شبكة ذي قار
عـاجـل










ملايين التعساء الليلة تشارك في كرنفالات الحزن والندب واللطم والبكاء في ماراتون مخيف العواقب يزحف بحشوده نحو كربلاء. وعبر مدن الجنوب العراقي تتم تعبئة الحشود البشرية في ظروف مناخية وسياسية وتعبوية تنذر بأسوء العواقب لما تبقى من جسد العراق.


جماهير تحتشد من هنا وهناك تسير حافية وجائعة ومبللة بالمطر والأطيان ... عزائها انها تظن بإخلاصها في وقفة لنصرة الحسين ، ذلك الرمز الخالد للثورة والمقاومة.. جماهير مستلبة الارادة في التغيير المنتظر منها لخلاص العراق وهي تظن انها تلبي واجبا ما، تضلله شكوك من اليقين من جدواه وتعبئته بهذه الطقوس الغريبة على كل فطنة .


نوازع شتى تطرح على العراق وشعبه كثير من الاسئلة الكبرى في كيفية ترجمة الناس لهواجسهم الوجدانية في نصرة رجل او قضية او وطن مستباح . هذا الوطن العراقي الجريح المستباح صار حسينا آخراً أبديا في أحزانه وجراحاته، نراه ممددا بين روابي بلاد الرافدين وشعبه، نحسه مكلوما في عمق كرامته الوطنية، تائها بين ضفاف ممتدة بالبؤس والخوف والرعب من عواقب الغد.


على ضفاف اخرى من وطني تمتد ما بين البصرة الى وسط عراقي تتجاذبه الارادات الوطنية، وعبر شمال وغرب، تحتشد الليلة قامات من الرجال والنساء في مدن تختزن الثورة والغضب وتمتلئ بارادة من الخلاص والتغيير ان احسنت ترابط صلاتها مع بقية المدن الاسيرة بأوهام الثواب في مجالس المنادب ومسيرات العزاء.


من هنا وهناك مرت كل التجارب القاسية على شعب لا زلنا نظن به خيرا وهو الحامل الابدي لكنوز تجاربه التاريخية المرة... من هناك مرت جحافل الغزو والاحتلال عبر العصور، كلها خرجت مهزومة تباعا، وبقي العراق.


تلمسنا عبر سنوات تقترب من استكمال العشرية الدموية السوداء في العراق. هذا العقد المريض لا يحسب على عمر العراق طالما تنصب الاقزام مسيرة هذا التيه العراقي ... كان العراق وسيبقى مقاومة للاحتلال والغزو الأمريكي ... مقاومة عصية على التقسيم والإحتراب الطائفي. وان ارادوا له محاصصة فكانت محاصصته في التضحيات المشتركة لامة تتقدمها فصائل وارادات التحرير وهناك تذاوبت في معارك العراق دماء ودموعا وحرائق لتحقق به وحدة وكما مشرفا ومثالا جسدته نتائج هزيمة الاحتلال وانسحابه .


الخراب الشامل لم يلغ ارادة العراقيين من استعادة المبادرة في بناء ذواتهم واراداتهم .. ثمة ممانعة خالدة ستبقى في موروثاتنا ومورثتنا الوطنية... وربما مرت من هنا هناك طوارئ الحالة الثورية متفاوتة في مدن ومناطق العراق، لكن العراق ظل عصيا على التقسيم والمناوبة، حتى وان اغتنمت ببعض اقاليمه "قاعدة" او "قواعد" خلطت الحابل بالنابل، ولكن العراق العميق لم ير فيها مقاومة وطنية مهما حملت من الاسماء والعناوين من كل الالوان والمشارب. لقد ادرك العراقيون عنوان ورجال مقاومتهم الاسطورية بصمت مهما كان تضليل الاعلام المعادي.


وكما شهدنا ايضا ظهور صحوات وغفوات، تستيقظ تارة وتغفوا تارة أخرى، مرتهنة بارادات السلطة القائمة او تعتاش من تركة المحتل .. وتلك لها قصص اخرى ... لكن المثل العربي القائل " لايبقى في الوادي الا حجارته وحولها أهله" وها هي أحجار العراق كريمة في أديمه، ترمم نفسها، وتنتفض، وهاهي مدن تحتشد بالغضب والتمرد والثورة المرتقبة والمنتظرة. مدن عراقية في بلاء المحن ترى نفسها تحمل اسم كربلاء الانبار وكربلاء الفلوجة وكربلاء سامراء وبعقوبة ونينوى ،وترى في حسينها واربعينيته عراقا شهيدا، وزينبا مسبية ومغتصبة، الكل يطلب الغوث والمدد ويمني النفس بإمام للثورة قادما بسيوف علي او خالد او عمر او القعقاع او سعد بن وقاص...


في هذه الليلة الموحشة يختلط التفاؤل عندي بالتشاؤم، ولمن يفكر مثلي بخلود الرافدين، والواثقين بمسارات دجلة والفرات القائمة في أديم الحضارات، هما رافدا العراق الخالدان بشعبه، محبة وخصبا وحكمة وحضارة وبقاء.


دقائق وسيدخل العالم عاما آخر والعراق سيدخل سنة جديدة من عشرية عقد الاحتلال البغيض ، المنعطف الحاد في العراق خاصا الليلة، سيكون حادا كحد السيف المجاهد في خيارات العراقيين وارادتهم الوطنية.


باتت الليلة مصيرية في العراق، لانها ستلبي تحقيق حلم منتظر. هذه الليلة حسينية بأبناء علي، وعمرية بسيوف شجعان الفتح، وغدها القادم منتظر باسترجاع العراق لأهله وأمته.


هذه الليلة تنتصر الدماء على السيف والارهاب والسجان مهما كان عنوانه ... الليلة سترى الامة العربية المكلومة بكل جراحاتها في العراق حسينا وعمر المختار والامير عبد القادر .. كل الرموز تحضر لاجل تحرير العراق الليلة، وان الحسين بات عراقا للجميع، وبغداد هي القبلة لكل ثورة واينما وجهت سيفك لاجل الحق ستجده ثائرا على المظالم .. الليلة علينا ان نقيم لها عنوانا بديلا اما عراقا للتحرر او اقامة دائمة للرعاع في المزبلة والمضبعة الخضراء؟؟


لك المجد ياعراق الثورة ... يا حادي المجد العربي في ليلة الشك العظيمة..

وان غدا لناظره قريب

 

 





الثلاثاء ١٨ صفر ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / كانون الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة