شبكة ذي قار
عـاجـل










تسمى مجموعة الأجهزة الإدارية التنفيذية والتشريعية والقضائية في كل دولة في العالم المتحضر حكومة وتخضع إلى دستور ينظم العلاقات الحياتية اليومية بين الشعب تضمن لهم الحقوق وتنظم الواجبات وتتشكل هذه الأجهزة أما عن طريق الانتخابات التي يختار فيها عامة الناس من يمثلهم في أعلى هرم تلك الحكومة هذه ويفترض أن تكون من النخبة المتقدمة أو من ذوي الكفاءة المناسبة والمعروفة بتاريخها المقبول وتتبدل بعد كل فترة متفق عليها مسبقا وحينها تسمى حكومة ديمقراطية لأنها منتخبة , وفي بلدان العالم الثالث الذي لازال في طور النمو ومتأخر نسبيا بالقياس إلى ما وصلت إليه أساليب الحكم الدول المتقدمة غالبا ما تصل إلى قيادة السلطة الحكومية جماعة أو حزب عن طريق القوة تعمل على تحقيق مصالح القائمين عليها الشخصية والمقربين منهم أو الجهات التي دعمتهم أو مولتهم بالمال والسلاح , وحينها نطلق عليها انقلابا وهذه تؤسس بناءا على ما تتركه من آثار سلبية في المجتمع إلى قيام حالة ثالثة من أنواع الحكومات حيث ينتفض الشعب ثائرا ليدفع إلى قمة الحكم من يمثله ويرعى مصالحه فعلا وفي هذه الحالة نسميها ثورة والأنواع الثلاثة لها نماذج كثيرة في عالم اليوم .


تلك المقدمة السريعة والمبسطة تطرقت إليها لأقنع نفسي إن في العراق اليوم حكومة تقع ضمن احد الأشكال القياسية الثلاثة المعروفة ويمكن أن تخضع إلى قانون معين أو دستور ينظم العلاقات ليس بينها وبين الشعب بل بين من إنخرط لأي سبب للعمل فيها فلم أجد غير مجموعات من اللصوص وقطاع الطرق والقتلة فرضها المحتل الغازي على شعب مبتلى بنعمة وخيرات تدر مليارات الدولارات منّ بها الله العزيز عليه ومليشيات تتنازع بينها لتسرقها مقابل أن تشيع بين الناس الأبرياء القتل والدمار بلا ذنب أو جريرة .


ولان الشعب العراقي شعب حر أبي لم يرتضي لنفسه الخنوع والذل ورفض هكذا نوع من حكومة تنفرد بشكلها لا مثيل لها على الأرض متسلطة بقوة الأجنبي انشغلت عنه طيلة ما يقارب العشر سنوات من عمر الاحتلال فانه رفض الاعتراف بوجودها والتعاون معها وثار وانتفض وقاوم وجودها بكل الوسائل التي أقرتها الشرائع والأعراف ونعتها بأبشع النعوت ولكنهم ( أي من يشكلون هذه الحكومة ) بلا رقيب ولا ضمائر أو روادع وغير مبالين بما سيلحق بهم مستقبلا وما سيكتبه عنهم التاريخ تمسكوا بكراسيهم ومناصبهم التي طالوها في غفلة من الزمن بالإضافة إلى خلافاتهم البينية المدعومة ممن نصبهم والتي تسير بالقطر لا سامح الله نحو هاوية لا يعلم مستقرها إلا الله إذا لم يتدخل الشعب العراقي وقواه الوطنية الخيرة ليحسمها لصالحه.


هؤلاء القوم ليسوا مجانين أو ناقصي عقول وطبعا لهم من يوجههم من خارج القطر ويدير لهم شؤونهم مستفيدا مما فيهم من مواصفات رخيصة وحدد لهم الأهداف والوسائل في ضوئها لكنهم ارتضوا لنفسهم أن يخونوا ماء العراق وترابه ويعبثوا بكل مقدراته ويكونوا أداته التنفيذية وما الخلافات الجارية بينهم الآن إلا حلقة في سلسلة طويلة أعدت في دهاليز أجهزة المخابرات لحاضر ومستقبل المنطقة وجزء من الصراع الدولي لفرض الهيمنة عليها .


نوري المالكي مصاب بعقد كثيرة جعلته في مقدمة من يناسب منصب رئيس وزراء في حكومة الاحتلال فمجرد ذكر اسم حزب البعث العربي الاشتراكي يجعله يرتعش خوفا لأنه يدرك حجم التفاف الشعب حوله واتساع قاعدته الجماهيرية التي مكنته من طرد المحتل وأعاقت تنفيذه لمشروعه باعتراف العدو قبل الصديق , ويذكره بماضيه كبائع للمحابس والمسابح لا يمتلك ثمن إيجار شقته التي يسكنها في حي السيدة زينب ولكي يرضي أسياده في قم وطهران كان لزاما عليه أن يدعم التطرف الطائفي ويستقطب ويدعم الرعاع وسقط المتاع ومن عرض ضميره سلعة في سوق النخاسة الرخيص ليجعل منه حاضنة له يستقوي بهم على منافسيه وخصومه في حكومته الخائبة , ذلك جانب من خصاله أما فعاله فان أحسنها ولا أجد فيها من الحسنى شيء فتتلخص في صناعة الأزمات مع شركائه في الخيانة لشدهم عن مطاليبهم وإشغال الشعب عن المطالبة بأبسط حقوقه حسب ضنه السيئ من خلال حالة عدم الاستقرار وإظهار قابليته الفريدة في البطش وملي السجون بمن لا يطاله رصاص مليشياته وتصفية خصومه وكل الشعب خصمه وهو يحاول البقاء متمسكا بالخيوط الرئيسية للعبة أطول وقت ممكن خشية مما سيلحق به وبشلته من حساب عسير وانتقام شعبي بعدها, بينما ارتمى خصمه التقليدي أياد علاوي في أحضان الطائفة الخصم وراح يعلن نفسه حامي لهم وملبي لمصالحهم من دون توكيل , أما الأكراد الذين يؤسسون للانفصال وإعلان دولتهم في شمال القطر فلا هم لهم أكثر من تأمين ضم كركوك لا حبا بها وبمن سكنها وإنما طمعا في نفطها الذي تطفو عليه ينعقون مع من يلوح لهم بها ولا خلاف لهم مع المالكي إلا على تقاسم النفوذ في ساحة النفط الذي يحتاجون عائداتهم لخدمة مخططهم ومسعود البرزاني أغبى اللاعبين في هذه اللعبة لكن يتحكم في طروحاته جهاز الموساد الصهيوني الذي أزكمت رائحتها النتنة أنوف كل زوار شمالنا الحبيب .


إذا كانوا هؤلاء الشركاء الخصوم قد اعدوا أنفسهم لمثل هذا اليوم منذ الاحتلال لحد الآن فما الذي دفع بمقتدى الصدر إلى أن يصطف إلى جانبهم ضد نوري المالكي وأصبح يطالب بسحب الثقة من حكومته العميلة وهو أكثرهم تطرفا في الطائفية وتلميذ كاظم الحائري المعروف بفتاويه المخالفة للشرع والدين ؟


مقتدى الصدر اعتاد اللعب على كل الحبال ودائما يركب موجة المطالبة الشعبية ليلبس الرداء الشعبي , هذا ديدنه منذ أن علا صوته بعد دخول قوات الغزو الأمريكية إلى بلادنا وأصبح يستقطب أتباع أبيه ومقلدي مرجعيته حسب التقاليد الشيعية ولا يوجد بين أنصاره إلا عدد محدود من الواعين الذين كرسوا كل جهودهم للسباق على سرقة المال العام يعتمدهم ككادر متقدم لقيادة أتباعه وإيران لم ولن تسمح له بابتلاع الطعم الذي رمي له بتعين بديل للمالكي من أتباعه وان دخوله معهم لتمييع أي قرار يصدر منهم فكلنا نتذكر كيف أن المالكي طلب مهلة مائة يوم لإصلاح أوضاعه اثر تظاهرات العراق في 25 شباط من العام الماضي , فظهر مقتدى الصدر ليتبرع له بستة أشهر حتى تمكن من قمع وبأساليب مختلفة كل مطلب جماهيري وها هو الآن يعيد نفس سيناريو الاستفتاء ليمنح المالكي فرصة أخرى تقترب من نهاية فترة حكومته الخائبة فتسكت جميع الأصوات تحت ذريعة انتظار الانتخابات المقبلة إذا تمكنوا من إجرائها .


التحالف الأمريكي الإيراني كلاعب حقيقي في هذه المسرحية الهزيلة المصطنعة لحد هذه اللحظة لم يظهروا بشكل علني لحسم الموقف سوى في بعض الإشارات الخفيفة بالتلويح بالعصا الإيرانية لهذا الطرف أو ذاك لأنهم يريدونها أن تكون تأديبية للمالكي الذي لم يفي لحد الآن بوعوده بالكامل إلى الولي الفقيه علي خامنئي وأهمها ما يتعلق بموضوع تسليم قيادات معسكر اشرف إلى الحكومة الإيرانية فأرادوا له التعرف على حجمه الحقيقي لديهم كعميل رخيص ولم يكتفوا بان يخلع ربطة عنقه في مجلس علي خامنئي وانه لم يتمكن من البقاء على كرسيه لحظة واحدة بدون دعمهم على الرغم من إنها جهزت وهيأة قوة انقلابية من المليشيات التي يقودها سفير طهران في بغداد وضباط من فيلق القدس في العراق للسيطرة على الموقف إذا انفلت من عقاله.


أما الإدارة الأمريكية صاحبة الرأي الأهم والقرار النهائي الحاسم فموقفها مختلف تماما وهي التي رفعت شعارات الديمقراطية النموذجية الفريدة التي ستطبقها في العراق ما بعد الغزو كتبرير لفعلتها الجبانة المرفوضة دوليا فهي تخطط لأبعد من ذلك بكثير رغم الخدمات التي تبرع بتقديمها المالكي إلا أنها تعتبره ورقة يجب أن تسقط لإظهار ديمقراطيتها بمظهر مقبول لدى الشارع العراقي والعربي في طريقة تداول السلطة أما هدفها الحقيقي فان سقوط المالكي على غرار ما حصل في الدول العربية يعتبر متمما لسقوط بشار الأسد ونهاية حلم الهلال الشيعي وهو بداية لمسرحية جديدة ستقام فصولها في إيران قريبا .

 

 





الاثنين١٤ رجــب ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٤ / حزيران / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عراق المطيري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة