شبكة ذي قار
عـاجـل










.. ولانَّ الثقافة العربية هي آخر حصن في الصمود برفضها التطبيع مع العدو الصهيوني العنصري، وتحظر التفاوض مع الغزاة والقتلة، فقد جرى شقها بثقافة السلام الزائف، وبمفاهيم المتغيرات الدولية، وبمدونات الليبرالية العربية التي تطالب "القومجية!!"، بالافاقة من الاحلام الوحدوية، والتخلي عن مشروع النهضة العربية، والتنازل عن عقيدة الوطن الواحد، لصالح الفيدراليات القروية والمذهبية والعرقية والدينية، وتحض منابرها الفضائية على التعايش مع معطيات القرن الامريكي الجديد، قرن مابعد الكرامة الوطنية، للإندماج السعيد في القرية الكونية، والانفتاح على عصر الشبكة العنكبوتية، التطبيع الحضاري العربي – الاسرائيلي، والعولمة الثقافية، الحرب العادلة.. والتعامل الواقعي مع حقائق "العراق الجديد" الاتحادي الفيدرالي الديمقراطي، والتعاون مع حكومات الإحتلال، والدخول في العملية السياسية، والكف عن الاعمال "الارهابية"!! ضد قوات الولايات المتحدة حاملة مشروع الحرية والديمقراطية، المدافعة عن حقوق الانسان في الشرق الاوسط الكبير!!!


هذا غيض من فيض الالغام اللغوية والايديولوجية التي يحاول العدو من خلال الكلمات والمفاهيم ترويج بضاعته الرخيصة في سوق الشعارات ونوادي الخطيئة الوطنية.


لذلك فإن هناك معركة أخرى تدور على جبهة الالفاظ والمدركات، يشن فيها العقل السياسي الامريكي، حرب المصطلحات والمفاهيم المعبرة عن مشروع الشرق الاوسط، وعن السلام وتطبيع العلاقات، وهذه الدعاوى بلا أدنى شك ليست أكثر من خارطة طريق إلى الجحيم الامريكي، سواء في عهد بوش أم عهد أوباما، كلاهما يؤمنان بأبدية إسرائيل، والرئيس اللاحق كما الرئيس السابق، يعتبر أمن تل أبيب وضمان تفوقها على العرب، مسؤولية أمريكية. ولعلنا ندرك الخطأ الذي وقع فيه الكثيرون الذين حاولوا أن يلبسوا الرئيس أوباما ثوب الوداعة والبراءة والتقوى والعدالة، عقب خطابه بجامعة القاهرة 4-6- 2010 وهو يعرض مصطلح (البداية الجديدة)، لإنهاء مصادر التوتر بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي (.. إن الولايات المتحدة ليست في حالة حرب مع الإسلام لكنها " لن تتوانى في التصدي لمتطرفي العنف الذين يشكلون تهديدا جسيما لأمن (الولايات المتحدة). إن المتطرفين الذين يمارسون العنف استغلوا التوترات بين الولايات المتحدة والمسلمين (التوترات التي ساهم في تغذيتها حسب قوله الاستعمار والحرب الباردة و"التغيير الكاسح" الذي رافقته الحداثة والعولمة. إن أعمالهم "غير متطابقة على الإطلاق مع كل من حقوق البشر وتقدم الأمم والإسلام ).


ما الذي تغير في السلوك الامريكي تجاه المسلمين والعرب ؟!
فلا حديثه عن المصالحة، ولا كلامياته عن فلسطين، تغير من واقع سياسة البيت الابيض شيئا، فالرئيس أوباما حين يحذف من القاموس الامريكي مصطلحات الجهاد والتطرف والارهاب، بمصطلح بديل هو " البداية الجديدة"، فإنه يدخر أسلحة أخرى من المفاهيم الموازية..


يذكر الباحث أبو محمّد العثماني ؛ بأن الشئ الذي ميّز السّياسة الخارجيّة الأمريكيّة منذ أن رسم خطوطها العريضة هنري كيسنجر. هو التّلاعب بالألفاظ، لتمويه مآربهم وإخفاء نواياهم، فقد قتلوا مليوني فيتنامي باسم "الحرب ضدّ الشيوعيّة"، وكذلك فعلوا في نيكارغوا أواسط الثمانينات باسم "الحريّة والدّيموقراطيّة". وسجلت الذاكرة العراقية مليون من شهدائها، ويجئ أوباما الذي أجرى تعديلا طفيفا على الخطاب الرئاسي لمّا أحسّ بثقل عبء ما وراء بوش، ولمّا علم أنّ لانهيار الإمبراطوريّات علامات بدأت تتراكم في أمريكا، استنجدت كعادتها بـ( خزّنات التّفكير)، وكان ممّن استعان به، تقرير أصدره مركز مكافحة الإرهاب في الرابع عشر من مارس 2008، عنوانه: (دليل لإعلام مكافحة الإرهاب) ونشره الخبير ستيفن إيمرسن ( الذي بلغت شهرته الآفاق لما نسب "للإرهاب الإسلامي" عمليّة تفجير مقر الأف.بي.آي بأوكلاهما سيتي يوم 19 نيسان - أبريل 1995 والذي نفذّه اليميني المتطرّف ثيموتي ماك، حمل هذا التّقرير مجموعة من التّوصيات تدعو إلى إعادة النّظر في محتوى الخطاب الرّسمي الأمريكي فيما يخصّ الحرب على الإرهاب، وذلك بمحاولة استبدال بعض المصطلحات التي أضرّت بصورة الولايات المتّحدة في العالم الإسلامي، وأهمّ هذه التّوصيات هي:


1ـ عدم ذكر الإسلام: حتّى وإن استغلّت القاعدة المشاعر الدّينيّة وحاولت الإستفادة منها لتبرير أفعالها، يجب علينا أن نعاملها (القاعدة) كتنظيم سياسي فاقد للشرعيّة، إرهابي وغير شرعي..."
2ـ تجنّب الحديث بصفة دائمة عن (الهويّة المسلمة): وتفادي وصف أي ّ شيء بـ"المسلم"، لأنّ هذا يدعم فكرة أنّ "الولايات المتّحدة تحارب الإسلام" التي ترفعها القاعدة. لنكن أكثر دقّة ولنقل (مصري، باكستاني) وأبلغ في الوصف بقولنا (شباب جنوب آسيا، قادة الرّأي العام العربي) كلّما أمكن ذلك..."


3ـ اهمل المصطلحات الغامضة والمنتقصة: فخطابنا موجّه لعامّة المسلمين ولا نريد التّصادم معهم، إذا فلا داعي لشتمهم ولزيادة اللّبس بعبارات مثل "الفاشيّة الإسلاميّة" التي يعتبرها أغلب المسلمين سبّا لهم..."
4ـ حاذر من استعمال كلمة (خلافة) لوصف أهداف القاعدة والجماعات المنتسبة إليها، لأنّ هذا المصطلح له وقع إيجابي لدى المسلمين، وأبلغ وصف لأهداف القاعدة الحقيقية هو "دولة عالميّة شموليّة".


5ـ تجنبّ استعمال مصطلحات مثل "جهادي" ومجاهد" عند التكلّم عن الإرهابيين، لأنّ مصطلح المجاهد (المحارب المقدّس) يعتبر مدحا في إطار حرب عادلة. معنى الجهاد في العربيّة هو "بذل الجهد في سبيل الله"، وهو مستعمل في سياقات أخرى غير الحرب، فتسميتنا لأعدائنا بالجهاديين والتحدّث عن جهاد عالمي، يضفي الشرعيّة، رغما عنّا، على أعمالهم."


بل وتطرّق التّقرير إلى تجنّب الجمل المنفيّة مثل "نحن لا نكره الإسلام"، لأنّ ما يبقى في ذهن السّامع هو" نحن ونكره". "


ولأنّ الإدارة الأمريكية تثق ثقة عمياء في مثل هذه التّقارير، راحت تطبّق تعليماته بحذافيرها.

فهاهي هيلاري كلينتون أوّل من بدأت بلعب دورها في هذه المسرحيّة التي يراد منها خداع المسلمين، إذ صرّحت الوزيرة؛ أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة ستتخلّى عن استعمال "الحرب العالميّة ضّد الإرهاب" في خطابها حول الحرب على الإسلام، ولمّا وجّه إليها سؤال عن سبب اتّخاذ هذا القرار، أجابت بأنّ هذا الأمر من البداهة، ولم تعط إجابات مقنعة. تابعتها بعد ذلك ميشال سيسون سفيرة أمريكا في لبنان، التي قالت في تصريح للنهار نت في الثّالث من نيسان – أبريل 2009 " أنّ الإدراة الجديدة ستستعمل عبارة "السّلام في الشّرق الأوسط بدل عبارة عمليّة السّلام".


في مقابل ذلك ثمة أسلوب دعائي جديد تتواصل فيه وسائل الإتصال الامريكية داخل الوطن العربي وخارجه، وهي تعمل بإتساق وتنظيم محكم عبر شبكة معقدة من الانشطة والفعاليات الإتصالية، يترجمها خطاب قلب الحقائق وتزوير التاريخ، لذلك كثر الحديث عن الديمقراطية والحريات، ومنظمات المجتمع المدني، والاصلاح، ولجان حقوق الانسان، والشفافية، في الوقت الذي لم تكف البنادق الامريكية من القنص والقتل، ولم تتوقف ماكنة الاحتلال الدموية عن إرتكاب المجازر، فيما تستمر شركاتها العاملة في النهب الاقتصادي، بتصدير ثقافة الاستهلاك والعنف وتدمير البيئة والإحتكارات الرأسمالية الكبرى، خاصة في مجال صناعة الادوية التي تؤدي الى قتل الملايين من البشر لعدم قدرتهم على دفع تكاليف مكافحة الاوبئة والامراض، الآتية من المختبرات الامريكية التي تديرها أو تشرف عليها وكالة المخابرات المركزية في تطبيق فاشي ووحشي لنظرية (مالتوس) لابادة الفائض من الشعوب والفقراء.

 

 





الخميس ١٦ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور عبد الستار الراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة