شبكة ذي قار
عـاجـل










نشهد في عصر العولمة هجمة شعوبية جديدة لتشويه الأمة العربية وتاريخها وتراثها وتشيع اليأس في إمكانية نهضة الأمة وتقدمها, وخاصة من الشعوبيين الذين رضعوا حليب الشعوبيين الصفويين , هؤلاء كما أسلافهم حاقدون على العرب وعلى القومية العربية, فقد عجموا المصطلح فأسموها "القومجية" والقوميون "القومجيون" في محاولة منهم لتشويه هذه الفكرة التي انغرست في ذات كل عربي. وقد حاول الشعوبيون دق إسفين بين القومية والدين, أو بين العروبة والإسلام, وبين الأصالة والحداثة.


لقد شن الشعوبيون من اتباع ملالي ايران هجوما حادا على حزب البعث العربي الاشتراكي , وعلى تجربته الوطنية والقومية في العراق , لانها تجربة سارت بخطى واثبة نحو تحقيق المشروع القومي التقدمي النهضوي , وهو مشروع الوحدة العربية والنهضة في مجالات العلم والتقانة والاقتصاد وتعزيز السيادة الوطنية والاستقلال الناجز .هذا المشروع هو الذي يرقى بالعرب نحو الوحدة القومية الانسانية . وهو المشروع الذي يمنح العرب فرصة اللحاق بركب التقدم في شتى المجالات . ولذلك وضع المشروع القومي النهضوي في لوحة القنص من قبل الاعداء الاقليميين والدوليين . وبالذات من الكيان الصهيوني ونظام الملالي في ايران نظام ( ولاية الفقيه ) الذين يحملون حقدا تاريخيا على العرب بعامة وعلى العراقيين بخاصة .


لقد حاول البعض من الشعوبيين الربط بين البعث الذي قاد تجربة وطنية قومية تقدمية في العراق وبين تجربة من انشقوا عن البعث منذ عام 1966 , وحكموا بنفس طائفي مزق الامة بدعم واسناد الصفويين في ايران . وهذا الربط ينطوي على خبث كبير لوضع البعث والمنشقين عنه في سلة واحدة . فالحكم في سورية ليس حكما للبعث بل هو حكم عائلة طائفية تحالفت مع الطائفيين في ايران اثناء الحرب العدوانية التي شنها خميني على العراق , كما وقف مع التحالف الثلاثيني عام 1991 في حفر الباطن ضد العراق , وهو النظام الذي تشدق بشعارات البعث هو الذي خان البعث وتنكر لمبادئه واولها الشعبية اي الارتباط بالشعب والدفاع عن اماله وطموحاته . وهاهو يقتل الشعب السوري منذ 17 شهرا ويقصف القرى والمدن السورية بالدبابات والصواريخ والطائرات ولا يعبه لالوف القتلى والجرحى الذين سقطوا طوال الاشهر الماضية .


اراد الشعوبيون ان يزرعوا الفتنة بين المسلمين انفسهم , والايقاع بين العرب المسلمين وبين المسلميت من غير العرب . واثاروا اشكالات عدة , وشككوا في علاقة العروبة بالاسلام , وبين التراث والحداثة , وعلاقة الاسلام بالسياسة , وها نحن اليوم نشهد اولى تجارب الاحزاب السياسية التي تغطت بغطاء الدين , وكيف بدأت تتصرف بمنطق اقصائي ضد الاخرين , وكيف تتصرف ازاء المرأة في الشارع وفي الجامعة وفي دوائر الدولة تحت شعارات الدين , وكلها تشويه للدين .


مبادئ ومواقف في فكر البعث :
لقد كانت العلاقة بين العروبة والإسلام من أهم الإشكاليات التي شغلت المفكرين القوميين, وقد تنوعت التصورات التي قدمتها مدارس الفكر القومي لهذه العلاقة. ففي مرحلة أولى تداخلت العروبة والإسلام وخاصة لدى عبد الرحمن الكواكبي الذي رأى أن جوهر النهوض العربي هو تولي العرب خلافة المسلمين بدلا من الأتراك. وقد كانت تلك الصياغة تقدمية بالنسبة إلى ظروف النضال ضد السيطرة التركية. وفي المرحلة اللاحقة تصور ساطع ألحصري فصل العروبة نهائيا عن الإسلام في صياغة علمانية مأخوذة حرفيا عن الثقافة الغربية.


أما الفكر القومي فقد تجاوز ثنائية الدين والعلمانية, والدين والحداثة, أو التراث والحداثة, أو الأصالة والمعاصرة, مما فتح أمامه أفاقا رحبة في التعامل مع الإسلام. فأكد هذا الفكر على ربط الاثنين معا في مصطلح واحد لا تفريق بينهما, لأن الفكر القومي المؤمن لا يخاف اصطدام القومية المؤمنة بالدين, فالقومية مثله تنبع من معين القلب, وهما يسيران متآزرين متعانقين.


العروبة وعاء الإسلام, فاللغة التي نزل بها الإسلام كانت اللغة العربية, وفهمه للأشياء كان بمنظار العقل العربي, والفضائل التي عززها كانت فضائل عربية ظاهرة أو كامنة, والمسلم الذي حمل الرسالة كان هو العربي. فالمسلم والعربي هو الذي استجمع الشروط والفضائل اللازمة ليفهم أن هذا الدين يمثل وثبة العروبة إلى الوحدة والقوة والرقي, وهذا ما حققه النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) عندما هاجر إلى المدينة المنورة وآخا بين المهاجرين والأنصار, وأصلح حال الأوس والخزرج من قبل، وأرسى قواعد الدولة العربية الحضارية الإنسانية


إن مكانة الإسلام بالنسبة للعروبة تتحدد بكون أن الإسلام هو الذي وفر للعرب الفرصة لنهضتهم الأولى, وعبر هذه المرحلة بنت الأمة نهضتها وثقافتها وكان الإسلام هو الرسالة التي حملتها العروبة إلى البشرية.
أما التراث والحداثة, والأصالة والمعاصرة. فالبعض من المؤرخين في شتى تصنيفاتهم ينظر إلى التراث على انه شيء من الماضي, والاطلاع عليه, كما هو الاطلاع على أحداث مضت بهدف المعرفة والاطلاع , في حين أن المنهج التحليلي والمقارن في قراءة التاريخ هو من اجل اخذ العبر واستنباط الدروس, وإحياء القيم والمثل العليا فيه من اجل استنهاض الأمة وليس تقوقعها .


وعليه يرفض الفكر القومي " تاريخية التراث" أي جعله جزءا من التاريخ الماضي, كما يروج لذلك أنصار التغريب والحداثة الغربية. ولما كان العرب أمة مسلمة في معظمهم فإن تراثهم ليس للماضي فقط, إنما هو نور وضياء على المستقبل, ومن التاريخ نستمد المثل والمبادئ الإنسانية والأخلاقية, ومنه نستمد الروح والنظرة إلى الإنسان والحياة .


مرة أخرى نقول إن التراث, ليس شيئا من الماضي, وليس شيئا للتسجيل في الذاكرة, وإنما هو حياة نابضة, هو الأصالة, والقدرة على الإبداع, وهو القدرة المتجددة في امتنا والتي تهتز في كل مرحلة وفي كل منعطف تاريخي حاسم.


ومن هذا المنطلق لم تعش الأمة العربية تاريخها في خط مستقيم, بل عاشت في حالات مد وجزر, صعود وهبوط, انفتاح وانكماش, كما إنها كانت تنهض من كبواتها , وتتوقد عطاء كالجذوة من تحت الرماد.
ويرى الفكر القومي أن الأمة لا ترجع إلى التراث رجوعا, إنما تبلغ حقيقة التراث بلوغا, أي تتقدم نحوه وترتقي إليه ارتقاء, بعد جهاد صادق ونضال دءوب وتضحيات جسام, وعليه فان التقدم نحو التراث بهذه الأساليب لا يعد رجوعا إلى الماضي, بل هو تقدم نحو المستقبل , فالجهاد لاستيعاب التراث هو عمل مستقبلي, وليس عملا تقليديا أو تقليدا أعمى.


إن التراث لا يكون بديلا عن الجهود المطلوب من أبناء الأمة أن يقدموه في إحياء روح التراث وتجسيد تجلياته المشرقة. وعليه فالتراث ليس بديلا عن الإبداع, بل أن التقدم ثمرة من ثمرات الإبداع العصري, وهو حافز من حوافز الإبداع والخلق. فالمطلوب في نظر الفكر القومي, التجدد لأن التجدد هو إرادة الحياة وإرادة البقاء والارتقاء.


أما عن علاقة الإسلام بالسلطة فالمطلوب هو أن تكون الدولة ضد تسييس الدين, وضد إقحامها في المسألة الدينية, لأن المسئول حين يجعل من نفسه واعظا أو مرشدا دينيا, ويطلب من الناس أن يؤدوا الطقوس الدينية , فلا بد أن يرشدهم إلى كيفية أدائها, وما يترتب عليها من التزامات. وإذا ما دخل أي مسئول في ذلك, عندها تبدأ المشكلات والتعقيدات, حيث يبدأ الاختلاف بين المذاهب, ومثل هذا الدخول الشائك في هذا الموضوع هو دخول خاسر يفّرق ولا يوحد. وما حذر منه الفكر القومي قبل ثلاثة عقود وقع اليوم في العراق بفعل إقحام الدين في السياسة لأغراض ومرامي خاصة.


لا يفهم من هذا رفض لممارسات المسلمين طقوسهم, بل المقصود عدم زج الدولة في البلدان الإسلامية في التدخل التفضيلي في شؤون الدين, أو التدخل في خصوصيات المذهب أو خصوصيات الناس بعامة, لأن ذلك يثير المزيد من الحساسيات ويدعو إلى الفرقة والاختلاف والتناحر. فتدخل الدولة لوضع سياسة معبرة عن الدين في منهجها التفصيلي الدنيوي يجعل شعبنا ينقسم وفقا للانتماء الديني والطائفي, لأنك عندما تبحث السياسة الدنيوية على أساس اتصالها بالفقه الديني فإنك يجب أن تكون إزاء اجتهاد ديني معين, فيضطرك الأمر لأن تسير وفق اجتهاد ديني ومذهبي خاص. وحالة من هذا النوع تجعل الدولة أمام اختيارات منحازة انحيازا أكيدا في الاجتهاد الديني والمذهبي. وهذا ما يجب أن نرفضه رفضا باتا. فلندع الجميع يمارسون طقوسهم الدينية وفق اختياراتهم من دون أن نتدخل في شئونهم. ونؤكد على وحدة الشعب والولاء للوطن والامة .


أما الحركات السياسية المغطاة بغطاء الدين فهي من تأثيرات خارجية وتدخل العرب في صراعات في غنى عنها, والمنطق يقول بأن من يريد العمل السياسي ويصل إلى سدة الحكم فليعمل من خلال أحزاب سياسية لها برامجها المحددة. أما من يعمل من خلال أحزاب سياسية مغطاة بغطاء الدين, فإنما يستغل الدين وسماحته وتأثيره لكسب الناس إلى صفوف أحزابهم. وإبعاد الأحزاب عن التستر بالدين لا يعني رفض الدين, بل إن الدين هو روح حياة العرب, ويجب أن يكون حاضرا في كل تفكير, نستمد منه كل ما يدفع نحو التقدم والنهضة, نستمد منه القوة الروحية لدفع الممكنات المادية لفعل ما يفيد الأمة ويعجل في نهضتها وتقدمها ولحاقها بركب الأمم المتقدمة.

 

 





الجمعة ٢٧ شــوال ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / أيلول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. حسن طوالبة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة