شبكة ذي قار
عـاجـل










تتوضح الصورة أكثر، وتتكامل المعلومات مع مرور الأيام، وتظهر بوضوح جلي المخططات التي تستهدف الأمة العربية، والتي كان رأس حربتها إستهدف العراق ونظامه الوطني، لإزاحة ثقله المتعدد الإمكانيات، ثم الاستفراد بالأقطار العربية والتعامل معها بـ "الحالات"، كل حالة على حدة، وإسقاط الصيغ المتعددة في سياق الوسائل التي تبرر الغاية، مع وضع الخطط الرديفة للحالات التي يمكن ان تعترض الوجهة التي رسمت وحددت المسار.


كلنا، بات يعرف رؤية بريجنكسي، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، حول أهداف تيار المحافظين الجدد الذي سيطر على القرار الأمريكي مع وصول جورج بوش الأبن للرئاسة، والتي تحدث بها، عن شرق أوسط جديد أو كبير، يخلف حدود التقسيم التي رسمتها إتفاقية سايكس ـ بيكو. وأن وسيلة الفوضى الخلاقة أو الفوضى المنظمة هي إحدى الوسائل. ولعل إثارة الصراعات الطائفية والمذهبية هي سلاح قديم ـ جديد، برز بشكل جلي مع تراجع الوضع القومي العربي، نتيجة إستهدافه المبكر، وتحييده الذي كان ضرورة ملحة، لإستكمال حلقات التنفيذ التي بدأت تظهر نتائجها الكارثية.


النظام الرسمي العربي المتهالك، ساهم بإشكال متعددة، بتسهيل المخططات المباشرة، والتي يمكن التأشير على ثلاث منها، قبل "الربيع العربي" الذي تم إستيعاب فصوله، كل حالة على حدة، وإفراغ رغبة الشارع العربي بالتغيير، و الثلاث هي :


ـ تواطؤ النظام الرسمي العربي في عملية غزو العراق وإحتلاله.
ـ طرح "مبادرة السلام العربي" للتخلص نهائياً من القضية الفلسطينية العادلة.
ـ الموافقة على تقسيم السودان لتشكل سابقة خطيرة.


أقوال "جفري ستراينبورغ"


قبل أيام، وأنا أفتش بين أوراقي، وقعت بين يدي ورقة كنت دونت عليها ملاحظات تشير لمسائل غاية بالأهمية، الورقة تعود إلى ما قبل غزو العراق وإحتلاله، جاء فيها ما يلي :


"جفري ستراينبورغ دبلوماسي أمريكي سابق فضح مشروعاً على طاولة بوش الأبن، حيث كان عدد من السياسيين الأمريكيين بينهم ثلاثة صهاينة ( منهم كيسنجر ) بلوروا، على مدى سنوات مشروعاً يقود إلى الهيمنة الأمريكية على العالم كله، وقد تولى خبراء ( أكثرهم صهاينة ) تنسيق بنود المشروع، وإختصاره إلى نقاط محددة واضحة، و وضعوه على طاولة بوش. أهم تلك البنود:


1 ـ السيطرة على المال في العالم، ولهذا نص البند الأول على العولمة. فهي تؤدي إلى وحدة الرأسمال العالمي، تحت إدارة أقوى الدول مالياً، أي أمريكا، وتعتمد على مصارف محدودة العدد، يحددون المشاريع وسبل الأنتاج...الخ. وخاصة الخصخصة، وتعني إلغاء القطاع العام نهائياً، وبيع كل مؤسسات الإنتاج و وسائله إلى رؤوس الأموال الخاصة. ولما كان الرأسمال الأمريكي هو الأقوى فإنه قادر على المنافسة والشراء. وإذا علمنا أن الرأسمال الامريكي يعني بشكل آخر الرأسمال الصهيوني، أدركنا ما ستكون النتيجة، ذلك ان الدين الداخلي على الدولة الامريكية هو خمسة آلاف مليار دولار، فحسب! لذلك قامت واشنطن بالإعتماد على الرأسمال الصهيوني لتنفيذ مشروعها.


2 ـ لا بد من حروب هنا وحروب هناك تفجرها أمريكا نفسها، بحجة الإرهاب مرة، وعدم الديمقراطية مرة أخرى، كوسيلة لبيع الأسلحة وتشغيل المصانع الأمريكية ولتجربة الأسلحة الجديدة على البشر من غير الأمريكان. وثمة أسلحة لم تجرب بعد، يقال أن في إستطاعتها إفناء مئات الألوف دفعة واحدة!! وهكذا ينخفض عدد البشر في العلم فتنتهي منافسة الامريكان على الغذاء والكساء، ألا يذكرنا هذا بما نسب إلى هتلر قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية؟؟


3 ـ ضرب كل حركة تطور يمكن أن تكون منافساً للتطور الأمريكي أو معوقاً له، وعلى نحو خاص في مجال إختراع الأسلحة الجديدة المتوقعة بعد ظهور التقنيات الحديثة المذهلة. وهذا البند لايطبق على الكيان الصهيوني إلا بعد إخضاع كل السطات في منطقة الشرق الأوسط وما جاورها. فكل من يتعاون حالياً مع السلطات الامريكية لن يكون في مأمن في المستقبل.


هذا خلاصة ماجاء في تلك الورقة...


العولمة وساركوزي


إذن، جميع المرادفات ( الرأسمالية، العولمة، المحافظين الجدد، الشرق الأوسط الجديد، الفوضى الخلاقة أو المنظمة ) التي طرقت آذاننا، و رأينا الكثير من نتائجها، ليست فارغة المحتوى والمضمون، وذهاب بعض "المثقفين العرب" إلى هراء الحديث عن نظرية المؤامرة للتغطية على تغول الرأسمال العالمي في إستهداف الشعوب، ومنهم الشعب العربي، بعد جنوحه نحو العولمة المتوحشة، التي طالت كل شئ، هي أهداف حقيقية تسير نحو التنفيذ، وأختير الوطن العربي كحقل تجارب رئيسي. الغزو والتقسيم ( العراق السودان ) والأسلحة القذرة ( العراق، غزة فلسطين ) الخصخصة ( تحديداً مصر ) . السيطرة على الثروات الطبيعية والطاقة ( كافة الدول العربية ) .
 

وأعتقد أن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، الذي وصل للرئاسة كما هو معروف بدفع من الإدارة الأمريكية وتيار المحافظين الجدد العالمي، حاول أن ينسجم مع هذا المسار، عندما طرح منظومة ( دول البحر المتوسط ) ، مع خصوصية فرانكو ـ أوروبية. والتي أكدت آنذاك في حديث لي مع فضائية فرنس 24، أن أهدافها:


ـ التطبيع بين الدول العربية والكيان الصهيوني.
ـ إستغلال ثروات جنوب المتوسط ( الدول العربية )
ـ جعل دول جنوب المتوسط الحاجز الأمني أمام موجهات الهجرة اللاشرعية.


هذه المنظومة التي فشلت ـ تنبأت بفشلها في الحديث المذكور ـ لأنها حملت في رحمها أسباب فشلها، التي ترواحت بين إستحالة تنفيذها من جهة، ولأن أمريكا تتعامل مع حلفائها كتابعيين ذيليين وليس كشركاء من جهة ثانية. ولأن من سخرية العلاقات الدولية، اعتقاد ساركوزي ـ ربما ـ أنه يخدم الطموحات الامركية كشريك وهو ما ترفضه أمريكا.


"خصخصة " الربيع العربي


دون شك، أن الإدارة الأمريكية التي فوجئت بالحراك الشعبي العربي، خاصة في تونس ومصر, إستدركت أبعاد هذا الحراك ومخاطره المحتملة على أجندتها، فبادرت إلى إستيعابه والسيطرة عليه ( الفوضى الخلاقة أو المنظمة ) . وأخرجت من أدراج أرشيفها تجربة سابقة أينعت في "ربيع" ايران عام 1979 – 1980. يومها، كما بات معروفاً، تخلت عن رجلها السابق شاه إيران، وأقصت ثورا إيران الحقيقيين خاصة مجاهدي خلق، في عملية إستيعاب مزدوجة و غيرمسبوقة. إستغلت الدين و"رجال الدين" في إيران، الذين تواطؤا معها.. والباقي معروف.


هنا، وفي زخم "الربيع العربي"، الذي انطلق مشروعاً وعادلاً. أعادت تنفيذ السيناريو الايراني. دفعت بشكل محموم لأبراز التيارات "الإسلامية"، كأنها القوى الحقيقية والفاعلة، سياسياً وإعلامياً ومالياً. مباشرة أو مداورة من خلال المزودات المحلية. و وظفت "الديمقراطية" بوجه داعر، كما وصفها المحامي الفرنسي الشهير جاك فيرجيس في كتابه الذي تحدث فيه عن إحتلال العراق. ديمقراطية الدعارة السياسية الأمريكية، إستغلت الدين، والأمية، وإنعدام الوعي المجتمعي. وتوافقت، مع بعض التيارات "الإسلامية" في تناغم مشبوه، وزواج مريب. كما إستغلت، مع كافة العوامل، "مشروعية" صناديق الأقتراع ( كما في العراق بعد الإحتلال ) ، لإيصال شركائها الجدد والمتجددين والمستجدين إلى السطلة عبر "براءة" الأنتخابات كما حدث في تونس ومصر تحديداً.


في حالة ليبيا ـ بغض النظر عن رأينا بالنظام السابق ـ لجأت إلى الحسم العسكري، ودعمت "الإسلاميين" بالسلاح، وأطلقت يدهم ميدانياً. طائرات الناتو كانت تصب حممها على أهلنا في ليبيا، المدنيين أكثر من قوات القذافي ( تتحدث معلومات شبه مؤكدة عن سقوط أكثر من ثمانين ألف ليبي مدني بقصف طيران الناتو ) ، وتؤمن التقدم الميداني على الأرض للميلشيات "الإسلامية".


سوريا .. تراجيديا المأساة


في حالة سوريا، التي نعيش فصولها الآن، فإن الشعب السوري الذي تمرد على الواقع المزري الذي فرض عليه منذ عقود، إنتفض للثأر بحقه بالحياة الكريمة التي حرم منها، ولكرامته الوطنية والقومية التي هدرت.


علينا أن نتصارح أمام شلالات الدم التي تسيل من الشعب السوري. تراجيديا أهلنا في سوريا تكمن في عدة امور:


ـ نظام لم يتورع عن إستخدام القوة العسكرية المفرطة للتصدي لإنتفاضة الشعب.
ـ معارضة مفككة أو غير متجانسة، ودون قيادة حقيقية قادرة على المواجهة.


ـ النظام يلقى دعماً إقليمياً كبيراً سواء من ايران أو الكيان الصهيوني. و دولياً: إسناد من روسيا والصين, وتواطؤ أوروبي ـ أمريكي لصالحه.


وعلينا أن نعترف أن معركة الشعب السوري، ليست هي معركة وطنية وحسب على أهميتها، بل أن نتائجها ستعيد للأمة العربية وجهاً نبيلاً غاب عقوداً. وستوجه ضربة أساسية وحاسمة للمشروع الفارسي الصفوي الذي يستهدف أمتنا منذ سنوات، وستنهي عقوداً من "الطمأنينة والاستقرار" للعدو الصهيوني.


إنتفاضة الشعب السوري، لن تستطيع ـ مع الأسف ـ حسم المعركة إلا إذا إرتقت بقيادة تضع برنامج إنقاذ وطني شامل، وفق خطة عمل تلحظ كافة الظروف والمعطيات. وتدري بعمق وموضوعية كل العوامل الإيجابية لتطويرها إلى الأمام، والسلبية لتجاوزها والتخلص منها. تضحيات الشعب السوري الكبيرة والعظيمة تفرض على كل القوى صاحبة المصلحة الحقيقية بالتغيير أن تعيد القراءة الجادة لمسيرة سنة ونصف من الحراك المشروع.


كل بطولات وتضحيات شباب الأحياء والمدن والريف، لن تعطي ثمارها دون قيادة ميدانية موحدة تؤطر الجهد اليومي الدؤوب. دون ذلك سيبقى الحراك الشعبي السوري المشروع والعادل دون نتائج أو حسم على المدى المنظور على الأقل.


عود على بدء


إذن، التكامل بين رؤية بريجنكسي وماكشفه جفري ستراينبورغ، يدلل بوضوح على المخططات التي تستهدفنا كأمة عربية. و دخول ايران ـ خميني في حلقات التآمر والتواطؤ معها، يجعل محور الشر الامريكي ـ الصهيوني ـ الفارسي، الذي طالما حذرنا منه ومنذ سنوات، حقيقة واضحة لا تحتاج لدلائل أكثر من ذلك. وأعيد التأكيد مرة جديدة ـ كما أكدت منذ سنوات ـ إن ما يقال عن ضربة عسكرية امريكية أو صهيونية ضد ايران أو برنامجها النووي هو هراء، ولذر الرماد في العيون.


وأخيراً، ما رأيكم بالفوضى المنظمة والخلاقة، التي يعيشها أكثر من بلد عربي؟! ومارأيكم بملامح "الشرق الأوسط" الجديد أو الكبير الذي بدأ يتشكل وجهه القبيح.!


وهل الإصرار على غزو العراق وأحتلاله, كان من أجل أسلحة الدمار الشامل التي لم يجدوا أثراً لها؟! وهل لا يزال "بعض العرب" يراهن على وهم "الحلول السلمية" مع الكيان الصهيوني؟! وأين أصبحت "مبادرة السلام العربية" يا نظامنا العربي الرسمي؟! وسؤال "ساذج " لدول النفط العربي: أين هي العائدات المالية الفلكية للنفط ؟! وفي أي مصارف؟! لأن مصادر متعددة بالنظام الرأسمالي تعتبر أن هذه العائدات المالية من النفط العربي المهولة باتت في مصارف محددة ـ كما قال ستراينبورغ ـ لتعزز وتساهم دون معرفتها أو رغبتها في دورة العولمة التي بات حبلها...
 

 

 





الخميس ١٧ ذو القعــدة ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / تشرين الاول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي نافذ المرعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة