شبكة ذي قار
عـاجـل










لمفهوم الديمقراطية جاذبية خاصة ، جعلته يحظى بقدر كبير من الاهتمام الذي لم تحظى به المفاهيم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الأخرى ، فكان الشغل الشاغل للفكر السياسي الإنساني منذ القدم وحتى العصر الحديث ، وتناوله العديد من العلماء والمفكرين بالبحث والدراسة ، محاولين استقصاء معانيه ومدلولاته العلمية ، وبذلك فقد توفر كم هائل من التراث الفكري الذي حمل إلينا آراء وأفكار متعددة ومتنوعة ، ناتجة إما عن تجارب مجتمعات إنسانية في مجال الحكم وممارسة السلطة ، وإما عن جهود فكرية علمية لمفكرين وعلماء تصدوا لهذا الموضوع المهم ، إلا أننا نلاحظ رغم ذلك عدم وجود اتفاق حول المفهوم الحقيقي لمصطلح الديمقراطية ، وكذلك حول الممارسة الفعلية لهذا المبدأ السياسي كفعل اجتماعي يؤدي وظيفة في إطار النظام السياسي ، والديمقراطية في واقعها ليس حكرا على أيدلوجيا بعينها ، فالجميع يمتلك حق وخاصية ممارستها ، ولكن كم من الحيوية في تلك الايدولوجيا واتساقها للسماح بالممارسة الحيوية دون تدفق الممارسات المخالفة في التعبير ، في الجانب النظري تسمح الديمقراطية في حق الرأي والرأي الأخر وحرية التعبير ، وتظفي قدسية عالية لهذين الحقين ، وعليه إن الاجتهاد الأيدلوجي والثقافي يبدو واردين في فضاء الديمقراطية والحرية ، وتبدو وكأنها تطرح صيرورة حضارته يمكن لأي احد حق السير نحوها ولتمثلها ولا توجد محذورات قبلية على أي ثقافة أو فكر أو نظام مجتمعي في رسم محددات نظامه الديمقراطي الموائم لاشتراطاته الموضوعية والذاتية ومن ثم إنتاج تطبيقاته الصحيحة ، إن المشـــكل الأســــاسي الذي نواجهه وتواجهه المجتمعات البشرية منذ القدم وحتى الوقت الراهن ، هو الصراع على الســلطة ، فالوصول إلى الحكم هو هدف مختلف القوى والتيارات الثورية واللاثوريه في المجتمعات البشرية ، وقد يأخذ ذلك الصراع أشكالاً مختلفة ، تتدرج من الصراع السلمي كالتظاهر والاعتصام ، إلى العصيان المدني ، أو الصراع المسلح ، وبذلك فإن الأقوى هو الذي يصل إلى الحكم ، سواء كان فرداً أو حزباً أو طائفة ، والناتج هو تكوين نظام سياسي ما يلبث أن يدعي أنه نظام ديمقراطي يضحي من أجل الشعب ، في الوقت الذي يكون فيه الشعب هو الخاسر الأكبر ، والدليل الأكيد على ذلك هو استمرار الصراع بين الحكام والمحكومين بمختلف الأشكال التي أشرنا إليها ، ومن هنا يمكن بيان التحديدات ألتالي


- * الاعتقاد بأن الأفراد جميعهم – ما عدا المرضى بأمراض المانعة كالجنون – لديهم القدرة على التفكير والقدرة على التعلم بما يمكنهم من التكيف في الحياة الاجتماعية بمظاهرها المختلفة ، وذلك إذا أتيحت لهم الفرص ألتربوية التي تصل بهم إلى ذلك الهدف السامي


* - احترام الأفراد وشخصياتهم والإيمان بقيمهم الإنسانية بصرف النظـر عن الفوارق اللونية أو الجنسية أو الدينية ، واحترام الإنسان لمجرد إنسانيته وعضويته في المجتمع كونه القيمة العليا ، ما لم يصدر منه سلوك يهدد استقرار وتكامل الحياة الاجتماعية ، أي السلم الاجتماعي


- *الفرد أو الأفراد في موقف معين أصلح الناس لاختيار ما يناسبهم من السلوك الذي يحقق أهدافهم التي لا تخل بمصالح الآخرين وتتجاوز القانون والأعراف الايجابية ، فالعمل ينبع من داخل الأفراد والجماعة ولا يفرض عليهم من مصدر خارجي مهام كانت سلطة أو شرعية هذا المصدر


* - الاعتقاد بأن المجتمع دائم التغير إلى أحسن ، فالمجتمع ليس ثابتا جامدا بل يتطور باستمرار بفعل الاكتشافات العلمية والاحتكاكات الحضارية من ناحية ، والعمل الدائب من ناحية أخرى ،على أن التغير لا يفرض من الخارج أيضا بل ينبع من داخل الجماعة ووفقا" للمعادلة (( الإنسان والحاجة والزمن متغيرون ))


* - أن يكون لكل فرد حرة إبداء الرأي في القـرار الذي سيلزم به ، فالمنطق الديمقراطي يقضي بأن يكون لكل فرد حرية مناقشة وإبداء وجهة النظر في القرار الذي سيلزم تنفيذه ومن هنا تحدد سلامة التفكير والقدرة على تحمل أعباء ونتائج القرار الهادف للتغيير سلميا" في البنية الاجتماعية


* - حل المشكلات في المجتمع الديمقراطي لا يتأتى بالتفكير الفردي ، وإنما عن طريق التفكير التعاوني ، والعلاقات بين الأفراد والمؤسسات في المجتمع الديمقراطي قائمة على أساسا لتعاون والفهم المتبادل أيما" بالرأي والرأي الأخر


وإذا حاولنا تطبيق هذه المبادئ أو القيم التي تقوم عليها الديمقراطية على جماعة معينة وعلى أسلوب عملها فإن معاني بعض المفاهيم سوف تتغير ، فعـلى سبيل المثال سوف يتغير مفهوم الضبط كما سوف يتغير مفهوم النظام ، فمعنى الضبط في الفلسفة التقليدية أو غير الديمقراطية يعني الطاعة العمياء من جانب أعضاء المنظمة للإدارة أو الطلاب لأساتذتهم وكانت هذه الطاعة من المثل العليا في التربية لها التأثيرات الانعكاسية فيما بين البيت والمؤسسة والمدرسة والمجتمع بشكله الإجمالي ، كان سلوك الموظف أو العامل أو التلميذ أو الفرد المجرد اللاسوي أو الذي يفقر إلى الضبط يقابل بالعقوبة من جانب الإدارة ، المعلم ، رب الأسرة ، والمجتمع ، وكانت العقوبة في هذه الحال ضرورة تستوجبها طبيعة عمل كل من الإدارة والمعلم وأصول المهنة والمجتمع ، ولكن مع تقدم البحوث في سيكولوجية الطفولة والأحداث والأفراد البالغين وازدياد المعرفة بدوافعهم وبسيادة الاتجاهات الديمقراطية وانتشارها إلى ميدان التربية بدا ألسلوك المفتقر إلى الضبط أحيانا ما يكون إدانة للمؤسسة وللمدرسة أكثر منه إدانة للفاعل لأنها لن تنجح في إشباع حاجاته ، ولم تساعده على تحقيق إمكاناته واضطرته إلى أن يسلك السلوك غير المنضبط ، فكان من الضروري أن يتغير مفهوم الضبط وأصبح مفهوم الضبط يشير إلى الضبط الاختياري للفرد لصالح الجماعة أي أن الضبط في هذه الحال لا يفرض على الفرد من الخارج ، وإنما ينبع من الداخل ، وعن طريق الاقتناع أهميته وضرورته لصالح الجماعة ، ولذلك فهو انضباط وليس ضبطا ، ويقرن بعض الباحثين هذا المفهوم الجديد للضبط بمفهوم روح الفريق الواحد حيث إنه يعني أن يتنازل الفرد عن بعض ذاتيته لصالح الجماعة ، وهنا لابد أن يكون العمل متوجها" إلى تنمية الضبط الداخلي أو روح الفريق الواحد عند الجماعة أن كانت من الموظفين أو العمال أو التلاميذ أو الطلبة أو الأفراد



يتبع بالحلقة الثانية

 

 





الخميس ٥ ربيع الاول ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / كانون الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عــبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة