شبكة ذي قار
عـاجـل










تحاول بعض الجهات المعروفة باتجاهاتها المغرضة، والبعض من الأقلام مدفوعة الأجر، أن تفتش هنا وهناك، في هذا السطر وهذه الجملة وهذه المفردة، لتفسيرها ووضعها في غير سياقها وفي غير معناها وتوصيفها وكأنها حالة مقطوعة وثابتة تترتب عليها إدانة من نوع ما .. كل هذا البؤس تجده في ما كتبته صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 1/8/2013، حين نشرت في أعقاب خطاب المجاهد عزة إبراهيم الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي قائد مسيرة التحرير في العراق، تشير كذباً بأنه ( يعترف بعلاقته بالقاعدة ) ..!!

 

العالم كله يعلم ويدرك تمام الإدراك، أن البعث يتقاطع مع القاعدة أيديولوجياً ، فهي أممية الاتجاه، فيما البعث حركة قومية عربية تقدمية تحررية خالية من عقد التاريخ، ولا يؤمن بتكفير الآخر مهما كان مذهبه، سواء كان سنياً أم شيعياً.. كما أن البعث حركة ثورية لا يؤمن بالتعصب ولا بالغلو في الرأي أو العقيدة، ويرفض أي اتجاه من شأنه أن يشجع على الإقصاء والعنف والتصفيات، في الحرب والسلم، لأن مثل هذا الاتجاه لا يخدم منهج التحرير كما لا يخدم  البناء الوطني، لا على مستوى المواطن ولا على مستوى الدولة .

 

معروفة هي أيديولوجية القاعدة التي ترتكز على التزمت والتعصب والتكفير، فهي ومنذ نشأتها في خضم حركة التحرر الأفغانية إثر الغزو السوفياتي لأفغانستان، قد أوكلت المخابرات المركزية الأمريكية ( CIA ) ، مهمة الانخراط في حركة التحرير الأفغانية لمجاميع من العناصر المتطوعة أطلق عليهم ( العرب الأفغان ) ، تحت رعاية مكتب في كابل يدير أعمال الاستيراد والتصدير وعلى رأس هذا المكتب الشيخ " أسامة بن لادن " ، حيث مول هذا المكتب بـ ( 500 ) مليون دولار لتعزيز حركة المقاومة الوطنية الأفغانية ضد الوجود العسكري السوفياتي في أفغانستان، وقد انتهت إستراتيجية الاستنزاف التي اتبعتها حركة التحرر الوطني الأفغانية بهزيمة الجيوش السوفياتية .. بيد أن اتجاه القاعدة كان ينصب على الهيمنة والسيطرة على النجاحات التي حققتها الحركة الوطنية الأفغانية، عن طريق الـ ( تغول ) عليها ومحاربتها .. بمعنى أن ما حصل هو فرض استحقاقات القاعدة المدعومة أمريكياً - بحكم الصراع والتنافس بين أمريكا والإتحاد السوفياتي في حربهما الباردة -  على واقع حركة التحرير الوطني الأفغانية .

 

هذا الاتجاه، كان قد عوَلت علية الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض إستراتيجياً – في ضوء خلاصة " زبيغنيو بريجنسكي " التي تشير إلى ما أسماه استيقاظ الأصولية والعرقية والمذهبية وضرورة استخدامها على مستوى العالم – .

 

القاعدة الأم سرعان ما فرخت مجاميع وعناصر ومنظمات، انتشرت بفعل الحاضنة المسلمة في واقع العالم الإسلامي والعربي، تداخلت وتفرعت، وتم توزيع عناصرها، بعد تدريبهم في معسكرات خاصة، على مختلف التنظيمات والجمعيات والأحزاب الإسلامية .. فبعض قيادات القاعد لها مقراتها في إيران، التي تستخدم عناصرها كأداة تستهدف تصفية الحسابات، فيما أشرفت المخابرات الأمريكية على تنظيم القاعدة الخاص هو الآخر يستخدم في تصفيات الخصوم تحت إشراف " نكروبونتي " وأحمد الجلبي ( فيلق بدر ) .. أما الأحزاب ذات الاتجاه أو المسميات الإسلامية، مثل الحزب الإسلامي، وحزب الله ، فقد فرخت أو حاولت أن تفرخ لها في أي بلد ترى أنه من مصلحتها أيجاد فرع لها فيه، الأمر الذي جعل هذه الأحزاب والتنظيمات ذات طابع إقليمي ودولي تتبنى سياساتها دولا إقليمية ودولية تقدم لها الدعم والإسناد والإيواء مثل وجود بعض قادة القاعدة في إيران - كما أسلفنا - وتنظيمهم في العراق تحت إشراف الاستخبارات الإيرانية بالتعاون مع حزب الله في جنوب لبنان ، يمتد هذا التعاون والتنسيق مع الأخوان المسلمين وحركة حماس .. المؤكد في استخدام القاعد له أهداف تجمع بين ما تريده إيران وما تريده أمريكا ، والرابط هو الأهداف المشتركة على أرض العرب والمسلمين .. تفكيك العرب وتمزيق المسلمين بتشويه واقع العرب وجوهر الدين الإسلامي الحنيف .. والمستفيد هم أمريكا وإيران و ( إسرائيل ) ، الذين يضمرون عداء تاريخي للعرب وللمسلمين .

 

أين البعث من كل هذا وعقيدته واضحة وضوح الشمس، تدعو إلى وحدة الأمة العربية وحريتها وعدالتها الاجتماعية، والقاعدة وأمريكا وإيران والكيان الصهيوني يسعون إلى تمزيقها بمشاريعهم وسياساتهم، والقاعدة تمارس سلوكاً متزمتاً وفاشياً وتكفيرياً يفرق ولا يجمع يهدم ولا يبني، يستلب الحرية ولا ينسجم وروح العصر؟!

 

القاعدة في أيديولوجيتها تلغي القومية العربية ولا تعترف بباقي القوميات، والبعث يعتز بهويته القومية الإنسانية، التي تتعايش مع القوميات الأخرى تحت سقف من الثوابت الوطنية والقومية، ويضمن لها حقوقها التاريخية المشروعة قانونياً ودستورياً.. والقاعدة عابرة في أيديولوجيتها القارات وتدعو في نهجها إلى أممية ذات طابع سياسي غير واقعي، لأن أساس الترابط يقوم على الوطني والقومي والإنساني، هذا الثلاثي في عرف البعث يشكل الأساس في بناء السلم الاجتماعي في مفهومه المعاصر، وخلاف ذلك يثير نوازع التصادم عن طريق تكفير الآخر والتزمت في منهج التعامل .. والمثال على ذلك " الزرقاوي " الذي حلل قتل الشيعة كلهم دون تمييز بين شيعة وطنيين يعتزون بعروبتهم وبدينهم الإسلامي ومذهبهم وبين متشيعين فرس أجانب تحركهم سياسات الدولة الإيرانية، التي جعلت من المذهب ( وحب آل البيت الكرام ) مدخلاً لتنفيذ سياساتها، التي تناصب العداء للعرب وللإسلام في آن واحد على أساس عُقد التاريخ والثأر السياسي الممتد نحو ألف وأربعمائة سنة .. وبهذا المنهج عمل "الزرقاوي" على تفتيت الشعب العراقي وتكريس الطائفية، مقابل النهج الطائفي الذي يكرسه الفرس الصفويون وهم على رأس السلطة في ظل الاحتلال الأمريكي والإيراني .. فلو كان "الزرقاوي" وطنياً حقيقياً يرى الأمور في محاربة الاحتلال وأعوانه من زاوية الوحدة الوطنية لأختلف الأمر كلياً ، ولكن الشكوك والريبة تأتي من السلوك المنحرف المعاكس لروح التحرر الوطني، التي تحتاج إلى الوحدة الوطنية الجماهيرية لطرد الاحتلال وبناء الوطن على أسس وطنية .

 

بعض من القاعدة وهم يتبعون سياسات الجهات التي يرتبطون بها ، مثل القاعدة التي تدير عناصرها المخابرات الإيراني تعمل في تصفية حسابات الداخل العراقي في القتل الطائفي والعزل الطائفي والتشريد الطائفي وتكريس النفوذ الأيديولوجي والسياسي الإيراني في صفوف الشعب العراقي ومنه إلى الشعب العربي، ولا تبالي هذه القاعدة بالنتائج، قتل الناس وتهديم بيوت الله وإهانة البشر باسم الدين أو الطائفة .. وبعض من تنظيم القاعدة الأم الذين يأتمرون بتوجيهات الاحتلال الأمريكي ( نكروبونتي ) ومنظومته المتخصصة بالقتل والتصفيات، هي الأخرى تستخدم خطاً من القاعدة للمهمات القذرة المتعلقة بالفتن الطائفية، فيما يبقى تنظيم  القاعدة الأم يرفع راياته السوداء ويعلن أينما وجد، في أجواء فراغات الأمن، دولته الإسلامية ويفرض منهجه بحد السيف، ( إما أن تقتنع بهذا المنهج أو تحز رقبتك..!! ) .

 

وتبرز في هذا الأمر مسألة خطيرة .. هل أن القاعدة وعناصرها ومنهجها وأيديولوجيتها قائمة على مبادئ الإسلام وقرآنه وسنة نبيه الكريم ؟! :

 

أولاً- القرآن الكريم لا يجيز قتل النفس، سواء قتل الآخر أو الانتحار ( فمن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.. ) .. وهذا النص ونصوص أخرى كثر في القرآن الكريم تمنع أو تحرم قتل النفس .. فكيف يقدم عنصر من عناصر القاعدة على تفجير نفسه بحزام ناسف على البشر والممتلكات العامة والخاصة، ويدعي بأن هذا العمل هو من صلب الجهاد ضد الكفر والكافرين وضد الطغيان والظلم والاحتلال.؟!

 

ثانياً- المسلم حرامٌ عليه شرعاً الانتحار بأي وسيلة كانت ويُعَدُ من يقدم على هذا الفعل خارج على حدود الشرع الإسلامي ومبادئ الدين الحنيف، ومن هذا يستنتج بأن من يفجر نفسه كافر، كقاعدة عامة، عنصر القاعدة فجر نفسه، كقاعدة صغرى، إذن، أن عنصر القاعدة كافر كنتيجة وليس مسلماً .. وهذا يعني في علم المنطق، أن اتجاهات الفعل لدى القاعدة، هي اتجاهات سياسية وليست دينية، إنما أفعالها تأتي بعطاء ديني، كما هو حال المنهج الصفوي الفارسي الذي يتخذ من الدين والطائفية ( حب أل البيت الكرام ) مدخلاً لتصفيات الأخر بكل الوسائل المتاحة والممكنة وبطريق التطهير الطائفي والعرقي معاً .. والدليل هو تفجير إيران للمرقد العسكري في سامراء لغرض سياسي هو إشعال فتيل الصراع الطائفي والحرب الأهلية .

 

ثالثاً- المسلم متسامح وعادل ورحيم لا يكفر الآخر ولا يلغي وجوده ولا يعتدي على أحد ولا يقبل أن يعتدي عليه أحد، يحب الحياة ولا يفرط بمبادئ العدل والإنصاف، ويتعايش مع الجميع بدون ضغينة ولا عقد من الماضي .. أما المتعصبون في الدين والمذهب والعرق تجدهم قلة تخرج في تعصبها وتفسيراتها وغلوها على نهج الدين الإسلامي الحنيف، فهي في هذه الحالة مدانة ومتهمة بسلوكها الذي لا يمثل الإسلام لا من قريب ولا من بعيد، إنما يمثل منهجاً سياسياً متبرقعاً بغطاء الدين، وتلك مسألة مكشوفة وفاضحة، سواء جاءت تحت تسمية القاعدة التي تحركها إيران او القاعدة التي تحركها أمريكا ومن ورائها الصهيونية، أو التي تحرك نفسها كالقاعدة الأم في نهجها وسلوكها المغاير لحركة الواقع المعاش والمخالف لروح العصر.. فالمفخخات التي تفجرها القاعدة ، أو القاعدات وحسب  ارتباطاتها، تستهدف حياة البشر.. فإذا كانت وحسبما تعلن أنها تحارب الاحتلال الأمريكي وأدواته فلتحاربه بطريقة غير طائفية منضبطة تضع أمامها وحدة الشعب العراقي ووحدة ترابه الوطني، هذه الوحدة ترفض الطائفية وترفض التزمت والتعصب والإقصاء والغلو، فعليها أن ترضخ لمشيئة الشعب العراقي إذا كانت وطنية، ولكن واقع الحال وتاريخ الصراع منذ عام 2003 يفصح عن غير هذه الحقيقة، الأمر الذي تسبب الكثير من الكوارث على الشعب العراقي وعلى حركة التحرر الوطنية ، بل عرقل بشكل خطير جهود التحرير باختلاق الصراعات الثانوية وترك الصراع الرئيسي مع الاحتلال وأعوانه من الصفويين والعملاء والجواسيس.

 

رابعاً- البعث ليس وسطياً في تعامله، وليس من الكيانات التي تمسك العصا من المنتصف ، فهو واضح في منهجه الوطني والقومي، ويتعامل على أساس ( الثوابت الوطنية والقومية والإنسانية ) ، ولا يفرط في الترابط الموضوعي الكائن بين هذه العناصر، ولا يقفز من فوقها ولا يتجاوزها أو يتغاضى عن إحداها على حساب المنهج في التعامل، وعلى هذا النهج أسس تجربته الرائدة في عام  1968.. وهذا المنهج يبطل أي تكهن أو تفسير مغرض لأي نوع من أي علاقة مع القاعدة ، التي ما وجدت إلا لكي تعرقل أو تدمر حركة التحرر الوطنية، ليس على ساحة العراق فحسب، إنما في كل الساحات التي حولتها أمريكا و ( إسرائيل ) وإيران إلى فوضى للقتل والتدمير,, إنها الأداة التي تجهض حركة التحرر العراقية والعربية في العراق والوطن العربي.. فهي الطابور السادس الذي حولته أمريكا وكيانها المسخ والنظام الصفوي إلى أداة لتدمير العرب وقوميتهم العربية، وتدمير المسلمين ودينهم الإسلامي الحنيف.

 

الخلاصة :

ليس للبعث، استناداً إلى ما تقدم، أي علاقة مهما كانت، مع  من ما يسمى بالقاعدة، لا أيديولوجياً ولا سياسياً ولا نهجاً عملياً، لأن خط صراع البعث استراتيجياً بالضد من الاحتلال وأعوانه ( الحكومة الألعوبة ) ، معروف ومعلن، تكشف عنه إستراتيجية التحرير، كما أن أعمال القاعدة مدانة ومستنكرة بالقدر الذي يتعلق بقتل الناس بالجملة عن طريق التفجيرات المتسلسلة، وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، وبالقدر الذي يتعلق بتفجير الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب العراقي لحسابات خارجية وحسب أجندتها، سواء كانت أمريكية أم إيرانية أم القاعدة الأم التي تعاني من الاختراق الأمريكي والإيراني والإسرائيلي على حد سواء .!!

 

ما العمل ...؟!

البعث يظل يتمسك بإستراتيجية التحرير الكامل والشامل والعميق للعراق، والتي تقع مسؤوليتها على عاتق القوى الوطنية والقومية والإسلامية الوطنية.. وإن كل ما يقع خارج خط هذه الإستراتيجية لا مكان له في النهج التحرري الوطني بأي حال ما لم يمتثل لشروط التحرير ولمبادئ الثوابت الوطنية التي أجمعت عليها كل القوى الوطنية والقومية والإسلامية الوطنية، وهي القوى التي تمثل واقع الشعب العراقي بعربه وكرده وتركمانه وغيرهم، بسنته وشيعته ومسلميه ومسيحييه ومندائييه وغيرهم من الوطنيين.. فأوراق القاعدة قد انكشفت واحترقت، وإن اللعب عليها بات خائباً تماماً .. فلا البعث له علاقة بالقاعدة كما يزعم البعض من المغرضين، ولا القاعدة لها علاقة بالبعث التي قتلت من عناصره وكوادره الكثير في مجازر كانت مدفوعة الثمن أمريكياً وإيرانياً وصهيونياً .!!

 

 





الاثنين ٢٧ رمضــان ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / أب / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة