شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :-

منذ البدء كانت خيارات البعث الفكرية خيارات تاريخية لا نظرية، حيث شق طريقاً خاصاً للأجيال العربية غير منعزل وغير منغلق على الفكر الإنساني، ولم ينشأ ليضيف حزباً سياسياً الى بقيت الأحزاب التي سبقته بالنشأة ولا حتى ليضيف حزباً اشتراكياً الى بقية الأحزاب الاشتراكية، والتي كانت لها نظريات جاهزة تدّعي أنها تمتلك الحقيقة في تفسير الكون والمجتمع والحياة، حيث ناصبته العداء ويسخرون منه ويقولون: "دع هؤلاء الصبيان يلعبون".

 

إلا ان البعث لا يبالي من خصومه الإيديولوجيين الحاقدين واللائمين عليه منذ البداية ولا تثنيه عقبة، لان الله والتاريخ معه لأنه سلك طريقاً شعبياً مؤمننا، فقال مؤسسه رحمه الله "نحن في دور الممهدين فمهمتنا شق الطريق للجيل الجديد لا تعبيده، رفع الأشواك لا زرع الرياحين، غرس البذور الخالدة لا قطف الثمار اليانعة".

 

إما الأحزاب التي ظهرت معه أو قبله أو بعده، البعض منها اختفى وأصبح شيئاً من التاريخ لأنهم تخلوا من اللحظة الأولى عن قضايا الوطن والأمة والإنسانية بسبب تبعيتهم، الا ان البعث ولد من معاناة العروبة، وكان ينظر للأزمات والأخطار والتحديات ما هي الا تزيده إيمانا واستمساكا بمبادئ الأمة العربية الأصيلة فكانت فلسفته هي " ثقة الأمة العربية بنفسها واعتمادها على قواها". هذا هو سر بقاء البعث قوياً. ففكر البعث قوة تاريخية لا تقدر بثمن "ولدت من نظرة فكرية ممتزجة بمعاناة وجدانية, أرادت ان تجمع شيئين أساسيين هما: الأيمان والعقلانية".

 

أهمية الفكر:

لقد أعطى البعث أهمية كبرى للفكر باعتباره البوصلة الأمينة التي تدل الأجيال العربية على الطريق السليم من فرد لاخر ومن جيل لاخر لضمان سلامة ومستقبل الأمة والحفاظ على مبادئها وقيمها من الغزو الفكري المستغرب والمتصهين والعصبية والإقليمية والقطرية.

 

فاخطر شي في الحركة الثورية التاريخية هو "العقيدة" أي الأيمان، وأي إهمال لهذه العقيدة تُهمل القيادة والتنظيم، فأهمية المسألة الفكرية تتلخص: بالوعي والإيمان والمهمة التاريخية.

فحركة البعث حركة تأريخية تعمل لمئات السنين وتعتبر النضال هو الأصل والأساس, وبالتالي تخلصت من الصنمية والجمود العقائدي, ليس الأشخاص والقيادات هم يصبحون أصناماً فحسب، فقد تصبح الحركة صنماً إذا شاخت أفكارها وسلكت طريق المساومة بين الحق والباطل, وهذا شر ما يمكن ان تبتلى به الحركة التي تريد ان تبدع وتخلق.

 

وهنا نطرح الأسئلة التي تحتاج أجوبة محددة وواضحة وهي:

-       ما معنى الفكر وكيف يصبح قوة تاريخية؟

-       لماذا الأحزاب السياسية التقليدية التي ظهرت مع البعث الى النسيان أو اليمين والشمال؟

-       ما سر بقاء البعث قويا بالرغم من تعرضه لزلازل كثيرة من تشويه وتزوير وتضليل وشيطنة واجتثاث؟

 

معنى الفكر:

هو مجموعة العمليات الإنتاجية التي توفرها للفكرة للخروج من رسم الغيب الى عالم الولادة.

إما الفكرة : هي بذرة تنمو في ارض الفكر فيرعاها الفكر الى ان تصبح ثماراً ناضجة.

فكر البعث: هو سلسلة من الاكتشافات والانضاجات المبدعة لمنطلقات الفكر العربي الثوري في المرحلة التاريخية التي تلبي حاجات المرحلة من حياة الأمة, وتولد من معاناة فكرية عميقة وأصيلة, فالبعد الفكري هو الذي يميز الحركة التاريخية ويشكل رقيبا عليها. وبهذا ان"الفكر ليس بديلا للنضال بل هاديا ومرشدا له".

 

كيف يصبح الفكر تاريخيا؟

ان الحركة التاريخية "هي الحركة التي تستطيع ان تسيطر على الظروف من الناحية_الفكرية في مستوى القضية التي تحاول الحركة حملها, إما الشرط الثاني: شرط عملي يتعلق بالتنظيم, يجب ان يكون على نطاق عربي شامل ولا بد للحركة من نظرة أخلاقية, فالنظرة الأخلاقية للبعث العربي بشكلها الخاص تنحصر في الأمر الأتي: ما دام هذا النوع من العيش الكريم محرما على الأكثرية الساحقة من الشعب نتيجة للأوضاع الفاسدة, فان المؤمنين بحق الشعب لا يقبلون ان يشاركوا في عيش يعتبرونه الآن غير مشروع, ويرونه ظلما للشعب, لذلك فهم يفضلون عليه حياة المبدأ, فالنضال وقانون الحياة الذي لا هزل فيه"

 

حيث يميز المفكر العربي الكبير الدكتور الياس فرح الحركات التاريخية عن الحركات اللاتاريخية ويقول: "فان المسألة الفكرية في الحركات التاريخية تشكل معياراً لتمييزها عن الحركات السياسية التقليدية التي تحصر أهدافها في إطار ضيق وآني وعابر من الحاجات والمصالح لا تسكنه البصيرة التاريخية".

 

إذن حركة البعث هي من هذا النوع من الحركات التاريخية التي تشكل المسألة الفكرية فيها قاعدة انطلاقها ودليل عملها وأهداف مسيرتها الجهادية التي أنقذت الأجيال العربية الصاعدة من الضياع والاغتراب والعصبية والإقليمية والقطرية والأممية الشيوعية والاسلاموية ووضعها في صميم العمل التاريخي.

 

على ضوء هذا العرض المختصر الذي يعطي إجابة فكرية شافية, عندما اختار البعث فكره بمقاييس تاريخية لا نظرية, لأنه حركة نابعة من واقع الأمة العربية ومعاناتها النضالية ومنبثقة من رحم ألامه لأنها حركة أصيلة, ربطت الأصالة بالمعاصرة, حيث يقول طيب الذكر الرفيق المرحوم احمد حسن البكر لمجلة أفاق عربية بعددها الأول واخصها بالعبارة التالية: "انفتحوا على العالم من أول نقطة مضيئة في تاريخكم كونوا معاصرين شرط ان تكونوا أصيلين, لان المعاصرة لا تعني الانقطاع عن الجذور".

 

ما هو سر بقاء البعث قويا؟

ان سر بقاء البعث ثابتا على مبادئه بالرغم من تعرضه لزلازل كثيرة ومن تشويه وتزوير وتضليل وشيطنة واجتثاث وسرقت اسمه ورسمه لتمزيق وحدته التنظيمية والفكرية وهي اخطر التأمر مقارنة مع الأحزاب السياسية التي ظهرت معه وقبله وبعده, إما الى النسيان أو الى اليمين والشمال كما نرى اليوم في بلدنا وامتنا.

 

فيجيب الأمين العام للحزب بقوله: "انظروا الى مصير الحزب الشيوعي العراقي صاحب الباع الطويل في نضال شعبنا وامتنا على امتداد أكثر من سبعين عام وكيف تهاوى وانحدر وتدحرج الى أسفل السافلين من الخيانة والعمالة, لقد خان نفسه وتاريخه وتراثه ثم خان الشعب والوطن, ثم انظروا الى حاله حركة الأخوان بالعراق أولاً وفي بعض أقطار الأمة كيف تهاوت وتدحرجت".

 

أملنا كبير ان تتراجع هاتين الحركتين عن الانحرافات والانحدارات لأننا واثقون بان هناك رجال مناضلون صادقون ومؤمنون قادرون على تصحيح تلك الانحدارات والعودة الى خط البداية لمواجهة الامبريالية باعتبارها أعلى مراحل الرأسمالية.

 

كما أقول انظروا بتمعن الى الخارطة العربية في أحزابها الأخرى, ستجدون الوتد الأخير فظل البعث بعث الشهداء والمعتقلون والأسرى والمشردون في ديار الغربة  وما زال ينبض بالحياة من نواكشوط الى بغداد ومن لبنان العروبة والمقاومة حتى حضرموت " فانه وطن للحلم قبل ان يكون للحكم ودار للنضال قبل ان يكون للسلطة , وعرين للشهداء قبل ان يكون للغرباء , ونهر للعطاء والفداء والتضحية لا للكسب والنفوذ والامتيازات ". فهذا هو سر بقاء البعث لأنه ولد وهو يحمل سر قوته.

 

لان الهزات الكبرى في حياة الأمم والشعوب والأحزاب والحركات والأشخاص تكشف حقيقة الأصيل الأصيل, وان أكثر الناس تحملا للأذى في التاريخ هم حملة الرسالات... فالتاريخ يصنعه القادة التاريخيين الأفذاذ ولا يصنعه الحاقدون والأنانيون والنفعيون.

 

ما المطلوب من حزب الرسالة ؟

أولا:- ان يصمد أمام التحديات الكبرى وان يؤثر بوسطه ولا يتأثر فيه , وتصليب موقفه المبدئي أمام الافخاخ التي تنصب له من القوى التي تدعي لمساعدتنا لكي تضعنا في شباك الأعداء خسئوا وخسئت أساليبهم.

 

ثانياً:- "اعلموا ما نواجهه اليوم من ضغط هائل ومصاعب قاهرة وصراع دامي هو من استحقاق حزبنا وشعبنا وامتنا لتحقيق ما تصبوا إليه كشعب وأمة من انتصار تاريخي سيغير حياة الإنسان على هذا الكوكب بأذن الله, وهكذا على الدوام وعلى امتداد التاريخ شان المسيرة الرسالية لا متنا وشعبنا, كما يكبر الهدف ويعظم المطلوب وتزداد المصاعب وتشتد المواجهة وتكبر التضحيات وحسبنا من الأمر كله , ان النصر لنا حق ثابت في حكم الله وقضائه والخسران والخذلان لا عدائنا".

 

ثالثاً:- ان قدر البعث لا تغيير ولا تبديل بثوابته المبدئية ويعود الحزب بروح الحزب وعقيدته ويسمو بمبادئه وأهدافه لنحكم قواعده التنظيمية بكل عطاء فلسفته التنظيمية وقيمها وتقاليدها وتجديد حياته الداخلية حتى ترتقي الى مستوى المرحلة وتحدياتها.

 

رابعاً:- الحركة التاريخية عليها ان تلتصق بالآم وهموم الملايين من البشر ومعاناة الأمة، لان الجماهير هي الضمانة وهي صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير والثورة، ومن يستغني عن الأمة العربية كأنما يستغني عن رحمة الله عز وجل.

 

وعلى ضوء ما تقدم ان المسالة الفكرية للحركة التاريخية تشكل قاعدة انطلاقها ودليل عملها فالبعث بدء انطلاقة فكرة جديدة في الوطن العربي ومسيرته الثورية بدأت من حيث انتهت الحركات التي نشأت قبله بأنها انطلقت من وعي لازمة الأيدلوجيات التي عجزت عن استيعاب معنى النهضة المعاصرة ومن الشعور واضح بالفراغ التنظيمي والنضالي الذي بات يهدد  تلك الحركات ويكاد يلغي وجودها بالمقياس التاريخي.

 

وأخيرا وليس أخرا "ان فكرة الحزب هي من معدن هذه الأمة لا يسهل القضاء عليها، ليس من السهل ان تجتث وان تقتل".

 

 





الاثنين ٤ جمادي الثانية ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / نيســان / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب جابر خضر الغزي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة