شبكة ذي قار
عـاجـل










العلة ليست في الممارسات الجارية في العراق التي يطلق عليها البعض "ديمقراطية"، رغم انها تفوح بكل روائح الجريمة السياسية والأخلاقية والجنائية. كثير من فرسان المشهد السياسي الجاري في العراق دمويون وطلاب ثأرات ودعاة انتقام لبعضهم البعض ولخصومهم،على المستوى السياسي والطائفي وحتى الفردي.


كل الممارسات تلك يحلو للبعض التحدث عنها انها "ممارسات ديمقراطية" و"دستورية" وانها تجري في ظل القانون ... الخ. من تلك الترهات التي باتت مفضوحة للقاصي والداني وجرائمها تزكم الانوف. باتت هذه "الديمقراطية العراقية" وهما وتضليلا ودجلا سياسيا ممارسا سواء باستغفال الناس او بقوة العنف وتكريس الجريمة الجنائية التي تصل الى حد التصفية الجسدية للخصوم والحلفاء على مستوى العراق، وحتى على مستوى اجنحة الحكم، وفي صفوف الكيانات السياسية الحاكمة والمعارضة داخل العراق وخارجه. والمؤمن بكل ما يجري في العراق من انه خطوة لا بد من المرور فيها في مسار البناء الديمقراطي وبناء الدولة العراقية الجديدة، لا يمكن ان يكون إلا بليدا أومُغفلا ؛ إن لم يكن في قرارة نفسه دجالا سياسياً، مقتنصا للفرص المتاحة له، بانتهازية مُقرفة تتم على حساب خراب العراق ومستقبل اجياله.


وهناك من يجري وراء السحاب في عز ظهيرة تموزية قائضة في الصحارى القاحلة، الكثير نراه يلهث، وهو يُمني نفسه الوصول الى بحيرات السراب الديمقراطي في العراق، والتي كلما اقتربت منها زدت قناعة ان لا جدوى من الركض نحوها؛ املا في الرواء او حتى الاستحمام فيها لغسل بقية أدران الذنوب السياسية المقترفة في العراق باسم الديمقراطية.


انها الحقيقة التي لابد على العراقيين من مراجعتها ومعالجتها جذريا بدءا بإلغاء ما يسمى بـ " الدستور العراقي" الذي وضعه واشرف على اعداده وباشر في تطبيقه "بول بريمر"، ومرورا بكل العملية السياسية المشوهة بكل هيئاتها ومؤسساتها ، بما فيها الهيئات المسماة بنعوت شتى، منها الهيئات القضائية ومحاكمها تضاف اليها هيئات اخرى عدة كثرت عنها الاقاويل في مسمياتها الكارتونية، كـ "النزاهة" و"الاشراف على الانتخابات" و" لجان حقوق الانسان" ومجالس القضاء والمحكمة الدستورية والرئاسات الثلاث من برلمان وحكومة ورئاسة جمهورية ... الخ من تلك المصطلحات الخالية من اي مضمون سياسي واجتماعي حقيقي.


لا بد من المرور مرة اخرى بالخيار الصعب والحكيم من خلال مرحلة انتقالية لسنتين او اكثر يتم الاتفاق عليها باستفتاء وطني تقرره اغلبية العراقيين، من دون وصاية عليهم من اية جهة داخلية او خارجية كانت، وخلالها يتم تكوين مجلس انتقالي وطني عراقي، بعيدا عن كل المحاصصات الطائفية والإثنية والقومية والتدخلات الاقليمية والخارجية ليضع العراقيون بأنفسهم دستورا وطنيا لهم يلبي متطلبات بقائهم كشعب او امة تستحق الاحترام، ولأبنائهم المستقبل والعيش في بلد لا بد له أن يتشافى من كل جراحاته ونكباته السياسية والاجتماعية، وشأنهم شأن كل بلدان وشعوب العالم الحر والمتحضر سيكون العراقيون قادرين على حل مشاكلهم بعد كل هذه العبر الجسيمة التي مروا بها خلال قرن من المآسي السياسية والإجتماعية.


الدستور الجديد، لا بد ان يؤسس لمعايير تشكيل قضاء عراقي محايد غير مُسيس وغير مُرتشي وغير تابع لجهة ما، مهما كانت نسبتها السكانية، وغالبيتها القومية او المذهبية . المواطنة الحقيقية هي معيار الانتساب لوطن اسمه العراق، بعدها تجري انتخابات برلمانية ورئاسية لا تعتمد القوائم والتكتلات والكيانات السياسية المفروضة بالقوى القمعية والمليشيات المسلحة والقوات المسلحة المشبوهة في ولائها الوطني، ولا تكون مرتبطة بالطائفيات السياسية والمعتمدة على المرجعيات التي اختبرها شعب العراق وأدرك حقيقتها وتبعيتها، مهما كان ألوانها وأيديولوجياتها؛ بل لا بد من منح الفرصة الحقيقية التي يستحقها شعب العراق، لكي يختار العراقيون قادتهم وإدارات دولتهم بالاقتراع السري المباشر من خلال حرية الاختيار الواعي وعبر الصندوق الشفاف النزيه لتصل الى دواليب الدولة وبناء العراق الكفاءات الوطنية والسياسية والاجتماعية والعلمية ذات الاستحقاق الى المواقع التي تستحقها من، دون تزكيات مسبقة واجتثاثات سياسية واجتماعية مفروضة وموضوعة سلفا، بحكم ممارسات الإقصاء السياسي المسبق للخصوم، ذلك الاختيار يفتح الطريق امام فرص العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والتسامح الوطني لمسح تلك الصفحات السوداء من الممارسات السياسية التي أضرت بالعراق شعبا ووطنا، وليُحاسب من يُحاسب، ويُعفى من يُعفى، ويُعزل من يُعزل على ضوء ممارسات الفرد وأخطائه وجرائمه وفساده السياسي أو المالي السابق وفق معايير العدالة الانسانية التي سيقبل بها الجميع.


ان ما يطالب به البعض في العراق فيما يسمى الاصلاح السياسي للعملية السياسية الإحتلالية الجارية الآن إنما هو وهم يأتي بعد خراب شامل يشهده العراق على كل المستويات، ولا يمكن تمريره مطلقاَ عبر خطابات وتوجهات المجموعات السياسية التي استأثرت بالسلطة بهد الغزو الامريكي للعراق وتم تنصيبها بدعم أمريكي، وبعده ايراني والتي عكست ممارساتها الجارية امامنا انها عاثت بالعراق فساداً وتدميراً وتمسكاً حديدياً دموياً للتمسك بالسلطة وأجهزتها وامتيازاتها.


ان ما يجري امامنا ما هي إلا محاولات للتضليل والتهريج السياسي لتكريس السلطة بيد الحزب الواحد، والطائفة الواحدة، والدكتاتور الواحد، والمقدس الواحد. الكل يدرك ان العراق ذاهب الى الهاوية والمجهول، ولا نقول الى الإضمحلال بالتقسيم والتشرذم والضياع ؛ إن لم تتدارك الارادات الوطنية الاوضاع لإنقاذ ما تبقى من العراق شعبا وارضا.


حقيقة هامة لا بد من تأكيدها والاشارة اليها في هذا السياق هي ان اي تجاهل لقوى المقاومة العراقية وجماهيرها التي ناهضت قوات الاحتلال وأجبرت القوات الامريكية على الانسحاب الجزئي من العراق وهي لازالت تواجه تركة الاتفاقيات الامنية مع الولايات المتحدة سيكون تجاهلها من افدح الاخطاء السياسية، التي لازال البعض من الاطراف العراقية مصر على ممارستها في العزل والاجتثاث السياسي بحق معسكر المقاومة العراقية وفصائلها السياسية والمسلحة . فقوى المقاومة العراقية بكل فصائلها السياسية والمسلحة كانت ولا زالت تقف بقوة في مناهضة فلول العملية السياسية التي كرسها الاحتلال وظلت في خط الصدام الاول في مواجهة الحكومات الإحتلالية المتعاقبة التي تم تنصيبها برعاية ومباركة وحماية القوات الامريكية، ان قوى المقاومة العراقية ستبقى الرقم الصعب في اي حل حقيقي للقضية العراقية وآفاقها المستقبلية في المشهد العراقي.


ورغم هذه الحقائق، فلا زال الكثير من هذه الاطراف يحاول السير بعكس تيار الحياة، ويعمل جاهدا على تأجيل وصول العراقيين الى ضفة الامان المنشود، كشعب له حضارته وتاريخه وكفاحه الوطني، وهو شعب يستحق الوجود والمستقبل المنشود للإنسان في عصرنا.

 

 





السبت ٣ شعبــان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / حـزيران / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة