شبكة ذي قار
عـاجـل










اقيم مساء امس الثلاثاء 19 مارس 2013 في قاعة الاجيكا بباريس المؤتمر السنوي ل " النداء الفرنسي العربي" و قد القى الاستاذ علي نافذ المرعبي كلمته التالية :

 

الأخوة الحضور..

نلتقي هذا اليوم، والمنطقة العربية تشهد حالة من التجاذبات الداخلية، تؤثر فيها عوامل إقليمية. بعضها قد يبدو ينسجم مع تطلعات الشعوب، ويخضع لجدلية التاريخ. والبعض الآخر يحاول الإلتفاف على التطلعات العادلة والمشروعة، ليخدم مصالح إقليمية ودولية لا تنسجم، بل وتعارض هذه التطلعات.

 

ان الوطن العربي، ومنذ إستقلال دوله، بعد إتفاقية سايكس ـ بيكو، لم تتح له الفرصة ـ حتى ضمن منطق الدول القطرية ـ ان يأخذ حقه بالإستقلال الحقيقي. بل كان التدخل الخارجي عاملاً مؤثراً سلبياً، وبشكل مفرط. تجلت أبشع صوره في مراحل ثلاث :

 

ـ اغتصاب فلسطين عام 1948

ـ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956

ـ غزو وإحتلال العراق عام 2003

 

وترافقت الكثير من التدخلات، مع مشاريعهم التي تستهدف  نسيج المجتمع من خلال إثارة وتغذية التناقضات الطائفية والمذهبية والعرقية وغيرها، بهدف الحيلولة دون الإستقرار، الذي لابد منه في أي وطن، لأنه يشكل المدخل للتطور وللتنمية.

 

كما عملت التدخلات الخارجية على خلق أو إستمرارية أنظمة أوغلت في قمع شعبها، وعاثت فساداً غير مسبوق، وتخلت عن أي طموح وطني أو قومي. وتنكرت للقضايا العربية العادلة والمشروعة. وإنتقلت هذه الأنظمة في حالات كثيرة إلى الرضوخ للمشاريع الخارجية، بل والمساهمة في تنفيذها، وتجلت اسوأ صورها وصفحاتها في فتح الأراضي والممرات والأجواء العربية والمشاركة العسكرية والسياسية في العدوان على العراق عام 1991، وصولاً إلى التواطؤ في غزو وإحتلال هذا البلد عام 2003.

 

ان بداية "الربيع العربي" الذي إنطلقت شرارته الواعدة والمشروعة من تونس، شكل مفاجأة غير متوقعة سواء للأنظمة التي كانت قائمة، أو للدوائر الغربية.

لقد وجد النظام الرأسمالي الدولي، وتحديداً تيار المحافظين الجدد، فرصة تاريخية في هذا الحراك الشعبي العربي، لإسقاط الأنظمة التي وظفها عقوداً لمصالحه بعد أن استنفذ معها كل خططه، وللإلتفاف ثم إحتواء هذا الحراك والإجهاز عليه، من خلال إيصال قوى سياسية تتستر بـ "الإسلام المعتدل" ودفعها في عملية تراكمية وديماغوجية وبأسم "الديمقراطية" والإحتكام لـ "صناديق الإقتراع" .. للأمساك بالسلطة. وأكثر ماتجلى هذا الأمر في تونس ومصر.

 

أيها الأصدقاء

أتذكر، وتتذكرون دون أدنى شك، الطروحات والرؤى التي نادى بها منظري الرأسمالية والمحافظين الجدد ودعاة العولمة، التي تتمثل بـ "الشرق الأوسط الكبير" و "الشرق الأوسط الجديد".. فلا بد أن طرقت أسماعكم مصطلحات "الفوضى المنظمة" و"الفوضى الخلاقة" ومانادى به بريجنسكي بأن: إتفاقية سايكس ـ بيكو قد تجاوزها الزمن علينا خارطة الشرق الأوسط على أسس طائفية ومذهبية وعرقية وغير ذلك..

واليوم، إذا مانظرنا بموضوعية وعمق، نستطيع أن نرى بوضوح مؤشرات خطيرة بدأت ملامحها البغيضة تطفو على السطح.

 

فلسطين: تراجع العملية السياسية بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين التي أنا لست معها بالمطلق. وكل الوعود "الموسمية" التي كان الغرب والصهاينة يغرون بها الأخوة الفلسطينيين منذ أوسلو وحتى اليوم تلاشت بفعل التواطؤ الفاضح بينهما، وتغول الاستيطان الذي أحال مقولة الدولتين إلى سراب غير قابل للتحقيق.

 

السودان: تم تقسيمه إلى دولتين، في حالة وحيدة على صعيد أفريقيا الذي طالما تحدثوا بضرورة الحفاظ على الحدود التي خلفها الاستعمار وعدم المساس بها منعاً للتشظي المتعدد الأوجه والمسميات.

العراق: أيضاً في سابقة تكشف نفاق الدوائر الغربية، تم غزو هذا البلد وإحتلاله، بمبررات كاذبة تحدثنا عنها منذ الأيام الأولى وبدأتم تكتشفون هذا الكذب الفاضح والمدوي وأشير إلى الأكاذيب الذي ربما نسيها البعض أو تناساها: أكذوبة أسلحة الدمار الشامل. واكاذيب المقابر الجماعية. واكذوبة "الأسرى الكويتيين".. وغير ذلك الكثير. ويهمني أن أذكركم ان هذا الغزو والاحتلال يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة، وخارج قرارات مجلس الأمن الدولي.

 

كما يهمني أن ألفت نظركم ـ الذي توافقوني عليه دون شك ـ ان العراق تحول إلى محمية ايرانية، ودولة فاشلة ينهشها الفساد على كل الأصعدة وبؤرة للصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية..

أيها الأحبة..

 

إن "الربيع العربي" الذي تمناه شعبنا العربي، وضحى شبابنا العربي من أجل الوصول إليه، بات في حالات متعددة كابوساً ثقيلاً وسقطت الأحلام أو تلاشى جلها. وأنا شخصياً لم أعلق آمالاً على هذا "الربيع" باحداث التغيير الانقلابي، مع مشروعية التطلعات وضرورة إسقاط الأنظمة الطاغية الي رحلت غير مأسوف عليها أو تلك الآيلة للسقوط، لأنني لاحظت الغياب الفاعل و المؤثر للقوى الشعبية القادرة على قيادة الحراك الشعبي وإيصاله لإهدافه وتتمثل بـ:

 

ـ القوى السياسية الوطنية والقومية.

ـ نقابات العمال العرب.

ـ إتحادات وروابط الطلاب.

 

وهنا، وحتى أكون موضوعياً أشير ان هذا القصور ناتجاً عن تراجع قدرة هذه  القوى على آخذ دورها المفروض، بل في جله ناتج عن إستهدافها ومنذ سنوات بعيدة، سواء من الأنظمة العربية أو الدوائر الخارجية من جهة، اوعدم قدرتها لعوامل كثيرة عن تجديد ذاتها والعودة لدورها المطلوب من جهة ثانية.

 

الأصدقاء الفرنسيين

يحزنني، أن مواقف النخب المثقفة لديكم، التي إكتشفت ورأت تواطؤ دولها مع أنظمتنا الفاسدة. ومدى الظلم الذي مارسته دولها على شعبنا العربي وإستهدفت ترابنا القومي، لم تتعدى المواقف الموسمية، والتنظير الفكري والتحليل السياسي، ولم نلمس ـ إلا في حالات نادرة ـ إنسجاماً مع قناعاتها المبدأية و الفكرية و الاخلاقية في إتخاذ  مواقف فعلية ومؤثرة.

 

إن الهوة،  التي تعاني من مأزق أخلاقي مؤسف، التي فصلت بين الأفكار والواقع، تبرز من وجهة نظري على الأقل التقاعس والقصور، في الدور الذي كانت أتمنى أن تقوم به نخبكم المثقفة. إلا في حالة إستثنائية مثلها بصورة ناصعة مواقف الصديق الراحل الكبير روجيه غارودي.

 

أشكركم، على إتاحة الفرصة لي، لإبداء رأيي أمام مؤتمركم، متمنياً لكم النجاح، وتعزيز وتطوير العلاقة بين فرنسا والوطن العربي

وشكراً لك

 

 





الاربعاء ٨ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب خاص من باريس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة