شبكة ذي قار
عـاجـل










من البديهيات البسيطة المعروفة إن حصيلة إفرازات كل مرحلة زمنية تقوم على معطيات ونتائج المرحلة التي سبقتها , ترتبط بها عموديا وتجمع امتداداتها الأفقية لتؤسس ما تبني عليه للمرحلة القادمة فما نحن عليه اليوم هو نتاج طبيعي لما خطط وأسس له من سبقنا بالأمس وهكذا فان ما يبنيه أبنائنا غدا هو تواصل لما نقدمه نحن وهكذا تستمر دورة البناء في الحياة سلبا أو إيجابا , وعلى ذلك فان المرحلة الحالية تعتبر من أهم مراحل تاريخ امتنا العربية الحرجة والخطرة لما تشهده من استهداف حقيقي في الصميم لوجودها وإذا نجحنا في تشخيص التحديات الكبيرة التي نواجهها كأمة واستيعابها ومعرفة أهدافها وأساليب من يضعها وما ممكن أن تؤول إليه نتائجها , عندها فقط سننجح في تحديد مسار مستقبلنا بدقة كبيرة لأنها ستحدد ملامح المرحلة القادمة التي سيتوجب على أبنائنا النهوض بها حين لا نكون نحن في الوجود وإذا اعتبرنا الحد الفاصل بين مرحلتين زمنيتين مهمتين في حاضرنا ونقطة الصفر بينهما هي العدوان الوحشي الأمريكي على القطر العراقي عام 2003 وانطلاق المقاومة الباسلة في اليوم التالي لاحتلال بغداد لتكون نواة لمقاومة عربية شاملة تمتد على طول الوطن العربي وعرضه فان ما تمخض عنها وكرد فعل طبيعي لها يدلل على استيعابنا الكامل لها ورفض نتائجها هو إسقاط اغلب الحكومات العربية وحتى غير العربية وعسرة استمرار الأنظمة الأخرى التي تحالفت مع إدارة القزم الصغير بوش وشاركتها بشكل أو بآخر في عدوانها الهمجي على امتنا مهما كانت الأسباب والدوافع لما كان يؤديه العراق في ظل قيادة حكمه الوطني من التزامات مشرفة للقضايا الوطنية والقومية وما يشكله القطر من مرتكز ثابت وقوي وأساس في توازن القوى في المنطقة العربية وجيرانها , فالمرحلة الحالية التي شهدت وتشهد حركات شعبية حقيقة تعتبر الامتداد الأفقي الطبيعي للمقاومة العراقية لما بينها من روابط وثيقة تشترك فيها كالمنبع القومي الواحد وتقارب في الأهداف علما إن العدو واحد وان اختلفت صورته فلا فرق بين محتل مباشر كالحالة العراقية أو عميل هويته عربية منقاد وينفذ مشروع المحتل بشكل غير مباشر ولكن تبقى خصوصية كل منها ضمن حدودها القطرية في قدرتها على الدفاع عن انجازاتها والمحافظة على نتائجها ومنع أي تسلل خارجي إليها يغير اتجاهها وعلى هذا الأساس كان موقف الشعب العراقي ومقاومته البطلة كممثل شرعي له في إسناد ودعم واحترام كل الخيارات الشعبية لأي قطر عربي .


الموقف الشعبي العراقي الثابت الذي تمثله فصائل المقاومة العراقية مغاير كليا لما تطرحه حكومة الاحتلال التي تخضع قراراتها لإرادة تحالف الاحتلال الأمريكي الصهيوني الفارسي وتبني مواقفها في ضوء السياسة التي يحددها المحتل لها وبناءا على متطلبات المصلحة الغربية أو الفارسية بدون الرجوع إلى المصلحة القومية العربية وما يطفو ظاهريا إلى سطح الأحداث باستثناء موقف الشعب العراقي ومقاومته الذي بيناه أعلاه فان هناك اتجاهات في تصريحات ومواقف رموز حكومة الاحتلال ربما تبدو انتقائية ومتناقضة من مجمل تطورات الأحداث في المنطقة العربية مؤيدة لما يحدث في قطر ومعارضة لأحداث قطر آخر وآخرها الموقف من حكومة بشار الأسد فأمريكا ومعها الغرب تريد إسقاطها وحليفتها في المنطقة إيران ومعها التيارات التي تدور في فلكها الطائفي ألصفوي تدافع عنها وتحاول أن تطيل من عمرها بمختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة لأسباب لا تخفى على احد وهناك أيضا موقف الأكراد الذي يتقاطع معهم ينطلق من نظرتهم العرقية وفكرتهم المستقبلية في إنشاء وطن قومي يضم أكراد الدول الثلاث سوريا وتركيا وإيران إضافة إلى أكراد العراق طبعا ( وموقف هؤلاء حاليا مدعوم من الكيان الصهيوني فقط ) وهو ما أضاف نقطة خلاف جديدة مع حكومة العميل نوري المالكي التي اعتادت صناعة الأزمات الفارغة عندما رفضوا انتشار قطعات من جيش حكومة الاحتلال على الحدود شمال الغربية للعراق مع سوريا لان كل منهم له غاياته الداخلية الخاصة التي يسخر كل إمكانياته لها ويطمح إلى تحقيقها وهي لا تبتعد أبدا عن كونها جزء من الصراعات الدولية والإقليمية في منطقتنا كمسرح لأحداثها وهؤلاء جميعا وغيرهم أدوات ذلك الصراع القذر ليبقى الشعب العربي الخاسر الوحيد في كل هذا , ومن خلال النظر بهدوء إلى هذه الخطوة " انتشار الجيش ومنعه " ستجد إن أكراد العراق يدعمون أكراد سوريا باتجاهين الأول لتقوية موقفهم داخل المقاومة السورية ذاتها والوصول بهم إلى نقطة مؤثرة في قراراتها المستقبلية كما حصل مع أشقائهم أكراد العراق والثاني عام للمشاركة بدور اكبر وبأقل الخسائر في إسقاط حكم بشار الأسد وموقفهم هذا يتوافق مع إجماع الموقف الغربي وموقف الحكومة التركية حليفتهم الإقليمية التي تشترك أيضا في نفس الرغبة ضمن سلة واحدة من تفاهمات تبادل المصالح غير الطبيعية الكردية التركية " وهذا التفاهم مرحلي ضمن الصراع الأزلي التركي الكردي سيزول حتما مع نهاية الموضوع السوري " وقد حصل فيه الأكراد على موافقة أمريكية في موقفهم هذا ودخول قوات عراقية على خط التماس وتصعيد حدة الخلاف الظاهري وتوسيع ما يسمى أزمة هو رغبة إيرانية يحققها نوري المالكي ليمنعهم من تحقيق هذا الهدف بالإضافة إلى إن تواجد الجيش العراقي على الحدود سيمنع عبور اللاجئين السوريين إلى العراق وانتشارهم في مدنه وما سيشكلونه من ورقة ضغط دولية جديدة على حكومة بشار كلما ارتفعت أعدادهم من جهة ومن جهة أخرى فانه ( أي جيش نوري المالكي ) سيمنع أي دعم تقدمه العشائر العراقية في المنطقة الغربية إلى المقاومة السورية أو العكس إذا ما حصلت في ذات الوقت الذي سيساند جيش الأسد ويضرب أي اقتراب للجيش السوري الحر من حدود القطرين الشقيقين حيث سيكون محاصرا بين فكي كماشة طرفيها جيش نوري المالكي وجيش الأسد كما حصل في بعض المنافذ الحدودية بين القطرين ومن جهة ثالثة فان هذه الخطوة في نظر المالكي وأسياده الإيرانيين ستمنع أي تقارب شعبي عراقي سوري ربما يضعف حكومته مستقبلا وهذا ما لا تريده كل الأطراف المتنفذة الآن.


طيب إذا كانت أمريكا حقيقة تتزعم الإرادة الغربية لإسقاط حكم بشار الأسد كما معلن فهل يستطيع نوري المالكي مخالفتها وهي ذاتها من وضعته على رأس سلطة الاحتلال في العراق ولازالت تتحكم بمصيره ؟


هنا طبعا تتدخل النزعة الطائفية لدى نوري المالكي كما يصورها له ملالي الفرس ليتظاهر بالخروج عن المسار الأمريكي المرسوم له لغبائه معتمدا على دورهم خلال السنوات الماضية في تثبيته بمنصبه مستغلين انصراف المقاومة إلى ما هو أهم من وجود جوقة العملاء في السلطة والانشغال كليا بمكافحة احتلال القطر فصوروا له هذا على انه انتصار ونجاح لمشروع الاحتلال في الداخل وخلاف مع أجهزة الاستخبارات والمراقبة الأمريكية التي أصبحت الآن منتشرة في المنطقة بقوة وكثافة من خلال عملائها بعد أن اضطرتها تحديات القتال في العراق إلى تغير طبيعة تكتيكاتها بل حتى إستراتيجيتها بعيدة الأمد وهي إذا غظت الطرف مؤقتا عن دور المالكي في تمرير السلاح الإيراني وقوات من مليشيات خميني ومليشيات الأحزاب الطائفية في العراق كإسناد ودعم إلى قوات بشار الأسد فإنما تهدف إلى إطالة عمره لأجل مسمى لها فيه حساباتها الخاصة التي تكمل مسلسل تدمير الشعب العربي وهدر المزيد من دماء أبنائه وليس أكثر وهو جزء من الدور الكاذب والخادع الذي يقوم به المجتمع الغربي في المنظمة الدولية .


يبقى دائما الخيار الشعبي العربي موحدا في كل أقطاره وهو الأصح والأثبت ولن تنجح أي قوة في تعطيله مهما كبرت وتعاظم نفوذها لأنها زائلة لا محالة.

 

 





الجمعة ٢٩ رمضــان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / أب / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عراق المطيري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة