شبكة ذي قار
عـاجـل










إن سبب غياب هيبة التعليم تعزى لفقدان المعلم لدوره ووظيفته التربوية ،فإذا كان الطالب هو محور العملية التعليمية فإن المعلم يعد العمود الفقري للنظام التعليمي ، وهو ربان السفينة التي لايمكن لها أن تصل الى بر الأمان دون قيادته ، واذا كان الحديث عن التعليم فلابد من الحديث عم المعلم فلا تعليم دون معلم وقد قيل لو كان هناك قانوناً سيئاً بيد قاض جيد فان الاحكام الصادرة ستكون جيدة وان كان هناك قانوناً جيدا بيد قاض سيئ فان الاحكام ستكون سيئة ، والتعليم كذلك فالمعلم الجيد هو من ستكون نتائج طلابه جيده اياً كان المنهاج والكتاب المدرسي والبناء والتقنيات التربوية التي بين يديه .


يتحمل المعلم والمجتمع نفسه مسؤولية فقدان المعلم لهيبته ، بالاضافة الى الانظمة واللوائح التي تلعب دوراً في فقدان هذه المكانة وضعفها ، فهناك معلمون ينظرون الى التعليم كوظيفة، وهمهم الراتب والدوام ، وليس النظر الى التعليم كرسالة يستمتع بأدائها ، وهو ما كان يتصف به معلم الأمس ، إذ كان معلماً وأباً ومرشداً تربوياً ، في حين أن معلم اليوم لو قام بوظيفته التعليمية على الوجه الأكمل والقدوة الحسنة لطلابه لكان نوع التعليم افضل ، فالقدوة الحسنة والمظهر اللائق والاعتناء بهندامه كلها ذات تأثيرايجابي على الطلاب .


ان بعض الأنظمة واللوائح قد سلبت الصلاحية التي كان يحظى بها المعلم ، حتى أن بعض المعلمين لا يجرؤ على مواجهة تلاميذه ، كما أن بعض المديرين لا يجرؤ ايضاً على مواجهة المعلمين المقصرين ، وهؤلاء المعلمين لا يؤدون الدور المنوط بهم كما يجب ، فالمدرسة كما نعلم مصنع انتاج الرجال والأجيال ، فاما ان تنتج صناعة رائعة او رديئة ، فعلينا ان نهتم بالمدرسة ، وهذه لن تحقق المطلوب ان لم يقودها مدير جدير ومتمكن ، يملك القدرة ان يقود مدرسته بكل جدارة واستحقاق ، فوراء كل مدرسة متميزة مدير متميز ، ووراء كل طالب متميز معلم متميز .


إن وظيفة المعلم باتت وظيفة من لا وظيفة له لاسباب اقتصادية واجتماعية ، فالعبئ التدريسي والمعاناة التي ترافقها من تحضير للدروس والتخطيط لها ، وتربية الصف وتصحيح الدفاتر، وطريقة معاملة الطلاب واسلوب ادارة الفصل ، ومعاملة المدير، لايقابله المردود المادي التي تجعل من المعلم قادراً على الايفاء بالتزاماته تجاه نفسه واسرته ، الى جانب ان نظرة المجتمع باتت مرتبطة بمستوى الدخل الاقتصادي ، فبتدني الوضع الاقتصادي صاحبه تدن في نظرة المجتمع ، فخسر المعلم دوره الاجتماعي الذي كان يتمتع به .


إن المعلم وإلى وقت ليس ببعيد كان يمثل مجموعة من القيم والأخلاقيات ، وله حضور وهيبة في نفوس الطلاب ، وأن للمعلم دوراً أساسياً في رسم شخصيته أمام طلابه ، ويفترض فيه أن يكون مرن لا صلب ولا هش ، ليتعامل مع كافة النوعيات ، وهو العمود الفقري للعملية التعليمية ، وعلى كليات التربية أن تركز على إعداد الجوانب الشخصية للمعلم علمياً ومادياً واجتماعياً ونفسياً .


إن إحترام المعلم ومنحه دوراً محترماً هو جزء من انتاج الأجيال المحترمة ، وهؤلاء الذين ينزعون عنه أدوات القوة والإحترام لا يتجنّون عليه وحده ، بل يتجنّون على العملية التعليمية برمتها ، وعلى المجتمع وسرعة تطوره والسماح له بالوصول الى ما وصلت اليه الامم المتطورة .


إن الاعلام قد لعب دوراً في تدني هيبة المعلم ، فهو يعرض المعلم بصورة مبتذلة غير محترمة ، ويقدم صورة سلبية عن المعلم ، ومعظم أولياء الأمور قد ساهموا في هذه الحالة التي يعيشها المعلم ، فبالامس كان ولي الأمر يساند المعلم ويحترمه ، اما اليوم يشارك الأهل ابناءهم بالهجوم والوقوف على أي زلة تصدر من المعلم ، وقد يكون المعلم أحد الأسباب الرئيسة لسقوط هيبته لعدم اهليته وغياب وجود رؤية تربوية وتعليمية لديه ، فلا يوجد تخطيط واضح بين المعلم والطلاب ، وبين المعلمين أنفسهم ، وبين المعلمين والادارة ، وبين المعلمين وأولياء الأمور، كذلك لا يوجد رؤية تربوية وتعليمية توضح سياسة وبرامج المدرسة ، حقوق وواجبات الطالب ، حقوق وواجبات المعلم ، مما يولد النظرة السلبية تجاه المدرسة ، ومن ثم يقلل من مكانة المدرسة ومكان المعلمين ، وبعض المعلمين يدخلون صفوفهم دون تحضير مسبق ، مما يفقد الطلاب اهتمامهم للمادة الدراسية ولدور المعلم .


إن العالم في حركة تطور وتقدم دائمتين ، والمعلم الذي لا يواكب هذا التطور والتقدم ، يدفع بالطالب الى ان يلجأ الى مصادر تعلم أخرى ، تؤدي الى فقدان المعلم لدوره ومكانته ، فسهولة التزود بالمعلومات التعليمية والتربوية والثقافية افقدت المعلم دوره في ان يكون مصدر المعلومات الأول في العملية التعليمية .


ان المعلمين في الكيان الصهيوني يلقبون بأمراء الشعب ، وصعود الاتحاد السوفييتي الى القمر دفع الولايات المتحدة لتشكيل لجنة على مستوى الرئاسة وبرئاسة نائب الرئيس جورج بوش الاب ، للبحث في شؤون التعليم ، فاصدرت وثيقة امة في خطر، ويقول احمد زويل صاحب جائزة نوبل لقد سألت رئيسة وزراء ايرلنادا ما الذي جعل ايرلندا تقفز من اسفل السلم في الاتحاد الاوروبي الى اعلى السلم ، فتجيب التعليم التعليم التعليم ، وهاهو نيتشة الفيلسوف الالماني عندما احتلت فرنسا مقاطعتي الالزاس واللورين من المانيا ، قد قال اعطوني التربية لاحرر الالزاس واللورين ، ولم يطلب الدفاع ولا الداخلية ولا الامن ، وقد بنى العرب مجد حضارتهم بالعلم ، فقد كان الخلفاء يقدمون وزن الكتاب ذهباً لمؤلفه او مترجمه .


إننا في حاجة ماسة الى المعلم الناجح الذي يحب مهنته ، وتم اختياره لها بكامل ارادته، ومتمكناً من المادة الدراسية التي يقوم بتدريسها ، ويعرف كيف يدير صفه ويضبطه ، ويعرف كيفية التعامل مع المنهاج ، وكيفية التخطيط للتدرس ، وكيفية التجهيز والاعداد للوسائل التعليمية ، مقدراً أن مهنته مهنة مقدسة هي مهنة الانبياء والرسل .


هيبة المعلم امام طلابه ان يكون له تأثير ونفوذ مشروع عليهم ، وهي تختلف عن السلطة لاحتوائها على عنصر أخلاقي ، فهي لا تتضمن القسر ، وهي تكتسب بالتراكم ، ومن الضروري ادراك الفارق بين منزلة المعلم ومنزلة الطالب ، فلا يجوز اسقاط جميع الحواجز بينهما .


ما من أمة تسعى لأن تحتل مكاناً مرموقاً بين الأمم، إلا وأولت العملية التربوية اهتماماً بالغاً تستطيع من خلاله بناء جيل واع متمثلاً في ثقافته أولاً ثم قادراً على التكيف مع معطيات التكنولوجيا الحديثة ثانياً. وحيث أن مهنة التدريس بأبعادها المختلفة ذات أهمية بالغة في الوصول بالعملية التربوية إلى الهدف المنشود فقد أولت الدول قديماً وحديثاً مهنة التعليم العناية الفائقة؛ فهي رسالة مقدسة لا مهنة عادية، وهي تتميز عن غيرها من المهن الأخرى؛ ذلك بأن المهن تعد الأفراد للقيام بمهام محددة في نطاق مهنة بذاتها. بينما تسبق مهنة التعليم المهن الأخرى في تكوين شخصية هؤلاء الأفراد قبل أن يصلوا إلى سن التخصص في أي مهنة، ولعل هذا ما دفع الكثيرين إلى أن يصفوا مهنة التعليم بأنها المهنة الأم، ومن هنا فإن نجاح هذه المهنة أو فشلها إنما ينعكس على المهن الأخرى في المجتمع؛ ذلك لأن المعلم هو أداة التغيير في المجتمع.


إن الاهتمام بمهنة التعليم في أي مجتمع من المجتمعات؛ إنما يشير إلى مدى مسئولية ذلك المجتمع تجاه مستقبل أجياله ، ومدى حرصه على توفير الخدمات التربوية لأبنائه، إذ أن أي إصلاح مستهدف للأمة أو تعديل لمسارها بغية تقدمها؛ إنما ينطلق من البصمات التي يتركها المعلم على سلوكيات طلابه وأخلاقهم وشعورهم وعقولهم " (متولي 1993م، ص180). ولقد نالت مهنة التعليم مكانة رفيعة عند علماء المسلمين، وحظي المعلم بنصيب وافر من الاحترام والتقدير والإشادة به وبمهنته يقول الغزال:" إن من علم وعمل فهو الذي يدعى عظيماً في ملكوت السماوات فإنه كالشمس تضئ لغيرها وهي مضيئة بنفسها، وكالمسك الذي يطيب غيره وهو طيب". (الغزالي، 1967م، ص 79).


ويشير فردريك ماير إلى أهمية مهنة التعليم ودور المعلم فيها حيث يقول: إنها المهنة التي يحاول المعلمون من خلالها أن يجددوا ويبتكروا وينيروا عقول طلابهم ، وأن يوضحوا الغامض ويكشفوا الخفي ويربطوا بين الماضي والحاضر، كما أنهم يسهمون بلا حدود في رفاهية مجتمعاتهم، وتوحيد أفكار أبناء أمتهم وتشكيل مستقبل مجتمعاتهم، وذلك من خلال تشكيلهم لشخصيات الشباب منذ بداية أعمارهم. ومفهوم مهنة التعليم لا يقتصر على نقل المعلومات بواسطة المعلمين إلى الأجيال القادمة من حيث تثقيفها للعقول وتهذيبها وتنميتها للاستعدادات وصقلها لها، فهي ليست مجرد أداء آلي يقوم به أي فرد، ولكنها مهنة لها أصولها وعلم له مقوماته وخصائصه.


وحيث إن المعلم هو المسئول الأول عن أدائها على أسس فنية وعلمية، وهو المسئول الأول عن نجاحها أو فشلها فهو يلعب دوراً خطيراً في حياة الفرد والأمة، فهو يحمل رسالة هي الوديعة التي يحتاج نقلها وتوصيلها إلى أصحابها أمانة، وبدون هذه الأمانة تضل الرسالة طريقها وتفقد جوهرها ومضمونها، فالمعلم الحق هو من اجتمعت فيه خصلتان، حفظ الأمانة وأداء الرسالة، فهو بهاتين الخصلتين معلم ومرب "، ونظراً لأهمية مهنة التعليم، فإنه ينتظر من المعلم (صاحب المهنة) أن يكون له أدوار ذات خطر عظيم يؤديها.


فالمعلم هو عصب العملية التربوية، والعامل الذي يحتل مكان الصدارة في نجاح التربية وبلوغها غايتها، وتحقيق دورها في التقدم الإجتماعي والاقتصادي، ومن هنا فلا يمكن الفصل بين مسؤوليات المعلم والتغيرات الأساسية التي تحدث في المجتمع، ومما يضخم مسؤولية المعلم في تحقيق أهداف المدرسة أن تطور الحياة الإجتماعية والاقتصادية جعل المدرسة مركزاً هاماً من مراكز الإصلاح، وجعل المعلم عاملاً هاماً من عوامل النهضة، تعتمد عليه الدول في تحقيق أغراضها وبلوغ غاياتها، وإن جهود المعلمين إنما تقاس بالرقي الإجتماعي الذي أسهموا في تحقيقه، لأن جهودهم لا تقتصر على حفظ التراث الثقافي فحسب، بل تشمل أيضاً تحسين هذا التراث وتوجيهه نحو المثل العليا التي تتطلبها الحياة الحديثة.


ونظراً للمسئوليات الجسام الملقاة على عاتق المعلم، فإن منطلق نجاحه في القيام بهذه المسؤوليات إنما يتوقف على معلم كفء يتمتع بشخصية مستقرة منفتحة، قادرة على البذل والعطاء والابتكار والتجديد، يتصف بثقافة عامة، وإعداد أكاديمي متنوع وكاف، متفهم لحاجات التلاميذ، وخصائص نموهم، مهيئاً لاكتشاف مشكلاتهم ونقاط ضعفهم، قادراً على توجيههم وإرشادهم، وتيسير التعلم لهم.


ومما يجدر ذكره أن العالم اليوم يشهد تغيرات وتطورات تكنولوجية وعلمية متصارعة، مما يدفع الكثير من المؤرخين أن يصفوا هذا العصر بعصر الانفجار المعرفي، ومن هنا فهذه المستجدات العصرية أضافت إلى المعلم واجبات ومسؤوليات متعددة ومتجددة مما يستوجب إعادة النظر في إعداده وتأهيله لهذه الأدوار.


ولهذا كله وانطلاقاً من الدور الهام الذي يضطلع به المعلم، وإيماناً بفاعلية التأثير الذي يحدثه المعلم المؤهل على نوعية التعليم ومستواه، فقد كانت القناعة بأهمية دور المعلم وراء ما شهده العالم في السنوات الأخيرة من مؤتمرات ودراسات وندوات عالمية وعربية ومحلية، لبحث الموضوعات المتعلقة بمهنة التعليم وأدوار المعلم وإعداده وتدريبه:


أخيراً فان أسباب فقد المعلم هيبته وبالتالي فقدان المؤسسة التربوية لدورها في الاعداد والبناء كثيرة ، نخلص الى انها تشمل المعلم نفسه ، و الانظمة والتعليمات ، و اولياء الامور والاعلام ، واسباب تعليمية مثل كثرة الحصص ، وضغط المنهاج ، وسوء المبنى ، وتعسف الموجه والمدير ، الى جانب عدم الاستقرار ،وعدم الراحة النفسية .

 


dr_fraijat@yahoo.com

 

 





الجمعة ٢٤ ذو الحجــة ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / تشرين الثاني / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة