شبكة ذي قار
عـاجـل










هذه المعطيات البسيطة جديرة بأن تؤخذ بنظر الاعتبار لأنها تمثل أهم خطوات الانتقال نحو الديمقراطية الحقيقية التي يكون للجماهير الدور الفاعل والمؤثر بها من حيث الممارسة الرقابية والمسألة ، وإن مفهوم الديمقراطية وإن اختلفت تطبيقاته ، فإن حدوده العامة واضحة لكل ذي بصيرة ، وتأخذ خطاً عاماً قوامه أن السلطة للشعب يمارسها بكل حرية ودون وصاية ودون رقابة ، والرقابة هنا لا يُقصد بها ما هو موجّه لمراقبة السلوك البشري الذي قد يسئ للديمقراطية وقد يقوّضها في بعض الأحيان من التصرفات المقصودة أو غير المقصودة وقد أجمع الفكر الإنساني السياسي على ذلك منذ الفكر الإغريقي القديم وقيام المجتمع الأثيني في القرن الرابع قبل الميلاد ، مروراً ببعض المحاولات الإنسانية خاصة عند قيام الدولة الإسلامية في القرن السادس والتي إشاعة مفهوم الحرية والعدالة الاجتماعية من خلال إسقاط كل الفوارق فيما بين بني الإنسان واعتماد مبدأ التكافل الاجتماعي انطلاقا" من القيم السماوية التي جاء بها الإسلام الحنيف والسيرة المحمدية التي هي الترجمة الفعلية من حيث القول والفعل لتلك القيم ، ثم قيام المجتمع الأوربي الحديث إبان الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، وصولا إلى الفكر الجماهيري وقيام سلطة الشعب في عصر الإيديولوجيات والتي سمت فيه أيديولوجية الفكر القومي الثوري النابعة من حاجات الإنسان العربي كرد فعل تغييري لما نتج من انكفاء بفعل العدوان المستمر على ألامه العربية والهجمات المتتالية التي تعرضت لها وإذا ما كان استلام الشعب للسلطة والثروة وكل متطلبات القوة هو التعبير الحقيقي على ممارسة الديمقراطية ، حيث إن الديمقراطية ليست فقط أسلوب حكم بقدر ما هي ممارسة سلوكية أيضاً ، فقد تأرجح مفهوم الديمقراطية وتفسيراته ما بين الديمقراطية التقليدية والديمقراطية المباشرة ، لذا فإننا نلاحظ بأن كل عالم أو مفكر أو مهتم بهذا الموضوع قد قام بمعالجته من الزاوية التي سلّط منها اهتمامه ، فمثلا نجد هناك من يرى أن معنى الديمقراطية لا يحتوي على مقاييس تتعلق بكيفية اتخاذ القرارات ، لقد أصبح الحكم الديمقراطي هو النظام السائد في أغلبية الدول الحديثة ، إلا أنه اتخذ صوراً مختلفة ، فإذا كان الحكم الديمقراطي يجعل من الشعب مصدر السلطة وصاحب السيادة ،

 

فإن الشعب قد يمارس السلطة بنفسه فيسمّى ذلك نظام الديمقراطية المباشرة ، وقد يختار الشعب لممارسة السلطة نواباً عنه يمارسونها باسمه وتسمّى هذه الصورة من صور الحكم بالديمقراطية النيابية أو البرلمانية ، وقد يقوم نظام آخر خليط من النظامين السابقين ، فتكون هناك هيئة نيابية منتخبة من الشعب تتولي الســلطة باسمه ، مع الرجوع إليه في بعض الأمور الهامة ، وبذلك فإن نظام الحكم الديمقراطي يتخذ صوراً تختلف باختلاف كيفية اشتراك الشعب في السلطة ، فإذا كان الشعب بأكمله يمارس السلطة ، والمقصود بالشعب هنا ، الشعب بمدلوله السياسي ، لا بمدلوله الاجتماعي ، أي من لهم حق التمتع بالحقوق السياسية على أن يكونون من أصول الشعب ومن المؤمنين حقا" بمصالحه ونواياه الإنسانية التي تجسد تطلعاته الايجابية المتفاعلة مع تطلعات بني الإنسان الذين يتشـارطون معه في حق الحرية والرفاهة ، فإن هذه الصورة تسمّى الديمقراطية المباشـــــرة ، التي يمارســــــها الشعب عن طريق مؤتمرات شـــعبية تقرر ، ولجان شعبية حقيقية تنفّذ ، وأجهزة شعبية تراقب هذه العملية بمجملها ، وإذا كان اشتراك الشعب في الحكم عن طريق نواب عنه ، فتلك الصورة هي التي تسمّى الديمقراطية غير المباشرة ، أما الديمقراطية شبه المباشرة فهي التي تدمج الحالتين السابقتين ، إذن فإن وصف أو تصنيف نوع الحكم ، من حيث أنه ديمقراطي أو تسلطي أو استبدادي أو شمولي ، وما إلى ذلك من مسميات ، يتوقف على حجم ودرجة مشاركة المواطنين فيه ، حيث أن المعنى التقليدي للديمقراطية يتمحور حول الأغلبية ، ومن هنا يرى البعض أن النظام الأكثر شيوعاً وملائمة بالنسبة للمجتمعات الكبيرة العدد أو الحجم ، فهو الديمقراطية النيابية ، التي ينتخب فيها المواطنون ممثليهم الذين يجدون فيهم كل المؤهلات التي تؤهلهم لتمثيلهم ونقل أمنياتهم وتطلعاتهم إلى ميدان السلطة التشريعية الرقابية ليمارسوا الأمانة والتكليف الاجتماعي الذي أنيط بهم ، أو نواباً عنهم ، يقومون بتشريع وسن قوانين المجتمع ، في حين أن الديمقراطية المباشـــرة في الفكر الجماهيري تعني سلطة الشعب ، أي سلطة كل الناس دون نيابة أو تمثيل ( فلا نيابة عن الشعب ، والتمثيل تدجيل ) ، لكن السؤال الذي يمكن طرحه هو ما هو النموذج المثالي للديمقراطية الحقيقية الذي يمكن الركون إليه عندما نقوم بعملية الإصلاح ؟ ، وبكل سرعة تبرز لنا حقيقة أصبحت في ظل العولمة واقعاً ملموساً وهي إن الدول القوية التي فرضت العولمة هي نفسها التي فرضت النظام العالمي الجديد وهي نفسها التي تعمل على فرض النموذج الغربي في الديمقراطية ، ذلك النموذج التقليدي للديمقراطية الليبرالية الذي تراه أفضل نموذج يمكن أن يطبقه العالم ، وهي من جانب آخر لا تطبق في إطار الجانب الإصلاحي الذي تدعيه إلا ما يتلاءم مردودة مع مصالحها في البلد المستهدف ، حيث يعد كل نظام حكم لا يسير حسب مخطط أمريكا ومن معها من الغرب ، نظام يحتاج إلى إصلاح ديمقراطي ، أي أن يتعامل نظام أية دولة بطريقة تكفل التبعية التامة بشكل غير منظور من قبل ذلك النظام لما تستوجبه مصالح الدول الكبرى السياسية والاقتصادية والثقافية  ..



يتبع في الحلقة الخامسة

 

 





الثلاثاء ١٠ ربيع الاول ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / كانون الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامـــل عــبـــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة