شبكة ذي قار
عـاجـل










مقدمة :

تتواصل الثورة السلمية التي تشهدها العديد من محافظات العراق، في الوقت الذي يعبئ أصحاب القرار، والإعلام الرسمي، كافة طاقاتهم وجهودهم لتأجيج حمى الطائفية؛ لوأد هذه الثورة، وتشويه وجهها الجميل، تارة بوصمها بـ الطائفية، وتارة باحتكارهم التمثيل السياسي لطائفة ما، لكن لسوء حظهم أن الطائفية السياسية نبتة غريبة، لا تنمو في العراق، وبلاد العرب والمسلمين.

 

والحق أن سمة العهد القائم في العراق هي أنه عهد احتلالي، نسبة إلى الاحتلال الأمريكي والإيراني، ومغالطة كبرى أن يقال عنه: إنه عهد شيعي، لكن مغالطة المغالطات أن يقال: إن هذا العهد مرفوض لأنه شيعي؛ وذلك لأن نظرة أمتنا، ونخبها، وعلى رأسها حملة العلم والفكر السوي، إلى أي عهد أو حاكم إنما تنطلق من منطلقين هما :

 

-الانتماء.

- والعطاء.

 

أي الانتماء إلى هذه الأمة، وتقديم العطاء لها؛ وعلى هذا الأساس رفضوا هذا العهد في العراق؛ لأن ولاءه لأعداء الأمة، لا لها، وهو لم يقدم لها شيئا، سوى الدماء والخراب، ونحن ها هنا سنستعين بالتراث العلمي والفكري، العربي- الإسلامي، لنثبت أن الطائفية ظاهرة جديدة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، لا حسب لها فيها ولا نسب؛ ولهذا فإن هذه العجالة حملت عنوان : ( لا مكان للطائفية في العقل الجمعي للأمة : نظرات دينية- تاريخية- اجتماعية ) .

 

وتضم العجالة تمهيدا وخمسة محاور، كما يأتي:

تمهيد- المراد بالعقل الجمعي.

المحور الأول- نظرة الأمة ونخبها إلى الدولة الحمدانية، الشيعية المذهب.

المحور الثاني- نظرة الأمة ونخبها إلى خلفاء اعتنقوا مذهب المعتزلة.

المحور الثالث: نظرة الأمة ونخبها إلى علماء ومبدعين من مذاهب معينة.

المحور الرابع- تقييم العالم الحنبلي ابن تيمية للطوائف الأخرى.

المحور الخامس- نظرة الأمة ونخبها إلى العهد الاحتلالي الحالي في العراق.

 

وسنتوسع بعض الشيء في المحور الأول، المكرس لانجازات ومكاسب دولة بني حمدان الشيعية، وكيف استطاعت بذلك أن تسكن في وجدان وضمير أمتها ونخبها، أما المحاور الأخرى فستكون لنا إلمامة سريعة، لكنها مركزة، في كل منها، ونتيجة النتائج التي خلصت إليها هذه العجالة، هي أن الطائفية مستوردة، بل مصدَّرة إلينا من الخارج.

 

نتمنى أن تكون هذه الصفحات إطفائية من الاطفائيات، التي تستعمل لإخماد نيران الفتنة، وحلقات العنف المفرغة، بين أبناء الشعب الواحد، والأمة الواحدة، والله مطلع على النيات.

 

تمهيد - المراد بالعقل الجمعي :

يعتبر القرآن المجتمع الواحد نفسا واحدة، في آيات كثيرة، منها قوله –تعالى- : {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ } [التوبة: 128] ، واعتبرته السنة النبوية بدنا واحدا، كما في حديث: "مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى" .

 

وفي رواية: "المؤمنون كرجل واحد، إِن اشتكى عينُهُ اشتكى كُلُّه، وإِن اشتكى رأسُهُ اشتكى كُلُّه" .

 

والمراد بالعقل الجمعي: عقل المجتمع كمجموع، فكل ما يُجْمِع عليه المجتمع، أو يقول به أكثره فهو العقل الجمعي له، ومن الطبيعي أن يوجد شذوذ من أفراد وجماعات، هنا وهناك، لكن لا عبرة لهذا الشذوذ، والقرآن يقول: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء: 115] ، وسبيل المؤمنين هو طريقهم، والآية تتوعد كل من يسلك طريقا غير الطريق الذي سلكه مجتمع المؤمنين. ومن هنا عرفنا أن الإجماع في الإسلام، يأتي بعد القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

 

ودلت الأحاديث النبوية على ذلك أيضا، مثل حديث "لَا تَجْتَمِعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ" ، و حديث: "مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ سَيِّئٌ" ، وحديث: "يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَمن شَذَّ شَذَّ إلى النار" ، وحديث: "عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَم" .

 

والطائفية لا اعتبار لها في التقييم، ولا أثر لها في الحكم لفرد أو جماعة، أو الحكم على فرد أو جماعة، ولا حيز لها في العقل الجمعي لمجتمعاتنا العربية والإسلامية، وهو ما سنبينه في هذه العجالة.

 

المحور الأول - نظرة الأمة ونخبها إلى الدولة الحمدانية، الشيعية المذهب :

قامت الدولة الحمدانية ( 317- 394هـ، 929- 1003م ) في الموصل وحلب، وهي دولة عربية- إسلامية عظيمة، كانت تتعبد بمذهب الشيعة، ونظرة الأمة ونخبها إلى هذه الدولة الشيعية المذهب، هي نظرة الإعجاب والمباهاة بها، لما عرف عنها من صدق الشعور بالانتماء، وعظم العطاء.

 

ينتسب الحمدانيون إلى "حمدان بن حمدون" من قبيلة تغلب العربية، من ربيعة، وكانوا يمثلون القوة التي تلجأ إليها الخلافة إذا ضاقت بها الأحوال في بغداد.

 

جهادية الحمدانيين :

امتازت الدولة الحمدانية، وخصوصا في عهد سيف الدولة ( 333 - 356هـ ) بكثرة حروبها مع البيزنطيين، حتى قيل: إنه غزا بلادهم المجاورة لبلاده أربعين غزوة، انتصر في بعضها وحلَّت به الهزيمة في بعض آخر، وكانت بعض البلاد الإسلامية مسرحًا للحروب التي دارت بين الحمدانيين والروم في ذلك العصر.

 

وكان جهاد الحمدانيين ضد الروم من أبرز الأعمال التي خلدت ذكرى هذه الدولة، وكان ممن خلدوا ذكر الحمدانيين وجهاديتهم: أبو الطيب المتنبي، وأبو فراس الحمداني، ابن عم سيف الدولة، الذي أسره الروم خلال إحدى المعارك.

 

فقارن بينهم وبين حكام العراق تحت مظلة الغزاة، الذين كفروا بالجهاد، وسموه ( إرهابا ) ، وحاربوا المجاهدين بضراوة، ونعتوهم بـ الإرهابيين، وهم أقبح وأخبث من مارس ( إرهاب الدولة ) ، و ( الإرهاب الفكري ) .

 

اهتمام الحمدانيين بالجوانب الحضارية والعمرانية :

على الرغم من الطابع العسكري والحربي لدولة الحمدانيين بصفة عامة، وإمارة سيف الدولة على نحو خاص؛ فإن ذلك لم يصرف الأمير سيف الدولة عن الاهتمام بالجوانب الحضارية والعمرانية، فقد شيَّد سيف الدولة المساجد والقصور والأسواق والأبنية، التي تتميز بروعة بنائها وفخامتها وجمال نقوشها وزخارفها، وكانت آية من آيات الفن المعماري البديع، واهتم ببناء الحصون المنيعة والقلاع القوية.

 

فقارن بينهم وبين حكام العراق تحت مظلة الغزاة، الذين هدموا ولم يبنوا، وخربوا ولم يعمروا، واخذوا ولم يعطوا، وتحت أيديهم من المال العراقي ما يستطيعون به إعادة بناء العراق.. ثم إعادة بناء العراق.. ثم إعادة بناء العراق.. بحيث يبلغ دخل الفرد فيه أعلى المعدلات، ولا يبقى فيه فقير واحد، لكنهم وضعوا هذا المال كله في جيوبهم، وصار لديهم { مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص: 76] ، فكلٌ منهم قارون!!

 

التنمية في عهد الحمدانيين :

شهدت الحياة الاقتصادية ازدهارًا ملحوظًا في العديد من المجالات؛ كالمزروعات و الصناعات المختلفة، و نشطت التجارة، وظهرت العديد من المراكز التجارية المهمَّة في حلب والموصل والرَّقَّة وحرَّان وغيرها.

 

فقارن بينهم وبين حكام العراق تحت مظلة الغزاة، الذين حولوا العراق إلى دولة مستهلكة، غير منتجة، وسوق للبضائع الإيرانية، حتى شكت الفواكه والخضراوات العراقية، وهي الأجود، من غزو الفواكه والخضراوات الإيرانية، وهي الأردأ، فهي لم تنافسها، وإنما أزاحتها بالكلية.

 

الرقي الفكري في أيام الحمدانيين :

شهدت الحياة الفكرية والثقافية نهضة كبيرة، ونشاطًا ملحوظًا في ظلِّ الحمدانيين؛ فظهر الكثير من العلماء والأطباء والفقهاء والفلاسفة والأدباء والشعراء، وقد أرسى سيف الدولة الحمداني دعائم دولته في حلب؛ فاستقطب بلاطه مشاهير العلماء والأدباء والشعراء، أمثال المتنبي وأبي الفتح عثمان النحوي، وقد أجزل سيف الدولة العطاء للشعراء بسبب محبته للشعر وإجادته نظمه، وبادله الشعراء شعرًا حسنًا، وفنًّا جيدًا، كما اشتُهِر جماعة من أهل بيته في نظم الشعر كابن عمِّه أبي فراس الحمداني.

 

وقد ذكر الثعالبي أن مدائح الشعراء لسيف الدولة تجاوزت عشرة آلاف بيت.

هذا وقد اجتمع في بلاط سيف الدولة أشهر اللغويين والنحويين في زمانه مثل أبي علي الفارسي، وابن خالويه، وابن جني، فضلاً عن الفيلسوف الكبير الفارابي الذي كتب في الطب والمنطق والسياسة والرياضة والكيمياء والموسيقى. أمَّا الطبيب عيسى بن الرقي، فقد قال عنه ابن أبي أصيبعة في كتابه ( طبقات الأطباء ) : "إن سيف الدولة كان يعطي عطاء لكل عمل، وكان عيسى الرَّقِّي يأخذ أربعة أرزاق: رزقًا بسبب الطب، ورزقًا بسبب ترجمة الكتب من السرياني إلى العربي، ورزقين بسبب علمين آخرين" .

 

فقارن بينهم وبين حكام العراق تحت مظلة الغزاة، الذين ضيعوا العلماء، بل قتَّلوهم وهجَّروهم إلى دول العالم، وعجزوا عن نظم قصيدة واحدة تكون ( نشيدا وطنيا ) للدولة في عهدهم!!

 

لقد حكم الحمدانيون حلب والموصل كدولة عربية- إسلامية، اعتمدت على قوة ساعدها، وبنت أمرها على الحرب والجهاد، وسارت سيرة محمودة، واعتمدت بصفة خاصة على تشجيع العلم والثقافة وعلى العناية بالعمران؛ ولهذا فهي في نظر العرب والمسلمين من كافة المذاهب تاج الفخار، والألسن تلهج بحمدها، والجميع من العلماء وعامة الناس يدعون إلى الاقتداء بها.

 

المحور الثاني - نظرة الأمة ونخبها إلى خلفاء اعتنقوا مذهب المعتزلة :

من الخلفاء خلفاء عظام، لم يكونوا يعتنقون مذاهب عموم الأمة في زمانهم، كالمأمون والمعتصم والواثق، فإنهم قد انتسبوا إلى مذهب المعتزلة، وهو اتجاه عقلي كان له نشاط واسع، وأتباع في العهدين الأموي والعباسي، لكن تاريخنا يضع المأمون والمعتصم والواثق في مكان الصدارة، وهم قد تولوا الخلافة في زمن أئمة المذاهب الأربعة والخمسة وغيرها، لكن أحدا لم يفتي بعدم شرعية خلافتهم، وبالخروج عليهم، واستبدالهم.

 

وقد أشاد أفاضل الفقهاء والمفسرين والمحدثين والمؤرخين بهؤلاء الخلفاء، ومنهم : العالم الحنبلي الكبير، الحافظ الذهبي - رحمه الله - ففي كتابه القيم : ( سير أعلام النبلاء ) ، يذكر أن المأمون كان شيعي المذهب، ويقول عنه: "وكان من رجال بني العباس حزماً، وعزماً، ورأياً، وعقلاً، وهيبة، وحلماً، ومحاسنه كثيرة في الجملة" ، وذكر علمه وفصاحته فقال: "كان المأمون عالما فصيحا مفوها ..." ، وذكر عبادته وتقواه فقال : "وعن المأمون أنه تلا في رمضان ثلاثا وثلاثين ختمة" ، وذكر كرمه فقال: "وكان جواد ممدحا معطاء" .

 

وكان الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله - يرفض بشدة محاولات السلطة فرض الاعتقاد بأن القرآن مخلوق، بالقوة لا بالإقناع، لكنه كان ملتزما بحدود النص الإسلامي، في أدب العلاقة مع السلطة التي هي رمز الأمة، فقد كان يتعرض للتعذيب والتضييق والاضطهاد الفكري من قبل السلطة، إلا انه ظل يخاطب المعتصم بـ ( أمير المؤمنين ) ، وورد عنه الثناء على المعتصم والواثق، والدعاء لهما في صلاته.

 

المحور الثالث : نظرة الأمة ونخبها إلى علماء ومبدعين من مذاهب معينة :

من يقرأ سير علماء العرب والمسلمين، يجد أن كثيرا منهم كانوا شيعة، مثل جابر بن حيان، ( أبو الكيمياء )؟! ونسبة لا يستهان بها من العلماء كعالم البصريات الحسن بن الهيثم لا يعرف مذهبهم العقدي أو الفقهي، لكنهم معروفون كمسلمين، وعرب، وكفى.. وكثير من الكتاب العظام، والأدباء الخالدين، والشعراء الفحول شيعة نفاخر بهم، مثل ابن النَّدِيم، صاحب كتاب ( الفهرست ) وهو من أقدم فهارس الكتب ومن أفضلها، ومثل صفي الدين الحلي، صاحب البيت الجميل المعبر عن وحدة الأمة:

 

بيضٌ صَنائِعُنا، سودٌ وَقائِعُنا ... خُضرٌ مَرابِعُنا، حُمرٌ مَواضينا

 

وفي العصر الحديث اتخذت ألوان كثير من أعلام الدول العربية من هذا البيت، لهذا الشاعر العملاق: فاللون الأبيض يدل على بيض الصنائع، ويراد بها الكرم والعطاء، فيما يرمز اللون الأسود إلى سود الوقائع، والمراد بها القوة والبأس في الحروب، ويحكي اللون الأخضر خضرة الأراضي الخصبة، والمرابع الجميلة، أما اللون الأحمر فهو يشير إلى حمر المواضي، ويراد بها الأسلحة الملطخة بدم الأعداء.

 

هذا أدبيا، أما تاريخيا فاللون الأبيض كان علم الدولة الأموية في المشرق، واللون الأحمر كان علم الدولة الأموية في المغرب ( الأندلس ) ، والأسود علم الدولة العباسية، والأخضر علم الدولة الفاطمية، الشيعية المذهب.

 

وهذا العلم ذو الألوان الأربعة يرفرف فوق الرؤوس، فتخفق له قلوب  جماهير الأمة مزهوة بتلك الدول العظمى، ومصممة على أن تبعث مجدها، وتعيد سيرتها الأولى، ومن أهمها دولة شيعية المذهب، فأين الطائفية وسط هذه المشاعر الدفاقة، والأمل المنشود؟!.

 

المحور الرابع - تقييم العالم الحنبلي ابن تيمية للطوائف الأخرى :

يُنْسَب الشيخ ابن تيمية إلى التشدد مع التشيع والطوائف الأخرى، والواقع أن القراءة الخاطئة لكتابات ابن تيمية، وعدم الإحاطة بظروفها الموضوعية، هي المتسببة بهذا اللبس، وعند التحقيق يتبين لنا أن موقف ابن تيمية من التشيع والطوائف الأخرى، في مؤلفاته مر بمرحلتين:

 

الأولى- مؤلفاته وكتاباته في فترة شبابه، وبالفعل فقد اتسم بعضها بالحدة، والنقد القاسي للتشيع والفرق الإسلامية.

 

الثانية- مؤلفاته وكتاباته في فترة نضوجه وكهولته، وقد امتازت بالإنصاف للتشيع والفرق الإسلامية، والاعتراف بها، واحترامها.

 

مثال: ذكر ابن تيمية في كتابه ( منهاج السنة 5/240 ) مسألة الدعاء للمؤمنين، وأنه يشمل الثنتين والسبعين فرقة، أي الطوائف الإسلامية التي تظهر عبر التاريخ، فقال -رحمه الله- : ".. وإذا قال المؤمن : { ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } ، يقصد كل من سبقه من قرون الأمة بالإيمان، وإن كان قد أخطأ في تأويل تأوله فخالف السنة، أو أذنب ذنبا، فإنه من إخوانه الذين سبقوه بالإيمان، فيدخل في العموم، وإن كان من الاثنتين والسبعين فرقة، فإنه ما من فرقة إلا وفيها خلق كثير ليسوا كفارا، بل مؤمنون فيهم ضلال وذنب يستحقون به الوعيد، كما يستحقه عصاة المؤمنين" .

 

وقال - رحمه الله - ( مجموع الفتاوى 7/218 ) : "ومن قال: إن الاثنتين والسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفرا ينقل من الملة، فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- ، بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة، فليس فيهم من كفَّر كل واحد من الاثنتين والسبعين فرقة" .

 

فهو يقرر أن المنتمين إلى الطوائف الأخرى مؤمنون، وليسوا مسلمين فقط، ويعتبر أن من يكفرهم -والعياذ بالله- مخالف للقرآن والحديث وللمذاهب الأربعة وغيرها.

 

المحور الخامس - نظرة الأمة ونخبها إلى العهد الاحتلالي الحالي في العراق :

إذا عدنا إلى تصنيفنا للعهد الجديد بأنه عهد احتلالي، فإن الأمة ونخبها ومواطننا يقول بلسان الحال والمقال: ائْتونا بمفكر كالمأمون، وفاتح كالمعتصم، ومقاوم كسيف الدولة، ونحن سنلتف حوله، ونصطف صفوفا متراصة خلف رايته، ولا تعنينا سوى هويته العامة: الهوية العربية- الإسلامية، وإخلاصه لها، وعمله من أجلها، أما الهويات الخاصة كالانتماء إلى طائفة معينة فهي من مكونات الهوية العامة، وعلاقتها بها مثل علاقة الفرع بالأصل، والجزء بالكل.

 

ويجدر بنا أن نؤكد اليوم أن قضية الشعب العراقي ليست قضية حكم وسلطة، ويكذب من يقول ذلك.. إنها قضية ( احتلال، وهيمنة، وتبعية ) ، وسعي نحو ( التحرير، والاستقلال، والسيادة الحقيقية ) ، وذلك أن أمريكا لم تمنح حكم العراق بعد احتلاله للشيعة ولا للكرد ولا للسنة، وإنما منحته لطبقة سياسية قدمت من الخارج مع دبابات الاحتلال، وهي من أصول إيرانية، وعميلة لوكالة المخابرات الأمريكية ( سي آي أي ) ، ويمكن أن نسميها طبقة ( الإيرانيين - المتأمركين ) التي تضم عصابات من القتلة واللصوص وأنصاف المتعلمين، ومزوري الشهادات، الذين هم لا سنة ولا شيعة ولا كرد ولا عرب ولا عراقيون، والثورة اليوم إنما هي ثورة الداخل على الخارج، ثورة الشعب الذي عاش كله جميعا داخل وطنه، على من جاءوا من الخارج للتحكم فيه وفي مقدراته.

 

وبعد نيل العراق استقلاله الحقيقي -لا الشكلي الحالي- ، وإلغاء العملية السياسية، ومنتجاتها، لا يهمنا من سيكون على رأس الحكومة، ومن أي مكون، إنما تهمنا ثلاثة أشياء: أن يكون هذا الحاكم:

 

1- عادلا.

2- ومستقلا.

3- وبانيا.

 

أي أن يسلك مسلك العدل في سياسته الداخلية وغيرها، وينتهج نهجا استقلاليا في سياسته الخارجية وسواها، ويبني نهضة جديدة، وليس كما هو حال حكامنا اليوم : جور علينا، وخنوع لغيرنا، وتخريب وتدمير لكل ما هو قائم، فتعسا لهم !!.

 

 

 





السبت ٢٧ شعبــان ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / تمــوز / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. ثامر براك الأنصاري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة