شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل سنوات لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة ، ترجلت ياسيدي شجاعا ، لم يسبقك احد في شجاعة المواجهة، فواجهت ملك الموت بذهول كل المشاهدين ، ملك الرعب الذي يقبض على ارواح الناس جميعا ، وكنت بطلا في مواجهة الموت ، شجاعا في وقفة العز والكبرياء والرجولة ، فكان من ارادوا لك الموت قد قذفت بالجبن والذل والهوان في وجوههم ، وحفرت على جبهاههم الكالحة ذل العبودية ، التي باعوا فيها الكرامة والاخلاق والوطنية .


في ذكراك اليوم نفتقد الى الشجاعة والمروءة ، ونبل الاخلاق في السياسة ، لان الاوغاد ارادوا منها ان تكون ذلا ومهانة ، وخدما للاسياد والاعداء ، لدنيا العروبة والاسلام وللاوطان ، ومازالوا واهمين انهم رجال وهم الخدم والعبيد لباساطير المجرمين ، في عواصم العهر السياسي والاخلاقي ، من امبرياليين وصهاينة وفرس مجوس .


في يوم الشهادة كنت مع الله والوطن والامة ، لم تنس ان الشهادة عنوان كل مسلم وانسان يطلب التوحيد، فقد رددتها لتقول ها انا على الطريق المستقيم ، الذي جاء به النبي العربي الامي محمد بن عبد الله ( صلعم ) ، الذي بعثه الله بالدين لتوحيد الامة ، وجعلها خير امة اخرجت للناس ، ونطقت بعنوان العروبة ومركزية قضيتها ، فكانت فلسطين المغتصبة حاضرة في ذهن الشهيد ، وجها لوجه مع ملك الموت، وكنت في مواجهة العملاء الجبناء ، فلم يشهد التاريخ مشهدا تبدو فيه الضحية اشجع من الجلاد الا في حالة الحكم عليك ، عندما ابيت الا ان تكون مكشوف الوجه ، فلم ترتعد ولم تبدو الا ثابت القلب قوي العزيمة ، مبتسما لتذوق طعم الشهادة ، التي كنت تتوق اليها على امتداد مسيرتك النضالية ، لهذا ما عرف عنك الخوف ، منذ خطوت خطواتك الاولى على درب الحياة ، واما الجبناء والذين معهم من رهط الخزي والعار والخيانة ، فقد استظلوا بعتمة الخوف والرعب والجبن ، وابى اتباعهم من المنفذين الا ان يتدثرو ، وعلى وجوههم براقع الخزي والعار .


في عراق اليوم الذي افتقدك ، مازال القمل يعشعش في فروة الرأس لمن يظن انهم يحكمون العراق، ومازالت الجرذان تتراكض في جنبات وزوايا مخابئهم ، وما زالت روائح العهر الكريهة تزكم انوف السائرين فيه ، ومازالو كما عرفتهم جبناء اذلة ، ما عرف التاريخ اكثر جبنا منهم ، ولا سجّل اقبح حقدا منهم ، ومازالت نفوسهم المريضة تعافها كل نفس بشرية ، في وقت كان عراق الوطن والامة ، يرفل بالشموخ ، ويتمختر في شوارع وازقات الجود والكرم والكبرياء، ورجاله كانوا لا كالرجال ، لانه كان عراق الامة ، و يحمل مشروع امة .


في يوم استشهادك كانت جموع المسلمين تتوجه لرب واحد احد ، كما كانت توجهاتك لامة واحدة ذات رسالة خالدة ، تذكّر بامة ذات رسالة حطمت الاصنام ، واطفأت نار المجوس ، ودمرت ايوان اباطرة الفرس ، الذين قال عنهم الفاروق رضي الله عنه " اللهم اجعل بيني وبينهم جبل من نار " ، وقد جعلت بينك وبينهم سم الهزيمة الذي تجرعوه ، عندما فكروا ان يعيدوا مسيرة العهر الطائفي الى عراق الامة والعروبة .


في ذكرى استشهادك مازال المشهد كما هو ، لايفارق اعين المتعبين ، ولا الحالمين بأمة واحدة من الماء الى الماء ، امة ارادت لها مشيئة الواحد الاحد ان تكون امة رسالة عظيمة ، بحجم عظمتها ، وبقيادة ابناء لها ، ارادوا ان يقولوا للعالم اجمع وللانسانية ، ها نحن الذين كشفنا عن وجه الانسانية جهلها وتخلفها وعبوديتها لغير الخالق .


في ذكرى استشهادك رغم ما يعاني الوطن والامة ، الا ان اخبار ابطال المقاومة التي صنعتها يداك ، تبشر بالنصر وتعطي القلوب دفقة من الحياة ، تضرب بعملياتها وجوه الاعداء الغابرة ، وجباه العملاء الكالحة، وتعلن ان عراقا قد صنعت المجد في ربوعه ، لن يقبل بالظلم والضيم ، ايا كانت جموع الاعداء ، وايا كانت مؤامرات الخزي والعار .


في ذكرى استشهادك مازال الرفاق هم الرفاق ، باقون على العهد ، ومازالت اخبار القائد ابو احمد ورفاقه تصول على اعداء الوطن والامة ، ومازالت قمائم البشر تتوهم انها تملك العراق .


في ذكرى استشهادك مازلنا نردد قراءة الفاتحة في كل صلاة من صلواتنا الخمس ، على روحك وارواح رفاقك ، الذين ساروا على الدرب نفسه ، ومازالت انفسنا تشرئب لسماع بطولات المقاومة الباسلة ، على ارض العراق العظيم ، الذي اردت له ان يكون نموذجا في الشجاعة والعطاء ، من خلال مساهمته في بناء الامة ، ومشاركة الانسانية ، في احلال السلم والسلام ، بعيدا عن عهر الامبريالية والصهيونية ، ودسائس المجوسية.


في ذكرى استشهادك نستذكر كل المعاني الجميلة ، وكل السمات العطرة ، لانها معاني ذات مضمون، وسمات ذات معنى ، فهي معاني امة ، وسمات اناس طلبوا الشهادة في سبيل حياة الامة ، ومارسوا الحياة في سبيل بناء الاوطان والمجتمعات ، فكانت تضحياتهم على طول الطريق ، تضحيات المجاهدين والمناضلين والابرار .


في ذكرى استشهادك لن تملك الكلمات كل الحروف المعبرة عن معاني الاستشهاد والرجولة ، التي غرستها في حياة الامة ، ولن تملك الكلمات كل عبارات القدرة على التعبير عن مكنونات ما يتواجد في القلوب ، ولن تملك العبارات ابجديات الحب والوفاء لصاحب رسالة وموقف ، ولن تملك هذه العبارات ما يمكن ان تصنعه المقالات ، من تدوين حياة حافلة بالعطاء ، لان سفرك كبير كبير لا تسعه كل هذه الصفحات ، ولان الحياة الانسانية على طول امتدادها ما شهدت الا القلائل من امثالك .


في ذكرى استشهاد القائد العظيم ، نقول لقد ترجلت ورحلت عنا والامة في اعز حاجتها اليك ، فننظر حولنا ولا نرى في عراق اليوم ، الا العملاء والخونة والجبناء ، ممن دنسوا ارض العراق ، وفي امتنا ممن انتسب اليها زورا وبهتانا ، ولا يتورع للحظة واحدة ان يكون عميلا وقت الحاجة ، وخائنا وقت الشدة ، وجبانا وقت الصولة .


في ذكرى استشهادك سقط كل المعتدين من امثال بوش وبلير ومعهما حزبيهما ، وساءت احوال امبراطورية الشر ، فاخذت تتخبط بفشلها العسكري في العراق وافغانستان ، وفشلها السياسي على الصعيد الدولي ، وانهيارها الاقتصادي في مؤسسات المال والاقتصاد ، بسبب عدوانيتها على العراق ، واكتشفت هلوسات الفرس المجوس ، ومدى الاعيبهم واكاذيبهم ، في ادعاءاتهم بعداء الشيطان الاكبر ، لانهم اكدوا انهم هم الشيطان الاصغر ، وكشف بوش الصغير فيما اسماه بمذكراته ، ان جبان المنصة من العرب ، قد كان رأس الجريمة في العدوان على العراق ، في وقت كنت شديد الاحترام للشعب الذي يمتطيه هذا العاهر ، وكنت تمجد ام الدنيا وشعبها ، وتحترم صاحب الذكر الخالد من ابنائها وابناء العروبة، الذي ما كان يوما الا مع امته وقضاياها في فلسطين والاهواز .


وفي ذكرى استشهادك يكتب عجوز الشر والعدوان رامسفيلد في مذكراته ، ان مخابراته قد دفعت لامام الطائفية المجوسية ، مبلغ مائتي مليون دولار ، ليشق الصف الوطني ، ويأخذ بالطائفة الشيعية العراقية ، التي انجبت الابطال في القادسية الثانية الى وحل الخيانة ، وليلحق بامام المجوس الذي احرق شباب ايران في محرقة العدوان بمفاتيح الجنة ، عندما ادعى انه يملك مفاتيح النار ، فلوث تاريخ وجه الجناح الآخر للعراق العظيم ، والذي ما تزعزعت به ثقتك ، حتى بعد ممارسات الغوغاء والحرامية ، بعد العدوان الثلاثيني على العراق.


في ذكرى استشهادك يطل علينا العيد باهتا لا طعم له ، الا ما نعلّمه لاطفالنا ، ان الامة بالف خير ، وانها الوحيدة التي تحمل السلاح في وجه الامبريالية والصهيونية والطائفية ، نيابة عن العالم كله ، فالمقاومة التي ترعرت في احضانك ، لا تدافع عن العراق والامة فحسب ، بل عن العالم باحراره ومناضليه ، وكل المقهورين فيه ، وتدفع بالامة نحو طريق الوحدة ، التي لا خيار لها في مواجهة الوهن الذي يجري في عروقها الا بها ، ولا سبيل امامها الا بالجهاد في شتى صوره وانواعه ، فقد بدأت به ، ولا ينكشف عنها الغم والقهر الا به .


في ذكرى اسشهادك يتجدد العهد مع الالتزام بالمبادئ ، و الاصرار على المواقف ، على ثوابت الامة ، في الوحدة بديلا عن التجزأة ، وفي التحرير والحرية بديلا عن التبعية ، وفي التقدم والعدالة بديلا عن التخلف، وفي الدفاع عن قضايا الامة في فلسطين والاهواز والجزر الثلاث ، وكافة الاراضي العربية المغتصبة من وطننا العربي .


نجدد العهد على ان لا يكون انتماؤنا الا لامتنا ، ولا تبعيتنا الا لقضاياها ، لاننا نعشق الامة ، ونؤمن بدورها في الحياة ، ولا ننا نؤمن ان الله الذي اصطفاها لرسالة عظيمة لانها عظيمة ، فجدير بنا ان نكون من ابنائها المنتمين لها ، والمدافعين عن وجودها ، وقضاياها المصيرية ، في وجه الظلم والطغيان ، والقهر الداخلي والخارجي .


يحدونا الامل ان نجدد العهد في الذكرى القادمة ، ومعنا العراق الحر ، وقد اعلن النصر والتحرير ، وتخلص من كابوس الاحتلال ، ومن جرذان واشنطن وتل ابيب وطهران ، الذين عبثوا في البلاد والعباد، وارادوا ان يقدمو العراق لقمة سائغة لاعدائه واعداء الامة ، فكانت ممارساتهم تنم عن مدى الحقد الذي يملأ قلوبهم ، ليس على العراق فحسب ، بل وعلى الامة جمعاء ، وعلى الانسانية وكل الشرفاء في هذا الكون ، لانهم صنيعة الخيانة المعشعشة في نفوسهم ، فالمشهد السياسي الذي يتراءى لنا في العراق، ينضح منه مفاسد الاخلاق ، وانعدام الرجولة ، وغياب الوطنية ، والبعد عن المصداقية ، وهو ما يريده لهم الاسياد ، الذين جاءوا بهم على دباباتهم ، ليكونو متعهدين للخراب والدمار الذي يريدونه للعراق، ولتنفيذ احلام الامبريالية والصهيونية والطائفية ، التي كان يضيرها تقدم العراق ، ونهضته العسكرية والعلمية والتعليمية ، التي قام بها النظام الوطني التقدمي ، والتي باتت تشكل خطرا كبيرا على اهدافهم .


في ذكرى استشهادك نزجي التحية في يوم العيد والاستشهاد ، لبطل المقاومة المناضل عزة الدوري ، الذي قلت عنه ، لو انه في عيوني لاطبقت رموشي عليه ، لمدى حبك ووفائك للرجال الرجال ، ونحن مازلنا على العهد ، عهد الوفاء للابطال والشجعان والاخيار في امتنا ، وانت في المقدمة من كل هؤلاء .


كلنا امل ان نجدد العهد في الذكرى القادمة ومعنا العراق الحر ، وقد اعلن النصر والتحرير ، وكنس الاحتلال واعوانه من ارض العراق ، لان الامة تواقة الى تذوق طعم النصر ، وازالة كابوس البؤس والشقاء، ونفضت عنها غبار التخلف ، ووضعت قدميها على طريق تحقيق المبادئ ، فالامة تحتاج الى من يأخذ بيديها نحو الوصول الى العلى ، وهي امة ولود ، قادرة على النهوض ، فهي عصية على الركوع ، وهكذا كان رأيك في امة ناضلت واستشهدت في سبيل رفعتها .


كلنا امل كبير في ان تحقق المقاومة العراقية الباسلة اهدافها ، لاننا بحاجة ماسة الى عراق العروبة ، فهو بشموخه ومبادئه وعروبته جمجمة الامة ، وهو حامي حمى الجبهة الشرقية ، وهو من القم اعداء الامة من يهود وفرس على مر التاريخ حجارة صلدة ، دقت رؤوسهم المتعفنة ، وقطعت السنتهم المتطاولة ، وشقت افواههم المليئة بالحقد والضغينة ، فاليهود الصهاينة والفرس المجوس ، كانوا وعلى مر التاريخ ، يتصدون للامة ، ويقفون في طريق رقيها وتقدمها ، وكان العراق لهم بالمرصاد ، من نبوخذ نصر ، مرورا بصلاح الدين ، حتى الشهيد صدام حسين .


عراقك ياسيدي باق على العهد ، رغم كل اكاذيب الاعلام والمتحذلقين ، والا ما كانت مقاومته بهذه الشراسة ، ولما استطاعت ان تدمر المشروع الامبراطوري الاميركي ، وما وضعت اميركا جدولة الانسحاب ، لان الاستعمار على الدوام لا يخطط للانسحاب من مواقع قام باحتلالها ، الا اذا وجد ان مشروع الاحتلال لديه خاسرا ، فهكذا تمكنت المقاومة الباسلة ، ان تضع اعداء الامة في مواجهة هزيمتهم المنكرة ، بقيادة رفاقك في الحزب ، الذين صنعت منهم مناضلين فوق نضالاتهم ، ورجالا اشداء فوق شراستهم في النضال ، وهكذا حقق رفاقك ما لم يتمكن اي تنظيم حزبي في هذا الكون ان يحققه، عندما يخسر السلطة تجده قد انتقل فورا الى خنادق المواجهة ، فقد اكد البعث انه حزب المقاومة والتحرير ، كما كان حزب البناء والتقدم والتنمية ، وقد اكد رفاقك اخلاقيات نضالية لم يحققها من قبلهم احد ، عندما صمدوا واصروا على الصمود ، ولم يسقط واحد منهم في براثن الاعداء ، ولا انحرافات المنحرفين ، فكانوا ولا زالوا نموذجا في الايثار والصلابة والنضال .


لقد تحققت مقولاتك في اثناء العدوان ، عندما قلت ان بغداد مصممة على ان ينتحر البرابرة على اسوارها، فظن قصيرو النظر والحاقدين عندما انتهت الصفحة الاولى من المواجهة ، ان هذا الكلام بعيد المنال ، وما فهموا ان المقاومة الوجه الحقيقي للمواجهة ، وعندما نزل الاميركان على الارض ، كتبت ابجديات انتحارهم على اسوار بغداد ، وفي زمن قياسي انتزعت منهم المبادرة ، واصبحت بيد ابطال المقاومة فسجلت المقاومة الباسلة اولى حروف النصر على امبراطورية الشر ، وكل الذين تخندقوا معها ضد العراق والامة .


نم قرير العين ياسيدي ، وهنيئا لك بالشهادة ، فلا يمكن لانسان ينالها ، الا من كانت له حظوة من عند الله، وقد نلتها وانت مطمئن النفس ، تسير باتجاهها واثق الخطى قوي العزيمة ، وانزل الله شأبيب رحمته على روحك المرفرفة في فضاء الجنة ، التي وعد الله بها عباده الصالحين ، وانت بعطائك واستشهادك كنت النموذج الذي يحتذى ، فانت على الدوام كنت تعلي من قيم الشهادة ومكانة الشهداء وانت القائل فيهم " الشهداء هم الأكرم منا جميع " .


رحمك الله يا سيد شهداء هذا العصر ، وحشرك مع الانبياء والصديقين والصالحين من عباده ، والهم كل محبيك ورفاقك ومؤيديك كل العزم على السير في الطريق ، طريق النصر او الشهادة ، طريق الحرية والتحرير للارض والانسان ، على ارضنا العربية ، التواقة للوحدة والحرية والتقدم .

 


dr_fraijat@yahoo.com

 

 





السبت ١١ ذو الحجــة ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / تشرين الاول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة