شبكة ذي قار
عـاجـل










كتب وزير خارجية العراق في العهد الوطني الدكتور ناجي صبري الحديثي دراسة قانونية وتحليلية من عدة أجزاء، أوضح فيها الجوانب المتعددة لقضية تدابير الفصل السابع التعسفية التي فرضتها، بالجملة، الولايات المتحدة على العراق منذ أغسطس/ آب 1990، وذلك في أعقاب الضجيج الدعائي الكثيف حول مايسمى ( إخراج العراق من الفصل السابع ) الذي انطلق إثر تبني مجلس الأمن الدولي قراره 2107.


ويسر وجهات نظر أن تنشر اليوم الجزء الأول من هذه الدراسة المهمة والذي يتضمن عرضاً لطبيعة هذا الفصل وللقرارات الصادرة بموجبه ضد العراق وللطرق غير الأخلاقية وغير المشروعة التي اتبعتها إدارة الرئيس الأميركي المجرم جورج بوش، الأب، في استصدار تلك القرارات، ونلفت عناية القراء الكرام إلى اننا سننشر تباعاً باقي الأجزاء قريباً.

 


العراق والفصل السابع، قصة الدخول والخروج
 القسم الأول : الفصل السابع وقرارته الظالمة ضد العراق


 
 
وجهات نظر / ناجي صبري الحديثي


منذ تأسيس الأمم المتحدة وانطلاقها عام 1946 حتى انتهاء الحرب الباردة عام 1989 الذي اقترن بنهاية الإمبراطورية السوفيتية وغياب القطب الدولي المنافس، لم يُعرف هيكل ميثاقها خارج دائرة الدبلوماسيين والقانونيين والدارسين المتخصصين بالقانون والعلاقات الدولية. لكن هذا الانقلاب الحاد في البيئة الدولية أخرج الميثاق وبالذات فصله السابع من تلك الدائرة الضيقة الى دائرة شعبية أوسع بأضعاف المرات. فقد ذاع صيت هذا الفصل الذي يختص بالتدابير العقابية التي فوض الميثاق ذراع الأمم المتحدة وهيئتها التنفيذية، مجلس الأمن، اتخاذها بحق أي دولة من اجل حفظ السلم والأمن الدولي، في حين لا يعرف الكثيرون شيئا عن الفصل الأول من الميثاق الذي ثبَّت مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة بصياغة قانونية رفيعة وانطوى على مبادئ ومعان إنسانية سامية غطت كل ما كانت تتوق إليه الشعوب من حرية ومساواة وعدالة وعيش كريم وتنمية اقتصادية واجتماعية تحفظ كرامتها وهوياتها الوطنية.


لم يعتمد مجلس الأمن منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1946 الفصل السابع في قراراته سوى 21 مرة طيلة 43 عاما. لكن الولايات المتحدة التي استثمرت البيئة الدولية الجديدة لتحقيق أحلامها الاستعمارية وسعت سعيا محموما لفرض مخططها لإقامة إمبراطورية أمريكية تهيمن على العالم بأسره هيمنت أولا على الأمم المتحدة وذراعها التنفيذية مجلس الأمن وسخرته لحشد التأييد العالمي وإسباغ المشروعية الدولية على هذا المخطط وفصوله كالعدوانية غير المشروعة. فدفعت مجلس الأمن لاعتماد الفصل السابع في قراراته خلال الفترة من 1990 حتى عام 2007 في 321 مرة.


ولأن الولايات المتحدة دشنت مشروعها الإمبراطوري بحملة حربية عالمية ضد العراق فقد اختصَّته بحصة الأسد من هذه القرارات حيث ساقت مجلس الأمن لإصدار 69 قرارا خلال الفترة من آب/أغسطس 1990 حتى نهاية 2007 أي أكثر من خمس العدد الكلي الذي استخدمته طيلة 17 عاماً.


لكن ميثاق الأمم المتحدة الذي يؤكد في الفصل الأول على وجوب التذرع بالوسائل السلمية لحل اي منازعات بين الدول، وامتناع الدول الأعضاء عن التهديد باستعمال القوة المسلحة او استخدامها في علاقاتها الدولية، لم يبح هذا الاستخدام أو غيره من التدابير العقابية بموجب الفصل السابع، ناهيك عن هذا الاستخدام المفرط وبالجملة للفصل السابع في معالجة حالات المنازعات الدولية الذي ظهر منذ عام 1990 .


لقد حصر الميثاق استخدام التدابير الإكراهية أو العقابية في حالات محددة ووفق شروط دقيقة. ومنح مجلس الأمن صلاحيات متدرجة لحل المنازعات التي قد تؤدي الى تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان. فبعد أن يستنفد المجلس كل السبل السلمية المدرجة في الفصل السادس، يمكن له أن ينتقل الى الفصل السابع. فيبدأ بتدابير مؤقتة بموجب المادة 40، ثم تتصاعد الى فرض تدابير عقابية ليس فيها استخدام القوة المسلحة مثل العقوبات الاقتصادية وغيرها بموجب الفقرة 41. وإذا رأى المجلس وثبت له أن هذه التدابير المتخذة بموجب المادة 41 لا تفي بالغرض، عندها فقط يجوز له بموجب المادة 42 أن يلجأ الى استخدام القوة المسلحة.


لكن الميثاق لا يجيز استخدام القوة المسلحة إلا بإشراف مجلس الأمن الكامل من خلال لجنة الأركان التابعة له والمكونة من رؤساء أركان جيوش الدول الخمس دائمة العضوية، ويحدد الميثاق في المواد 43 و44 و 45 و 46 و 47 طبيعة تشكيل القوات المشار اليها وواجبات لجنة الأركان وآليات عملها. 


وفي ماعدا هذا ، ثمة حالة واحدة لاستخدام القوة المسلحة أجازها الميثاق بالمادة 51 حيث أكد حق الدول الأعضاء في الدفاع عن أنفسها إذا اعتدت قوة مسلحة عليها. لكن الميثاق لم يطلق يد المجلس ولا الدولة المعنية في هذا الاستخدام، بل أكد ان هذا التفويض قائم "الى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي"، وعندها يتوقف هذا التفويض ويأخذ المجلس على عاتقه المسألة ويعالجها على وفق الشروط التي حددها الميثاق في هذا الفصل وأشرنا إليها في أعلاه.


ومن هذه الشروط نرى أن الولايات المتحدة قد دفعت مجلس الأمن لتجاوز مبادئ ومقاصد وأحكام ميثاق الأمم المتحدة عندما قفزت مباشرة الى الفصل السابع بعد ساعات من دخول القوات العراقية الى الكويت فجر 2 /8/1990 وأصدرت القرار 660 الذي أدان العراق وطالبه بالانسحاب فورا، بينما ما يزال مجلس الأمن يعالج مسائل احتلال اسرائيل فلسطين وأراضي الدول العربية الأخرى بعد مرور أكثر من 65 عاما في اطار الفصل السادس الخاص بفض المنازعات بالوسائل السلمية.


وحينما أعلن العراق يوم 3/8/1990 امتثاله لهذا القرار في بيان رسمي واعتزامه البدء بالانسحاب يوم 5/8/1990 تجاهل المجلس إعلان العراق هذا، بل قامت الولايات المتحدة بتوزيع مشروع قرار في مجلس الأمن بفرض عقوبات على العراق بحجة عدم امتثاله لقرار مجلس الأمن في ذات اليوم الذي اعلن فيه العراق امتثاله لهذا القرار. وأقره مجلس الأمن يوم 6/ 8/ 1990 وصدر بالقرار 661 حسب الفصل السابع. وقد فرض المجلس بموجبه على شعب العراق نظام عقوبات هو الأقسى والأكثر شمولية في التاريخ حسب اعتراف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جيمي روبن. وهكذا توالت قرارات مجلس الأمن حسب الفصل السابع قبل الحرب الشاملة الأولى بالوسائل العسكرية حتى وصل عددها 12 قراراً في أقل من أربعة أشهر وبلغت الذروة بالقرار رقم 678 في 29 تشرين ثاني/ نوفمبر 1990 الذي انتهك به مجلس الأمن ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي انتهاكا فاضحاً، عندما أجاز شن الحرب على العراق، لكنه فوَّض دولا بعينها لكي تشنها حسب مخططاتها وأغراضها بعيداً عن إشراف الأمم المتحدة خلافا لمواد الفصل السابع نفسه الذي صدر بموجبه.


أما عن الوسائل التي استخدمتها الولايات المتحدة في دفع مجلس الأمن لإصدار هذه القرارات وعشرات تلتها ضد العراق حسب الفصل السابع من الميثاق فيكفي أن نقرأ اعتراف جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي صانع قرار الحرب 678 عن الوسائل غير الأخلاقية وغير المشروعة المنافية لميثاق الأمم المتحدة نصا وروحا التي استخدمتها دولته في إصدار القرار. قال بيكر في كتابه (سياسة القوة: الثورة والحرب والسلام):


"...... بمحض الصدفة ووفق ترتيب أعد منذ أمد بعيد فإن الولايات المتحدة تترأس مجلس الأمن في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر. وستؤول رئاسة المجلس الدورية الى اليمن في الشهر التالي، واليمن حليف العراق ومعارض ثابت للتحالف. وعمليا فإن أي تصويت على قرار استخدام القوة يجب ان لا يتم بعد 30 تشرين الثاني/ نوفمبر... غادرت واشنطن في 3/11/1990 وخلال الأسابيع الثلاثة التالية أمضيت 18 يوما في السفر الى 12 بلدا في ثلاث قارات... والتقيت شخصيا جميع نظرائي في مجلس الأمن في مسيرة معقدة من المداهنة والإنتزاع القسري والتهديد ومن حين الى آخر شراء الأصوات. هكذا هي سياسة الدبلوماسية".


وعلى وفق هذه الوتيرة واصل مجلس الأمن إصدار قرارات ضد العراق حسب الفصل السابع بعضها متابعة لقرارات سابقة وبعضها حافل بكل ما هو منتهك للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة وبكل ما هو غريب عن المبادئ القانونية المتعارف عليه في كل التشريعات القانونية في العالم. ولا مجال هنا للتطرق الى كل هذه الجوانب.


خانة الفصل السابع

 

هذه هي، إذن، حكاية وطبيعة القرارات التي اعتمدها مجلس الأمن ضد العراق بموجب الفصل السابع بين آب/ أغسطس 1990 ونيسان/ أبريل 2003 . ولابد قبل ان نناقش ما أتى به القرار الجديد أن نتطرق الى نقطة مهمة ذات صلة. فبعد الاحتلال الأميركي شاع الكثير من الأقاويل والتصورات غير الدقيقة عن وضع العراق في ظل هذه القرارات، نتيجة بيانات رسمية من السلطة التي نصَّبها الاحتلال. والتبست على الناس حقيقة الأمر حتى بات الكثيرون يتصورون هذا الفصل من ميثاق الأمم المتحدة صندوقاً أو قفصاً حـُبس في داخله العراق. وأصبح معتاداً ان تسمع من بعض أركان هذه السلطة عبارات مثل "وجود العراق في خانة الفصل السابع، وإخراج العراق من الفصل السابع .. الخ". وتسمع منهم أن ما أسموه بـ (وجود العراق في خانة الفصل السابع) يحدُّ من قدرة الحكومة على الإنفاق من أموال العراق لتأمين خدمات الماء والكهرباء والصحة وغيرها وتحسين ظروف معيشة المواطنين الخدمات، ويحدُّ من قدرتها على إقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية والأجنبية ومن قدرتها على تحقيق الأمن.


وبذلك استخدم أهل الاحتلال الفصل السابع شمّاعة يعلِّقون عليها أسباب انهيار إدارة الدولة انهياراً كاملاً مريعاً في ظل الاحتلال وحكوماته وسلطته وأحزابه وعمليته السياسية، وفشلهم الذريع، جميعاً، في تأمين الحد الأدنى من واجبات الدولة في حماية أراضي البلاد وبسط الأمن وتأمين متطلبات الحياة للناس وتوفير الخدمات الأساسية لهم، وفي وقف التدهور الخطير في كل ظروف العيش في العراق وتراجعها كثيراً عما كانت عليه قبل الغزو أيام الحكم الوطني رغم زوال الإجراءات الخانقة لنظام العقوبات الشامل والعزلة الدولية والاعتداءات الحربية التي كانت سيفاً مسلطاً على دولة العراق الوطنية حكومة وشعباً طيلة أكثر من 12 سنة ونصف، ورغم تدفق المساعدات والفرص والتسهيلات من كل حدب وصوب على هذه السلطة ودوائرها من "الأعمام" الأميركيين وحلفائهم الغربيين ومن عشرات الدول في العالم التي تسعى لكسب رضا هؤلاء "الأعمام" وتفادي غضبهم.


ولا بد من التذكير بأن العراق في ظل الحكم الوطني كان يوفر لقمة الخبز، ولو بالحد الأدنى، لجميع العراقيين على أساس المساواة الكاملة بعد فرضت أميركا وحليفاتها الحصار الخانق عليه. وكان يوفر الأمن والأمان الكاملين لكل ابناء الشعب في كل مدن ونواحي وأرياف العراق، ويحمي أرضه وشعبه من أطماع الطامعين الفرس الذين لم يجرؤوا على التقرب من حدوده بعد ان أدَّبت قوات الحرس الجمهوري قطعانهم التي غزت جنوب العراق حال توقف حرب 1991 الثلاثينية التدميرية الكارثية.


وقد أعاد الحكم الوطني إلى الحياة كل المرافق الأساسية التي دمَّرها المعتدون الأميركيون وحلفاؤهم عن سابق قصد وتصميم في حرب عام 1991 الثلاثينية ويزيد عددها على ثمانية آلاف منشأة من كهرباء ومصافي نفط واتصالات ومعامل تصفية وإسالة الماء وطرق مواصلات وجسور ومدارس وجامعات ومراكز وبنايات حكومية ومرافق خدمية متنوعة وإذاعات ومراكز ثقافية في فترة قياسية مذهلة لم تزد على ستة أشهر.


وقد قام العراق بكل ذلك مع أنه كان مكبَّلا بأفظع تدابير الحصار التعسفية المفروضة بموجب الفصل السابع التي منعته من استيراد كل شيء من الـ(برغي) وقلم الرصاص وحبة الدواء الى الآلات والمكائن ومواد البناء، ورغم أنه كان يتعرض الى حرب استنزاف مستمرة منذ توقف الحرب الشاملة الأولى في آذار/ مارس 1991 تمثلت بقصف جوي يومي وبخمسة اعتداءات جوية كبرى وتدمير متواصل لبنية البلاد الأساسية. وكان يعاني من عزلة دولية فرضتها اميركا وبريطانيا ومن موقف سلبي من معظم دول العالم تراوح بين المشاركة فعليا في اجراءات الحصار والتفرج على معانة العراقيين والامتناع عن مد يد العون لهم.


ورغم هيمنة التدابير العقابية لقرارات الفصل السابع على العراق أيام الحكم الوطني إلا أن العراق في العهد الوطني لم يتراجع ولم يتنازل عن كبرياء شعب العراق وعن مسؤولياته ومكانته السامية في مسيرة العمل القومي وما تتنظره الأمة كلها منه بوصفه حامل راية الحضارة الإنسانية وحاضرة الخلافة والحضارة العربية والإسلامية ورائد المهمات القومية المعاصرة. فهـَبّ عام 1994 لنجدة اليمن ضد حرب الانفصال بفريق عسكري جوي مقتدر وبأكثر من 50 طبيباً من الاختصاصات الجراحية كافة مع كامل معداتهم. وقدم عشرات الملايين من الدولارات لمساعدة عائلات ضحايا الانتفاضة الفلسطينية ولتغطية نفقات علاج جرحاها في مستشفيات أقطار عربية رغم شحة مصادره المالية نتيجة الحصار. وحرك المئات من دباباته ومدرعاته والآلاف من مقاتليه في عام 1998 إلى الحدود السورية حينما كانت اسرائيل تهدد بعدوان عسكري واسع ضد الشقيقة سورية.


يتبـــــــــــــــــع ....
http://www.wijhatnadhar.com/2013/07/blog-post_5042.html

 

 





الاربعاء ١ رمضــان ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / تمــوز / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب وجهات نظر / ناجي صبري الحديثي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة