شبكة ذي قار
عـاجـل










 

ملاحظات قليلة محددة عسى أن تضع المفردات التي يطرحها البعض، في سياقاتها، وخاصة الوضع في أفغانستان إبان غزو الجيوش السوفياتية من جهة، وطبيعة إستراتيجية الصراع الأمريكي السوفياتي من جهة ثانية.. هذه الإستراتيجية، التي كانت فعالة على ذلك المسرح المهم والخطير، وهي تحدد المجال الحيوي للإتحاد السوفياتي السابق، وفيما إذا بات يقترب من أبار النفط في الخليج العربي وبُعْدِهِ المياه الدافئة، في ضوء واقع الصراع ونتائجه وتداعياته :

 

1-  مراكز الأبحاث الإستراتيجية، ينبغي أن لا نحسبها تكشف المستور دائماً وتربك خطط الدولة الأمريكية المؤسسية، على الرغم من استقلاليتها .!!

 

2-  كما أن ما حدث في إيران عام 1979 لم يكن زلزالاً، بهذا التضخيم، لأن الشارع الإيراني كان يغلي، وعلامات اندلاع أبخرة هذا (الغليان) كانت تتصاعد ويمكن رؤيتها بالعين المجردة وثورة الشارع الإيراني كانت تأخذ مداها بعد أن حيدت بريطانيا جنرالات الشاه.

 

3-  عناصر المخابرات البريطانية على وجه الخصوص والأمريكية كانت تراقب وتعمل على منع وصول أي قوة يسارية إيرانية إلى رأس السلطة.. خشية منها من التمدد السوفياتي من الشمال إلى إيران.. وما عليها وعلى صاحب القرار الأمريكي، وبمشورة بريطانية إلا أن يختار المؤسسة الدينية الإيرانية لكي تسرق زخم الشارع الإيراني باتجاه يمنع السوفيات من أن يكون لهم موضع قدم إستراتيجية في إيران، في الوقت الذي بات طريق البشتون مفتوحاً صوب مياه الخليج، حيث أبار النفط .

 

4-  في هذه الظروف، الجيوش السوفياتية في أفغانستان.. وهذا يعني استشعار القلق الأمريكي من أن تمسي إيران في قبضة موسكو كما هي أفغانستان .. وكنقلة إستراتيجية مضادة لا بد من تغيير الشاه.. وصعود بديل غير يساري ولا يمثل مصالح الشعوب الإيرانية، وهي المؤسسة المذهبية الطائفي في قم ، التي لم تكن غائبة عن صفحات التخطيط الإستراتيجي الأمريكي، منذ أن كان مستشار الأمن القومي الأمريكي في ولآية جيمي كارتر (زبيغنيو بريجنسكي) صاحب نظرية صعود الأصول العرقية والمذهبية، وضرورة، ليس تطويق الإتحاد السوفياتي، إنما تفجيره من الداخل عن طريق إشعال الصراعات المذهبية والإثنية في بطنه الرخو الجنوبي الذي يقطنه أكثر من خمسين مليون مسلم .

 

هذا المدخل ضروري لمعرفة شكل الصراع ومحدداته وتقابلاته الإستراتيجية بين واشنطن وموسكو.. فضلاً عن ضمان التعاون في الكثير من المفاصل المهمة في السياسة الدولية حول العالم .. كالتعاون في مجال التجارة والفضاء الخارجي، وعدم الانتشار النووي، وتقييد تعاطي المواد الانشطارية  وتداولها ومقيدات استخدام التجارب الذرية ومنع انتشارها، ومسائل البيئة وأثارها وكوارثها، فيما تقع حرية الحركة الإستراتيجية ذات الطابع العسكري في الانتشار غير الهجومي أحد أهم التوافقات أو التفاهمات الحاصلة بين العاصمتين ومنها على وجه التحديد  المناورات العسكرية المشتركة في بقاع محددة من العالم.. أما مبيعات السلاح فلها مدخل آخر لسنا بصدد الحديث عنها حالياً .

 

لماذا تخلت موسكو عن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر .. ولماذا تخلت عن الرئيس الراحل الشهيد صدام حسين ، حيث ألغت معاهدة الدفاع المشترك بداية العدوان الأطلسي الصهيوني على العراق عام 1991(( هذا التاريخ سبق تصدع جدران الإتحاد السوفياتي، التي بدأت في نهاية عام 1989، وهو تاريخ لم يكن موفقاً من الناحية الإستراتيجية لحركة الجيش العراقي إلى الكويت في آب عام 1990)) .. ولماذا تخلت موسكو عن العقيد الراحل معمر القذافي، وتركت الـ(ناتو) يدمر كل عناصر القوة في ليبيا وقبلها العراق ؟! ، ولكن موسكو الراهنة لم تتخل عن نظام الأسد في دمشق على الرغم من دمويته وتسلطه على رقاب الشعب السوري.. لماذا ؟  :

 

أولاً- هل أن نظام الأسد قد منحها إطلالة إستراتيجية على البحر الأبيض المتوسط، بعد أن خسرتها في عدن ؟ وهي المياه الدافئة، التي كان يحلم فيها القيصر ومن بعده زعماء الـ(كرملين) ؟ وهل أن نظام الأسد، القريب إستراتيجياً من إيران، التي تحادد، روسيا الاتحادية على أساسين، أحدهما (Geo-Economic) والآخر  (Geo- Strategic)؟!

 

ما هو الهدف الحقيقي من وقفة موسكو القوية خلف نظام الأسد، إلى درجة تحريك الأساطيل الحربية ومنها النووية، وإجراء مناورات واسعة غير مسبوقة، وإمدادات السلاح والصواريخ النوعية ؟

 

ثانياً- هل الأمر يتعلق بنهوض روسيا وريث الإتحاد السوفياتي وتطلعها إلى مواقع نفوذها القديمة في منطقة الشرق الأوسط ، وخاصة بعد الفيتو الروسي حيال قضية سوريا ؟

 

ثالثاً- لماذا تناصر موسكو (بعض) أنظمة ولا تناصر شعوباً هي الأساس في تقرير سياسات بلدانها مهما طال الزمن ؟ ثم لماذا تلجأ موسكو إلى سياسة المحاور.. وهل هذه سياسة ذات طابع إستراتيجي أم هي مجرد خط دفاعي جيو- إستراتيجي ؟ وهل أن هذه السياسة تتوزع على أكثر من خط تحالف ذو تنظيم إقليمي كمنظمة (شنغهاي) ومنظمة (بريكس) .. ولكن ما هو مغزى محور موسكو طهران دمشق ؟!

 

رابعاً- هل أن نظام دمشق امتداد لطهران صوب البحر الأبيض المتوسط عبر سقوط العراق في قبضة إيران ليشكل مجالاً إستراتيجياً لموسكو ؟ ما الذي يخيف موسكو ؟ ، نحن الآن دخلنا في فلسفة خوف دولة لها أسنان نووية .. وهل تنفع إذا ما اشتعلت النيران في داخلها ؟!

 

هذه التساؤلات تجرنا نحو الداخل الروسي الذي هو إرث الاتحاد السوفياتي القائم على مكونات إثنية ومذهبية رسم معالم تمزيقها " زبيغنيو بريجنسكي" مستشار جيمي كارتر لشؤون الأمن القومي، حين أطلع العالم على نظريته الشهيرة "الضرب في أسفل الجدار" والتي يعتمد في تفصيلاتها على الواقع الإثني والمذهبي وخاصة المكون الإسلامي وكثافته الهائلة التي قدرت آنذاك بنحو (50) مليون مسلم يعيشون في ما يسمى البطن الرخو للإتحاد السوفياتي .

 

موسكو، ربما تخشى انفجار هذا البطن، لأن إستراتيجية الخصم الأمريكي تقوم على تفجير العرقيات والمذهبيات حيثما تكون .. ولما كانت أمريكا والكيان الصهيوني قد استخدما إيران بأداتها الطائفية في تنفيذ مخططاتهما في المنطقة منذ عام 1979 وظهور المؤسسة الدينية الإيرانية والدفع بطموحاتها ضد العراق والمنطقة، فأن مسألة اقتراب موسكو من طهران إستراتيجياً قد يشكل نقلة لما فقدته الجيوش السوفياتية من مواقع نفوذ لها في أفغانستان، حيث الانسحاب العسكري الروسي مصحوباً بالهزيمة على يدي المقاومة الأفغانية.!!

 

خامساً- دعم موسكو لنظام دمشق هو دعم لسياسة طهران حيال العراق والمنطقة، على الرغم من أن موسكو تدرك أن مصالحها في المنطقة العربية ستتضرر، لا بل تضررت فعلاً وانكمشت، ومع ذلك فهي إلى جانب نظام دمشق وليس إلى جانب الدولة السورية، فيما هي في مقترب دقيق بين نظام الملالي- أقصى اليمين المتخلف في الفكر والعقيدة- وكيان دولة على تخوم مجالها الحيوي .!!

 

سادساً- موسكو تعلم أن طهران تمارس أسلوب تصدير ثورتها الطائفية منذ مجيء خميني إلى رأس السلطة في إيران عام 1979، وتعلم أن نظام طهران نسخة جديد تم نبشها من عمق كهوف تاريخ الدولة الصفوية الدموية ، وتعلم أيضاً أن إيران تتدخل في عموم المنطقة ومناطق أخرى من العالم، وتعلم أن طهران لا تتردد في إشعال المنطقة بحرب طائفية تريدها (إسرائيل) ، وتعلم أن سياسة طهران عدوانية توسعية .. فلماذا تلتزم موسكو الصمت حيال سلوك التدخل الإيراني، الذي يتقاطع مع القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، التي تتمسك بها موسكو في أطروحاتها في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة والمحافل الدولية ؟! ولماذا تلتزم أمريكا الصمت إزاء التدخل العسكري الإيراني السافر في سوريا .. لماذا تسكت أمريكا على تدخل مليشيات حزب الله اللبناني وانتشار مقاتليه علانية في سوريا .. ولماذا الصمت الأمريكي على تدفق مليشيات الأحزاب الطائفية من العراق إلى سوريا .. ولماذا الصمت الأمريكي الفاضح حيال وجود المستشارين العسكريين الإيرانيين والحرس الثوري الإيراني في سوريا ؟!

 

سابعاً- ماذا ترتب أمريكا للمنطقة برمتها ؟

سبق وألمحت في مقال سابق ألمحت إلى أن في الأفق ملامح إنشاء نظام للأمن الإقليمي على أنقاض نظام الأمن القومي العربي، تلعب فيه إيران وتركيا دوراً فاعلاً بقيادة أمريكا وخلفها الكيان الصهيوني.. والأسئلة المثارة أنفاً ، هي في حقيقتها تفسيراً لتلك التلميحات، التي تدخل تحت خيمة التفاهمات بين كل من واشنطن وموسكو، بأن تتبع الأولى سياسة (لا غالب ولا مغلوب)، فيما تتبع الثانية سياسة إسناد الحركة الإيرانية ريثما يتم ترتيب مسرح العمليات وتنضج ظروف الإعلان عن الخرائط الجديدة، الواحدة تلوي الأخرى ..!!

 

http://www.albasrah.net/pages/mod.php?mod=art&lapage=../ar_articles_2011/0611/abahakm_210611.htm

 

ثامناً- إن اتساع التدخل الإيراني في صيغة خبراء عسكريين وحرس ثوري ودعم بالسلاح والعتاد والمعلومات الإستخبارارية .. وتدخل قوات حزب الله بزخم كبير وعلني مكشوف ..وتدفق مليشيات قادمة من العراق ، لدعم قوات النظام في دمشق .. التدخل العسكري الإيراني السافر هذا قد جعل موسكو تسحب قواتها العسكرية المرابطة في القاعدة (طرطوس)، وسحب كافة المدنيين الروس الذين يعملون لأغراض لوجستية / المصدر.. صحيفة "فيدروموستي" نقلاً عن وزارة الدفاع الروسية , فيما صرح "ميخائيل بوغدانوف" نائب وزير الخارجية الروسي" إن طرطوس لا توجد لها قيمة إستراتيجية " ، بينما يشير تصريح وزير الخارجية القبرصي إلى "أن القوات الجوية الروسية سوف تكون قادرة على استخدام المطار في " بافوس " ،، ولا يعني ذلك حسب رأي وزارة الدفاع الروسية إنشاء قاعدة عسكرية في قبرص.!!

 

ماذا يعني ذلك ؟! :

يعني ، أن خيار موسكو ميناء ( ليماسول ) القبرصي بدلاً من ميناء ( طرطوس ) .. كما يعني انسحاب روسيا العسكري والمدني هو إخلاء الساحة بصورة كاملة للتدخل العسكري الإيراني، لكي يطبق على الساحة السورية وينقذ النظام السوري أو يؤخر سقوطه .. وقد تعلن إيران أنها حررت سوريا ولها فيها مكاسب ونفوذ.

 

المشكل ، أن الأنظمة العربية ما تزال تلهث وراء حلول البيت الأبيض، ولا تدرك بأن لا حلول لديه غير فرض سياسة الأمر الواقع، كما ليس لدى الكرملين أي حلول سوى الامتثال لهذه السياسة، لأن مصالح الدولتين العظميين هي هكذا ، لا تهمهم مصالح العرب .. وهذا الشيء الوحيد الذي لا تفهمه الأنظمة العربية .. فبدون موقف عربي موحد قوي ورافض لهذه السياسات المخادعة .. سيأتي الطوفان .!!

 

تمــــــــــــــــت ..

 

 





الجمعة ١٩ شعبــان ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / حـزيران / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة