شبكة ذي قار
عـاجـل










الآن , و بعد أن توقف دوي القصف ، و غارات الطيران على قطاع غزة، و بعد أن شيعت شهداءها، و يرقد الجرحى في مشافي العلاج، والدمار والأنقاض ما تزال شاخصة على همجية العدو، يحق لغزة أن تزهو بصمودها، وللمقاومة الباسلة أن تفخر بإنجازات تقترب من معجزات قل نظيرها، لابد ـ إنصافاً للحقيقة ـ من مصارحة قد يكون بعضها حجب في غبار المعركة.


أولى هذه الحقائق، أن فلسطين تبقى البوصلة التي تصحح أي مسار، بعد أن كثرت الرؤى، وتشعبت المسالك، و تعددت السبل. وأن أي حل ـ و ما أكثر الحلول المطروحة ـ لهذه القضية، يجب أن يكون هدفها واحد: تحرير فلسطين، كل فلسطين، و أن تعود حرة عربية لشعبها. و ماعدا ذلك، يبقى وهم السراب الذي يقود إلى حلول إستسلامية، لن ينهي الصراع مع العدو حتى لو إمتد لعقود أخرى آتية.



البيت الفلسطيني


لاشك أن البيت الفلسطيني، يعاني من حالة انقسام غير مبررة او غير جائزة, و لا تخدم قضية الشعب الفلسطيني، وان هناك تباين واضح بين نهجين: الأول، يمثل مايسمى السلطة الفلسطينية التي راهنت على حل سياسي لم و لن يتحقق، رغم التنازلات المريعة والغير مسبوقة. والثاني، يتمثل بإرادة المقاومة، رغم كل الاختلال في موازين القوى محلياً، وحالة الاستقطاب الاحادية دولياً التي تحاول فرض الواقع الصهيوني.


في هذا العدوان، الذي عايشنا أيامه، يمكن أن نلاحظ بوضوح ان دائرة الضوء، في جميع الاتصالات تركزت مع تيار المقاومة الفلسطينية، بينما كانت السلطة الفلسطينية في الظل، غائبة ومغيبة عن المفاوضات التي أدت إلى وقف العمليات العسكرية.


هذا الأمر، يؤكد أن الحدث الميداني والسياسي تصنعه وتصيغه المقاومة في ثوابتها الوطنية، و يؤكد أيضاً، أن اتفاقيات السلام الزائف مع العدو منذ اوسلو و حتى اليوم قد أحيل إلى متحف التاريخ اللا مشرف، ولاأريد أن أوصمه بمزبلة التاريخ. هذا الأمر يجب أن يعزز ـ وطنياً ـ نهج المقاومة، ويفرض على السلطة الفلسطينية ـ إذا كانت حقاً مخلصة لقضية شعبها ـ أن تعيد النظر جذرياً بتوجهاتها. وأن تعي بشكل جلي لايقبل أي التباس، أن الحلول الإستسلامية، مهما ترافقت مع تنازلات مدانة، لن تستطيع أن تحقق حلم الشعب الفلسطيني بسلطة حقيقية ولو على كيلو متر مربع.


إن جميع الأصوات التي تنادي بالوحدة الفلسطينية الضرورية والواجبة، هي دعوات نقف معها، إذا ما ترافقت و توافقت على الثوابت الوطنية، وألف بائها تحرير فلسطين، و أن يدرك الجميع أن المقاومة التي لا يكون هدفها التحرير، هي مقاومة تتأرجح بين عجز الفعل الثوري الخلاق والضروري، والتسليم بـ "الواقعية" التي يحاولون تسويقها تارة بأسم الشرق الأوسط الجديد، أو الشرق الأوسط الكبير الذي يخدم المصالح الأجنبية و تسيد الكيان الصهيوني في هذه "الواقعية" المزيفة والمرفوضة.


إن العودة للمسلمات التي إنطلقت عام 1965 مع بداية المقاومة الفلسطينية، هي الضمان الحقيقي للوحدة الفلسطينية. و ما عدا ذلك، يدخل في حيز الهراء الذي سيدخل الشعب الفلسطيني في النفق المظلم الذي لا يبدو في نهايته أي تحرير أو عودة، او حتى سلطة متواضعة ..


فلسطين و"الربيع العربي"؟


راهن الكثير من شعبنا العربي، أن تغيير بعض الأنظمة ـ على أهميته ـ قد يدفع الوضع العربي خطوات إلى الأمام. وقد أكدنا منذ بداية "الربيع العربي" أن هذا الحراك لن يرتقي إلى حالة ثورية، بما مفروض أن تؤدي الى تغيير إنقلابي جذري. لأن الحراك العربي بقي ـ مع الأسف ـ متقوقع داخل الصدفة القطرية. وقد حددنا أن الالتحام مع المقاومة في فلسطين و العراق و التفاعل معها، ضمن منظور يتفهم العلاقة الجدلية، بين الحراك الشعبي و الحالة الثورية العربية التي تتمثل برفض أي تسوية لا تؤدي إلى تحرير فلسطين، ورفض الحالة القائمة في العراق المحتل، و عدم التعامل مع "الحكومة العراقية" التي هي صنيعة المحتل الامريكي ـ الايراني ـ الصهيوني. و إضفاء شرعية مرفوضة لها.


وحتى نتصارح أكثر، إن تعاطي الحكومة المصرية الحالية خلال العدوان الصهيوني على غزة، لم يختلف بالعمق والجوهر ـ بإستثناء رتوش تجميلية ـ عن تعاطي حكومة نظام مبارك. لأنه في بديهيات وحدة المصير العربي، و ميثاق جامعة الدول العربية، لا يجوز أن يتحول أي نظام عربي وضمن أي ظروف ـ مهما سيق من مبررات واهية ـ إلى وسيط بين الشقيق الفلسطيني من جهة و العدو الصهيوني من جهة ثانية.


أين الربيع العربي ؟


ان التغيير, الذي صنعه الشباب العربي، الذي عانى طويلاً من التهميش، ومصادرة حقوقه البسيطة بالحياة الكريمة، و إهدار كرامته الوطنية و القومية، تم الالتفاف المبكر ـ مع الاسف ـ على طموحاته و تطلعاته، ليجد نفسه أسير حالة لا تختلف بالعمق عن ما سبق.


و من العار، أن نجد الشعب التونسي، يطالب بإلحاح ان يتضمن الدستور الجديد بنود تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، والنظام الحالي القائم يصم أذنيه عن هذا المطلب السليم. والوضع في ليبيا، بعد سقوط نظام القذافي، تحول إلى وضع مفكك و متشرذم، فالميليشيات المسلحة تفرض كلا منها أجندتها الخاصة على الأرض، والأغرب أن تخرج أصوات تنادي بتقسيم ليبيا.


في كل الأقطار العربية التي حدثت بها تغييرات بالأنظمة، لم نلاحظ أي خطوة أو حتى مؤشرات، نحو بناء المؤسسات الوطنية، أو تحسن بالوضع الحياتي، أوالإنماء والتطور. قد يقول البعض، أن الفترة الزمنية قصيرة لإنجاز هذه التغييرات، وهذا محق، ولكن المحق أكثر أن نرى خطوات و لو متواضعة تؤشر ـ تؤشر فقط ـ على السير في طريق أي إنجازات أو تغييرات حقيقية تلبي طموحات الشباب العربي، وتحترم دماء الشهداء الذين سقطوا في مقارعتهم للإنظمة السابقة.

 

 





الاحد ١١ محرم ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / تشرين الثاني / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي نافذ المرعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة