شبكة ذي قار
عـاجـل










المدخل :

استعرضنا في حلقة سابقه، خط الحركة الإستراتيجية التركية والمشكلات، التي تعاني منها تركيا منذ ثلاثة عقود وعجزها عن إيجاد حلول واقعية، وليست مؤقتة ومشروطة بظروف تملي على الجيش التركي حرية الحركة على تخوم الحدود التركية جنوبا بما يحقق الأمن لهذه التحركات صوب منطقة الاحتقان في سوريا، في الوقت الذي تتقاطع هذه الحركة أو تعرقل خط التعامل الاستراتيجي التركي(Geo-Economic)، صوب منطقة الخليج العربي، فضلاً عن الانتباه حيال فراغ الأمن الذي أحدثه الاحتلال الأمريكي الإيراني الغاشم للعراق منذ عشر سنوات خلت، والذي قد ترى أنقرة إن هذا الفراغ لها فيه حصة لا يجب إهمالها، ولكنها تبقى (لقمة) عسيرة البلع وخاصة في شمال العراق.

 

شمال العراق ما يزال في مرمى دولة الشمال التركية، فهي ومنذ الاحتلال تقوم بتكريس مسألتين اثنتين، الأولى: بناء مرتكزات دويلة كردية في شمال العراق، والثانية: تنمية النفوذ التركي الرسمي من خلال تكثيف عمل الشركات التركية في شمال العراق، واحتواء واقع الحركة الكردية- التركية(PKK) ، ورصدها بصورة مباشرة وعن كثب .

 

أنقرة وطهران، بينهما اتفاق أمني مشترك حول مطاردة (إرهابيي) البلدين الخارجين عن القانون، وتبادل المعلومات بشأن تحركاتهم.. ومع ذلك فقد قدَمَ الجنرال الإيراني "قاسم سليماني" قائد فيلق القدس الإيراني عرضاً لنائب حزب العمال الكردي- التركي " مراد قرة يلان " في جبل قنديل، يقضي بتزويده بأسلحة ثقيلة ودعم لوجستي إيراني مقابل مواصلته الأنشطة المسلحة في تركيا - هذا ما كشفته صحيفة (ملليت) التركية ونفاه المسئولون الأتراك - ، ماذا يعني ذلك؟ يعني أن إيران لا ترغب في حل مشكلة الأكراد- الإيرانيين، لأن منهجها لا يؤمن إلا بالقومية الفارسية، فهي إقصائية كما هو حال العثمانية ، ومن الصعب الحديث عن ديمقراطية في ظل المطلق ولي الفقيه، كما أنها (إيران) تقاوم أي حل، ليس لأنه أحد خطوات تفكيك المنطقة، وإنما ترفضه فقط لأنه يمس أمنها الفارسي لا غير، فيما هي (إيران) ضالعة في توافقها الإستراتيجي مع أمريكا وكيانها المسخ في هذا التفكيك، الذي ترفضه شعوب المنطقة قاطبة وبصورة مؤكده.

 

هنالك تساؤلات مشروعة :

أولاً- إذا كانت نية "أردوغان" سليمة في حل صراع دام أكثر من ثلاثة عقود، فلماذا ترحيل مقاتلي حزب العمال الكردي- التركي إلى شمال العراق من اجل التوطين ؟ ، لماذا لا ينزع سلاحهم وهم بين أهلهم وذويهم وأقربائهم، وعددهم يربو على (2500) كردي- تركي مسلح ؟!

 

ثانياً- لماذا يفكر "أردوغان" في البحث عن دول تقبل استقبال قادة حزب العمال للعيش فيها، إذا كانت تركيا مقبلة فعلاُ على إصلاحات قانونية ودستورية وتطبيع الحياة المدنية السياسية المتعلقة بلم شمل الأسر الكردية- التركية ؟!

 

ثالثاً- هل يدرك "أردوغان" ، أن حل المسألة ليس في مقاتلي حزب العمال الكردي- التركي فقط، إنما في الكتلة السكانية الكردية- التركية في الأنضول، التي تبلغ قرابة خمسة عشر مليوناً؟، وهل يعتقد بأنه مجرد نزع سلاح (2500) متمرد كردي- تركي وتوطينهم في خارج بلدهم سيحل المسألة ؟ ، وهل يعتقد أيضاً بأن حل المسألة يكمن في تحييد قيادات أو إبعادها عن ساحاتها ؟، لأن طبيعة مثل هذا التفكير سيخلق قيادات أخرى كردية- تركية في الأنضول تواصل مهامها هناك.!

 

دولة التجمع الكردية ..

كانت الصهيونية العالمية قد دعت إلى هجرات يهودية منظمة إلى أرض الميعاد.. وجاءت مجاميع وأقوام، لا يربطهم رابط، لا قومي ولا ثقافي ولا حضاري، إنما فقط رابط ديني، جاءوا من كل فج عميق إلى أرض فلسطين، حيث يتجمع يهود الشتات.. فهل أن خلق دويلة التجمع الكردي في شمال العراق يأخذ الأسلوب الصهيوني ذاته، حيث قيادات الأكراد وليس شعبنا الكردي، تستقبل أكراد تركيا ثم أكراد إيران ثم الأكراد القاطنين في كل مكان كمقيمين ولاجئين؟!

 

أكراد سوريا، الذين اعترف النظام السوري متأخراً ببعض حقوقهم وهويتهم، في ظل أوضاعه الكارثية، وظفهم النظام بالضد من الأتراك وأثار التصادم حفيظة الأكراد في الأنضول.. هذا الفعل هو في حقيقته ليس حلاً قومياً وإنسانياً، كما أقدمت عليه القيادة الوطنية في العراق حين أعلنت بيان آذار التاريخي بشأن المسألة الكردية، إنما هو ورقة على طاولة السياسة.

 

تركيا عالجت الورقة الكردية في ظل أوضاعها بأسلوب تهدئتها ونزع فتيلها، اعتقاداً من "أردوغان" بأن الحل التركي يضرب عصفورين بحجر (نزع سلاح الحزب الكردي- التركي(PKK)  ، وتجميعهم في جبل قنديل، وشق وحدة الأكراد- السوريين وترجيح خيار التدخل البرزاني المباشر في ذلك ، ثم العمل على تجميع عائلات الأكراد - السوريين في أربيل ) . إذن ، مبدأ التجميع (الترانزفير) كما يسمى ، هو أداة التوطين في أراضي ليست وطنهم .

 

العراق – ولا أعني حكومته العميلة – إنما الجغرافيا والشعب العراقي بكل مكوناته الدينية والمذهبية والقومية لا يسكت على أي تصرف من شأنه أن يمزق وحدة ترابه الوطني ويفكك نسيجه الاجتماعي، بأي أسلوب وبأي مسميات تأتي بها مطابخ الغرب الصهيونية، فيدرالية أو أقاليم أو كونفيدرالية، فهي كلها مشاريع تقسيم وتفتيت للأرض والشعب .. وسيتحمل من يرفع شعار أو يعلن هذه المسميات المغرضة، المسئولية القانونية والاجتماعية والتاريخية، ليس ذلك فحسب، إنما سيتم وضعه في دائرة الخيانة العظمى للشعب والوطن.  

 

الحكم الوطني في عراق ما قبل الاحتلال، هو الوحيد الذي أنصف الأخوة الأكراد، وهو بهذا الإنصاف انفرد عن بقية دول الجوار، ولكن هل أنصف الأخوة الأكراد هذا الموقف الذي أنصفو فيه .. لأن هناك حكم التاريخ وحكم الشعب ؟!

 

 





الثلاثاء ٢٦ جمادي الثانية ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / أيــار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة