شبكة ذي قار
عـاجـل










كنا نشرنا قبل أيام هنا و هنا و هنا الأقسام الأول والثاني والثالث من الدراسة القانوينة التحليلية الموثَّقة التي كتبها وزير خارجية العهد الوطني الدكتور ناجي صبري الحديثي بشأن الضجيج الاعلامي المكثَّف حول ( إخراج العراق من الفصل السابع ) الذي انطلق إثر تبني مجلس الأمن الدولي قراره 2107.

 

ويسر وجهات نظر أن تنشر اليوم القسم الرابع من هذه الدراسة المهمة والذي يتضمن القرارات التي اتَّخذها مجلس الأمن الدولي بعد وقوع العراق تحت الإحتلال الأجنبي عام 2003 ورفع بموجبها معظم التدابير التي سبق أن فرضها على العراق في إطار الحملة الحربية الأميركية الاستعمارية على العراق منذ آب / أإسطس 1990، وما شابها من تزوير للارادة الدولية وتدليس وتناقضات وانتهاكات صارخة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

كما يناقش هذا القسم قصة صندوق تنمية العراق الذي شُكِّل وألغي بعد الإحتلال.

 

العراق والفصل السابع ، قصة الدخول والخروج

القسم الرابع : ما ألغي من تدابير السابع بعد الاحتلال وصندوق التنمية والتدليس والتزوير


وجهات نظر

ناجي صبري الحديثي

 

يمكن القول أن أخطر تدابير الشر والعدوان الأميركية التي فرضها مجلس الأمن على العراق  بموجب القرار 687 في 3 / 4 / 1991 هي الخمسة التالية:

 

1. تدمير وإزالة واحد من أهم  أسلحة العراق التقليدية ( الصواريخ بعيدة المدى ) وغير التقليدية ( الكيماوية ) وكل ما يدخل فيها وفي غيرها من الأسلحة من مكونات وما يتصل بها من مرافق ومنظومات بحوث علمية.

 

2. حرمان العراق من شراء أي سلاح مهما كانت درجته ونوعه ثقيلا أو متوسطا أو خفيفا.

 

3. تمديد حرب الإبادة الاقتصادية الممثلة بنظام العقوبات تحت شرط جديد يرتبط بامتثال العراق للمطلب الأول في أعلاه واقتناع مجلس الأمن بذلك.

 

4. تخطيط الحدود مع الكويت.

 

5. دفع التعويضات التي تقررها لجنة التعويضات التابعة لمجلس الأمن.

 

وبوقوع العراق تحت الاحتلال في التاسع من نيسان الأسود 2003 تحقق الهدف من صدور جميع تلك القرارات الظالمة التي أملتها الولايات المتحدة على مجلس الأمن ليفرضها على العراق بموجب الفصل السابع. وكما أوضح الأكاديمي العراقي الدكتور عبدالواحد الجصاني ( في مقالتيه التحليليتين الموثقتين ثياب العراق الجديدة- مهزلة خروجنا من الفصل السابع، وأليس الصبح بقريب: قراءة في تداعيات قرار مجلس الأمن 2107 ) ، فإن مجلس الأمن بدأ منذ 22 / 5 / 2003 ، أي بعد أقل من شهر ونصف على احتلال العراق، عملية الإلغاء الرسمي لمعظم تلك التدابير، وبصورة تثبت بما لا يقبل الشك صحة كل مواقف القيادة العراقية وقراءاتها لتلك القرارات ولمواقف مجلس الأمن وتشخيصها للحملة الحربية العالمية التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق، وتؤكد طبيعة سياسات هذه الدولة المتغولة القائمة على الشر والعدوان والحروب واستهانتها بمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة  وبكل ما تصبو إليه الإنسانية من قيم الحق والعدل والمساواة وحقوق الإنسان. على هذا لا يعني أن المجلس قد اعتزم إلغاء كل تلك التدابير الظالمة.

 

وفي ما يأتي التدابير التي ألغاها مجلس الأمن بعد الاحتلال:

 

 ( 1 ) ألغى مجلس الأمن بموجب الفقرة 10 من القرار 1483 الصادر يوم 22 / 5 / 2003 جميع إجراءات نظام العقوبات ( الحصار ) ، الذي سبق أن فرضه بموجب القرار 661  ( 1990 ) وربطه آنذاك بشرط الانسحاب من الكويت، لكنه لم يرفعه بعد ان انسحب العراق في نهاية شهر شباط / فبراير 1991 ، بل مدده بموجب القرار 687  ( 1991 ) وربطه بشرط جديد هو قيام العراق بتدمير أسلحته وتأكد المجلس واقتناعه بذلك. لكن مجلس الأمن رفع جميع إجراءات الحصار من دون التطرق الى تحقق هذا الشرط الجديد من عدمه، مما يفضح الهدف الحقيقي من فرض الحصار وهو خدمة مخطط غزو العراق واحتلاله من خلال إنهاك الدولة العراقية واستنزاف مواردها البشرية والاقتصادية.

 

 ( 2 ) وبموجب الفقرة 16 من هذا القرار ( 1483 أوقف مجلس الأمن برنامج النفط مقابل الغذاء وطلب من الأمين العام للأمم المتحدة إنهاء موجوداته خلال فترة زمنية معينة ، ثم قرر المجلس إنهاء البرنامج بصورة كاملة بقراره 1958  ( 2010 ) بعد أن أجاز للأمانة العامة للامم المتحدة أن تنهب منه 151 مليون دولار بذريعة نفقات إدارية وتعويضات.

 

 ( 3 ) وألغى مجلس الأمن بموجب الفقرة 21 من قراره  1546 ( 2004 ) حظر بيع الأسلحة التقليدية للعراق الذي سبق أن فرضه بموجب قراره 687  ( 1991 ) .

 

 ( 3 )  وبموجب القرار 1483  ( 2003 ) أكد مجلس الأمن اعتزامه إعادة النظر بولاية لجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش ( الأنموفيك ) وفريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخاص بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية. وأشار في عبارة عائمة غير محددة الى ( ضرورة أن يلبي العراق التزاماته بشأن نزع السلاح ) ، ثم طلب من الولايات المتحدة وبريطانيا ( إبقاء المجلس على علم بأنشطتهما في هذا الشأن ) . ثم قرر بموجب القرار 1762  ( 2007 )  إنهاء عمل جميع فرق التفتيش عن الأسلحة المشكلة بموجب القرار 687  ( 1991 ) وذلك بإنهاء ولاية لجنة انموفيك والوكالة، بدون التطرق الى أي نتائج توصلا إليها تبرر ذلك حسب قراراته ومواقفه السابقة. وبذلك أفصح مجلس الأمن بنفسه عن أن التمهيد لغزو العراق واحتلاله هو الهدف الحقيقي من عشرات القرارات والتدابير العدوانية التي اتخذها ضد العراق والهجمات الحربية الأميركية والبريطانية التي سكت عنها تحت ستار إلزام العراق بالامتثال لمتطلبات نزع أسلحته غير التقليدية. كما اعترف أن كل الحملة الدولية الظالمة المتصلة بمسألة أسلحة الدمار الشامل التي شنت على العراق تحت عباءة مجلس الأمن تقف وراءها الدولتان المعاديتان للعراق الولايات المتحدة وبريطانيا المهيمنتان على قرار مجلس الأمن.

 

 ( 4 ) وقرر مجلس الأمن بقراره 1490 في 3 / 7 / 2003 إنهاء ولاية فريق المراقبين الدوليين بين العراق والكويت ( يونيكوم ) بتاريخ 6 / 10 / 2003 ، وكانت الأمم المتحدة قد أنهت عمليا، قبل الغزو بيومين، مهمة الفريق المكلف بمراقبة الحدود ورصد أي انتهاكات للحدود بين البلدين، حينما قررت سحبه يوم 18 / 3 / 2003 لفسح المجال للانتهاك الأكبر والأخطر الذي ارتكبته القوات الأميركية والبريطانية الغازية وحليفاتها ليس لولاية فريق المراقبين فحسب بل لولاية الأمم المتحدة وميثاقها ولولاية القانون الدولي. وأودعت العناصر المدنية للفريق في مكتبها في داخل مدينة الكويت.

 

 ( 5 ) وألغى مجلس الأمن في قراره 1957  ( 2010 ) جميع التدابير المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل والقذائف والأنشطة النووية المدنية المفروضة بموجب القرار 687  ( 1991 ) على أي معدات قد تدخل في صناعتها. 

 

ويشير الأكاديمي العراقي الأستاذ بدر الدين كاشف الغطاء ( في مقالته: هذه هي الحقائق عن قرارات مجلس الأمن برفع العقوبات عن العراق- 16 / 12 / 2010 ) ان رفع هذه القيود عن العراق لا يعني شيئا من الناحية العملية بعد أن جرَّدت الولايات المتحدة وشريكاتها في الاحتلال العراق من أي إمكانية للاستفادة من هذا الإجراء بإجهازها على جميع ركائز البنية الأساسية العلمية والصناعية والتقنية في العراق." ومع أن رفع هذا القيد كان نظريا، فإن أمريكا أخذت مقابله ثمنا يمس بسيادة العراق، فقد تضمن القرار حث العراق على الانضمام الى البروتوكول الإضافي المرفق باتفاقية الضمانات الشاملة ضمن معاهدة عدم الانتشار النووي، والتصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، وحسن تنفيذ التزاماته ضمن اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، وطلب القرار من الأمين العام تقريرا بعد سنة عن تنفيذ العراق لهذه الالتزامات. إن هذه الشروط هي انتهاك إضافي لحقوق العراق، فبموجب القانون الدولي يكون انضمام أو تصديق الدول على الاتفاقيات بقرار وطني طوعي لا إجبار فيه، أمّا تضمين تلك الالتزامات في قرار لمجلس الأمن بموجب الفصل السابع فهو هو شكل من أشكال القسر والاعتداء على الحقوق السيادية للدول."

 

وكان مجلس الأمن قد أحال في قراره 1762  ( 2007 ) الى الحكومة القائمة في العراق حاليا مسؤولية تنفيذ تلك القيود من خلال دائرة الرقابة الوطنية ، قبل أن يلغيها بموجب القرار 1957  ( 2010 ) .

 

قصة صندوق تنمية العراق والتصرف بأمواله

كان مجلس الأمن قد أسس بعد احتلال العراق ( في قراراه 1483 الصادر في 22 / 5 / 2003  بموجب الفصل السابع )  ما يسمى بـ ( صندوق تنمية العراق ) وقرر أن يحصر فيه جميع موارد العراق النفطية وأرصدته المتبقية من برنامج النفط مقابل الغذاء وتلك المجمدة في البنوك الأجنبية. ووضع الصندوق تحت ادارة الاحتلال الأميركي-البريطاني للعراق المتمثلة بـ ( سلطة الإئتلاف المؤقتة ) بحجة الصرف منه ( لتلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب العراقي ومن أجل إعادة بناء الاقتصاد وإصلاح الهياكل الأساسية للعراق ومواصلة نزع سلاح العراق وتغطية تكاليف الإدارة العراقية المدنية وللأغراض الأخرى التي تعود بالفائدة على شعب العراق ) ،على أن يستقطع من وارداته مبلغ 5 % لسداد تعويضات الحرب للكويت. وقد شكَّل المجلس في القرار نفسه ما يسمى بـ المجلس الدولي للمشورة والرقابة ( The International Advisory and Monitoring Board / IAMB ) من ممثلي عدة جهات دولية ليتولى الإشراف الرقابي حتى نهاية حزيران / يونيو 2004.

 

وفي ذلك التاريخ ( 30 / 6 / 2004 ) حلَّت الدول القائمة بالاحتلال سلطة الائتلاف المؤقتة برئاسة الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، وسلمت إدارة سلطة الاحتلال الى حكومة محلية عينتها من بين أعضاء مجلس الحكم المؤقت الذي سبق أن عينته هذه الإدارة  تحت إشراف الحاكم الاستعماري بريمر. وكان مجلس الأمن قد وثق في القرار 1546 في 8 حزيران / يونيو 2004 هذه العملية ورحب بها. وبموجب فقرته الرابعة والعشرين نقل مجلس الأمن صندوق تنمية العراق  الى الحكومة التي أنشأتها الولايات المتحدة وحليفاتها: "ينوه بأنه يلزم، بعد حل سلطة التحالف المؤقتة، أن يكون التصرف في أموال صندوق التنمية للعراق مرهونا على وجه الحصر بتوجيهات حكومة العراق...".

 

وبذلك تكون الحكومة المحلية التي نصبها المحتلون قد تسلمت كل الموارد المالية العراقية منذ يوم 30 حزيران / يونيو 2004، بخلاف ما يدعيه مسؤولوها وأتباعها ويروِّجوه من أعذار ومبررات لفشلهم الذريع في ضمان الأمن وتأمين الحد الأدنى من الخدمات التعليمية والصحية والبلدية، ولعجزهم الكامل عن مواصلة تقديم الخدمات العمومية التي كانت تؤمنها الحكومة الوطنية للناس قبل الاحتلال رغم كل ظروف الحصار القاسية ومعوقاته الشديدة و التعجيزية والضغوط والهجمات الحربية التي كانت الولايات المتحدة وحليفاتها تمارسها على دولة العراق الوطنية.

 

وهذه الحقيقة تدحض بطبيعة الحال ما روَّجه هؤلاء المسؤولون للقرار 2107 في 27 / 6 / 2013 باعتباره قد أخرج العراق من ( خانة الفصل السابع ) وأنه سيتيح للحكومة التصرف بموارد العراق في التنمية ما يفتح أبواب التقدم والرفاه ... والكهرباء!.  واقرأوا ما كتبه أحد كبار المستشارين الماليين للحكومة الحالية قبل يومين من صدور هذا القرار:

 

[ربما سيخرج العراق من طائلة الفصل السابع، في المدة القريبة القادمة، ونغادر، نحن شعب العراق، قضبانَ ذلك الفصل المعادي للتنمية والتقدم، ونحن نتطلع إلى واحة الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وهو الفصل المعني بالسلام والتقدم، ومن ثم طي صفحة الحروب. وهنا، لا بد أن تتحقق القدرة على استعادة الطاقة الكهربائية قبل غيرها، كي نلمس حقيقة أن توقف كهربة العراق كان سببه قيود الفصل السابع، وقواه الخفية العمدية، التي حرمت البلاد من الحصول على تكنولوجيا الطاقة وولوج التقدم والتنمية. وأخيرا، إن ما جرى لهذا القطاع الحيوي هو ثمن سراب الفصل السابع ومسكناته، منذ 9 نيسان 2003...]

 

وكان مجلس الأمن قد مدَّد في القرار 1546 في 8 حزيران / يونيو 2004 ولاية المجلس الدولي للمشورة والرقابة على صندوق أموال العراق حتى حزيران / يونيو 2005. وبموجب 6 قرارات اعتمدت بموجب الفصل السابع بدءا من القرار 1637 في 8 / 11 / 2005 وانتهاءً بالقرار 1956 في 15 / 12 / 2010 واصل تمديد ولاية المجلس سنة بعد أخرى حتى أنهاها في 30 حزيران / يونيو 2011 بعد التأكيد على استقطاع نسبة الـ 5 % لتعويضات الكويت. وهكذا انتهت مسرحية الإشراف الرقابي الدولي على أوجه التصرف بأموال العراق وتسلمت الحكومة الحالية الإشراف الرقابي على أموال العراق منذ 1 تموز / يوليو 2011. وخير دليل على ( سلامة و نجاعة وقوة ) الإشراف الرقابي الذي مارسه هذا المجلس، تحت عباءة الاحتلال الأميركي على التصرف الحكومي بأموال شعب العراق، هو بلوغ حكومة العراق بعد الاحتلال أعلى مراتب الفساد في العالم حسب تقارير منظمة الشفافية العالمية السنوية منذ 2007.

 

وليس أدلَّ على شفافية هذا التقدير من هذه الحقيقة: فقد وصلت واردات العراق من النفط منذ بداية إنتاجه في عشرينيات القرن الماضي حتى وقوع العراق تحت الاحتلال عام 2003  مبلغ 295 مليار دولار. وقد وُظِّفت هذه الواردات في بناء الدولة العراقية بكل مرافقها وبنيتها الأساسية وعمرانها وبكل ما حفلت به وبلغته من تقدم وعز وقوة وحداثة. أما بعد وقوع العراق تحت الاحتلال وفي فترة تسع سنوات فقط من عام 2003 حتى نهاية عام 2012 فقد بلغت واردات خزينة الدولة من النفط ومن المبالغ المجمدة منذ عام 1990 وتلك المحجوزة في حساب برنامج النفط مقابل الغذاء ما يزيد على 700 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من ضعف واردات العراق من النفط خلال 80 عاما. وليس وضع العراق في ظل الاحتلال وحكوماته بحاجة الى تعليق.

 

عملية التزوير الكبرى

ومن المناسب ان نشير بما يسمح به المجال الى التناقض والتزوير اللذين شابا القرارين اللذين اشرنا إليهما في أعلاه وهما القرار 1483 في 22 أيار / مايو2003 والقرار 1546  في 8 حزيران / يونيو 2004 . 

 

ففي القرار الأول تقول الفقرة الثانية من الديباجة  أن مجلس الأمن "يؤكد من جديد  سيادة العراق وسلامته الإقليمية" ويطلق في الفقرة ( 13 ) من الديباجة على الولايات المتحدة وبريطانيا التوصيف القانوني الصحيح "بوصفهما دولتين قائمتين بالاحتلال" ويحملهما المسئوليات والالتزامات التي عليهما بحكم هذا الوصف، أي أنهما ملزمتان بتطبيق القانون الدولي الإنساني. وبذلك اضطر المجلس على ما يبدو أن يقرَّ بدون اي لبس أو تأويل  بأن ما تعرض له العراق احتلال وأن الولايات المتحدة وبريطانيا دولتين قائمتين بالاحتلال. لكن المجلس بحكم التأثير والنفوذ الأميركي خضع للأمر الواقع وامتنع عن استنكار الاحتلال ولم يطالب بإزالته رغم كونه انتهاكا صريحا لسيادة أي دولة وسلامتها الإقليمية، كما تنص على ذلك جميع المواثيق والقوانين الدولية وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة.

 

وبينما يطلب المجلس في الفقرة العاملة الخامسة من القرار من "جميع المعنيين" ويقصد الدولتين القائمتين بالاحتلال الولايات المتحدة وبريطانيا أن "يتقيدوا تقيداً تاماً بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي بما في ذلك بصفة خاصة اتفاقيات جنيف لعام 1949 وقواعد لاهاي 1907» فإنه هو نفسه لم يتقيَّد بهذه الالتزامات عندما أطلق بموجب قراره هذا على إدارة الاحتلال المرتبطة بهما  لفظة ( السلطة ) بدلا من التعبير القانوني ( سلطات الاحتلال ) الذي تنص عليه اتفاقيات جنيف في تحايل واضح على القانون الدولي الإنساني ، يرمي الى إخفاء الجانب غير الشرعي والمنتهك للقانون الدولي في وصف الوضع القائم في العراق المحتل.

 

ثم أمعن المجلس في هذا النهج المنحرف فرحَّب في الفقرتين ( 14 و 15 ) من القرار باستعداد دول أخرى "ليست قائمة بالاحتلال" للمشاركة في إدارة عملية الاحتلال بدلا من تحريمها.

 

كما تبنى في الفقرة ( 11 ) من الديباجة موقف الدولتين القائمتين بالاحتلال المخالف لمسئولياتهما المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف ولائحة لاهاي ، وأطلق جانبا من اتهاماتهما  الجزافية لمسؤولي الدولة العراقية. ثم قرر في الفقرة العاملة الثالثة إجراء تعسفيا لملاحقة مسؤولي دولة العراق الوطنية خلافا لاتفاقيات جنيف.

 

وفي كلتا الحالتين تصرَّف المجلس وكأنه هيئة تابعة للدولتين الذين وصفهما بأنهما قائمتين بالاحتلال، وبما لا يليق بهيئة دولية محايدة يقوم قانونها الأساس على مبدأ المساواة في السيادة بين الدول وعلى قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي وهي حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية ( المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة ) .

 

وثمة ازدواجية وتناقض صارخ بين الفقرة الثالثة من ديباجة  القرار 1483التي تقول أن مجلس الأمن "يؤكد من جديد أيضا أهمية نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية وتأكيد نزع سلاح العراق في نهاية المطاف" والفقرة العاملة العاشرة التي رفع بموجبها المجلس العقوبات المفروضة على العراق دون التحقق من نزع أسلحة العراق التي ربطت به في القرار 687 والذي بقي المجلس يتذرع به في رفض جميع الدعوات الدولية لرفعها طيلة الفترة من 1991 حتى وقوع العراق تحت الاحتلال عام 2003.

 

فهل يعني هذا شيئا غير أن هذه العقوبات فرضها المجلس عام 1990 وجددها عام 1991 لا علاقة لها بقضية الكويت ولا بنزع الأسلحة وإنما بمخطط إنهاك الدولة العراقية واستنزاف مواردها الاقتصادية وطاقاتها البشرية لمساعدة الولايات المتحدة في مساعيها لغزوها واحتلالها في وقت لاحق؟

 

وفي القرار 1546  في 8 حزيران / يونيو 2004 كان مجلس الأمن شاهدا على أكبر عملية تزوير في تاريخ الأمم المتحدة. فقد رحَّب المجلس بقيام الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتين سبق أن وصفهما في القرار 1483  ( 2003 ) بـ"الدولتين القائمتين بالاحتلال"، بتسليم إدارة العراق المحتل في حزيران / يونيو 2004 الى حكومة محلية عينتها الدولتان من بين أعضاء مجلس الحكم المؤقت الذي أنشأتاه بعد الاحتلال. ووصف المجلس عملية تسليم إدارة العراق المحتل من السيد الى وكلائه وممثليه المحليين في نهاية ذلك الشهر بأنها "انتهاء للاحتلال".

 

ومما يزيد موقف المجلس انتهاكا لقواعد القانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة انه أطلق هذا الحكم الجزافي على وضع العراق رغم بقاء قوات الاحتلال الأميركية والحليفة في العراق تحت تسمية ( القوة متعددة الجنسيات ) التي قرر مجلس الأمن إطلاقها عليها بقراره 1511 في 16 تشرين أول / أكتوبر 2003. ورحَّب  مجلس الأمن في هذا القرار مع الخطوات التي اتخذتها الدولتان القائمتان بالاحتلال لتشكيل واجهة محلية للاحتلال الأجنبي عبر ما يسمى بـ ( السلطة ) ومن خلال مجلس الحكم الذي نصبتاه خلافا لمسؤولياتهما والتزاماتهما بموجب القانون الدولي. ورحب على سبيل المثال في الفقرة السابعة من ديباجة القرار بما أسماه ( التقدم المحرز في تنفيذ ترتيبات الانتقال السياسي للعراق، المشار إليها في القرار 1511المؤرخ في 16 تشرين أول / اكتوبر 2003 ) الذي يشير الى مجلس الحكم الذي نصَّبته سلطة الاحتلال الاستعماري الأميركي-البريطاني تحت إدارة رئيسها بول بريمر بوصفه ( الممثل للشعب على نطاق واسع ) .

 

فتصوروا مدى احترام مجلس الأمن والمهيمنين عليه لحق الشعوب في تقرير مصيرها، كما يرد في الكثير من صكوك القانون الدولي ، ومنها على سبيل المثال ( إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة ) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 14 / 12 / 1960 الذي أكد، على سبيل المثال،  في المادة ( 1 ) : إن إخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل إنكارا لحقوق الإنسان الأساسية، ويناقض ميثاق الأمم المتحدة، ويعيق قضية السلم والتعاون العالميين؛ وفي المادة ( 2 ) : لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعي بحرية إلي تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. كما نشير هنا الى إعلان ( حق جميع الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية والقهر الأجنبي، غير القابل للتصرف، في تقرير المصير والحرية والاستقلال ) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1974 وفقراته العاملة الثلاث: ( + تؤكد [الجمعية العامة للأمم المتحدة] من جديد حق جميع الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية والقهر الأجنبي، غير القابل للتصرف، في تقرير المصير، والحرية، والاستقلال .... + وتجدد نداءها لجميع الدول كيما تعترف بحق جميع الشعوب التي تتعرض للسيطرة الاستعمارية والأجنبية والقهر الأجنبي في تقرير المصير والاستقلال، وتقدم لها المساعدات المعنوية والمادية وغيرها من أشكال المساعدة في كفاحها في سبيل الممارسة الكاملة لحقها، غير القابل للتصرف،  في تقرير المصير والاستقلال. + وتؤكد من جديد شرعية كفاح الشعوب في سبيل التحرر من السيطرة الاستعمارية والأجنبية والقهر الأجنبي بكافة الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح. )

 

 

وفي القسم الخامس والأخير سنتناول، إن شاء الله، استمرار التدابير المفروضة على العراق بقوة الفصل السابع وتحديدا القضيتان الخطيرتان: تخطيط الحدود بين العراق والكويت وتعويضات الحرب للكويتأبعادهما وخلفياتهما وحجم ضررهما للعراق. 

 

كما سنتناول، بإذن الله، ما للعراق من حقوق في ضوء ما تقدم في هذه الدراسة.


يتبــــــــــــــــــع ....

 

 





الاربعاء ١٥ رمضــان ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / تمــوز / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب وجهات نظر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة