شبكة ذي قار
عـاجـل










يقيم ابناء العراق قديما احتفالات سنوية تسمى ( راس السنة الجديده ) ، الاعياد هذه تصف لنا عودة تموز الى الحياة وهذا ما جاء في النصوص السومرية والبابلية وتموز هذا هو اله الشمس الذي انتصرعلى العواصف وصقيع الشتاء.


وفي التراث العربي القديم ذكر بن النديم ( اودونيس ) في الحديث عن أعياد الحرانيين، وقد ورد تحت اسم ( تموز او تاوز ) ، وقال ان النساء تبكيه وكيف تم قتله وطحن عظامه في الرحا. وبقي تموز حيا في التقليد العربي تحت اسم ( جرجيس )، الذي ولد في ( اللد ) من اعمال فلسطين، كما روى الطبري، واستشهد في الموصل. واضطهد وقتل مراراً وكان يعود الى الحياة.


ان سر انجذاب الناس الى اسطورة تموز الذي يسمونه ايضا ( مردوخ اوتاوز او جرجيس ) تعني انجذابهم إلى البطل يبسط العدل ويرفع الظلم ، فوظيفة البطل هي نصرة المظلوم على الظالم ..


يتعرض تموز ( البطل) اليوم في العراق الى محاولات من السلطات الحاكمة بقرار من ايران وامريكا الى قتله وطحن عظامه في الرحا باسم القانون بعد ان عجزت قوانينهم الجائرة ( الاجتثاث ، المسائلة والعداله ) يريدون النيل من تموز باسم قانون ( التجريم ) وهم للاسف لايعرفون بانه سيعود الى الحياة لانه باق في الوعي الجمعي العراقي والعربي وقانونهم الجديد هذا يتميز بتأثره بالفكر السياسي السائد وابناء العراق يعرفون ماهو الفكر السياسي السائد، ويتميز عن غيره لما له من تأثير جوهري على إطلاق أو تقييد الحريات العامة وخاصة حرية المعتقد والتعبير.


ان محاولاتهم سن قانون بتجريم ( تموز ) تاتي لانهم يعتقدون بان السلطة التي يغتصبونها هي سلطة ديمقراطية وبالتالي فاي فـعـل لا يمكن اعتباره جريمة تترتب عليه عقوبة الا اذا نص القانون على اعتباره جريمة معاقباً عليها، وبخلاف ذلك فان كل فـعـل لـم تحدد أركانه بوضوح في نص وتوضع لـه عقوبة مقررة، لا يمكن ان يعاقب فاعله. لأن الاصل فـي الأشياء الإباحة، وكل فعل لـم يجرم صراحة بنص، لا يجوز المعاقبة عليه ولو خرج على القواعد الأخلاقية وقيم المجتمع. وهذه هـي دولة القانون.


تعرض تموز لتآمر الاستعمار والرجعية والتفافهما عليها، فنفذ المرحوم عبد السلام عارف مؤامرته على الثورة في 18 تشرين الثاني عام 1963 ناكرا للجميل الذي قدمته قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي التي جاءت به رئيسا لجمهورية العراق على الرغم من انه لم يشارك في الثورة او يعرف شيئا عنها.


شن المرحوم عارف حملة تصفية للمناضلين البعثيين كما يحصل اليوم في العراق ، اتصفت فترة الحكم العارفي بالضعف والفردية وشهد العراق تكالب اجهزة التجسس والمخابرات الاجنبية التي كانت تحرك كل شيء من خلف الستار، نفس الدور التي تلعبه السفارة الامريكية التي تحرك كل شيء بقفاز ، فكان لابد من ان ينهض البعثيون من جديد على الرغم من الارهاب والتعذيب والسجون لاستلام السلطة من جديد من اجل تحقيق حلمهم بالوحدة والحرية والاشتراكية وكان لهم ماارادوا لانهم يتمتعون بشجاعة فائقة وحاضنة شعبية قل مثيلها.


ان الدور المتميز الذي قامت به قيادة الحزب في التصدي للردة والتزييف والمزايدات ادى الى ان يتمكنوا من اعادة تنظيم الحزب ، والحفاظ على شرعيته ووحدته،بعد اهتزاز قناعات البعض من البعثيين وعندما تهيأت الظروف داخل الحزب وتأمنت المستلزمات المادية للقيام بثورة 17 ـ 30 تموز فجرالحزب الثورة ( اضطهد وقتل مراراً وكان يعود الى الحياة ).


تمكن تموز من القيام بثورة تموز 1968 بعد ان عاد و اكتسب الشرعية عن طريق التفاف ابناء الشعب حوله ، ومن البداية حملت الثورة على عاتقها مهمة النهوض بالمشروع الحضاري العربي وسخرت امكانيات العراق المادية والبشرية لخدمة هدا المشروع. ان هذا المشروع كان الجواب الشافي عن نكسة حزيران ، والرد على محاولات اجهاض حرب تشرين 1973 كما كان رد الحزب على ردة 18 تشرين ، واعاد الثقة الى ابناء الامة العربية ، واعاد الى العراق وجهه القومي النهضوي ، وممارسة دوره القومي بمستوى قدراته المادية والبشرية، وبعمق جذوره الحضارية


راهن أعداء الأمة العربية وأعداء البعث على أن الثورة الجديدة لا تستطيع أن تقاوم الأزمات التي يمكن أن تثيرها القوى المعادية الداخلية والخارجية، أو تحل المشكلات السياسية والاجتماعية التي يعيشها الشعب العراقي، نتيجة الظروف الاستثنائية التي مرت به في العقدين اللذين سبقا الثورة، ولكن الأعداء فوجئوا بإرادة الثوار وعزيمتهم الصلبة التي استطاعوا من خلالها نزع أول فتيل كان مقدرا له أن يفجرها من الداخل وبفترة قياسية وذلك من خلال إقصاء جماعة عبد الرزاق النايف في الثلاثين من تموز.


إن نوعية الظروف التي واجهتها الثورة بعد نجاحها جعلت القيادة تتوجه بالدرجة الأولى إلى تثبيت السلطة الوطنية سبيلا أساسيا للتفرغ باتجاه أهدافها، استطاعت الثورة التخلص من خطر تشويه هويتها والالتفاف عليها وحرفها عن الطريق الذي رسمه الحزب وذلك من خلال القضاء على جماعة عبد الرزاق النايف كما أشرنا أعلاه، واستطاعت الثورة أيضا القضاء على شبكات التجسس العميلة وعلى رأسها الشبكات المرتبطة بالصهاينة التي كانت تصول وتجول في البلاد، علق الجواسيس في ساحة التحرير في بغداد بعد محاكمة علنية عبر التلفاز برئاسة الحاكم علي هادي وتوت، الهدف من تعليقهم هو الحد من ظاهرة التجسس التي كانت مستشرية قبل الثورة وإظهار التحدي العلني لكل ما هو استعماري، إمبريالي، صهيوني.


واستطاعت الثورة من معالجة الأمراض الاجتماعية التي وظفتها دوائر خارجية بهدف زعزعة النظام الوطني في العراق والقضاء على المحاولات التي عملت على إسقاط الثورة وبدعم خارجي وهنا لابد من الإشارة إلى المؤامرة التي قادها عبد الغني الراوي بالتعاون من المخابرات الإيرانية والأمريكية والتي شارك فيها العميل مهدي الحكيم، والمعلومات التي تؤكد الدعم الخارجي لهم جاءت في مذكرات عبد الغني الراوي المقيم في الرياض ومن خلال الحديث الذي أدلى به العميل سعد صالح جبر عبر الفضائيات والذي أكد مشاركته ولقائه بشاه إيران لنفس السبب.


كان يوم القضاء على تلك المؤامرة عرسا احتفلت به الجماهير المناضلة في العراق عبر مسيرة امتدت من ساحة الميدان إلى حدائق القصر الجمهوري الذي فتح أبوابه للمتظاهرين وهم يحملون بنادقهم مؤكدين دعمهم للحزب وقيادة الثورة، خرجت القيادة لتحي الجماهير من على الشرفة، علينا أن نتصور جماهير مسلحه بمواجهة القيادة يحي أحدهم الأخر وبعد أشهر من الثورة يعد تلاحم بطولي إذا ما قورن بعملاء يحميهم المحتل وكتل الكونكريت ويسكنون المنطقة الخضراء وهم لا يستطيعون الخروج إلى شوارع بغداد بعد أكثر من عشرة سنوات لمواجهة الشعب والاطلاع على معاناته.


خلال السنوات الأولى لثورة تموز البيضاء كان الكادر المتقدم في الحزب يعقد اجتماعات جماهيرية في الساحات العامة والأحياء تحت عنوان ( أنت تسأل والحزب يجيب ) وكان أنصار وأعضاء الحزب يشاركون الجماهير في بناء العراق عبر حملات العمل الشعبي في أبو منيصير والدواية وجمع القطن في مزارع الصويرة، وكان البعض منهم يوزع معجون الطماطة والبيض والبطاطة في الأسواق الشعبية التي انتشرت في عموم العراق لمعالجة أي خلل بالوضع الاقتصادي وكان العمل تطوعيا.


عبر ما قام به الحزب وقيادته في الأيام الأولى للثورة جعله يتمكن من القضاء على المشكلات التي برزت في السنوات الأولى وبالتوازي مع القضاء على تلك المشاكل وتراجع تأثيرها استطاع الحزب أن يوسع قاعدة حزبية كبيرة وتراكم في الخبرة بمرور الزمن، فالحزب لم يوزع دولارات كما هو الحال اليوم ولم يكون مليشيات ترهب الناس بهدف دفعهم للانتماء كما هو حاصل هذه الأيام ..


استطاعت قيادة السابع عشر - الثلاثين من تموز من خلق جسور الثقة مع الجماهير بفترة قياسية، فالثورة أدركت في السنوات الأولي إنها ورثت أزمة ثقة بين الجماهير والثورة، عاشت مرارتها في ضميرها وقلبها وعقلها، وعقدت العزم على تخطيها بثقة عالية بالنفس والحزب والجماهير. .


بدأت الثورة بتصفية شبكات الجواسيس، والتعرض للمؤامرات والقضاء عليها بحزم وقوة، واعلان بيان 11 اذار ، وتأمييم شركات النفط الاحتكارية واقامة الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، واقامة الحكم الذاتي ، وتنفيذ خطط طموحة، منحت العراق قاعدة اقتصادية في مجالات الزراعة والصناعة ، فضلا عن تنمية القدرات البشرية وتزويدها بآخر ماتوصل اليه العلم والتقنية، وحافظت الثورة ايضا على روح المبادرة في التعرض للقوى المعادية او الطامعة في العراق ارضا وثروات. كما حدث في ملحمتي القادسية وام المعارك، وحرب تشرين1973، والدفاع عن جنوب لبنان ، والتصدي لا تفاقيات التسوية مع الكيان الصهيوني.


ان تجاوز ثورة تموز الخطوط الحمراء هو وراء وضعها في قائمة التجريم والاجتثاث على يد اليمين المتصهين في امريكا المعادي لكل ماهو عربي واسلامي والذي جعل الادارة الامريكية واجهزتها الاعلامية تعمل على جر الغرب الى سياستها العدوانية ازاء العراق بحجج شتى ، وجعل الكيان الصهيوني يعمل على التنسيق مع امريكا لضرب العراق من خلال غطاء اعلامي وسياسي اعتمد اكاذيب لم تصمد اكثر من عام ،( اسلحة الدمار الشامل ، العلاقة مع الارهاب ، المقابر الجماعية ، الديمقراطية ......الخ )، فمخيلتهم المريضة التي لم تستوعب الدروس المستنبطة من تاريخ العراق وبالذات اسطورة تموز ( البطل ) والتي صورت لهم ان الثورة وقادتها سقطوا بسقوط تمثال ساحة الفردوس، وكان ان سقطوا بالفخ المنصوب الذي اعد باحكام ، ان دخولهم الفخ رتب عليهم حقوق وخروجهم السريع سيرتب عليهم حقوقا اضافية تمتد لتشمل حقوق العراق والامة العربية التأريخية في اعناق كل من شارك في العدوان وهذه المخيلة المريضة الامريكية انتقلت الى عملائهم الذين يريدون اليوم تجريم البعث كفكر وتجربه امتدت طويلا وتجذرت في الارض والضمائر الحية عبر مايسمى الاجتثاث ومن ثم المسالة وبعد ان ثبت عجزهم صور لهم قرينهم الشيطان ان التجريم هو الحل الناجع لكنهم للاسف كسيدهم لايعرفون شيء عن التاريخ ، ندعوهم لدراسة اسطورة الاله تموز (مردوخ او البطل ) في التاريخ والوعي الجمعي العراقي فالبعث الذي نعرفة فكريا وعمليا هو تموز الذي اضطهد وقتل مراراً وكان يعود الى الحياة.

 

 





الاحد ٥ رمضــان ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / تمــوز / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب فالح حسن شمخي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة