شبكة ذي قار
عـاجـل










سبق وان كتبت بأنني بعد غزو العراق قد وقعت برعب داخلي من احتمالية أن تنتج أميركا وعبيدها عراقا متطورا أكثر مما انتجناه نحن أبناء العراق في حقبة حكمنا الوطني. وبقيت أجول العراق طولا وعرضا لخمس سنوات بعد الغزو فلم أرَ أي بناءا يرتفع رغم إني شاهدت مئات شاحنات نقل رمل وحصو البناء إلى أماكن لا اعرف أين تقع ثم قادتني تساؤلاتي المسكينة بعد زمن طويل إلى إن هذه الشاحنات تنقل المواد الأولية لتصنيع الكتل الكونكريتية المستخدمة في تقطيع شوارعنا وفي عزل أحياءنا عن بعضها البعض لتأكيد هوية طائفية حقيرة لها، وفي بناء قواعد لقوات الاحتلال الأمريكي.

 

لكي أكون في منتهى الصدق والشفافية التي لا علاقة لها بشفافية الرادود إبراهيم الاشيقر الجعفري سأقول لكم إني شاهدت وسمعت عن بناء مراكز صحية في بعض الأماكن في بابل والنجف والقادسية وسمعت عن بناء جسرين أو ثلاث للمشاة في كربلاء وقرأت عن بناء دار استقبال لدولة رئيس الوزراء في المنطقة الخضراء، يبدو لي إن هناك عوامل سيكولوجية مرضية كانت وراء بناءها وبهدف التخلص من عقدة العيش والعمل في قصور بناها العراقيون أيام الحصار الظالم كرد حضاري على ذاك الحصار وبهدف تحريك العمالة وتشغيل مصانع المواد الإنشائية أيضا. وسمعت وشاهدت عمليات ترميم وإعادة طلاء عدد من المدارس التي شُيدت في عهد نظامنا الوطني وكان الهدف من عمليات الترميم هذه هو منح مقاولات وهمية وباطنية لمقاولي حزب الدعوة العميل ومقاولي التيار الصدري. وعلى فكرة معظم ما بُني مما أشرت إليه أعلاه كان من مشاريع ( اعمار العراق الممولة من الإدارة الأمريكية كما يقولون وليس من خزينة العراق ولا من واردات نفطه التي لا عد ولا حصر ولا إحصاء لها ). يعني ببساطة كانت هدية ما من ورآها جزية من الحكومة الأمريكية لشعب العراق الذي نقلته الآلة العسكرية الأمريكية إلى عوالم الدم قراطية!!!.

 

في رمضان الماضي طلع علينا نائب برلمان الاحتلال وعضو ما يسمى لجنة النزاهة فيه صباح الساعدي وقال لنا إن دخل العراق من النفط خلال سنوات حكم المالكي الست المنصرمة هي 512 مليار دولار أُنفقت كلها ولا احد يعرف أثرا شاخصا واحدا لها لا في شوارع مبلطة ولا مدارس مبنية ولا كهرباء ولا ماء. وبعد رمضان مباشرة طلع علينا الرجل المقترح استنساخه بذات طرق استنساخ النعاج والقطط وتحسين سلالات البذور دولة رئيس الوزراء ليفاجئ العالم ببدعة جديدة اسمها قانون البنى التحتية بالآجل: قال المالكي بالحرف الواحد في احد خطبه المتلفزة على مئات قنوات الفضاء... ثروة العراق تحت الأرض وعلينا أن نبني بالآجل ونسدد من نفطنا الوفير القابع تحت الأرض...

 

استطيع أنا وغيري أن يفهم هذا التوجه لو لم تكن ثروات العراق تستخرج بملايين الأطنان والبراميل يوميا وتباع بمليارات الدولارات، أي لو كانت الثروات والموارد الطبيعية غير مستخرجة ...هذا القانون يعني ببساطة رهن ثروات العراق التي لم تستخرج بعد في نفس الوقت الذي تهدر واردات المستخرج منها.

 

القانون يعني فتح باب جديدة لمقاولات وصفقات وعقود مع شركات عالمية من الدول التي غزت العراق وكان شرط مشاركتها بالغزو وإيصال المالكي وشلته إلى السلطة، هو أن تمنح شركاتها حقوق وامتيازات تعمير العراق بعد تخريبه بالغزو. هذه الصفقات الجديدة تضاف إلى الصفقات والسرقات والمقاولات الوهمية التي اعترف شركاء المالكي علنا وعلى رؤوس الأشهاد بأنها ابتلعت 512 مليار دولار في ست سنوات فقط لا غير دون أن يرى العراقيون نورا في الظلام ولا نسمة هواء في حر العراق اللاهب ولا مصنعا ولا شركة إنتاج ولا فندقا ولا عمارة.

 

هذا القانون يفتح الطريق لسرقة ونهب أموال العراق الكامنة في ثرواته التي لم تستخرج بعد وتوزيعها على شركات الدول التي أوصلت المالكي وشركاءه للسلطة، وعلى المالكي واطراف العصابة المشاركة معه في إدارة حكومة الاحتلال وبرلمانه. القانون يوحي بأن واردات العراق الحالية غير كافية لانجاز ما يسمونه بنى تحتية وهذه ليس مجرد كذبة من بين كذب المالكي المتهتك، بل هي إطلالة على جريمة نكراء بحق العراق وشعبه لأنها ستمنحه حق سرقة الثروات وهي لما تزل تحت سطح الأرض لتضاف إلى سرقات ما يستخرج منها يوميا الآن.

 

إن واردات العراق الآن من النفط والتي تزيد بنسبة 150 بالمائة يوميا عما كانت عليه قبل فرض الحصار على العراق عام 1991 كافية لانشاء مدن جديدة ومصانع للطائرات والدبابات والسيارات وغيرها، بل كافية لبناء دولة جديدة وعليه فان هدرها كواردات فعلية حاصلة بالعملة الصعبة عن طريق نقلها إلى إيران ودول أخرى وضياعها بالنهب والسرقات من قبل الحكومة في بغداد وحكومات المحافظات هو سبب لجوء المالكي إلى حيلة خبيثة لما يسمى بالبناء بالآجل. وأشير هنا إلى ما ذكره الأخ وليد الزبيدي في مقال نشر له أمس من أن عقود الآجل يشوبها الكثير من الفساد في إبرامها وفي تنفيذها ولا يعول عليها في إنتاج بنى صالحة قط.

 

ثمة الكثير مما يمكن أن يُقال، ومؤكد إن الأخوة الاقتصاديين وخبراء التنمية سيقولونه ولكن المؤكد إن نية ما يدعيه المالكي الباطنية المتخفية وراء طيات الخبث واللؤم الفارسي هي انه يعرف إن أيامه هو وشراذمه في العراق معدودة ولذلك فهو يريد أن يدمر اكبر قدر يمكنه تدميره وإتلافه من قدرات العراق وثرواته ويسرق وينهب اكبر قدر منها قبل أن يرميه التاريخ والشعب إلى مكبات القمامة وصفحات الرغاليين.

 

 





الثلاثاء ٨ ذو القعــدة ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / أيلول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة