفقات السياسية حول تدمير العراق، .
قبل أيام سربت الأوساط الإعلامية الغربية صورا تتحدث عن تصاميم لتقنيات التفجير النووي المحدود الطاقات، قيل عنها انها معدات لتفجيرات نووية إيرانية تجريبية، تجري فيها تجارب إنشطار اليورانيوم أو البلوتونيوم بظروف تماثل التفجيرات والتجارب النووية في محيط مغلق أو محدود المدى، بإجراء التجارب في اسطوانات معدنية صلبة خاصة تجري تحت الأرض لإخفاء تلك التجارب عن الرصد الفضائي الذي يراقب إيران كما يقولون.


ولكي تكتمل مظاهر التواطؤ في لعبة السيرك النووي نقرأ بالتزامن مع ترحيب ايهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي بقرب الانفراج مع إيران في اجتماع (5+1) الذي سيعقد بعد غد الأربعاء ببغداد يوم 22 ماي 2012. لنقرأ ما جاءت به صحيفة ها آرتس الصهيونية من مقترحات إسرائيلية تمهيدية لإنجاح الحدث السياسي للإتفاق مع إيران في اجتماعات بغداد. كشفت صحيفة "ها آرتس" الإسرائيلية: [... أنه في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة الإسرائيلية لإظهار تشدد في المواقف أمام أي صفقة متوقعة بين القوى الغربية وإيران، فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، مع قرب افتتاح الجولة الثانية من المفاوضات فى العاصمة العراقية بغداد، أعربت مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة أن مساحة المناورة الحقيقية في هذه القضية واسعة] . ونقلت ها آرتس الصهيونية، عن تلك المصادر قولها: [.. إن إسرائيل ستوافق على مواصلة تخصيب اليورانيوم بشكل محدود داخل إيران]. وأشارت الصحيفة: [ إلى أن وزير الدفاع، إيهود باراك، كان قد بعث برسالة مكتوبة للقوى الغربية قبل عدة أسابيع، أبدى خلالها موافقة إسرائيل على تخصيب اليورانيوم فى إيران بمستوى منخفض بنحو 3.5%، والإبقاء على عدة مئات من الكيلو غرامات المخصبة داخل إيران].


وبطبيعة الحال إن موقف ايهود باراك يفضح جوانب من "لعبة توم وجيري" بين إسرائيل والنظام الإيراني حول مكونات و بنايات ومحطات إنتاج وقود المشروع النووي الإيراني، فتسامح ايهود باراك مع إيران من خلال محادثاته مع الإدارة الأمريكية تبدو وكأنها تتعارض مع الخط الصهيوني العلني الآخر الذي يبدو وكأنه متصلب والذي أبداه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، الذي طالب فيه إيران بالكف عن تخصيب اليورانيوم، دون شروط ، وللأبد، وأن تتنازل إيران عن ذلك اليورانيوم الذي خصبته قبل ذلك وتسليمه الى جهة ثالثة.


على ما يبدو الآن، إن الفصل ما قبل الأخير للحبكة المسرحية المطلوب تنفيذها قبل الانتخابات الأمريكية يجب أن يسجل كنجاح للمرشح الديمقراطي في الانتخابات الأمريكية باراك أوباما الذي سيوحي للشعب الأمريكي "إعلاميا" ، على الأقل، انه بات " المخلص" للأمريكيين من حماقات سلفه جورج بوش ومغامراته العسكرية في العراق وأفغانستان، وإن الولايات المتحدة وإيران فى طريقهما للتفاهم وتفادي المواجهة، انطلاقا من لقاءات المنطقة الخضراء ببغداد وهما في طريقهما نحو الإتفاق الذي سيكون في إطاره أن تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم على مستوى 20%، والذي يقربها نسبيا من إنتاج قنبلة نووية، لكنه يبدو على الأقل، يبدو وكأنه فعلياً، سيوقف التخصيب في المنشأة النووية الإيرانية تحت الأرضية فى "باردو"، بالقرب من "قم"، وأن توافق طهران على إخراج 100 كيلو غرام من اليورانيوم المخصب من أراضيها. وفى المقابل، تقوم الولايات المتحدة وحلفائها برفع جزئي للعقوبات التي فرضت على طهران، ولكي تبقى جوانب من عملية شد وإرخاء الحبل بين "توم وجيري" ، ولا بد أن تبقى بعض العقوبات التي فرضت عليها سارية المفعول، مقابل عدم فرض عقوبات إضافية خلال فترة حملة الانتخابات الأمريكية.


لا بد أن نشير هنا أيضا: إن اختيار بغداد لهذا اللقاء الأمريكي ـ الإيراني، بحضور شهود الزور الآخرين من البقية ، ومنحه تسمية " اجتماع (5+1) "، هو محاولة أمريكية ـ إيرانية لإظهار الفضل لعملائهما ببغداد، ورد الجميل لحكومة بغداد وكأنها تؤكد تمكن وتحكم حكومة المالكي بزمام الأمور المنفلتة ببغداد، وان هذا المؤتمر يستغفل الناس على قاعدة " من شعر لحيته بخر له" حيث تدفع تكاليفه الكاملة من أموال الشعب العراقي، وهو ينعقد ببغداد رغم الاجواء الداكنة التي تلوح بحرب طائفية أو أهلية أو صراعات المليشيات على الحكم وتسود الساحة العراقية حدة الانقسامات والإنشطارات وهبوب عواصف التشرذم والانقسام بين أطراف وعملاء العملية السياسية الجارية في العراق برعاية أمريكية ـ إيرانية.


مصادر نيابية من محمية المنطقة الخضراء تؤكد قولنا أعلاه: من أن التكاليف باهضة جدا، تضم مصروفات الضيافة والورود، فضلا عن استخدام الشركة التركية نفسها التي أشرفت على الخدمات في ما يسمى "مؤتمر قمة بغداد " نهاية آذار/مارس الماضي.


ورغم تغيير بعض الديكور الخاص بالأسياد المحتلين إلا أن بعض المصادر الحكومية تحاول أن تنفي بما إذا كان هذا الاجتماع الأخير سيستخدم الطاولات نفسها والأثاث الذي استعملته الحكومة العراقية في " قمة بغداد العربية"، الأخيرة مضيفة أنها تنتظر عقد الاجتماع، وسوف تحقق "لجنة النزاهة" في أمر الأثاث المستخدم؟!!،لأن الفواتير الجديدة حول ترتيبات الاجتماع الامريكي الايراني تشير الى محاولات سرقات جديدة على حساب اللقاء يدفع من قوت الشعب العراقي ومعاناته اليومية في الحرمان من الكهرباء والخدمات وتعليم أطفاله في المدارس الطينية الخربة.


تضاربت الأنباء منذ آذار/ مارس الماضي عن الأرقام التي أنفقت في "قمة بغداد" بين المليار والملياري دولار، بينما يزعم رئيس وزراء الحكومة الإحتلالية الناقصة غير الشرعية برئاسة نوري المالكي حينها : إن القمة لم تكلف العراق سوى نصف مليار دولار فقط؟!!. بينما يؤكد نواب من نفس العصابات الطائفية أن الاجتماع الامريكي الايراني في بغداد سيكلف العراق نفقات الترتيبات الأمنية والضيافة، فضلا عن التبعات الاقتصادية السيئة في شل حركة الشارع، ويتوقع الجميع أن إجراءات اجتماع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومعها إيران ستكون مشابهة لما حدث في "قمة بغداد" من إغلاق شوارع وتعطيل مصالح المواطنين والاعتداء على حريتهم.


وفي نفس سياقات احتفالية السيرك في المنطقة الخضراء ينتقد بعض النواب حجم التخصيصات المالية المرتفعة التي ترصد لمثل هذه الاجتماعات، والتي تذهب إلى جيوب المُفسدين، مُشيرين إلى أنهم لا يملكون معلومات دقيقة عن الأرقام الحقيقية التي ستنفق في اجتماع سادة الإحتلالين الايراني والامريكي وحلفائهم ببغداد ، ولكن مهما كانت أعدادها، فلن تكون مقدمة لمشروع إستراتيجي أو لخدمة المواطنين أو ضمان سيادة العراق واسترجاع إستقلاله.


ولا شك أن يوم الاربعاء 22 ماي/ آيار 2012 سيكون أطول يوم في التاريخ بالنسبة للمؤتمرين الخائفين من ضربات المقاومة العراقية أو المفاجئة بأي طارئ غير سعيد لهم وهم يحلون غير مُرحب بهم في عاصمة الرشيد، لأن هذا المؤتمر المشبوه في توقيته وأغراضه غير مرحب به كلياً من قبل شعبنا الذي يئن تحت ضربات الفقر والجهل والمرض، في الوقت الذي تعلن فيه مصادر مطلعة من داخل ما تسمى "لجنة النزاهة" في مجلس النواب الحالي أن اجتماع (5+1) المقرر عقده اليوم في بغداد سيكلف خزينة العراق المثقوبة ملياري دولار أخرى تضاف الى صفقات سابقه مؤتمر القمة العربية الفاشل. وبينما يحتفل الأقنان الآخرون في كواليس " دولة القانون" إحتفاء بما سيؤخذ من ميزانية العراق من حصص إضافية للندابين والندابات واللطامين واللطامات وخطباء العمائم البيضاء والسوداء في البرلمان الكسيح،. وكما نقلت وكالات الأنباء عن تسريبات أخرى من كواليس الحكومة المملوكية ان الفواتير تتهاطل على وزارة المالية والبنك المركزي لصرف مستحقات المؤتمر المذكور.


واستباقا لاي احتمال لفشل المؤتمر يأتي تأكيد الحكومة العراقية : [ أن العراق لن يكون جزءا من مؤتمر (5 +1)، لكنه سيوفر فقط كافة التسهيلات لإنجاحه]، مشيرة إلى توفيرها بيئة مناسبة للوفود واقاماتهم وحمايتهم، أملا منها التوصل إلى حلول مقبولة تطمئن المنطقة والعالم،. وتتبجح حكومة المالكي: [... بأن الحماية الأمنية للمؤتمر ستكون عراقية 100% ولن تؤثر على حياة المواطن العراقي]. وتلك أُكذوبة سمجة أخرى، ونكتة بلهاء يطمئن بها العملاء أنفسهم بالأمن والنجاحات.


بطبيعة الحال تشهد بغداد اليوم نهاراً أمنيا ثقيلاً كاتماً على الأنفاس، سيذكرها بأيام انعقاد القمة العربية الأخيرة، عندما أصبحت شوارع بغداد خالية من البشر؛ إلا من وكلاء الشركات الأمنية ووحدات القوات الأمريكية الخاصة التي كانت تحرس الأجواء والمناطق الحساسة من بغداد، بدء من المطار إلى المنطقة الخضراء.


ومن المهازل أن تتناقل برقيات ووكالات الأنباء تصريحات الجوق البرلماني العراقي من كل الكتل السياسية، وكل يغني على ليلاه، وهم يتحدثون بثقة نجاح "وفاق الدبين" وإمكانية نجاح العهر السياسي الدولي، وقرب تبادل القبلات الأمريكية الإيرانية، وتبادل زهور المنطقة الخضراء ببغداد بين الوفود. نشير هنا إلى تصريح البعض من النكرات السياسية في العراق، الذي يستعجل إصدار حكما بالنجاح لمؤتمر والى حلفائه المتخاصمين حول الملف النووي، فيقول حسن جهاد عن ائتلاف الكتل الكردستانية: [... بأن إيران ستوافق على مقررات أوربا وأمريكا في اجتماع (5+1)، لأنها تريد طمئنت الاتحاد الأوربي بأن مفاعلها النووية لإغراض سلمية ] . وتتواصل التصريحات العراقية بهذا الصدد بمحاولات التطمين من احتمالات الفشل فيحذر النائب الكردستاني: [ ... من هزات سياسية واقتصادية في المنطقة، في حال فشل المؤتمر، وقد يتعرض العراق إلى هذه الهزات].


فيما يعرب عضو ائتلاف دولة القانون النائب شاكر الدراجي عن التحالف الوطني ، عن تفائله : [... باستطاعة العراق التخفيف من التوتر الحاصل بين إيران والاتحاد الأوربي، مشيراً إلى أن فشل هذا الاجتماع سينعكس سلباً على الأوضاع السياسية والاقتصادية في الخليج العربي والعراق]. ونفس النائب، رغم ادعائه الحياد، حول هذا المؤتمر، يمرر رسالة أخرى إلى أسياده الإيرانيين من خلال التصريح التالي: [...أشار النائب عن ائتلاف دولة القانون الى : [.. ان وجود دول أخرى في المنطقة كإسرائيل والهند وأفغانستان، لديهم السلاح النووي، وليس لإغراض السلم، فلماذا يتم منع إيران من امتلاك السلاح النووي، وان برنامجها هو لإغراض سلمية]. ولنائب آخر عاشور حامد من ائتلاف العراقية، يحاول استغلال الحدث فيتوقع فشل اللقاء، نكاية بقائمة غريمه، وحكومة المالكي فيقول متوقعا من : [.. فشل اجتماع (5+1) ، لان الدول الغربية توافق على امتلاك مفاعل نووية لأغراض سلمية فقط ، مشيراً إلى أن فشل الاجتماع سيعرض المنطقة إلى أزمة جديدة]. وقال عاشور (للوكالة الإخبارية للأنباء) : حول اجتماع (5+1) : [أن انعدام الثقة بين إيران والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ، وعدم قناعة إيران بتخليها عن البرنامج النووي قد يساهم بفشل الاجتماع بشكل كبير]. و [ حذر من هزات سياسية قد تضرب العراق في حال فشل الاجتماع ، كون العراق لم يسلم من أي هزة اقتصادية أو سياسية تحدث في المنطقة]. وأضاف: [ ... أن إيران لن توافق على امتلاك مفاعل نووية لإغراض السلم فقط، لأنها تريد أن تصبح لها قوة في المنطقة وبدون السلاح النووي لا تمتلك تلك القوة لكن، الضغوطات من الاتحاد الأوربي وأمريكا قد توافق لكن موافقتها فقط إعلامية].


وهكذا يتجلى أن اللعبة السياسية الجارية على مسرحها ببغداد اليوم تخفي الكثير من ادوار لاعبيها مهما اختلفت تصريحاتهم وأقوالهم، لكن المشترك بينهم: أن لا احد سيصدق يوما بما تدعيه إيران، من أنها تنفي مراراً سعيها إلى حيازة السلاح النووي، وتدعي أن هدف برنامجها النووي مدني صرف، وأنها لا تقر بامتلاكها قدرات نووية وخزين كاف من اليورانيوم المخصب، وتكتفي فقط بالإقرار الرسمي عند الضرورة او عند الحاجة لرفع معنويات حكومتها بنجاحات نسبية في مجال التخصيب لليورانيوم بطريقة استخدام تقنيات الطرد المركزي التي تتزايد أعدادها ، في ذات الوقت لوحت ضمنيا في عدد من المرات: أنها أنتجت ما يزيد عن 4500 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب منذ عام 2007، وهي كمية كافية لإنتاج أربعة أسلحة أو قنابل نووية، وفق تقديرات الخبراء.

 

 





الاربعاء٠٢ رجــب ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٣ / أيــار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ا.د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة