شبكة ذي قار
عـاجـل










لتبرير ظاهرة السلوك العدواني وهمجية قوات الاحتلال البغيض، في تنفيذ المذابح والإبادات الجماعية، لجأ العقل السياسي الامريكي إلى سلسلة من الذرائع والاساطير؛ بوجود "متمردين" في هذه الدار أو ذاك البيت، أو تلك المنطقة، وكان إنزال الموت وحصد الارواح هو الاسلوب الوحيد الذي يجيده الجندي الهوليودي، الرصاص ينطلق في كل إتجاه، في القرى النائية وفي البادية كما في شوارع المدن، وهو الجواب المرضي الذي يشفي غليل القتلة.. البربرية بكل حرف ومعنى ودلالة فيها، تقدمت على كل ماعداها من السمات الشخصية للجندي الامريكي، تعبيرا عن إنعدام الحس الانساني والسقوط الاخلاقي، وقد قدم الغزاة عبر سنوات الاحتلال البغيض؛ سجلا هائلا من الادلة الفائقة الاجرام، والتي قد لاتجد لها نظيرا في تاريخ الحروب والاحتلالات، إستعادة لمجد حضارة الرجل الابيض، مكتشف البارود ومبتكر أسلحة الموت.. عبر عنها وطبق بنودها الوحشية جند الولايات المتحدة الذين حولوا العراق إلى جحيم مستعر، في حرب مفتوحة على كل حي من البشر والزرع والضرع، سواء بالقتل العشوائي والتصفيات الجسدية أم بالإذاء المتعمد والسلوك المهين للاسرى والمحتجزين تطبيقا لـ"نزع القفاز" المصطلح الرمزي؛ للتعذيب على طريقة الحملات الصليبية في العصر الوسيط، ومعناه إتباع كافة الوسائل القسرية أثناء إجراءات التحقيق مع الاسرى والمحتجزين، لإجبارهم على الإعتراف. وهو الاسلوب الذي مارسه الامريكيون في التعامل مع الاسرى العراقيين، الذين وقعوا في قبضة قوات الإحتلال.

 

ونزع القفاز ؛ من الالفاظ المتداولة في سجون ( المطار، أبي غريب، كوبر) وغيرها... وقد إعترف ريكاردو سانشيز قائد القوات الامريكية في العراق، بأنه أقر قواعد جديدة للإستجواب، تسمح بمعاملة أكثر خشونة للاسرى العراقيين، وقد جرى تغيير هذه القواعد ثلاث مرات، في أقل من ثلاثين يوما، وقد وافق الجنرال شافيز على أوضاع (الضغط) منتهكا إتفاقيات جنيف الاربع، ومتجاهلا في ذات الوقت؛ قواعد الحرب المزعومة للجيش الامريكي نفسه.

 

يقول جيسي ماكبيث الذي خدم في العراق ثمانية عشر شهرا بصفة جندي والذي أوردت اعترفاته شبكة الوليد الاعلامية بتاريخ 17 تموز 2011؛

 

(.. من الصعوبة البالغة عليّ التعامل مع هذا الشعور اللاإنساني، وخاصة بعد أن رجعت الى بلدي؛ إلا أن ذلك التفكير كان السبيل الوحيد لي في حينها لتنفيذ مهامي. أنا لم أقم بإحصاء كم قتلت منهم، لكن يمكنني القول بأنه وبيدي فقط من المحتمل كنت قد قضيت على 200 مائتي شخصا، تقريباً. ذلك تقدير أوّلي، وقضيت على الكثير منهم على مقربة،. عندما كنّا نهجم على البيوت، كانوا قريبون جداً منا، الى درجة أنهم كانوا يشعروا بحرارة بندقيتي على جباههم. لم أكن أطلق النار عليهم من تلك المسافة القريبة، بل كنت أتراجع قليلاً وأطلق النار عليهم. كان علينا أن نخيفهم أولاً، ولربّما نقوم بضربهم، أو برفسهم، أو بضرب الزوجة، أو حتى قيام بعض جنودنا بالتحرش بزوجاتهم من أجل إغاظتهم لكي يبوحوا لنا بشيء. كنا نهجم في الليلة الواحدة على بيوت متعدّدة، ونقتل حوالي 30 أو 40 شخصاً من النساء والأطفال في تلك الليلة.. أردت محاربة الجنود الآخرين. إلا أنني أجبرت على محاربة النساء والأطفال والناس الأبرياء والذين لا يعرفون كيف يحاربون. لقد أصبت بإحباط وخيبة أمل في بلادي حقاً، وفي حكومتي، لكنّي لم أقل أيّ شئ في حينها لأني كنت سأتعرض للسجن والمحاكمة العسكرية إذا تكلّمت أثناء وجودي في الخدمة الفعلية).

 

هذه ليست إلا عينة من عدد لايحصى من الشهادات والاعترافات..

وفيما يتعلق بسقوط الضحايا المدنيين ، فإن الناطق سواء  بإسم البيت الابيض أم المتحدث العسكري كلاهما يحاول أن  يتذاكى بصناعة الاضاليل، وإبتداع الروايات، وهما ينسبان معظم العمليات الارهابية التي تنفذها الفرقة الامريكية القذرة إلى (المتمردين) أو أعداء العملية السياسية على حد تعبيرهم.. وهو تشويه مقصود لمشروع المقاومة الوطنية، ومحاولة ساذجة للإساءة لمقاصدها النيبلة، والنيل من صمودها، ومحاولة إجراء غسيل لعقل المتلقي ، لتحويل إتجاهات الرأي العام من متابعة ومساندة الفعل الشعبي المقاوم، ومن حقائق الميدان العراقي، إلى أساطير السوبرمان الهوليودي، لعبة شبيهة بالكلمات المتقاطعة، الغاية منها؛ إحلال بدائل لغوية وعبارات مفارقة لمعانيها، لما جرى التعارف عليه، من الشهيد الى القتيل ومن العدوان الى التحرير، ومن الاحتلال الى الحرية.. كل ذلك يتم ويجري العمل به عن طريق اللغة الموازية، على اساس ان اللغة تشكل نمط حياتنا، وان تداعياتها في مرحلة الحرب لها آثار مذهلة، ولذلك يمكن إعتبار اللغة منظمة إرهابية، تصيب المدنيين، بقصد تحقيق مرامي سياسية، فيصبح كل البشر أهدافا مدنية تصيبهم اللغة بالخوف والفزع، طبقا لما تنتجه من آثار نفسية تفوق بكثير المعنى الاصلي للمصطلحات المستخدمة، والمشروع الامريكي الاساسي الكامن وراء إستخدام لغة سياسية معينة، هو التوصل الى إجماع، ودعم من جانب الشعوب لتلك السياسات، وفي حال إستخدام دولة ما المصطلحات المناسبة يمكنها عبر ذلك ان تقنع شعبها القيام بأبشع الجرائم، وقد شهد القرن العشرون عملية إنتاج متطورة للمصطلحات السياسية في الولايات المتحدة، وكيف تم إستخدام هذه الادوات اللغوية أو الاسلحة اللغوية لفبركة إجماع واسع النطاق للرأي العام في المجتمع، كمايتم تحويل وتطوير تلك الادوات اللغوية بشكل دائم حسب الحاجة وطبيعة الهدف.

 

ولا يمكننا في هذا الصدد أن نشير بالتفصيل الى كل التفسيرات العلمية للمصطلحات الامريكية ورصد مدى تأثيرها على شعب الولابات المتحدة، حيث يصل الحال الى إقناع قطاع واسع؛ بأن إدارة البيت الابيض تعمل من أجل السلام والحرية والديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان، في نفس الوقت الذي تواصل فيه تعبئة وتحريض الرأي العام لخوض الحرب تحت ذات الشعارات.

 

 





الثلاثاء ١٤ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور عبد الستار الراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة