شبكة ذي قار
عـاجـل










يتساءل الكثير من الحريصين من شعبنا العربي, تارة بألم من يبحث عن جواب حاسم صادق, وطوراً كالتائه وسط ندرة الأخبار عن فعاليات المقاومة العراقية. كل التساؤلات مشروعة، طالما أنها تنطلق من أرضية مخلصة، وتنتظر الجواب  عليها من أصحاب القرار في قيادة المقاومة الوطنية. المصارحة هذه بكل ما فيها من إنتصارات و إنكسارات، وبكل ما فيها من حقائق مهما كانت مرة وقاسية، تصبح أكثر من ملحة، في ظل سيل الشائعات المتعددة والمتنوعة التي تستهدف إحباط الشارع العربي، و سوقه بإتجاه ظالم له، وظالم أكثر لهذه المقاومة التي تتحدى المستحيل، منذ إحتلال العراق.

 

إنطلاقاً، من عروبتنا التي أؤمن بها إيماني بأسلامنا العظيم. و إخلاصاً مني لهذه المقاومة الباسلة، لأنها الرأس العالي لكل المقاومات عبر التاريخ. دفاعاً، عن العراق الوطني والقومي، الذي لم يتوان طوال عقود حكمه الوطني بالدفاع عن كل أرض عربية وعن كل قضية عادلة، وفي طليعتها القضية الفلسطينية.

 

ملاحظات أولية

في البداية يهمني, أن أضع أمام القارئ مايلي:

ـ قبيل الغزو، وفي لقاء مع المناضل الليبي الكبير الصديق الراحل منصور الكيخيا، الذي كان عائداً من زيارة لأمريكا، قال لي: الامريكان هدفهم إحتلال العراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين. لأسباب كثيرة في مقدمتها  أنهم ـ أي الامريكان ـ يعتبرون ان العراق تجاوز كل الخطوط الحمراء التي تتعارض مع سياستهم ومصالحهم وخاصة: القرار السياسي الوطني العراقي المستقل، ودعمه للقضية الفلسطينية وللإنتفاضة الفلسطينية، ووقوفه مع كافة القضايا العربية

 

ـ عقب إحتلال العراق، زارني في مكتبي بباريس، المناضل المغربي الكبير الصديق الراحل الفقيه محمد البصري. كان الهدف الرئيسي له، أصدار مجلة للدفاع عن المقاومة في العراق وفلسطين. كان يتصبب عرقاً، وهو يتكلم بحرقة عن جريمة غزو العراق وإحتلاله. لدى خروجنا من المكتب لأوصله للفندق الذي ينزل به بباريس، كانت آخر كلماته: "للعراق دين كبير في أعناقنا كلنا". قبل أن يهوي على الرصيف مغشياً بنوبة قلبية...وبقية الحادث اتركه للتاريخ..

 

ـ بعد سنوات من الإحتلال، وفي لقاء مع المناضل العراقي الصديق الراحل عبد الجبار الكبيسي, كان يتكلم بحسرة وألم عن خذلان الآخرين للمقاومة العراقية، من الكثيرين في الوطن العربي. تساءل بمرارة: أين القوى الوطنية والقومية العربية؟! أين النقابات العمالية والاتحادات الطلابية؟! وحدق بي قائلاً: هل تعرف ان الكثير من البعثيين العراقيين باعوا منازلهم و دورهم لدعم المقاومة . هل يعرف العربي ماذا يعني للعراقي ان يبيع سكنه!؟

 

البدايات و المرارة 

لا أريد أن أؤرخ، لحقبة ما، في مسيرة المقاومة العراقية. ولكن التذكير، إن لم تكن له فائدة مرجوة، فعلى الأقل يلقي الضوء الناصع، على مقاومة إنطلقت مع وصول أول دبابة غازية لشوارع بغداد. كان الزخم العملياتي للمقاومة مبهرا وكبيرا وفاعلا- رغم صدمة الاحتلال- في السنوات الاولى، ثم "تراجع لاحقا"الذي بات موضع تساؤلات البعض. يمكن أن أرجعه للأسباب التالية, كما أعتقد وقد أكون مخطئاً في بعضه:

 

أولاً: توفر الإمكانيات التسليحية، بفعل الخطة الحكيمة للقيادة العراقية، هذه الإمكانيات بدأت تتناقص مع مرور الشهور والسنوات، في ظل صعوبات في  تعويض بالسلاح والذخيرة. وهذا ليس معيباً للمقاومة، بل معيباً للجميع الذين لم يقدموا للمقاومة أي دعم تسليحي ... ومع ذلك فقد أبدعت المقاومة العراقية في تطوير وسائل تدمير قوات الاحتلال والياته وتطوير بعض المستلزمات  القتالية .. ولعدم وجود تحركات لبقايا قوات الاحتلال في الشارع لا يسمع المواطن عن فعاليات ضدهم .. فقد اتجهت الفعاليات في الغالب على أهداف أخرى ذات علاقة بالاحتلال ومشاريعه وعملاءه .

 

ثانياً: قلة الموارد المالية الضرورية لإستمرار زخم المقاومة. المقاتلين العراقيين ليسوا ملائكة، بل بشر مثلنا كلنا. يحتاجون بالضرورة لتوفير مستلزمات الحياة لهم ولأسرهم. وهذه بديهيات لا يمكن القفز عليها، ولا يجوز أن  نتعامى عنها.

 

ثالثاً: تنوع الاحتلالات في العراق: امريكا، ايران، الكيان الصهيوني. وهذا ماجعل المقاومة العراقية تقاتل على أكثر من محور. كانت في مراحل عديدة على "قدر أهل العزم". وللإمانة التاريخية استطاعت الانتصار إلى حد بعيد، على تغول هذه الاحتلالات.

 

رابعاً: تواطؤ دول الجوار، بين مشارك للاحتلالات، أو تحوله لشيطان فاعلا وليس أخرساً. و في تاريخ كل مقاومات العالم، كانت تعتمد على عمق خارجي، أو قواعد خلفية، تؤمن لها سبل للصمود أكبر. و هذا ما لم يتوفر للمقاومة العراقية فهي تعتمد على الإمكانيات الذاتية وهي عملية ليست سهلة .

 

خامساً: غياب مؤسف ومدان، للأحزاب العربية والنقابات العمالية والاتحادات الطلابية، عن التلاحم الضروري مع المقاومة. و ليسمح لي الجميع بالقول: بيانات التأييد على تواضعها، والمواقف السياسية الخجولة، لا تقدم طلقة رصاص لبندقية مقاتل و لا تعالج جريح، ولا توفر سبل الحياة الكريمة لآلاف الاسرى والمعتقلين و أسرهم.

 

سادساً: الإعلام الذي فرض حظراً شاملاً، على أخبار كافة نشاطات وفعاليات المقاومة، كي يوحي للقارئ والمشاهد، أنها مقاومة "هامشية"، أو غير فعالة. وأن عملياتها صغيرة ومحدودة، وغير قادرة على التحرير وإخراج القوات الغازية "المتعددة الجنسات" من أرض العراق العظيم.

 

سابعاً: عملاء الاحتلال، وما يسمى "العملية السياسية" الذين مارسوا عملية تضليل واسعة ترافقت مع حالة طائفية بغيضة وتصفيات واعتقالات ونهب لثروات العراق الوطنية

 

المسيرة المستمرة

رغم كل المعوقات الآنفة الذكر، واصلت المقاومة العراقية نضالها الفذ وقتالها المشرف، في ظل الاحتلال الكبير في موازين القوة والقوى و هذا يحسب لها بجدارة وإستحقاق. ويكفيها فخراً أنها أجبرت الجيش الامريكي على: 

ـ سحب قواته بداية، من المدن والريف والشوارع، لتقليل خسائره البشرية والمادية والعسكرية.

ـ سحب غالبية قواته، في مرحلة لاحقة، من العراق لإنهاء نزيفه المتعدد.

ـ تبادل الأدوار والمصالح مع ايران مباشرة، و مداورة من خلال عملائهم المزدوجي الولاء لكلا الطرفين

 

الوضع الآني 

والآن، بعد كل ما أوردته، باجتهاد وتحليل شخصي، من خلال رؤيتي ومتابعتي لإداء المقاومة العراقية. هل وجد كل المتسائلين من شعبنا الطيب، جواباً على تساؤلاتهم المشروعة؟! وألا تستحق هذه المقاومة دعماً يتجاوز الموقف الهلامي الذي لا يستطيع الوقوف على أرضية صلبة!

 

كلمة أخيرة ـ، لبعض "الدعاة" الذين يصدعون رؤوسنا بضرورة "النقد الذاتي" لتجربة النظام الوطني، مارأيكم بحديث المناضل عزة ابراهيم للأهرام المصرية، وتأشيره على العديد من المواقف التي شابت مسيرة الحكم العراقي، وهذا ليس إنتقاصاً من هذه المسيرة، بل هي الشجاعة التي لا يتحلى بها إلا أصحاب الهامات العالية... والله من وراء القصد .

 

 





الاحد ٥ ذو الحجــة ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / تشرين الاول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي نافذ المرعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة