شبكة ذي قار
عـاجـل










كنا نشرنا قبل أيام هنا، الجزء الأول من الدراسة القانوينة التحليلية الموثَّقة التي كتبها وزير خارجية العهد الوطني الدكتور ناجي صبري الحديثي بشأن الضجيج الاعلامي المكثَّف حول ( إخراج العراق من الفصل السابع  الذي انطلق إثر تبني مجلس الأمن الدولي قراره 2107.

 

ويسر وجهات نظر أن تنشر اليوم الجزء الثاني من هذه الدراسة المهمة والذي يتضمن عرضاً لطبيعة التدابير التي أنهاها القرار 2107 وإجراءات حكومة العراق الوطنية، قبل الاحتلال الأميركي، لغلق هذه الملفات، معززاً بالوثائق الضرورية.

 

العراق والفصل السابع، قصة الدخول والخروج

القسم الثاني : القرار 2107 ( 2013 ) وتدابير الفصل السابع التي "أنهاها"


 

وجهات نظر

ناجي صبري الحديثي

 

صدر قرار مجلس الأمن الأخير 2107  يوم 27 حزيران/ يونيو 2013 . ومهد له ورافق إصداره وأعقبه ضجيج دعائي كبير عما سمي بـ "إخراج العراق من البند السابع ...ومرحلة جديدة... والتخلص من تبعات الماضي وعقوباته.. الخ".

 

فما هي تفاصيل هذا القرار وحقيقة "الإنجاز الكبير" الذي أتى به؟

 

يتكون القرار من ديباجة تتألف من سبع فقرات عن حيثيات إصداره. الفقرة الثانية أشارت إلى أن المجلس يسلم بضرورة استعادة العراق لمكانته قبل فرض قرار 661 الصادر يوم 6 آب/ أغسطس 1990 الذي فرض بموجبه الحصار الشامل على العراق. وكشفت الفقرة الثالثة عن حقيقة كذبة انتهاء تدابير الفصل السابع أو ما يطلق عليه أركان السلطة بخروج العراق من البند السابع. فرحبت بـ "ما أظهره العراق باستمرار من التزام بالتنفيذ الكامل للالتزامات المتبقية في إطار قرارات الفصل السابع ذات الصلة، وهي مواصلة دفع مبلغ التعويض غير المسدد الذي تديره لجنة التعويضات التابعة للأمم المتحدة، وبما يبذله العراق والكويت من جهود لتعزيز الاستقرار الإقليمي، ويرحب أيضا بكافة الخطوات الإيجابية التي اتخذﺗﻬا حكومة العراق للوفاء بالقرار 833 لعام 1993". أي أن القرار، مع إشارته الى عدم انتهاء التدابير المفروضة بموجب قرارات الفصل السابع، يؤكد أن الحكومة الحالية أظهرت التزامها الكامل بعدم الاعتراض على هذه التدابير المتمثلة بالتعويضات المفروضة على العراق بموجب قرار 687 في 3 نيسان/ابريل 1991، وبقرار تخطيط الحدود بين العراق والكويت الذي قضم مساحات شاسعة من أراضي العراق ومياهه الإقليمية  نتيجة التخطيط  المجحف للحدود مع الكويت الذي فرضه مجلس الأمن على العراق بموجب هذا القرار(687) وأقره بموجب القرار 833 لعام  1993 المعتمدين كلاهما بموجب الفصل السابع، وهو ما سنعود إليه لاحقا.

 

ثم يتحدث القرار في الفقرة الرابعة عما يسمى بقضايا الأسرى والمفقودين والممتلكات الكويتية، ويختتم الديباجة بالإشارة الى الفصل السادس من الميثاق قبل الانتقال الى الفقرات العاملة وعددها ست فقرات أهمها الثالثة التي نصت على:

 

"يقرر، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إﻧﻬاء التدابير المنصوص عليها في الفقرات 2 ج  و 2 د  و 3 ج  من القرار 686 (1991) والفقرة 30 من القرار 687 (1991)  والترتيبات المنصوص عليها في الفقرة 14 من القرار 1284 (1999) ، والتي أعيد تأكيدها في قرارات لاحقة ذات صلة".

 

تتركز هذه التدابير في ثلاث قضايا سبق أن تناولتها قرارات مجلس الأمن المعتمدة بموجب الفصل السابع وكانت محورا أساسيا من محاور الأزمة بين العراق والكويت من جهة وبين العراق ومجلس الأمن من جهة أخرى، رغم جهود العراق المخلصة لمعالجتها وأدت الى انتهائها من الناحية الفعلية والرسمية منذ وقت مبكر. وفيما يأتي توضيح لكل منها وخلفياتها والتدابير التي اتخذتها حكومة دولة العراق الوطنية بشأنها:

 

(أولاً): اطلاق سرح أسرى الحرب واعادة المحتجزين

أشار القرار الى ما يتعلق بهذه القضية من تدابير وردت في الفقرتين 2ج  و 3ج من القرار 686 (1991) ، وفي الفقرة 30 من القرار 687 (1919)، وفي الفقرة 14 من القرار 1284 ( 1999). في الأولى طلب مجلس الأمن من العراق أن يقوم تحت رعاية لجنة الصليب الأحمر الدولية، أو جمعيات الصليب او الهلال الأحمر بإطلاق سراح المحتجزين من الكويتيين ورعايا الدول الثالثة وأن يعيد أية جثث للمتوفين منهم، وفي الثانية أن يعمل على تيسير الوصول الفوري الى جميع أسرى الحرب من قوات الكويت والدول "المتعاونة" معها وإطلاق سراحهم تحت رعاية لجنة الصليب الأحمر الدولية وإعادة أية جثث للموتى منهم. وفي الفقرة 30 من القرار 687 طلب من العراق أن يتعاون تعاونا كاملا مع لجنة الصليب الأحمر الدولية في تيسير مهمة البحث عمن أسماهم بـ "الرعايا الكويتيين ورعايا الدول الثالثة الذين ما زالت مصائرهم مجهولة".

 

أما في الفقرة 14 من القرار 1284 (1999) فقد طلب المجلس من الأمين العام للأمم المتحدة أن يقدم تقريرا كل 4 أشهر عن "امتثال العراق لالتزاماته فيما يتعلق بإعادة أو عودة جميع الكويتيين ورعايا البلدان الثالثة، أو جثثهم"، وتقريراً كل 6 أشهر عن إعادة الممتلكات الكويتية، بما في ذلك الأرشيف، وأن يعين منسقاً رفيع المستوى لهذه الأغراض. 

 

إجراءات الحكومة العراقية

بدأت الحكومة العراقية  إجراءاتها  لتنفيذ هذه الالتزامات حال صدور قرار مجلس الأمن 686 يوم 2/3/1991 ، الذي كان أول قرار للمجلس بعد وقف العدوان الثلاثيني وتضمن جميع القضايا التي تناولها القرار 2107 الذي نحن بصدده.

 

ما هو هذا القرار وظروف إصداره؟

ألقى الرئيس الأميركي جورج هـ. بوش خطاباً يوم 28 /2/ 1991 أعلن فيه وقف الحرب الثلاثينية وفرض فيه عدة شروط على العراق إذا أراد (حسب تعبيره) أن يصبح هذا الوقف وقفا دائما، منها أن يتقيد بجميع قرارات مجلس الأمن حول الكويت، ويلغي جميع إجراءاته بشأن الكويت، ويقبل بمبدأ التعويض، ويبلغ عن الألغام، ويطلق فورا سراح الأسرى والمحتجزين، وان يحضر اجتماعاً عسكرياً مع الحلفاء لوضع ترتيبات وقف إطلاق النار. وقال ان حكومته ستطلب من مجلس الأمن وضع الترتيبات اللازمة لإنهاء الحرب.

 

وفي أقل من 48 ساعة امتثل مجلس الأمن لأوامر الرئيس الأميركي فأصدر بموجب الفصل السابع قراره 686 الذي تضمن شروط بوش ومطاليبه كلها. فامتنع عن إصدار وقف رسمي لإطلاق النار، وتجاهل امتثال العراق لكل قرارات مجلس الأمن المتبقية، رغم إشارته في الديباجة الى رسائل الحكومة العراقية التي أبلغت هذا الامتثال الى الأمم المتحدة، ومنها رسالتها التي أكدت استعداد العراق لإطلاق سراح كل أسرى الحرب والمحتجزين فور وقف إطلاق النار وفقا لاتفاقية جنيف السادسة لعام 1949 وبرعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وقد أرسلت هذه الرسائل يوم 27 شباط /فبراير.

 

اجتماع خيمة صفوان

وكان أول إجراء اتخذه العراق لتنفيذ ما فرض عليه من التزامات بموجب القرار 686  إيفاد وفد عسكري عراقي برئاسة الفريق سلطان هاشم أحمد، رئيس أركان الجيش العراق آنذاك والأسير حاليا في سجون حكومة الاحتلال، لحضور اجتماع  يوم 3/3/1991  مع وفد عسكري يمثل القوات الأميركية والحليفة المعتدية برئاسة الجنرال نورمان شوارزكوف في منطقة صفوان بين العراق والكويت، فيما عرف بعد ذلك باجتماع خيمة صفوان.

 

اتفق الطرفان في هذا الاجتماع على إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، وتبادل المعلومات عن المفقودين. واتفقا على ترتيبات عسكرية على الأرض للفصل بين قوات الطرفين منعاً للتشابك وتجنباً لأي احتكاك بينهما قد يؤدي الى عودة القتال. كما اتفقا على الكشف عن خرائط الألغام، وعلى آليات معينة للسماح للطائرات العراقية العمودية ( السمتية ) بالتحليق ، استثناء من الحظر الذي فرضته القوات المعتدية على تحليق الطائرات العراقية المدنية والعسكرية ثابتة الجناح. ولم تطرح أو تناقش فيه أي قضية أخرى مما تناولته الأقاويل والإشاعات المقصودة، وبوسع من يريد الإطلاع على المحضر الحرفي للاجتماع الرجوع الى كتاب ( الحرب على العراق / يوميات - وثائق - تقارير / 1990- 2005  إصدار مركز دراسات الوحدة العربية / بيروت ).

 

وفي يوم 5/3/1991 أعلن العراق عن تنفيذ جميع الالتزامات الأخرى، ومنها إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين الكويتيين ومن الدول الثالثة. فأعادت السلطات العراقية بالتنسيق اللجنة الدولية للصليب الأحمر جميع الأسرى من رعايا الكويت والدول الثالثة وعددهم 6222 شخصاً.

 

ومنذ يوم 7/3/1991 بدأ ممثلو العراق حضور اجتماعات اللجنة الثلاثية لمتابعة موضوع المفقودين التي تشكلت برعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر من ممثلي العراق والكويت والسعودية، وواصل التعاون في إطارها مستجيبا لكل المبادرات ذات الصلة. وبات واضحا في أعمال اللجنة الثلاثية بعد اجتماعات 21 و22 /3 /1991  في الرياض أن التركيز كان فقط على مسألة المفقودين. وأكد هذا التوجه قرار مجلس الأمن 687  الصادر يوم 3/ 4/1991 الذي لم يشر الى وجود أسرى بل الى مجهولي المصير، وطالب العراق بمواصلة العمل لمعالجتها في إطار اللجنة الدولية للصليب الأحمر. 

 

وقد واصلت السلطات العراقية التعاون في هذا الشأن وتمكنت من أن تعيد في فترة لاحقة  (139) مواطنا كويتيا" لم يكونوا محتجزين بل كانوا في العراق وأعاقتهم ظروف الحرب عن العودة الى بلادهم.

 

وفي عام 1994 أعلن العراق عن إعادة كل رعايا الكويت غير المحتجزين الموجودين في العراق والراغبين في العودة الى بلادهم، بعد أن أعاد في شهر آذار/ مارس 1991 جميع رعايا الكويت والدول لثالثة الأسرى والمحتجزين. وألزمت السلطات العراقية نفسها بالبحث على وفق القواعد والممارسات المهنية المعتمدة في هذا الصدد لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي التي تؤكد على الطابع الإنساني البحت للمسألة وعلى أهمية التعاون بين الأطراف المعنية لمعالجتها. وكانت السلطات العراقية تناشد الأشقاء الكويتيين على الدوام الى الكف عن تسييسها وربطها بإدامة الحصار غير الإنساني على شعب العراق. كما كانت تؤكد على ضرورة التعاون في تقصي المعلومات وأهمية الاستذكار بعد تلف كل الوثائق الحكومية في دوائر المحافظات الجنوبية العراقية نتيجة تعرضها لغزو مسلح من عشرات الألوف من جنود حرس الثورة الإيرانية مباشرة بعد توقف الحرب الثلاثينية في الأسبوع الأول من آذار/مارس 1991 وممارستهم جرائم الحرق والتدمير والعبث بدوائر الدولة والممتلكات العمومية.

 

ملفات المفقودين الكويتيين والعراقيين

وتشير ملفات وزارة الخارجية العراقية إلى أن القائمة الأولى التي قدمتها دولة الكويت في الشهر الرابع من عام 1991 عمن اعتبرتهم مفقودين ضمت 11431 اسماً، وبعد شهر واحد خفضت العدد الى 5433 ، وبعد شهر آخر خفضت العدد إلى 4290 . ثم خفضته مرة ثالثة  في 11 أيلول/سبتمبر 1991 إلى 2479 ، ومرة رابعة في تشرين الأول/أكتوبر الى 2443، ومرة خامسة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر إلى 2201. وفي 26/آذار/مارس عام 1992 خفضت العدد إلى 850 ملفاً. واستقر العدد أخيرا عند (598) ملفا بعد أن رفضت اللجنة الدولية للصليب الأحمر 58 ملفاً غير مكتمل المعلومات، كما رفض 38 ممن أدرجت أسماؤهم العودة الى الكويت.

 

وإذا كانت ظروف الأزمة بين العراق والكويت وما رافقتها من حرب عدوانية تدميرية على العراق وتدخل عسكري إيراني أعقب الحرب مباشرة قد تسبب بظهور مشكلة مفقودين في الجانب الكويتي فإنها قد تسببت بمشكلة مماثلة في الجانب العراق وبحجم أكبر. فقد قدمت الجهات العراقية 1142 ملفاً لمفقودين عراقيين الى اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي أعادت منها خمسة ملفات لعدم استيفائها الشروط المطلوبة. فأصبح العدد المقبول لدى اللجنة الدولية  1137 ملفاً ، في الوقت الذي استمر فيه العراق في تقصي المعلومات عن مفقودين آخرين لم تكتمل ملفاتهم.

 

مع ذلك كان تعاون الطرف الكويتي ضعيفاً جداً في تناول مسألة المفقودين العراقيين. وكانت الكويت تبرر عدم تعاونها بعدم سيطرتها على البلاد بعد انسحاب القوات العراقية لبضعة أيام. ولطالما حاولت الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتان حشرتا نفسيهما في اللجنة الثلاثية مع العراق والكويت والمملكة العربية السعودية دون أن يكون لديهما مفقودون، الضغط من أجل منع أي مبادرة أو تعاون أخوي بين الأشقاء العراقيين والكويتيين والسعوديين في تناول هذه القضية الإنسانية للمفقودين سواء كانوا كويتيين أو عراقيين سعياً وراء إبقائها عنصر تشويه لمواقف العراق وأداة ضغط لمواصلة محاصرة شعبه وتبرير الاعتداء عليه.

 

مبادرات العراق للتعامل مع ملفات المفقودين 

وقدمت السلطات العراقية في هذا الإطار عدة مبادرات للمساعدة في توفير أي معلومات عن المفقودين. فقد نشرت صور المفقودين (حسب البيانات الكويتية ) في الصحف العراقية وطبعتها بملصقات جدارية وزعتها في محافظات العراق الجنوبية. وأعلنت وزارة الخارجية العراقية بتوجيه من الرئيس الشهيد صدام حسين يرحمه الله في شهر آب/ أغسطس عام 2002 عن ترحيب العراق بزيارة وفد كويتي للبحث بنفسه عن المفقودين، وعن تفويضه أن يدخل أي مؤسسة عسكرية أو أمنية أو مدنية أو أي مكان يقرره بدون أي إخبار مسبق للسلطات العراقية أو إذن مسبق منها، وعن استعداد الحكومة العراقية لتعيين مسؤول كبير لكي يرافق الوفد لتسهيل دخوله إلى أي مكان يقرره ، دون ان يعني ذلك تقييداً لحرية الحركة أو رغبة في الإطلاع المسبق على نية الوفد التوجه الى أي مكان يختاره.

 

وشكَّل العراق لجنة وطنية لمتابعة شؤون المفقودين العراقيين والكويتيين تضم ممثلين عن مؤسسات غير حكومية تهدف إلى مساعدة الجهات الحكومية في البحث عن مصير المفقودين. وأبدى وفد العراق للمؤتمر الـ (93) للاتحاد البرلماني الدولي الذي عقد في أواخر عام 1995 في مدريد، استعداد العراق لاستقبال لجنة يشكلها الاتحاد البرلماني الدولي وإتاحة الحرية الكاملة لها في التحري وتقصي الحقائق عن هذا الموضوع داخل العراق. وقد حظيت المبادرة العراقية بموافقة الإتحاد.

 

وتقدم الوفد العراقي بمقترح للجنة الثلاثية في جنيف بتاريخ 12/6/1996 أعرب فيه عن استعداد العراق لاستقبال لجنة مؤلفة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر وجامعة الدول العربية وممثلين عن دول مثل المغرب والجزائر ومصر إلى جانب ممثلين عن السعودية والكويت للتأكد من الحقيقة حول الادعاءات بوجود سجناء أو أسرى كويتيين في العراق.

 

كما وافق على إدراج قضية التعاون في البحث عن المفقودين ضمن اتفاق قمة بيروت في أواخر آذار/مارس 2002 الذي كان مؤملاً أن يحقق تسوية لكل المسائل المعلقة بين البلدين الشقيقين. لكن الموقف الأميركي الرافض لأي تسوية أو تقارب بين العراق والكويت حال دون ذلك. وبدا ذلك واضحا من تصريح وزير الحرب الأميركي دونالد رامسفيلد المسيء ليس للعراق فحسب بل للكويت نفسها حينما قال "انها دعوة للأسد للعناق مع دجاجة". المصدر هنا.

 

كما استجاب العراق لكل المبادرات العربية والدولية ذات الصلة بهذه القضية. فوافق على أربع مبادرات لجامعة الدول العربية واستقبل ثلاثة مبعوثين منها منذ عام 1991 ورحب بمبادرة العاهل المغربي وأعلن في ضوئها عن استعداده لتشكيل لجنة عراقية كويتية مشتركة للبحث عن المفقودين. كما وافق على مبادرة من دولة قطر وأبدى استعداده لاستقبال وفد يمثل أقطار الخليج العربي بصحبة برلمانيين كويتيين. واستجاب لمبادرة روسية حول الموضوع واستقبل وفداً روسياً. كما رحَّب بمبادرة للرئيس الإندونيسي سوهارتو بصفته رئيساً لحركة عدم الانحياز. غير أن الأشقاء الكويتيين لم يستجيبوا لكل هذه المبادرات.

 

ومن المهم التذكير هنا أن قضية إعادة الأسرى والمحتجزين قد انتهت فعليا ورسميا منذ شهر آذار/مارس 1991 ولم يبق سوى متابعة قضايا المفقودين أو ما أسماهم مجلس الأمن بقراره 687 مجهولي المصير بالتعاون بين البلدين الشقيقين في إطار اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

 

وتشير تجارب الحروب الكبرى الى أن قضايا المفقودين لا تحل بين يوم وليلة. فقد دامت عقوداً في حروب أخرى مثل حرب فيتنام والحربين العالميتين الأولى والثانية وما تزال ذيولها مستمرة حتى الآن.

ورغم كل ذلك، فقد قدَّمت الكويت مطالبتين الى لجنة التعويضات التابعة لمجلس الأمن عما أسمته (استحقاقات رواتب المفقودين) وتسلمت مبلغ 153 مليون دولار قبل الاحتلال. ثم عادت الكويت وطلبت تعويضاً آخراً عام 2004 بعد وقوع العراق تحت الاحتلال وأقرَّت لها لجنة التعويضات تعويضاً بمبلغ 161 مليون دولار.

 

فما الذي بقي من هذه القضية، بعد كل هذه الحقائق والوقائع، لكي "يتفضل" مجلس الأمن الدولي بإنهائها في قراره الجديد 2107؟!

 

(ثانياً):  إعادة الممتلكات الكويتية

تضمن القرار 2107 إنهاء التدابير المتخذة وفق الفصل السابع بشأن إعادة الممتلكات الكويتية حسب ما ورد في الفقرة (2د) من القرار 686 (1991) وهذا نصها:

}}(2د) أن يبدأ على الفور في إعادة كافة الممتلكات الكويتية التي استولى عليها العراق وأن ينتهي من إعادتها في أقصر فترة ممكن{{.

ووفق الفقرة 14 من القرار 1284 (1999) ونصها:

 

}}14. يطلب إلى الأمين العام أن يقدم إلى المجلس تقريراً كل أربعة أشهر عن امتثال العراق لالتزاماته فيما يتعلق بإعادة أو عودة جميع الكويتيين ورعايا البلدان الثالثة، أو جثثهم، وأن يقدم كل ستة أشهر تقريراً عن إعادة جميع الممتلكات الكويتية، بما في ذلك المحفوظات، التي استولى عليها العراق، وأن يعين منسقاً رفيع المستوى لهذه المسائل{{.

 

إجراءات السلطات العراقية

أعلنت السلطات العراقية في الخامس من آذار/مارس 1991عن استعدادها للبدء فوراً بإعادة ممتلكات الجهات الحكومية الكويتية التي نقلتها الى داخل الأراضي العراقية للحفاظ عليها بعيداً عن مسرح المعارك. وبناءً على الفقرة (15) من قرار مجلس الأمن 687 في 3/4/1991  اتفقت الجهات العراقية مع منسق إعادة الممتلكات في الأمانة العامة للأمم المتحدة في حزيران/ يونيو 1991 على أولويات التسليم حسب طلب الجانب الكويتي. وقد قامت السلطات العراقية بإعادة جميع الممتلكات التي بحوزتها بالتعاون التام مع المنسق الدولي استناداً الى القوائم التي قدَّمها، وهو ما أشاد به الأمين العام للأمم المتحدة في تقاريره إلى مجلس الأمن وكذلك منسق الأمم المتحدة لإعادة الممتلكات الكويتية. وفي العام 1994، أبلغ العراق الأمم المتحدة أنه قد أعاد جميع الممتلكات الكويتية التي تم العثور عليها. وبذلك يكون العراق قد نفذ التزاماته في هذا المجال وذلك بموجب الفقرة 2 (د) من القرار 686 (1991) وبموجب الفقرة (15) من القرار 687 (1991). (الوثيقة أس/1994/1991 في 27/أيلول/1994). وألزم نفسه بإعادة جميع المواد التي يعثر عليها في المستقبل.

 

وفي مقابل الشفافية والصدق التي تعاملت بهما الحكومة العراقية في هذا الميدان وغيره، لابد من الإشارة الى أن الكويت قد قدمت مطالبات الى لجنة التعويضات التابعة للأمم المتحدة لكي يعوضها العراق عن ممتلكات سبق أن أعادها اليها من خلال منسق اعادة الممتلكات. وورد ذلك في المطالبة المرقمة 5000114 الخاصة بالمواد العائدة الى دار الآثار الإسلامية والمتحف الوطني الكويتي التي سلمتها الجهات لعراقية في بغداد الى ممثلي الكويت خلال الفترة من 14/أيلول لغاية 20/تشرين الاول/1991 (انظر UNROP/01047)، وكذلك المطالبات المرقمة 5000139 و 5000181 و 5000192  الخاصة بوزارة الدفاع والمطالبة المرقمة 500044 الخاصة بالبنك المركزي الكويتي، حيث أعيدت (5) خزانات الى الكويت (انظر UNROP/00421).

 

وبذلك فإن قضية إعادة الممتلكات قد انتهت رسمياً وفعلياً منذ عام 1994. فما هو "فضل" مجلس الأمن في النص على إنهائها بعد 19 سنة؟!

وهذه قائمة بالممتلكات الكويتية التي أعادها العراق الى الحكومة الكويتية تحت اشراف الأمم المتحدة وفق ماجاء بوثيقة رسمية للأمانة العامة للمنظمة الدولية:

 


 

 

(ثالثاً): قضية الأرشيف الكويتي

تضمن القرار 2107 إنهاء التدابير المتخذة وفق الفصل السابع في الفقرة (2د) من القرار 686 (1991) والفقرة 14 من القرار 1284 (1999) المشار إليهما في أعلاه فيما يتعلق بالأرشيف الوطني الكويتي. وهذا نص الفقرة الأولى:

 

}}(2د) أن يبدأ على الفور في إعادة كافة الممتلكات الكويتية التي استولى عليها العراق وأن ينتهي من إعادتها في أقصر فترة ممكنة؛{{.

 

وفي أدناه نص الفقرة الثانية:

}}  14. يطلب إلى الأمين العام أن يقدم إلى المجلس تقريراً كل أربعة أشهر عن امتثال العراق لالتزاماته فيما يتعلق بإعادة أو عودة جميع الكويتيين ورعايا البلدان الثالثة، أو جثثهم، وأن يقدم كل ستة أشهر تقريراً عن إعادة جميع الممتلكات الكويتية، بما في ذلك المحفوظات، التي استولى عليها العراق، وأن يعين منسقاً رفيع المستوى لهذه المسائل.{{.

 

كان العراق قد اتخذ قراراً بإعادة الأرشيف الكويتي الذي تحفظت عليه السلطات العراقية في مكان آمن في بغداد للحفاظ عليه من مخاطر الحرب الشاملة الأولى عام 1991 والهجمات الجوية اليومية للطائرات الأميركية والبريطانية التي تواصلت ضمن حرب الاستنزاف 1991-2003.

 

وقد زرت المكان بنفسي بصحبة زميلي وزير الداخلية الأستاذ المهندس محمود ذياب الأحمد، ويقع في أحد مقرات الشرطة العراقية في أطراف بغداد النائية. وعلى إثرها أبلغت الأمين العام للأمم المتحدة السابق السيد كوفي عنان لدى لقائي به في جولة المفاوضات الأولى بين العراق والأمم المتحدة في آذار/ مارس 2002 بقرار العراق إعادة الأرشيف، وأعلنت ذلك في قمة بيروت العربية في أواخر الشهر نفسه. ثم اتفقت مع الأمين العام السيد عنان على آلية التسليم من خلال منسق الأمم المتحدة لإعادة الممتلكات. وعرضنا على الإخوة الكويتيين أن يزور وفد منهم بغداد لتسلمه، إلا انهم فضَّلوا تسلمه في نقطة العبدلي الحدودية. وقامت وزارة الخارجية بنقل محتويات الأرشيف بقاطرات الى النقطة الحدودية وجرت عملية التسليم للسلطات الكويتية بالتنسيق مع الأمانة العامة للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وبحضور ممثليهما. انظر تقرير موقع الجزيرة نت هنا.

وقد أرسلتُ رسالةً الى الأمانة العامة للأمم المتحدة عن عملية التسليم ومحتويات الأرشيف التي أعيدت. وأبلغت الامين العام بتعهد العراق بإعادة اي وثيقة قد يعثر عليها في المستقبل. (الوثيقة في أدناه): 


 


 


وقد ثبَّت الأمين العام للأمم المتحدة هذه الحقيقة بالتفصيل وحسب رسالتي في أعلاه في تقريره المقدم الى مجلس الأمن يوم 17 حزيران/ يونيو الحالي. 
(الوثيقة في أدناه): 

 

 

ولذلك فإن قضية الأرشيف هي الأخرى قد انتهت فعلياً ورسمياً منذ 11 عاما.

....

إذن، كما لاحظنا في أعلاه، فإن القضايا الثلاث التي تحدث القرار الجديد عن إنهاء التدابير المتخذة بشأنها بموجب الفصل السابع قد انتهت منذ فترة العهد الوطني، ولم يعد لها أي وجود على أرض الواقع.

فقضية إطلاق سرح الأسرى وإعادة المحتجزين انتهت منذ آذار/ مارس 1991 أي منذ أكثر من 22 سنة، وقضية المفقودين أحالها مجلس الأمن إلى مجالها الطبيعي، أي الميدان الإنساني، وتركها للتعاون بين الطرفين في إطار اللجنة الدولية للصليب الأحمر ولم يعد لها وجود فعلي في إطار تدابير الفصل السابع. وقضية الممتلكات انتهت منذ 1994 أي منذ 19 سنة، وانتهت قضية الأرشيف منذ 11 سنة.


ويبدو مما عثرت عليه الجهات العراقية بعد الاحتلال انه لم يتبقى في العراق من الممتلكات والأرشيف سوى أشياء بسيطة غير ذات قيمة ولا تدخل في إطار الممتلكات الحكومية والأرشيف الوطني للكويت ( أشرطة إذاعية وكتب عامة وعملات ورقية ومعدنية وطوابع بريدية وقصاصات صحفية ). كما أقرَّ الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره المقدم الى مجلس الأمن يوم 17 حزيران/ يونيو الحالي. 
( الوثيقة في أدناه ): 

 

 
 

 

فما هو، إذن، الإنجاز الكبير الذي أتى به هذا القرار؟

 

يتبـــــــــــــــــــــع ..........

 

 

 





الخميس ٢ رمضــان ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / تمــوز / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب وجهات نظر / ناجي صبري الحديثي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة