شبكة ذي قار
عـاجـل










نحن في أمس الحاجة أن نعيد صياغة الحياة داخل نفوسنا التي اهترأت ، وباتت ليست لمثل هذا الزمان المملوء بالذل والمهانة ، الذي عشناه بارادتنا ، فنحن من صنع هذه الوحوش التي افترستنا ، وصاغت لنا حياة على هواها ، واستطعمنا هذا النوع من المهانة ، فبتنا نتخيل البعبع يعشعش في جماجمنا ، نختبئ تحت اغطية بالية نعلم انها غير جديرة بأن تجلب لنا الدفء في ظل جو قارص ، ترتعش فيه فرائصنا وتتلعثم الكلمات في افواهنا .
سقطنا في وحل الجبن وبتنا جبناء بمحض ارادتنا ، وندعي ان الآخرين من عجنوا لنا ذلك في خبز طعامنا ، وشربناه في الماء الملوث الذي نرتوي منه كل صباح ، فتراجعت أحلامنا وتسمرنا في اماكن حياتنا المظلمة ، التي اوقفت عقارب حياتنا ، وجعلت من اعمارنا ارقاماً بلا قيمة ، سنوات صرفناها دون فائدة ، ورفضنا ان نتزود بزوادة تشد على بطوننا الخاوية، وتدفع بنا ان لا نقف على قدم واحدة ، علنا نستطيع ان نبدأ السير باتجاه الطريق ، طريق الحياة .


نحن بحاجة ماسة للثورة على الذات ، لنعثر على ما فقدناه من كرامة لنا تبعثرت ، ووطن لا بل اوطان خسرناها في سوق خستنا ونذالتنا ، ولنبحث عن طريق يقودنا الى أن نصنع شيئاً ما ، يفيدنا ويفيد الوطن الذي جبلنا بترابه، نحن بحاجة ان نعود لانفسنا ولتراب الارض التي اثقلناها بأجسادنا ، لنكون اهلاً للوطن ، ومتمسكون بفضاء الانتماء لارضنا وناسنا ، ولكل القضايا المصيرية التي اضعناها من بين ايدينا ، وعافتنا انفسنا بسبب مآالت اليه حالنا ، فالارض امنا هي من جثمنا على صدرها باجسادنا الثقيلة وبأنفسننا المريضة ، وبزفراتنا المسمومة ، فهربت منا وعافت وجودنا ، فارادت ان تنتفض للخلاص منا ، ومازلنا نمسك بخناقها لنقوم بتثبيتها من الجولة الاولى في صراعها مع اعدائنا ، ننام في احضانهم برغبة منا لنبقى عبيداً وخدماً ومأجورين بثمن بخس .


الارض والتاريخ لنا وقد تخلينا عنهما ، وهما ما زالا على العهد الذي كان بينهما وبين اجدادنا ، الذي نجيد التغني بهم دون ان نقتفي اثرهم ، الذي ابتدعوا فيه طريق الحياة الموسومة بالعقل والعلم والمعرفة ، وانجزوا ما نفاخر به الدنيا ، والتاريخ الذي يقاتل دوماً مع اصحابه طمسنا ما فيه من محطات مشرقة وجللناها بسواد اعمالنا .


نحن بحاجة ان نثور على انفسنا من أجل تتطهر من كل الادران التي علقت بها ، واصيبت بكل امراض القهرالذي زرعناه في نفوسنا ، علينا ان نفتح القمقم الذي اغلقناه على انفسنا، لنعيد طعم الحياة لهذه الانفس الموبوءة بالذل والهوان الذي توطن في دواخلنا بمحض ارادتنا ، ودون مقاومة في مواجهة هذا البعبع الذي هيمن على كل ذرة في انفاسنا.


فقدنا ذاكرتنا لا بل ذاكرة الوطن الجميل الذي يريد لنا ان نكون بمثل طهارته ، وبارادة وشجاعة الذين انغرسوا فيه منذ زمن طويل ، ومازال الوطن يحتفظ لهم بدفتر الحياة التي افتقدناها، اسماؤهم منقوشة على دفاتر الارض وعلى قمم جبالها ، فتغزلت بهم كل ذرة من ترابها ، لانهم كانوا ابناءها الذين تدفأوا بحنانها ، فاي ام نحن اليوم ننتسب لها ، و نسجل اسماءنا في وثائقنا الرسمية ، ودفاتر احوالنا المدنية وجوازات سفرنا، فالام هي الارض، ومادمنا قد فقدنا الاحساس بها وبوجودنا على اديمها ، فهل نحن جديرون بأن نكون ابناءها، ام اننا اصبحنا كالايتام على موائد اللئام ؟ .


نحن بحاجة الى ثورة على الذات قد يكون في جانب منها مدمر ،ولكنها ليست دعوى الى الفوضى الخلاقة التي بشرت بها كونداليزا رايس، ولكنها الثورة على الذات التي تقتل كل الديدان التي في دواخلنا، وما هذا الدمار الذي نعنيه الا ذاك الذي لايصيب الا الجانب الميت في حياتنا ، من اجل ان نرى الحياة على غير ما توطنت عليها نفوسنا، فهل نحن قادرون على صناعة الحياة من جديد ، هل نحن على استعداد ان يركل كل واحد منا جلباب ابيه ، الذي تدثر فيه طيلة زمن البيات الشتوي ، الذي اضعنا فيه قيمنا وحياتنا وكرامتنا ، و الارض التي نقف عليها ، ليعيد سيرة امته الأولى ، وينهض من جديد ، يستلهم الشجاعة، فالحياة بلا شجاعة وثورة على الذات عبودية لمن يريد ان يبني على حساب حياة الامة ، وقد شبعنا وضاقت بنا بطوننا بعد ان تكرشت ، واعاقتنا عن الحركة باتجاه طريق الحياة التي نعشقها ، ولسنا على استعداد ان نضحي بهذا العشق المجنون.


لقد كثرت رطناتنا وباتت غير مفهومة ، لانها بلغة غير مقروءة ، وباتت حياتنا كلها كلام في كلام ، فمتى نتوقف عن الكلام ليأخذ الفعل دوره في حياتنا ؟ ، ومتى نصم آذاننا عن القول دون فعل ؟ ، وعن التنظير دون تطبيق ؟ ، وعن التهويش دون تخطيط ؟ ، وعن العمل دون ارادة ؟ ، فهل عجزت لغتنا عن التعبير عما جبلت عليه نفوسنا ؟ .


لم نعد قادرين على ترويج تجارة فاسدة ، ولا تسويق شعارات زائفة ، فقد امتلأت شوارعنا بيافطات لم تقدم شيئاً، وازدانت بأسماء وصور لم نعد نعرفها ، لاننا لم نعد قادرين على القبول بخديعة تجار السياسة ، بعد أن عرضنا الارض والعرض في سوق النخاسة ، فما وجدنا من يدفع فيهما ثمناً ، حتى بالثمن البخس ارتجفت ايادي التجار الممتدة لتدميركل ما هو جميل على الارض .


الثورة ليست تلك المصبوغة بالدم ، بل تلك النابعة من الذات ، الباحثة عن الالتصاق بالارض التي تتحد بأنفاسنا ، وتتجاوب مع دقات قلوبنا ،وتتجدد مع ابتسامات اطفالنا، لانها ثورة حقيقية تطهر الانفس وان كانت تدمي القلوب ، فالثورة مدمرة ولكنها تأتي على كل ما كان هشاً ضعيفاً في حياتنا ، وعلى كل ما هو ارعن في سلوكياتنا ، والثورة ميلاد حياة نريد بها ان تبدأ حياتنا ، فهي امنا التي ترضعنا من ثدييها ، لانها تريد لنا بناء غير ما بنينا به حياتنا من قبل ، لان بناءنا كان غير ذي أسس ، ولم يقم على ارض العلم والمعرفة ، فقد كانت اساسياته خرافات وحكايا لم تصمد طويلاً امام ردات الفعل المشحونة بالامل في المستقبل .الثورة على الذات سلاحها العقل والعلم والمعرفة ، وادواتها مجموعة القيم التي تنير لنا طريق الحياة ، نطرق بابها من خلال مؤسساتنا التعليمية والعلمية ، ونسلك بها طرق منظمات المجتمع المدني ، فقد تقدمت الامم المتمدنة بالعلم والمعرفة ، وبات السباق العالمي مرهون بحجم ما ينجزه العقل البشري، وليس بحجم الجماجم التي ندفنها كل يوم ، فهل نحن مقبلون على ان نستخدم هذه العقول التي نمتلكها ؟، وهل في مقدور ثورة العقل التي نصبو الى تحقيقها ، وتفعيلها على ارض الواقع ان تعيد لنا صياغة الحياة في داخل نفوسنا ؟ .


انا على يقين اننا قادرون على انجاز الثورة على الذات ، لان شروطها الموضوعية والذاتية باتت موجودة بين ظهرانينا ، وقد تندلع بأي لحظة ، فالثورة لا تحتاج الى استئذان لانها اقوى بكثير من كل من يحلم بها ، لانها ثورة امة تواقة ان يكون لها دور في هذه الحياة ، فقد انتهى عصر البيات الشتوي الذي خيم على النفوس ، وانهزمت ثقافة الخوف وانتصرت النفس الانسانية على كل خفافيش الظلام ، فتحرر المواطن من وهم عاشه طيلة سنوات مضت ، فاهلاً بالثورة على الذات التي بدأت ملامحها ترفرف فوق رؤوسنا ، وانتصبت رؤاها امام اعيننا ، واخذنا نبشر بها كل مولود جديد تفتحت عيناه على الحياة ، ليرضع من ثدي امه وامته ما يقيم له الحياة ، ويزيل عنه غشاوة اعشت عيوننا . نعم جيل الثورة على الذات متحفز للعمل ، ولكنه يحتاج الى من يأخذ بيده ولو في خطواته الأولى ، لينطلق بلا حدود ، فالعلم والمعرفة في مؤسساتنا يحتاج الى الرواد الذين مازالوا يقبضون على جمر الحقيقة ، ويواجهون الطاعون والطاغوت رغم كل الطواغيت واتباعهم ومرتزقتهم ، فاصحاب الانتماء الحقيقي لهم الغلبة والانتصار على دعاة الولاء الكاذب ، فلا ولاء ولا انتماء الا للوطن والمجتمع ، ومن يدعي غير ذلك سيحرقه لهيب الثورة على الذات.


dr_fraijat@yahoo.com

 

 





السبت ٢٥ ذو الحجــة ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / تشرين الثاني / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة