شبكة ذي قار
عـاجـل










تتدخل الدول بأغطية متنوعة .. ولكنها تخفي تدخلها .

وتتدخل أخرى بوسائل مختلفة .. ولكنها تخفي تدخلها .

تتدخل الدول إستخباراتياً .. فتتكتم على تدخلها .

وتتدخل الدول استخباراتياً بالإنابة .. فتتكتم على تدخلها .

 

المقدمة :

ولكن، أن تفصح دولة بوضوح وصراحة عن فحوى الكلام والتصريح بتدخلها السافر والفاضح في شؤون دول أخرى، فهذا السياق يخرج عن المألوف في علوم السياسة وعلوم الإستخبارات والثقافة والأخلاق .

فماذا تُفَسرْ هذه التصريحات الرسمية الإيرانية، في ضوء خارطة التعامل السياسي، ودائرة القانون الدولي، ومحددات التعامل الاجتماعي والإنساني.؟

 

وقبل الحديث عن تفسير التصريحات الإيرانية، علينا الوقوف على ماهيتها لكي نتمكن من تحليلها في ضوء خارطة التعاملات السياسية، ودائرة القانون الدولي ومحددات التعامل الاجتماعي والإنساني، في واقع المنطقة ذات البعد العربي – الإسلامي.

 

1- قال " مهدي طالب" ، مسئول ما يسمى مكافحة الحرب الناعمة (أي مدلكجي) الموجه ضد إيران، ( لو خسرنا سوريا لا يمكن أن نحتفظ بطهران، ولكن لو خسرنا إقليم خوزستان - الأحواز العربية – سنستعيدها ما دمنا نحتفظ بسوريا) وأضاف ( إن سوريا هي المحافظة 35 لإيران، وهي محافظة إستراتيجية لإيران، فإذا هاجمنا العدو بغية احتلال سوريا أو خوزستان - الأحواز العربية – فالأولى بنا أن نحتفظ بسورياً )!!

 

هذا الشخص مجهول وكلامه مفبرك، ينطوي على ما يلي :

أولاً- يوحي هذا التصريح بأن إيران في صراع مع أمريكا، والحرب هي مسألة وقت.. لكن الحقيقة هي أن أمريكا على وفاق إستراتيجي مع إيران في العراق والبحرين على وجه الخصوص وفي المنطقة بشكل عام، وإن مقولة الحرب الأمريكية على إيران يصعب تصديقها على الإطلاق .. فأمريكا أطلقت يدها في العراق، وأمريكا ذاتها تغض النظر عما يحصل في العراق من انتهاكات فاضحة، وتغض النظر عن التصرفات الإيرانية في الخليج العربي .. وإن دوافع إطلاق هذا التصريح الغريب والمفبرك هي أن إيران بحاجة إلى تلميع وجهها الطائفي عن طريق صراع وهمي مع أمريكا و (إسرائيل)، بعد أن تكشفت أوراق قم وطهران بتدخلها السافر في شؤون الأقطار العربية خلافاً للأعراف الدولية، لمبادئ حسن الجوار.

 

ثانياً- أرض الأحواز العربية، احتلتها إيران عام 1925، ولو كان النظام الصفوي في طهران قادراً على إكمال مشروع تفريس شعبنا العربي في الأحواز منذ ذلك التاريخ، ولو كان قادراً على إحكام قبضته الطائفية على هذا الشعب العربي المكافح، لتغير منطق المفاضلة بين الأحواز وسوريا .. كما أن الأحواز تعتبر سلة الغذاء لإيران ورئتها التي تتنفس منها على الخليج العربي، وليس من السهل أن تتخلى عنها بالمفاضلة بسوريا .. والمغالطة هنا تكمن في أن الشعب السوري شعب عربي لا أحد يزايد عليه من الصفويين، وهذه حقيقة ينبغي على نظام طهران إدراكها بغض النظر عن النظام السياسي الحاكم في دمشق، ولا يجوز التطاول على هوية شعب عربي بطريقة التدخل الطائفي الفج المرفوض شعبياً وقانونياً وسياسياً، وكذا الحال إزاء العراق وشعب العراق العربي الذي لا أحد يزايد على فسيفسائه الوطني بطائفية صفوية مقيتة.. وينسحب هذا المنطق على كل شبر من أرض الوطن العربي... فإذا كان نفوذ إيران جاء عن طريق مكون طائفي في سوريا بغفلة من الزمن فهذا لا يعني أن سوريا العروبة باتت – حسب هذا المعتوه – المحافظة الـ(35) للنظام الصفوي الإيراني، كما أن النفوذ الإيراني في العراق هو الآخر مؤقت ومشروط بواقع مخلفات الاحتلال الأمريكي، وكذا الأمر حيال البحرين العربية والكويت العربية والسعودية العربية واليمن العربي ..إلخ

 

ثالثاً- يكشف هذا التصريح الغبي المفبرك عن اعتراف صريح بالتدخل الإيراني، وكذا التصريحات الإيرانية الأخرى ، كما يمثل بوجه آخر تورط إيران في سورياً عسكرياً وسياسياً، ( إرسال حرس إيراني كما قيل بحدود 50 ألف عنصر لدعم النظام في دمشق، وعناصر مليشية من أحزاب السلطة الصفوية في بغداد وحسب توجيهات طهران .. ومؤخراً فتحت إيران ائتماناً بحجم مليار دولار تحت تصرف النظام السوري .. ثم قصة مقتل الجنرال الإيراني (حسن شاطري) منسق التدخل العسكري بين طهران وحزب الله ونظام دمشق) .. هذه الأحداث والتصريحات التي رافقتها تعد فضيحة لواقع التدخل الإيراني في الشؤون العربية من جهة، وتورط إيران خارج أراضيها بأعمال من شأنها أن تحاسب عليها طهران على وفق القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، لأنها تشجع على الحرب الأهلية الطائفية في سوريا والعراق ولبنان والبحرين واليمن والإمارات والكويت والسعودية ودول المغرب العربي.

 

2- الرسالة التي بعث بها " علي خامنئي " إلى الرئيس المصري، تحمل فضيحة إيرانية أخرى، يدعوه فيها إلى إتباع نظام ولآية الفقيه في حكم مصر.. ويدعوه والشعب المصري إلى تطبيق (النموذج الإيراني)، وبالتالي الانضمام إلى ما أسماه بـ ( نموذج الحضارة الإسلامية الجديدة ).!!

 

دعونا نتحدث عن هذا الموضوع بشيء من طول البال، طالما أن رأس ولآية الفقيه يتحدث بهذا المنطق، الذي يتعامى فيه عن الكثير من الحقائق :

- النظام الصفوي في طهران جيء به منذ عام 1979 كنموذج طائفي سيء ، دفع بالمنطقة إلى التوتر والاحتقان بفعل أفكاره، التي تعود إلى كهوف غارقة في القدم ولا تمت لحقبة الإسلام الحنيف المشرقة بصلة، فهي أفكار جاءت لدق إسفين طائفي في نسيج المجتمع الإسلامي من أجل تمزيقه لحساب المشروع ألأمريكي والإسرائيلي في المنطقة.

 

- لا أحد من دول العالم يؤيد النظام الصفوي بكل أعماله وتصرفاته، وإن سلوكه السياسي الخارجي، الذي يعتمد على تصدير الثورة عن طريق القوة المسلحة غير النظامية بات مستهجن ومرفوض ومدان، لكونه يخالف منطق الأشياء ويفتقر إلى النيات السليمة لإقامة علاقات طبيعة، حتى أن إيران باتت معزولة تماماً ولا أحد يصدق أقوالها وممارساتها، وذلك لاعتمادها منهج ما يقوله النظام الصفوي يخالف ما يبطنه، وعلى هذا الأساس لا أحد يصدق ما يقوله الإيرانيون في مسائل الانفتاح والشفافية وقضايا الدين والسياسة.

 

- النظام الصفوي في إيران دخيل على الإسلام والمسلمين، على الرغم من إدعائه الإسلام، والسبب لأنه يسعى إلى تفكيك عرى المسلمين بدواعي التشيع الطائفي في عموم الدول العربية. وعلى هذا الأساس ينظر العرب والمسلمون بريبة للدعوات والمناشدات والتصريحات الإيرانية .. الإيرانيون يشككون برموز الإسلام ويطعنون بهم ويثقفون أجيالهم على منهج الطعن، فكيف يمكن أن تكون الثقة قائمة معهم.؟!

 

- لم يقدم النظام الصفوي لدول الجوار غير الوصاية عليها بالتدخل وإقلاق أمنها وتمزيق مجتمعاتها الآمنة، ممزوجة بالغطرسة والتعالي والتهور وتصدير الوباء الطائفي .. فيما تقبع الشعوب الإيرانية تحت خط الفقر والحرمان والتهديد والقمع الاجتماعي والثقافي والعنصري.. وما يظهر من تمييز عنصري بغيض لعرب الأحواز العربية وللأكراد الإيرانيين والتركمان الإيرانيين والآذريين، فضلاً عن إقصاء مكون السنة الإيرانيين ومحقهم ومعاملة المسيحيين الإيرانيين معاملة من الدرجة الثالثة، عدا اليهود الذين يحضون بدعم المَجْمَعْ اليهودي الإيراني ، خير دليل على ذلك.

 

- يتبع نظام ولآية الفقيه رسمياً ودستورياً سياسة مطلقة تتقاطع مع أي نظام للديمقراطية – فحين عنف المرشد الأعلى علي خامنئي رئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد وعدد من أعضاء البرلمان ومنهم على لآريجاني، أنبرى أعضاء البرلمان بتقديم الاعتذار رسمياً للحاكم المطلق لولآية الفقيه، وهو الأمر الذي يفصح عن الامتثال الكامل لقرار الحاكم المطلق في شأن من الشؤون، فما بالنا إذا كان الأمر يتعلق برسم القرارات وتشريعاتها التي تخص الشعوب الإيرانية، فأين البرلمان من السيف المسلط عليه ؟!

 

- كل هذا الذي تقدم ويزيد ، وخامنئي يعرض على الرئيس المصري أن يحتذي بنظام ولي الفقيه ؟! في الوقت الذي يدرك فيه خامنئي بأن الشعب المصري شعب عربي مسلم له عمقه في الحضارة العربية- الإسلامية، كما هو الشعب العراقي، فكيف يطلب منه ذلك ؟ فهل أن هذا الطلب غبي أم أنه يتغابى، أو يتعامى عن الحقائق ؟ أم أنه مأخوذ بالغطرسة والمكابرة والعظمة الفارغة ؟!

 

- هل يريد مومياء الكهوف هذا أن يعمل معادلة جيو - إستراتيجية باختراق مصر وتحييدها حيال عمق مصر الجيوبوليتيكي وهو الخليج العربي؟ هل هو قناص فرص إستراتيجية لهذا الحد من الحمق والغباء ؟ وهل يعتقد بأن دعوته ستجد قبولاً لدى شعبنا العربي في مصر نكاية بشعبنا العربي في الخليج ؟!

 

- ألم يدرك خامنئي أن أي دولة دينية في هذا العصر مآلها الفشل، لأنها ضد مسار التاريخ . ألم يدرك أن الدولة القومية الإيرانية شيء وتلبيسها لبوس الدولة الدينية شيء آخر يحمل من التعارض والتناقض ما يفجرها طال الزمن أم قصر، لأن تناقضاتها لا تستقيم في داخلها على خط واحد، وتعاملاتها مع الخارج لا يعبر عن حقيقة مصالح الدولة إنما مصالح المؤسسة الدينية- الطائفية لا غير.؟!

 

- بعد أن تلقى محمود أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية في القاهرة العربية " فردة حذاء" مع استهجان ورفض الأزهر للسلوك السياسي الإيراني حيال الدول العربية، يبعث " علي خامنئي " رسالته هذه يدعو فيها مصر لقبول النموذج الإيراني في حكم ولآية الفقيه .. هل هناك مهزلة أكثر من هذه المهزلة؟!

 

3- التصريحات الإيرانية بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى تتعارض مع القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، بمعنى أنها تدخل دائرة القانون في المسائلة ، وهي تشكل اعترافاً واضحاً وصريحاً بانتهاك القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة، ومن حق كل الدول العربية أن تتخذ كل الإجراءات التي من شأنها الدفاع عن نفسها وردع التدخل الإيراني المقيت بكل الوسائل الممكنة والمحتملة بصورة منفردة أو بشكل جماعي، وحق الدفاع عن النفس مكفول دولياً من الناحية القانونية والسياسية والاعتبارية.

 

4- الإشكالية الكبرى، هي أن إيران تتصرف ليس كدولة شأنها شأن الدول الأخرى، إنما تتصرف كأيديولوجية- طائفية محضة في اتصالاتها وتعاملاتها وتصريحات مسئوليها، وكل تصرفاتها تؤكد نيات غير سليمة هدفها الهيمنة والتوسع بمنحيين ، الأول : استيطاني طائفي، والثاني : القضم التدريجي للأرض العربية . وكلا هذان الهدفان يصبان في المفهوم الاستعماري الذي يتساوق تماماً مع منهج الكيان الصهيوني.. وعلى أساس هذه الأهداف تظل المشكلات عالقة بين الدول العربية وإيران على المستويين السياسي والإستراتيجي والأيديولوجي أيضا.

 

ومن هذا يتضح أن إيران، وهي سائرة على خط تصدير الثورة الطائفية إلى المنطقة العربية وشعبها العربي، وهي في قمة عنجهيتها وغطرستها وتعاليها في سلوكها وتصريحاتها الفاضحة وغير المسئولة ، تعيش في مأزق داخلي وخارجي .. فقد خلقت الأزمات لنفسها وللمنطقة وللعالم، حين تعاونت مع أمريكا في أفغانستان، وحين تعاونت مع أمريكا في العراق، وتتعاون الآن مع أمريكا في البحرين .. أين هو رأس الأفعى الطائفي، في طهران، أم في دمشق، أم في لبنان، أم في بغداد ؟!

 

 

 





الاربعاء ٩ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / شبــاط / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة