شبكة ذي قار
عـاجـل










من سمات الإيديولوجية العربية القومية الثائرة المعاصرة إنها ايديولوجية علمية. وهي علمية بمعنى إنها تخضع لقوانين التجربة التي تقتضي من بين ما تقتضيه الانفتاح على متغيرات محددة بيئية واجتماعية وسياسية واقتصادية. أي إنها لا تنغلق على قوالب مصممة جاهزة جامدة بل تتحرك بحيوية وفاعلية وتنمو بانتظام وتنتج ما تريده على أسس ومعطيات موضوعية وذاتية متكافلة.

 

السمة العلمية للعقيدة تجنبها, بل وجنبتها, الانسياق وراء رؤى مسبقة ونظريات موضوعة على طاولات التصدير والاستيراد ففتحت أمامها سبل التفاعل مع معطيات الواقع لتتصادم معه طبقا لنظرية معروفة في التفاعلات الكيمياوية وفي عالم الحركة الفيزيائية. فالتصادم حاسم وأساسي في إنتاج طاقة التغيير وفي تحقيق النواتج الجديدة كشرط لصيرورتها وليس فقط لتحقيق شرط الطاقة اللازمة لإنتاجها. إن تحقيق التصادمات المنتجة المثمرة هي الصلة الحقيقية بالتصدي للواقع وهي الوسيلة المباشرة للقوة السياسية الثائرة في تامين الصلة الحيوية بالواقع وفي مراقبة نتائج بعينها لتجنب ما هو ثانوي أو عرضي ولضمان أن تكون النواتج بنت بيئتها وليست قوانين تقحم على البيئة إقحاما. العلمية بهذه المعاني تعني التماس المباشر الفاعل والمؤثر في حركة الحياة إرهاصات وصيرورة جديدة وتعني التصدي بإرادة منبثقة من داخل الجماهير المهيأة للثورة والتغيير الايجابي المطلوب. 

 

لقد أنتج البعث روح الثورة العربية وأنتج أدواتها وحدد ثوابتها ومنطلقاتها في كل الساحة العربية في حين أنتج الآخرون واستثمروا ردات الفعل السلبية والعكسية على هفوات وأخطاء وعثرات التجربة البعثية القومية المعاصرة التي هي نتيجة طبيعية للتصادم مع الواقع المتخلف من جهة ولعوامل التضاد التي تحركها قوى الردة والرجعية وعوامل خارجية عدائية معروفة. هفوات وأخطاء التجربة البعثية هي نتاج عرضي للتصادمات العلمية التي أقرتها حركة العلم في استهداف البعث للواقع المطلوب تغييره وهي تشبه نتائج تركيب دواء جديد وتجربته حيث لا يمكن قط أن تحصل بدون نتائج عرضية وإخفاقات محتملة فضلا عن كونها تأخذ زمنا طويلا قبل إن تثبت على صيغة التعاطي والإنتاج وتظل عرضة للتطوير.

 

المقاومة البعثية هي ثورة البعث في صيغة نضال وكفاح في التصدي للواقع العربي الذي تستهدفه الثورة وبصيغة مسلحة أينما كان التحرير والاستقلال هدفا يسبق الخط العام للحياة السلمية المدنية، وهي أداته في تحقيق التصادم المثمر, وحتى التصادم المحرك لاحتياجات الطاقة الجزئية وصولا إلى المطلوب كعامل للإنتاج , في سياق الفعل العلمي المتصدي للتغيير الشامل والجذري لعوامل ومكونات التخلف والتجزئة والفقر والجهل كمؤشرات مستهدفة في طريق تغيير حياة العرب وواقع الأمة. فالمقاومة البعثية هي روح الكفاح والجهاد والنضال التي تبنتها حركة البعث منذ تأسيسها وكانت أدواتها سياسية مدنية صرفة تعتمد الارتقاء بفعل الإنسان البعثي في تحقيق الانقلاب الثوري على واقع الأمة بسماته السلبية المحددة وبث روح الانقلاب على الذات هذه في عند عموم أبناء الأمة. وهي أيضا تلك الحركة الثورية الدءوبة الشجاعة الحكيمة المبصرة التي أنتجت تجربة العراق الوطنية والقومية العظيمة 1968 -  2003 م. والمقاومة البعثية هي ذاتها روح الجهاد البطولي عند الإنسان العربي الثائر بعد أن اضطر لحمل السلاح ليواجه رد الفعل الإجرامي للقوى المعادية لمنتجات ثورة البعث على ساحة العراق والأمة أو عندما يجد نفسه مرغما على تنظيم كتائب الكفاح المسلح أينما اقتضى الحال. فالمقاومة البعثية إذن هي روح الرسالة الخالدة التي ستظل تستثمر روح التجربة العلمية وإحداث التصادمات المنتجة المثمرة حتى لو بدا ظاهريا أنها قد تراجعت فروح التجربة العلمية في إنتاج الواقع الجديد , كما هو معروف في العلوم الصرفة , تتواصل أحيانا بالتكرار سنوات حتى تتحقق وبالاشتغال الصبور على الظروف المحيطة والبيئة المتفاعلة حتى تأتي الولادة وهي إنتاج امة عربية واحدة تسبح في فضاء الوحدة العربية وحرية الوطن والإنسان واشتراكية العيش والإنتاج والازدهار.

 

على البعث والبعثيين أن يظلوا منظار الأمة في معترك الحياة بكل معطياتها وان يظلوا هم المحدثين للتصادمات المثمرة والمستفيدين من طاقات التصادم في إطار حراكهم الرسالي لان الأمة أمتهم والجماهير جماهيرهم والتجربة تجربتهم في كل مكنونها الإنساني العميق وكل من سواهم سيجد نفسه مضطرا طال الزمن أم قصر لترديد شعار البعث: امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة بعد أن يجد نفسه مضطرا للاعتراف بان السلطة وسيلة وليست غاية تماما كما برهن البعث وان رجال الرسالة وحدهم هم من يسمون فوق الأنا التي عرقلت بل دمرت حراك امتنا لقرون. وسيبقى البعث يحصد نتائج الانتماء إلى روح رسالة الختم العظيمة جوهرا وليس ظاهريا وسيبقى يحصد ثمار الانتماء إلى روح العلم والعلمية التي تجعل البعثيين هم الأكثر والأعمق إيمانا بالله وبواجباتهم تجاه الخالق جلّ في علاه، وتجاه متطلبات التغيير الثوري المحقق لإرادة رسالة الختم المباركة ورسالتهم المشتقة منها.

 

 





الاحد ٢ صفر ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / كانون الاول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة