شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ بداية الحراك الشعبي العربي المشروع، في أكثر من قطر عربي، الذي جاء رداً طبيعياً على تغول الأنظمة المرتدة والفاسدة والعميلة والمدعومة من الجهات الأجنبية، والتي أذلت المواطن في حياته ولقمة عيشه وحقه المشروع بالعمل، وأهانت كرامته الوطنية والقومية، في تواطئها ضد كل القضايا العربية العادلة.


منذ البداية، يمكن أن  نلاحظ أن هناك "أيدي خفية"، عملت على أبراز "التيارات الإسلامية" سياسياً وإعلامياً، واعطائها حجماً أكبر من حقيقتها، وصورتها كأنها الجهة التي تقود الحراك الشعبي العربي، في دور مشابه ـ مريب لما حدث في إيران خلال إنتفاضة 1979 ـ 1980، عندما غيبت دور القوى الوطنية الإيرانية وخاصة مجاهدي خلق، وأبرزت "التيار الإسلامية" بقيادة خميني وصولاً إلى تسليمه السلطة في طهران.


في تونس أو مصر، نستطيع أن نلاحظ بوضوح هذا الدور المكرر للتجربة الإيرانية بصورة أو أخرى، مع تشابه بالأهداف و يتمثل في إفراغ التحرك الشعبي من جذرية التغيير المنشود والمطلوب. في تونس كانت حركة النهضة، وفي مصر كان الأخوان المسلمين، يجرون إتصالات تبادل مصالح مع الغرب ـ إزاء زخم الحراك الشعبي ـ بالتسليم بمصالحه في هذه الدول، والتنازل عن كل "الشعارات الإسلامية" التي طالما أعلنوها وتغنوا بها.


كانت القضية الفلسطينية العادلة، التي تسيطر على الوجدان العربي والإسلامي، الغطاء والذريعة التي طالما صدعت رؤوسنا هذه "التيارات الإسلامية" بأنها تقف مع عدالتها ومشروعيتها، بدأت مع اقترابها من السلطة بالتخلي عنها بكل ببساطة، لأنها أصلاً لاتؤمن بها، بل كانت تتاجر بأسمها ولأن مغريات السلطة لديها أكبر وأهم من كل القضايا العادلة. ولتوضيح الصورة أكثر أمام القارئ الكريم:


ـ في تونس
ـ راشد الغنوشي، وقبل أن تصل النهضة للسلطة، يزور الولايات المتحدة ويجري لقاء في مقر الايباك، أخطر لوبي صهيوني عالمي.
ـ رفض سلطة النهضة لتكريس تجريم التطبيع مع العدو الصهيوني بالدستور التونسي الجديد قيد الإعداد، رغم مطالبة الشارع التونسي والقوى الوطنية الحية بذلك.
ـ تمرير مصالح الغرب على حساب المصالح التونسية الوطنية وتجلي مؤخراً ببيع حقوق النفط للاحتكارات الأجنبية.
ـ وأخيراً، بالوضع الداخلي، لم يتحقق أي خطوات فعلية في أي تغيير لتحسين الوضع الحياتي والسياسي والخدماتي للشعب التونسي.


في مصر
ـ تراجع الاخوان المسلمين عن مطالبهم بإالغاء اتفاقية كامب ديفيد، بل تأكيدهم على إحترامهم "لاتفاقيات" مصر الدولية!!
ـ رسالة محمد مرسي الحميمة "لصديقه" شيمون بيريز التي نقلها السفير المصري الجديد لدى الكيان الصهيوني.
ـ تراجع داخلي على جميع الصعد، وتردي الخدمات، وارتفاع معدلات البطالة لأرقام فلكية.
ـ تكبيل الاقتصاد المصري بمديونية جديدة لصندوق النقد الدولي ضمن شروط مجحفة للدولة المصرية، وعاجزة عن الايفاء بها وبشروطها.


من كل المؤشرات الآنفة الذكر، تبرز بشكل حاد كل المآخذ التي أشرت لها، بالدور المشبوه المريب للقوى السياسية المتسترة بالإسلام. ويطرح إشكالية استخدام الدين في العمل السياسي، لأنه يجرد الدين من قدسيته، ويرفع تهمة التكفير في وجه معارضيهم. وكنا نحذر دائماً من خطورة تسييس الدين أو التستر بإسمه.


الحراك الشعبي العربي، رغم أهمية إسقاط أنظمة كان من الضرورة أن ترحل، لم يدنو من الثورة، ولم يؤدي إلى أي تغيير فعلي وواضح و عملوا على تحويله و كأنه حراكاً عبثياً، في ظل  تغييب القوى الوطنية والقومية و استهدافها بأكثر من صورة، لأنها تبقى القوى القادرة على النهوض بالوضع العربي وتصويبه نحو مصالح الامة العربية.


هناك مسألة أود الإشارة لها في هذا السياق. في عام 2007 إتصل بي من نيويورك مسؤول أممي بارز (أعف عن ذكر أسمه)، كنت في ظروف معينة على معرفة به، وهو حالياً ممثل الأمم المتحدة في أحدى الدول العريبة التي شهدت "الربيع العربي" ، وسألني شو الأخبار؟! كانت المعارك الشرسة تدور آنذاك في مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني ومنظمة فتح الإسلام. أجبته: أعتقد أن المشكلة أكبر من فتح الإسلام وأبعد من نهر البارد.. أجابني: انا لا أسألك عن نهر البارد، أنا أسألك عن المؤتمر الذي يجري الآن في دمشق ( مؤتمر الانشقاق الذي قاده محمد يونس الأحمد ضد قيادة حزب البعث في العراق) أجبته ساخراً: إسأل أصدقائك الامريكان. وأضفت قائلاً : وقل لهم، ان كل حركات  الانشقاق في حزب البعث لم تنجح ولم تستمر، وسقطت. والتاريخ يؤكد ذلك. وأجزم أن إتصاله غير برئ.


في ظل النتائج، التي نراها بوضوح الآن، في الوطن العربي، بما فيها مصر وتونس، لابد أن نسترجع الكثير من الطروحات التي نادى بها غلاة تيار المحافظين الجدد المتصهين، منذ وصول بوش الأب إلى رئاسة أميركا، مروراً بغزو و إحتلال  العراق. فقد كان واضحاً وجلياً إن منظري تيار المحافظين الجدد، منذ مقولة بريجنسكي مستشار الأمن الامريكي آنذاك عندما أعلن ان اتفاقية سايكس ـ بيكو (التي قسمت الوطن العربي إلى الدويلات القائمة الآن) قد تجاوزها الزمن، وان المطلوب إعادة تقسيم الوطن العربي (المشرق العربي كما أسماه) إلى دويلات على أسس طائفية ومذهبية وعرقية وخلافه. بعد ذلك بدأنا نسمع عن مصطلحات سياسية تتحدث عن الشرق الأوسط الكبير أو الشرق الأوسط الجديد، كذلك بمقولات الفوضى المنظمة والخلاقة. وكان من الضروري ـ حسب وجهة نظرهم ـ إزاحة الحكم الوطني في العراق، تحت ذرائع وتبريرات أثبتت الأيام أنها عارية عن الصحة خاصة تلك المتعلقة بأسحلة الدمار الشامل، التي إتخذت ذريعة أساسية لإحتلال العراق، رغم تأكيد لجان التفتيش الدولية حينها، أن العراق خال من هذه الأسلحة تماماً، و هذا ما تأكد لاحقا و لكن "بعد خراب البصرة" كما يقولون..


إذا ما نظرنا الآن، إلى التطورات التي تجري هذه الأيام في مصر وتونس تحديداً، ألا يؤكد ـ مع الآسف ـ أن كلا القطرين يسيران بخطوات واضحة ومؤسفة نحو الفوضى المنظمة والخلاقة؟! ألا تؤدي هذه المسيرة إلى تسريع التشطير نحو شرق أوسط جديد ؟ إلا يمكن أن نرى بوضوح توزيع الأدوار بين أطراف محور الشر الامريكي ـ الصهيوني ـ الفارسي؟! ألا نلاحظ أن تصعيد وتأزيم الأوضاع في مصر وتونس من جهتي الأخوان والنهضة تتناغم لتصب في مجرى الفوضى الآنفة الذكر؟! ألا يمكن أيضاً ان نتساءل عن التصعيد الطائفي والعرقي في العراق الذي يخدم هذه الأهداف والذي تمارسه أطراف "العملية السياسية" التي أوجدها الاحتلال المتعدد الجهات منذ  عام 2003؟! وأين أصبحت ليبيا, وهي في وضع التقسيم الميداني, تتقاذفها الميليشيات الفئوية والمناطقية في ظل دعوات صريحة للتقسيم مع دعاة اقليم برقة؟! و لا بد من الاشارة الى الحالة التي يتناساها الجميع و هو ان بلدا عربيا اسمه السودان قد جرى تقسيمه بصورة خطيرة ابعد من التقسيم الى تهديد الامن المائي للسودان و مصر.

 

أما سوريا فإن الوضع بها، أكثر خطورة مع مقبل الأيام، إذا ماعرفنا أن نظام الردة السوري عمل منذ خريف 1976 " مؤتمر اللاذقية  ـ القرداحة" الذي جرى في الغرف المظلمة و لم يتم التطرق اليه، على تكريس و تعميق الحالة الطائفية في سوريا، وتغذيتها في لبنان، وهو الذي دعا آنذاك بذلك المؤتمر المشؤوم الذي كان يديره جميل الأسد (الأخ الأكبر لحافظ الأسد) إلى الدعوة لإقامة كيان للطوائف الأثني عشرية (حسب رؤيتهم) تمتد من شمال فلسطين المحتلة مروراً بجزء من لبنان وسوريا وصولاً إلى أقليم الاسكندرون؟! و لا أنسى ان الصديق الذي اخبرني بذلك ربط بين حضور كمال جنبلاط لهذا المؤتمر و مفاجأته بهذا الطرح الغريب و انسحابه غاضبا و مستهجنا، و بين اغتياله لاحقا على يد المخابرات السورية. و أعيد للأذهان تصريحه الصحفي في المصنع منطقة الحدود اللبنانية السورية لدى عودته من آخر لقاء له مع حافظ الاسد، حيث اجاب الصحفيين قائلا: ليست هذه دمشق التي نعرفها.  و اجزم الآن ان هذا التوجه أسس أيضا لمجزرة حماه عام 1982.


بالمقابل، ألا نلاحظ بوضوح، لايقبل الإلتباس، أن القوى الطائفية والمذهبية التي تلبس لبوس الإسلام زوراً وبهتاناً، هي في جميع وجوهها (سنية أم شيعية أم علوية أم درزية..أم..؟!) تعمل على الشرذمة والتفتيت، وتخلق حالة من التخوف عند المسيحيين العرب، الذي يستغله أيضاً، بشكل بشع، غلاة الطائفيين المسيحيين (لبنان، سوريا، مصر) لتبرير الارتماء أكثر في أحضان الغرب، والتنكر للإنتماء للأمة العربية؟!


إزاء كل هذه الصورة السوداء والقاتمة، تحتم الضرورة التاريخية، ومصلحة الأمة العربية، الارتفاع عن الرؤية الضيقة، التي تؤدي ـ إذا لم يتم التصدي لها ـ إلى نتائج كارثية، قد تمر عقودا طويلة قبل التخلص من آثارها وقسوتها على حاضر ومستقبل العرب

 

 





الاحد ٢٥ محرم ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / كانون الاول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي نافذ المرعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة