شبكة ذي قار
عـاجـل










قرأت لك هذا النص الرائع .. المفعم بالحياة والتدفق والأمل، وكما هو الحلم الفلسطيني دائما يمنحنا كل صبراً مفعما بشريان الحياة ومقترنا بالشهادة،مرقونا على نبض الالم والدهشة التي لا تفقد صيرورة الاتزان.. نصك يعزف أرجوزة البقاء عربية، فلسطينية، وانسانية، تعلمنا وتذكرنا ان نعيش أسوياء، كالبشر على ارض المواعيد الصلبة والهشة والقاطعة المكتظة برجز الرجال ... ذاهبون جميعا الى الجدار الاخير عند بوابة المغاربة سنحط رحالنا عند حائط سوف لا نبكي ابدا في جنباته... نحلم بالفناء بالخلد الأبدي، هناك على طينة سيكتبها بابليون وكنعانيون وأوراسيون وهنود حمر إحتشدوا من بقاع الارض التي اكتوت باستيطان الجراد الثقيل . الى الأرض التي لم تبخل علينا بالفخر يوما بانتمائنا اليها، ولها منا امتنانا للوفاء ولتضاريس كوفيتها المطبوعة على وجوهنا كطبعات الدنا ووشم الهوية.


تحية الى صديقنا عبد ربه العنزي، ذكرنا كيف نسأل، عندما نسينا في غفلة من ترهل الذاكرة، وعندما عصفت في أحيائنا ريح زلزلت هشاشتنا، عندما تترجرج المواقف، وتسود هزهزة اليقين في أرجوحة النواويس التي تحسب جاذبيتنا وتنسبها الى مرابع قدسنا، شكرا لك يا عبد ربنا جميعا ، يا عبد اله كنعان المتوحد والواحد في جوارحنا، الصابر في دفة سُفننا منذ زمن الطوفان الأول واعادة تشكيل الخليقة الاولى، منذ جلجامش، ذلك الواهب للبحر سفائن النجاة، نراها تطوي الموج للقاء ارز فلسطين، اوجعت فينا يا عبد القدوس المؤمن ضرب سيف انكيدو وخالد وعلي، يا صاحب النخوة والزمان.... أسألك هل ان لغزة سؤال واحد يكفي لكي نعرف احوالنا فيها، هل من جواب تكفيه كل حروف الابجديات، حتى لو جمعنا بها اجابات مواجع الارض وأجبرناها على التوقف، وبلا خجل عليها توزع على جنبات مداراتها مواقيت الليل والنهار والصبح والمساء، الفقر والرخاء...عليها ان تقف خجلة وعارية من ضياء الاكون، وعليها أن توقف دوران دواليب الفصد الدموي في نواعير غزة والفرات، وعليها وقف حدادة السيوف في مجازر انسانها وصد غفلته عن رؤية السماء مكورة خلف جدر السحب العربية المتحاضنة كطبقات البصل .


هل نحتاج لقلمك مرة ، ام لشفرة من شظايا سيفك كي نفصد فينا دما فقد كل أوكسجينه ليمتلك مرة اخرى حمرة الارجوان ... هل كتبت علينا قيلولة الصيف ودثرة الشتاء ان نغفو كأهل الكهف وننسى أمام غزة كم حائط فرعوني تعالى وخلفها جدار صهيوني منهار . كم من السنين غفونا؟ ام نحن متنا ام عشنا كمومياءات تنتظر البعث من جديد؟؟ لا ادري كيف سنعبر اليك وكل هذه الضفاف مكهربة وانت ايها الفلسطيني عابر لامحالة، وانت تقطع بنفسك حقول الالغام وأشواك الأسلاك الشائكة، وتصد بأدمة القلب وخز خناجر أشقائك .


كنت جريئا اكثر منا لتطلب حقك في السؤال..عن غزة؟ نيابة عنا . آه نسينا كم مرة اخرى نتصابى بعد القراءة الألف ولا نغني فتوتنا بصوت نصك الجميل ...نحن فقدنا حتى السمع والبصر التلفزي كي ندرك كيف هي احوال غزة؟... هل ستجيبنا غدا بنفس النص جوابها الذي صار تكراره يذكرنا ببيانات القمم العربية وصراخ ساحات الربيع والخريف العربي تذكرنا بملهاة الشوارع الساهرة في ميادين التحرير وبمواقيت امساكيات الجمع والسبوت والاحاد المتتالية، هل اننا قطيع ينتظر تحرير رقابه بالثورة المستوردة على ظهور الاساطيل وناقلات الجند وتقديم الاماء لكل لون وقارة وبشرة. شكرا لك بامتياز يا عبد قضية الرب وبيته غير الحرام، كان هناك رهان الله على شعبه المختار وبالشكر وجزيل العرفان سنذكرك بأنك كنت الاجدر وانت تستفز بنا وفينا ألم السؤال الخجول من حالنا وعن احوالنا، أنسألك عند بوابة رفح كم نفق انهار تحت وطأة ثقل مواقفنا وحراجة مبرراتنا وكم من الفتيان غاصوا في عمق تراب الارض الى الابد ليوصلوا كسرة خبز لفم جائع ،أنسألك أم نخبرك ان ارقام شهداء الثورات العربية والقائمة اليوم لازالت مفتوحة بمخيم اليرموك لا يدرجون إحصاء الدم الفلسطيني الذي تقتله رصاصة عربية طائشة او تناله ضربات موجعة من صواريخ الطائرات الامريكية الانتحارية في دروب غزة، كم هم أبناء فلسطين الهائمين عند اطلال المخيمات الفلسطينية الموزعة على حدود سائر قصور العواصم الملكية منها والجمهورية أو الجملوكية هي الولايات العربية المتحدة ترفع علم خرسها كلها وتوحدها في صمتها الواحد الموحد ازاء الجواب لمطلوب قوله صراحة لسؤال غزة؟.


أنسألك تماما كما سأل العراقيون يوما بعضهم بعضاً، أم نرد لك سلاما كان من أغرب صيغ التحية ونذكر لك حكايتهم فالعراقيون عندما تداخلت وتزاحمت على قراهم وأراضيهم جحافل الغزاة وغزتهم الجوائح والامراض من كل صوب، ثم غسلت اكوام عظامهم فيضانات دجلة والفرات جيفا وبقايا بشرية، مسح الغازي ثمار ارض السواد في كل غزوة وهدم صوامعها فجاعت امم واندثرت عشائر واندثرت قبائل، وفي كل مرة بقي من بقي هناك في جحيم الأنين طالبا البقاء كي يراود الظن مرة اخرى أهو قائم فعلاً، ولكن العراقيين ياصاحبي قاموا أكثر من مرة ولو على عكاز من بقايا الشجر المكلوم نهضوا بعناد من مداثر وخرائب التاريخ، تماما كانوا وهم مثل أساطير غزة اليوم ، تراهم بعد كل فناء يطلبون وجود الشقيق وابن العم ويتوسمون صلة القربى ويخاطبون بعضهم بعضا، مذكرين بصلة الدم مهما مهما تباعدت الخطى وظهرت في رطانة السلام والتحية مفردة لونية صارت تحية لهم وصارجوابها تأكيدا للتواصل مابين الاحياء الباقين ومصير غامض قادم، كم من مرة قالوا لبعضهم البعض: "إشلونكم" وكرروها على مدى القرون، صباح مساء كرروها وعاد لهم صدى تسمعهم لها دون ان يقتربوا من بعضهم خيفة العدوى والانهيار الوجودي... نعم قالوا لبعضهم البعض، حتى في حالات الارتياب من ثقل السمع وتراجع الخطى " إشلونكم" [أي كيف هو لون وجوهكم] بعد الفاجعة، فاجابوا لبعضهم البعض " الحمد لله"، رغم ان كل واحد منهم لا يمتلك المرايا التي تؤكد له ان وجهه، بات كوجه أهل الصين، توحد اللون واكتست الصفرة كل تقاطيع الوجه، وهكذا بقي من بقي من الاحياء، حتى الاموات غادروا من دون أكفان بيضاء لكن وجوهم غزتها صفرة الموت والأمراض والاوبئة. الموت فيلا بلادنا لم يكن ديمقراطيا يوما ما، فهو لا يخيرك أي نص من نصوص حقوق الإنسان يحلو لك سمعه بحق الاختيار، ولا يهم أن يختار لك الغير من أن تموت بالكوليرا أوالطاعون، واقفا أم جاثما وحتى طريحاً، لايخيونك اختيار ديمقراطية الموت بعشق الشهادة بالرصاص أو تحت المقصلة. انت مطلوب للشطب حتى لو توفرت كل عدالة الأرض في إنصاف قضيتك، ولا يخيرك موت زماننا من اختيار مسقط رأسك النهائي كما منحط الاله يوما مسقط رأسك الأول في وطن سموه بك وسموك عليه ، سيان لنا توقيع بطاقة الولادة أم شهادة الوفاة، المهم هناك ورقة ممضاة بحبر مجهول الى يوم الساعة، تموت الامة بعد ان اكتست اجساد بنيها صورة الهزال الأممي وتعاقبت على كواهل أهلها اثقال المحن، لكنها عندما تموت او تعيش فخيارها واحد مفعم بكل تلاوين الموت اوالحياة تلك الامة عليها ان تترك لاطفالك واحفادهم صكا بالدين اعترافاً بانها تناست تشردهم نصف قرن قابل للامتداد مؤرخا مأساة غزة وفلسطين.


طاب نهارنا معكم في غزة رغم كل تلاوينها... واشلونكم نعيدها؟ كما الفرات يخاطب دجلة ؟ وقبل ان تجيبوا عن سؤال العنزي والعبودي وشكشك وعز الدين و ثامر المصرى.... ستقول صفحات الشعب المقدسي اننا خلطنا الوان احبارنا بكثافة البحر الميت وطين الحولة وترسبات الاردن ورسمنا هنا لوحة الاسرى محكية بـ "صوت الاسير" وعندها سمعنا رنة حجل لعروس انتظرت فارسها ولكنه كان يسمع صدى الزنازين والقيود والصدى المنسي بوديان الثورة... لوننا يا عبد الله أكيد مثل لونكم مهما اختلطت كثافات ضربات الفرشاة وقتامة اللوحة وشكل الاطار..إن عشتم عشنا معكم .. وان متم متنا معكم... وان رحلتم، وتلك ضالتنا الوحيدة أن سنرحل معكم نحو القبلة الواحدة التي لاتحيد عنها الشمس ولا يتجاوزها قمر او هلال، هي تلك شامخة بمنارتها في الأقصى، ولا غير الأقصى لنا من منير، ولا فنار في شواطئنا الا عند بوابة حنيننا الى عكا... نحن ننتمي معكم الى أجمل وأعلى قوس قزح رسمه المطر فوق الجليل، هناك تسامى قامة عربية فوق رأس ووجود الانسان في هذه الصيرورة وصار لها إيقونتها الأجمل والأبهى، كل الاطياف سنطبعها في لوحة جبل المحامل،تجدها بكل تلاوينها من الأخضر الى البنفسجي، ومن الأحمر الى الأزرق، ومن الأسود الى الأبيض، وتلك الوان راياتنا، لأننا ننتمي الى طائفة من الضوء الالهي، الذي يكمل بعضه بعضا، ويشكل في تفاصيل تفاعلاته لون الحياة ولون الوجود وشكل الخلود. نحن الشهداء والشهود الباقين، وفاء لكل ما طبعه هذا الاديم الفلسطيني المرسوم في خطوط أكفنا، وتجاعيد وجوهنا، وسحنة ملامحنا وسمرة بشرتنا، نحن أبدا سنبقى التراب والنار والهواء والشرارة والانفجار في غزة والفلوجة وميسان وبيسان والاوراس وبيروت .


وسأواصل إعادة نشر نصك، نص الصديق الرائع عبد ربه العنزي عبر شبكة المشاركات التفاعلية لنا على متاهة الفيسبوك وروابطه لنكون من خلاله عشيرة تعلن على رؤوس القبائل العربية كلها انها غزاوية وعنزية وعبودية وشكشكية ومصرية ووطنية وجهادية وقسامية وعرفاتية ، أكنا صغارا أوكبارا، جيل بعد جيل نشدو لبيك ياجليل، كلنا خطى الى كنعان عائدون بالفرح والزيتون وباسقات النخيل .

 

 





الاثنين ٢٦ شعبــان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / تمــوز / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة