شبكة ذي قار
عـاجـل










لم تكن ثورة السابع عشر من تموز عام 1968 المجيدة حدثا عاديا في حياة الأمة العربية والعراق يهدف إلى تغير في طبيعة نظام الحكم القائم آنذاك حيث الأنظمة السياسية التي نصبتها تحالفاتها مع أقطاب الصراع الدولي الكبيرة لتمثلها في خدمة مشاريعها ومصالحها في المنطقة التي أدت إلى انتكاسات خطيرة في حياة امتنا العربية كادت أن تصل بها إلى نهايتها ، فكانت الثورة المباركة وليدا جديدا أنجبته معاناة الأمة كرد عملي علمي واقعي بديل للصراعات الداخلية بين التيارات التي أفرزتها أنظمة الحكم السياسية تلك وما تلاها من حالات المد والجزر وتأرجح في الولاءات , فالأمة التي أريد لها أن تموت أو في ارحم حالاتها أن تستعبد من خلال مصادرة إرادتها وتذويب هويتها تعرضت لانتكاسات قسرية خطيرة كادت أن تدفع جادة وبلا رجعة بالمواطن العربي إلى منحدرات اليأس والاستسلام والرضوخ وسط جو انعدمت في الرؤيا وتاهت فيه البوصلة واختلطت فيه الأوراق التي يعاد ترتيبها خلف الكواليس في دوائر أجنبية ضيقة .


إذا كنا نحاول فهم مجريات الأحداث اليوم فهما صحيحا لابد لنا من قراءة تاريخية متأنية ودقيقة للواقع الاجتماعي الذي عاشته امتنا بعد انهيار تحالف القوى السياسية مع أسيادها الغربيين الذي كانت تمثل احد أهم أطرافه وبتفرد ، بريطانيا خصوصا في فترة ما بين الحربين الكونيتين وما بعدها فقد شهد العقد الخامس من القرن الماضي غليانا جماهيريا عارما وصراعا في بعض أحيانه دمويا أدى إلى ظهور كثير من التيارات التي تعمل على اجتذاب المواطن العربي في مختلف الاتجاهات من خلال تقديم الوعود بتحقيق الأماني فمنها ما يمثل الاتجاه القومي العلماني الصرف ومنها ما يمثل التيار الإسلامي بمعزل عن القومية ومنها ما يدعو إلى نبذ تلك التيارات وتجاوزها إلى الفضاء الاممي بالإضافة إلى التيار المتسلط الذي يمثل الدعوة إلى إعادة تنشيط تحالف الحكومات القائمة في الأقطار العربية مع الغرب , فصراع تلك التيارات وابتعادها عن تمثيل طموح الجماهير في التحرر والانعتاق من الهيمنة الاستعمارية أدى إلى ولادة جديدة في الفكر العربي التحرري القومي الذي يستمد بناءه العقائدي من الفكر الإسلامي بمنظور يتماشى مع روح العصر مثله فكر الطليعة الثورية البعثية ليمثل بصدق وواقعية تطلعات الجماهير العربية ويكون ردا ثوريا حاسما لكل المشاريع الهادفة إلى تمزيق العروبة والابتعاد بها عن موروثها الإسلامي ألقيمي .


لذلك فان ثورة تموز 1968 المباركة كانت أقوى ردة فعل جماهيرية حقيقية على تخاذل النظام الرسمي العربي وما أدى إليه في الانتكاسة العربية عام 1967 .


بعيدا عن الإحصائيات العددية التي تؤشر منجزات ثورة السابع عشر من تموز المجيدة على الصعيد الوطني العراقي أو على الصعيد القومي العربي أو المساهمة في دعم حركات التحرر العالمية فذلك ما يدركه كل من يمثلك حسا وطنيا من خلال مقارنة بسيطة مع ما يجري على الساحة العراقية والعربية منذ العدوان الأمريكي الهمجي عام 2003 وما عملت عليه محكومات الاحتلال بعد أن تجاوز عمرها التسع سنوات , نقول بعيد عن تعداد منجزات الثورة الخالدة منذ انطلاقتها الأولى لأننا هنا بصدد الحديث عن الفكر الثوري الذي أدى إلى انبثاقها ، فكر حزب البعث العربي الاشتراكي الذي وضع أسسه وصاغ نظريته وحمله الرعيل الأول من الأبطال بعد دراسة واقع الأمة الأليم وتشخيص معاناتها فوضع معالجاتها الواقعية التي استطاعت بنجاح استيعاب كل تناقضات تلك المرحلة فصاغت نظرية عمل فريدة لبناء مجتمع عربي مسلم متحرر يقترب كثيرا إذا ما أتيحت له الفرصة من التكامل، بمعنى إن الفكر ألبعثي هدف إلى تحرير الإنسان العربي من قيود حكوماته أولا ومن ثم بناء هذا الإنسان فكريا ليكون هو نفسه أداة الإصلاح ووضع مسألة تحرير فلسطين أهم أهدافه المركزية لأنها المحور والسبب الأول للانتكاسات التي لحقت بالأمة العربية على امتداد تاريخها المعاصر في وقت كان النظام الرسمي العربي يجتهد ليحمي نفسه ليبقى أطول فترة تمكنه من الحكم دون أي اعتبار لتطوير الجماهير بل اتجه إلى زج كل من يحاول الإصلاح في دهاليز السجون المظلمة التي أعدها لهذا الغرض مستعينا بتحالفات مشبوهة عقدها مع الغرب لتأمين حمايته مقابل حراسته للمصالح الغربية في بلادنا.


لذلك فان الثورة حظيت بتأييد وقبول عربي جماهيري لا نظير له منذ انطلاقتها الأولى بتجاوزها لكل الخلافات السياسية التي أسستها فترة الحكم ألعارفي مستفيدة من تجربة ثورة شباط 1963 فكانت ثورة بيضاء حمل بيانها الأول رايتها السلمية بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين وتوالت خلال فترة قصيرة سلسلة الانجازات العملاقة التي ترجمت نظرية العمل البعثية .

 

إذن فالغرب الذي كان قد اعد العدة لنهاية الأمة العربية قد تفاجأ باحتضان جماهيري كبير فاق كل التوقعات للثورة فقرر الالتفاف عليها لإجهاضها فبدأ بحياكة المؤامرات لكن حنكة القيادة واتساع أفق نظرتها المستقبلية وقراءتها الصحيحة لمجريات الأحداث كانت دائما تسحب البساط من تحت أقدام المتآمرين خصوصا بعد القضاء على شبكات التجسس وحل القضية الكردية حلا سلميا والمشاركة بكل الثقل العراقي البطولي في حرب تشرين / أكتوبر 1973 وما تعنيه هذه المشاركة في تغيير موازين القوى أعادت للعرب ثقتهم بقدراتهم الذاتية في مواجهة العدوان وعقد اتفاقية الجزائر في آذار من عام 1975 التي حيدت جارة السوء إيران ومنعتها من التدخل في الشأن العراقي فذلك تفرغت قيادة الثورة لتطبيق ما آمنت به وخططت له موضع التطبيق منطلقة إلى مرحلة البناء ، وبالمقابل اشتد وتضاعف الجهد الغربي المعادي فتحول من التآمر إلى المصادمة العسكرية المباشرة فكانت إيران الملالي هذه المرة هي أداة العدوان وعندما فشلت وتجرع شيطانهم الأكبر خميني كأس السم عند إيقاف عدوانه تحرك الغرب باتجاه الحرب الاقتصادية لإيقاف عجلة التقدم والنهضة العراقية الواسعة التي شملت كل مرافق الحياة فزج بحكام الكويت ليكونوا أدواته هذه المرة وحين أدرك فشلهم اتجه إلى العدوان العسكري الغربي المباشر فبالإضافة إلى حملات الإبادة الجماعية التي نتجت عن حصار الشعب العراقي لفترة زادت عن ثلاث عشرة عام عجاف عجز خلالها عن خلق فجوة بين الشعب وقيادته الوطنية اتجه بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية إلى التدخل المباشر وضرب كل مقومات الدولة العراقية وتخريب كل بناها التحتية مستغلا تفوق آلته الحربية والتطور العلمي العسكري وخصوصا الجوي في تحدي سافر وقح لكل الأعراف والقيم الدولية .


إن العدوان الأمريكي الوحشي لم يستهدف نظام الحكم الوطني العراقي ولم يستهدف سرقة ثروات العراق فحسب بل كان يستهدف الفكر الذي رسخته ثورة السابع عشر من تموز في ذهن المواطن العراقي بشكل خاص والعربي بشكل عام لان إسقاط قدرات العراق وتعطيله عن أداء دوره في المشاركة القومية العربية لا يقف عند إنهاء دوره في حسم القضية الفلسطينية لصالح العرب فحسب بل مهد لتغلل غربي كاسح في كل أقطار الأمة العربية من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي أي أن غزو العراق عزله عن أداء دوره القومي من جهة وسهل النفاذ إلى باقي الأقطار العربية من جهة ثانية فخلق خلخلة في الدعم والإسناد العربي للمقاومة العراقية وإشغالها بتحديد اتجاه مستقبلها بدلالة ما نراه اليوم من صراعات بينية داخل القطر الواحد وما رافقها من إراقة دماء غزيرة لا تؤدي إلا إلى مزيد من إضعاف العرب وليس غيرهم لذلك فان الإستراتيجية الشعبية العربية يجب أن تتجه الآن إلى تحرير العراق من تحالف العدوان الغربي الصهيوني الفارسي وذيولهم العملاء الذي يمثلون محكومة الاحتلال أولا وقبل غيره لإعادة التوازن الطبيعي للقوى في المنطقة لنتمكن من النهوض ككتلة واحدة يكمل بعضها البعض الآخر وبعكسه فان الأمة تتجه بسرعة نحو حافة الهاوية لا سمح الله.


إن فصائل المقاومة العراقية الباسلة تدرك هذا الفهم ومن خلاله نجحت بإرادة الأبطال الحديدية في تركيع قوات الغزو الغربية فدفعتها إلى الهروب مهرولة خارج الحدود وتتجه الآن إلى حسم المعركة مع إفرازات الاحتلال وتتويجها بالنصر القريب بإذن الله لتستعيد دورها في المشاركة بقوة في البناء القومي العربي .

 

 





الجمعة ٠١ رمضــان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / تمــوز / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عراق المطيري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة