شبكة ذي قار
عـاجـل










كان يمكن "لكلمة الطليعة" أن تكون عن العراق، الذي يعيش حال انتفاضة شعبية، أخذت بعداً وطنياً شاملاً، وأدخلت هذا القطر العربي، معطى المرحلة الثانية، من مسيرة تحريره وإعادة توحيده على الأسس الوطنية والديمقراطية، عبر إسقاط المنظومة السياسية التي أفرزها الاحتلال الأميركي والمتقاطعين معه، والمعبر عنها "بالعملية السياسية"، والتي لم ينتج عنها سوى محاصصة ونهباً لخيرات البلد، وفساداً، وإفساداً، مما جعل العراق كدولة محورية في الوطن العربي يصنف دولة فاشلة.


كما كان يمكن "لكلمة الطليعة"، أن تتناول الوضع في سوريا بعد سنتين على تفجر أزمتها، التي تدمر الحجر وتحرق الشجر، وتدمي البشر، من جراء البعد الذي نحاه الصراع فيها، وباختيار أسلوب الحل العسكري والأمني سبيلاً لمعالجة أزمة بنيوية، لا يمكن أن تجد طريقها للخروج من تشرنقها إلا عبر حل سياسي يحمي سوريا من الانهيار، ويحفظ مقوماتها الأساسية عبر وحدة أرضها وشعبها ومؤسساتها، وينتج نظاماً سياسياً، تشارك في بلورة قواعده كل الأطياف السياسية الحريصة على وحدة سوريا وحماية موقعها ودورها، ويرتكز إلى الديموقراطية كناظم للحياة السياسية، وعبر إسقاط منطق التأييد والتوريث في السلطة، ووضع حدٍ لاستغلال القلة المتناقصة المتماهية مع المنظومة الأمنية على التحكم بمقدرات البلاد وخيراتها.


إنه مع أهمية الإطلالة على المعطى السياسي في هذين القطرين، وما يشهدانه من حراك شعبي وسياسي، الأول يشدد على طابعه الشعبي والسلمي، والثاني اندفع إلى العسكرة من موقع رد الفعل، إلا أن الوضع اللبناني بات يتطلب إطلالة عبر "كلمة الطليعة"، نظراً للتجاذب السياسي الحاصل حول مشاريع القوانين الانتخابية، والغيوم السوداء التي بدأت تتلبد في سمائه من جراء انعكاس تداعيات الأزمة السورية عليه في شقها الأمني وفي الشق الإنساني وأيضاً من جراء، التحرك المطلبي تحت عنوان إقرار سلسلة الرتب والرواتب، والتي باتت تعكس باختصار مكثف عمق الأزمة الاجتماعية الاقتصادية، التي تتجلى مظاهرها، بارتفاع الأسعار وخاصة تلك التي تطال سلة الحاجيات الأساسية من مسكن ومأكل وطبابة وتعليم، وفوق كل ذلك، التهديد المتصاعد للأمن الحياتي عبر عمليات الخطف للمواطنين التي تديرها عصابات شبكات منظمة، وأيضاً عبر استسهال قطع الطرقات وشرايين المواصلات بين المناطق كلما طاب لفريق أو فئة، ان تعبر عن رفضها أو امتعاضها أو استيائها من موقف ما، بالنزول إلى الشارع وقطع الطرق دون رادع من قانون أو وازع أخلاقي وإنساني.


في غمرة هذا الوضع المتفلت أمنياً، والمضطرب اقتصادياً واجتماعياً، يبدو الوضع السياسي على درجة عالية من الارتباك على أبواب استحقاق دستوري يتمثل بقرب أجل الانتخابات النيابية التي يفترض لو كانت الأمور تسير بشكل طبيعي أن تجري في حزيران.


هذا الارتباك السياسي، تمحور في الآونة الأخيرة حول مشروع القانون الانتخابي الذي يفترض أن تجري الانتخابات على أساسه، بعدما بات الإجماع شبه تام على أن" قانون الستين" الذي أعيد العمل به بعد اتفاق الدوحة، لم يعد مقبولاً ليكون ناظماً للعملية الانتخابية ولخوف من الذين يمسكون دفة الإدارة السياسية من أن تجري الانتخابات على أساس هذا القانون باعتباره القانون النافذ، ولا تؤدي نتائج العملية الانتخابية إلى إنتاج أكثرية نيابية لمصلحتهم، خاصة وأن هذا المجلس الجديد هو من ينتخب رئيس الجمهورية في العام القادم.


لقد طرحت جملة مشاريع قوانين للمناقشة، منها مشروع قانون الحكومة الذي اعتبر مختلطاً كونه أخذ بمبدأ التوزع بين الأكثري والنسبي كما استحضر المشروع الذي سمي مشروع فؤاد بطرس، وأيضاً طرحت مشاريع أخرى راعت الأكثري والنسبي ومنها المشروع الذي قدمه رئيس مجلس النواب وطرح فيه المناصفة لانتخاب النواب بالأكثري والنسبي 64 نائباً ينتخبون على قاعدة النظام الأكثري و64 على قاعدة النظام النسبي. وأثناء النقاش داخل اللجان النيابية، جرى تبني ما يسمى بمشروع للقاء الأرثوذكسي بالأكثرية وليس بالإجماع، وعلى أن يحال هذا المشروع إلى الهيئة العامة.


هذا المشروع الذي يختصر بأن كل طائفة تنتخب نوابها على قاعدة النسبية في كل طائفة، أصبح مادة السجال السياسي الأساسية بين مؤيد ومتحمس له وبين رافض ومعارض له، ونحن من المعارضين والرافضين له لأسباب عديدة أول هذه الأسباب، أنه يدفع بالبلد نحو مزيد من التطييف للحياة السياسية، عبر مذهبتها من ناحية، وانغلاقها على نفسها من ناحية ثانية في عملية سياسية شعبية يفترض أن تكون عامل انفتاح وتفاعل وليس انغلاق أو انعزال على الذات وثاني الأسباب، ان هذا المشروع يناقض أحكام الدستور، إذ يبطل أن يكون النائب ممثلاً للشعب أو "للأمة" كما ورد في نص المادة 27 من الدستور بل يصبح ممثلاً لمذهبه، وبذلك يتحول المجلس النيابي إلى "مجلس ملي".


اما ثالث الأسباب، ان هذا المشروع الذي سمي بالمشروع الأرثوذكسي، يواجه بمعارضة شديدة من فعاليات سياسية وشعبية ومن فعاليات أرثوذكسية مشهود لها بوطينتها، وانه كالارثوذكسي كمكون مجتمعي ينتمون إيمانياً إلى المسيحية كدين، لم يكونوا في تاريخهم دعاة انغلاق ومذهبية، بل كانوا على الصعيد القومي رواداً في حمل لواء الفكر القومي التحرري، كما هم على الصعيد اللبناني بمثابة الصمغ الذي يشكل اللاصق للبنانيين في حماية ركائز وحدتهم الوطنية.


لهذه الأسباب ان مشروع اللقاء الأرثوذكسي هو خطوة إلى الوراء في رؤيته للتمثيل النيابي، وبغض النظر عما سيؤول إليه مصيره في حال مرر في الهيئة العامة ولا نعتقد أنه سيمرر. وإذا مرر فإنه سيكون عرضة للطعن أمام المجلس الدستوري لمخالفته قواعد الميثاقية وصراحة نص المادة 27 من الدستور، وبالتالي، فإن من يريد أن يصحح التمثيل النيابي، لا ينزل تحت مستوى ما نص عليه الطائف والذي شكل خطوة متقدمة على" قانون الستين"، بل بالعمل لطرح مشروع ذو بُعد وطني، يقوم على قاعدة المساواة في المواطنة عبر جعل القانون الانتخابي مدخلاً للانصهار الوطني في بوتقة الدولة الواحدة، والأخذ بعين الاعتبار الهواجس، التي ولدها التراكم المزمن لممارسة الطائفية السياسية، والتي جعلت بعض المكونات المجتمعية تعيش حال الخوف والقلق على المستقبل.


من هنا، فإن النظام الانتخابي الأفضل للبنان وليس الأمثل، لأن الأمثل بالنسبة لنا هو الغاء كل مسميات التمثيل الطائفي، يكون عبر سن قانون انتخابي يأخذ بنظام المجلسين. مجلس النواب ومجلس الشيوخ وذلك:


- بإصدار قانون انتخابي جديد، يلغي القيد الطائفي عن العملية الانتخابية ترشحاً وانتخاباً للمجلس النيابي.


- بجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة وعلى أساس النسبية لاحتساب لأصوات. واعتماد مبدأ الترشح على أساس الكيانات الحزبية.


- انتخاب مجلس شيوخ تمثل فيه الطوائف على قاعدة المناصفة، ووفق النسب المعمول بها حالياً في نصاب المجلس النيابي وكخطوة متدرجة لاحتواء ما تراكم من سلبيات، من جراء ممارسة السياسة القائمة على أساس الطائفية السياسية بغية الانتقال بهدوء إلى مجتمع مدني شامل، ويكون لهذا المجلس دور في:


1- مناقشة الميزانية العامة وإقرارها.
2- انتخاب رئيس الجمهورية بالأكثرية الموصوفة للمجلسين.
3- إعلان حالة الحرب والطوارئ.
4- تعديل الدستور وفق نصاب الأكثرية الموصوفة في الدستور.


إن هذا القانون في حال إقراره هو الذي يشكل الضمانة للمواطن في حرية الاختيار، وهو الذي يحاكي أصحاب الهواجس.


إن اللبنانيين الذين يسعون للخروج من التشرنق المذهبي والطائفي، يريدون ممارسة ديموقراطيتهم في إطار المكون الوطني، وليس في إطار المكونات الطائفية والمذهبية، وإن إسقاط المشروع الأرثوذكسي كمشروع يحمل الاسم الحركي لمشاريع الانغلاق الطائفي هو خطوة ضرورية لمنع انزلاق لبنان إلى قعر بئر تعشعش فيه ثعابين الطوائف والمذاهب والتي لا هم لها إلا تسميم الحياة المجتمعية وجعل المواطن مصاب بعلة يصعب الشفاء منها.


إن اللبنانيين أمام تحدٍ جديد، وهذا التحدي يملي على كل المتضررين والذين يعانون من مثالب الطائفية السياسية، بأنه إذا كان ليس بالإمكان الارتقاء إلى مستوى المواطنة في ظل المعطى الحالي، فإنه من غير المسموح الهبوط نحو مزيد من التفتت والانشطارات المذهبية والطائفية ولذا يجب عدم تمريراعادة تركيب السلطة على قواعد قوانين انتخابية تحاكي الغرائز المذهبية بدل أن تحاكي المواطنة الشاملة.

 





الجمعة ١١ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / شبــاط / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة