شبكة ذي قار
عـاجـل










ما جرى في سوريا بدءا هو امتداد لانتفاضة الشعب العربي في العديد من أقطار الأمة للتخلص من أنظمة تعفنت وأصبحت عالة على الأوطان وعلى الشعوب وبغض النظر عن التقييم الموضوعي التفصيلي لهذه الانتفاضة والارتدادات البنيوية والتحصيلية التي رافقتها والقوى التي تدخلت في مراحل زمنية سبقت أو التحقت لاحقا  بعد وقوع الانتفاضات وبغض النظر كذلك عن ايجابية أو سلبية النتائج. غير إن  من بين ما ميز الشأن السوري هو:

 

1- الامتداد الزمني الطويل للمواجهة بين المنتفضين وأذرعهم المسلحة وبين النظام لأسباب موضوعية وذاتية معروفة.

 

2- الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن الذي خلق توازنات دولية لم تحصل مع حالات عربية سابقة كالعراق وليبيا مثلا حيث غاب هذا الموقف الروسي منذ هزيمتهم في الحرب الباردة مدخل التسعينيات من القرن الماضي.

 

3- الدعم الروسي أتاح لإيران فرصة ذهبية لزيادة توغلها في الشأن السوري عبر تقديم الدعم لنظام الأسد في مجالات إستراتيجية منحته أرجحيات مضافة وخاصة في الجانب العسكري.

 

إن الاستطالة والامتداد الزمني لمحنة شعب سوريا أدت إلى ارتفاع كبير في عدد الضحايا بين السوريين عموما وأدت إلى حصول تدمير وخراب واسع نتيجة القصف الصاروخي والمدفعي وهو نتاج سياسة الأرض المحروقة أو حرق الأرض لإفناء جيوش المعارضة في القرى والمدن التي تسيطر عليها التي سار عليها النظام. كما إنها أدت أيضا إلى دخول عناصر محلية وجوارية وإقليمية ودولية على الساحة السورية أثرت بشكل كبير على إدخال عوامل تعقيد ومضاعفات أضرت بالموازنات المتعلقة بقوى الصراع والمواجهة.

 

الخطوط العامة للحالة التي وصفناها أعلاه عقدت المشهد السوري وأخرت حسم الصراع لصالح الشعب المنتفض وقوى المعارضة المسلحة، وأدت إلى الارتقاء بمقومات المواجهات الإقليمية والدولية المرتبطة بالشأن السوري بعد أن عجزت أطراف التمثيل الطائفي التركي وتوابعه من جهة والإيراني وتوابعه من جهة أخرى من حسم الصراع بالطريقة الدراماتيكية التي حصلت في ساحات عربية أخرى بسبب المعادلات الدولية الجديدة التي أقحمها القفز المفاجئ للفيتو الروسي الذي ظل راقدا لسنوات طويلة يئن تحت وطأة الهزيمة النكراء للشيوعية في صراعها مع الامبريالية في الحرب الباردة.

 

حتى اللحظة, واضح إننا نتحدث عن ساحة أو ساحات عربية منتهكة. فيها انتفاضة شعبية دون شك لكن هذه الانتفاضة الشعبية قد صارت مكونا واحدا من بين عشرات المكونات. فالانتفاضة وطنية وتتعاطى بعوامل وإرهاصات ورؤى وأهداف وغايات وطنية غير إن كينونتها المادية والمعنوية قد أغرقت حتى الأعناق بالتدخلات الخارجية. إن التعمق في الأزمة يمكن أن يتشاءم ابعد من هذا فيرى إن انتفاضة سوريا ومعارضتها قد تحولت بسبب الاستطالات الزمنية وعجزها أمام طوفان المصالح التي اعتركت وتصادمت على الساحة السورية إلى رقم ثانوي في المشهد الإجمالي لا يرقى حتى إلى أهمية الجرذان الليبيين في حسابات التغيير بقوة السلاح الناتوي. إن الطمس الجزئي للثوار والثورة السورية والأدوار البطولية لها في مقارعة النظام مقصود تماما لتسويغ التدخل الخارجي.

 

الساحة السورية يمكن اعتمادها كنموذج لانتهاك السيادة والكرامة للعرب عموما بعد أن تمكنت الامبريالية والصهيونية والطائفية الإيرانية من إجهاض المشروع القومي التحرري في العراق ومنح التيارات المتاسلمة الطائفية فرص الانتصار على القوى المدنية القومية والوطنية والإسلامية الوسطية في انتخابات صورية ومسنودة إعلاميا وسياسيا وماليا مقابل عملية قهر تاريخية للقوى القومية تمثلت بالاجتثاث والإقصاء وتوابعهما من تصفيات بالموت والاعتقال والتهجير. فلقد تدخل حكام الخليج علانية وجهارا في سوريا بالمال والإعلام وربما بالتسليح لكنهم فشلوا في تحقيق هدف إسقاط النظام ولم تنجح ما يسمى بالجامعة العربية رغم دخولها المبكر على المشهد السوري في تقويض التحالف الإيراني مع نظام الأسد ولا حتى في إيجاد أية وسيلة لمنع حزب الله اللبناني من استخدام الأزمة في سوريا للإعلان الصريح وبالفعل المشهود عن طائفية الموقف الإيراني وذراعه في لبنان مع نظام بشار. وعليه فان وصول المشكلة السورية إلى مرحلة قبول ذات العرب الرسميين، بل مطالبة بعضهم بالاستعانة بضربة أو تدخل أمريكي غربي هو رضوخ لواقع الفشل المركب للأنظمة العربية التي أتاحت لها الامبريالية والصهيونية فرص لعب ادوار محددة في إعادة تشكيل خارطة الوطن العربي بما يضمن امن الكيان الصهيوني ومصالح الامبريالية الاقتصادية ونفوذها بعد غزو العراق واحتلاله.

 

إن إسقاط نظام الإخوان في مصر هو إحدى مظاهر الفشل الذريع لأنظمة التوافق مع أجندات الشرق الأوسط الجديد الخليجية بالذات التي تصرفت تحت وطأة مناهج خاطئة وخطلة تعتمد على المال والإعلام والإسناد الخارجي دون حساب لتفاعلات لا يمكن إسقاطها وهي تفاعلات الأصل الذي حرك الانتفاضات العربية واحتمالات انبثاقه وعودته إلى الساحات مجددا كما حصل في مصر ويحصل تدريجيا وتصاعديا الآن في تونس. وقد كانت البداية لتصرفها معتمدة على المال والإعلام الذي أدى إلى إنتاج أنظمة أسوأ بكثير من تلك التي استهدفها الحراك الشعبي العربي ووصل الفشل إلى درجة العودة إلى استخدام ورقة الإسناد العسكري الأجنبي لتكرار المشهد الليبي المهين للعرب. إن فشل الأخوان في مصر قد يكون هو دافع التصعيد إلى جعجعة السلاح الأمريكي وتوابعه للقناعة عند المعنيين إن منتجات هذا السلاح في العراق وليبيا أكثر قربا إلى أهداف مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيوني الامبريالي من منتجات صناديق الاقتراع رغم إن كلا الطريقين مهين للعرب.

 

العدوان على سوريا الوطن والشعب وبغض النظر عن حجمه تلوح بأهداف ليس من بينها على الإطلاق فائدة للشعب السوري ولا من بينها ولو مس سطحي من التفكير بسيادة أو كرامة أو وجود لأمة اسمها امة العرب، بل تسير قدما في طريق تفتيت العرب على أسس عرقية ودينية وطائفية بعد تدمير البنى التحتية التي بناها الشعب بالعرق وبالدم وبثروات عزيزة.

 

وواضح الآن أيضا إن الضربة بصيغتها المحدودة ستركز على تدمير قدرات الجيش السوري وهو استكمال لتدمير الجيوش العربية المهمة التي يعول عليها في حالة وجود قيادات وطنية وقومية مخلصة لتحقيق الأمن القومي وتحرير الأرض العربية المحتلة في كل مكان. إن تنفيذ التدمير الذي تخطط له أميركا في سوريا مع بقاء النظام سيكون له نتائج تدميرية ولن تستفيد منه الأطراف التي تروج له لا تركيا ولا بعض أطراف المعارضة السورية ولا الحكام العرب الذين تم استثناءهم مؤقتا من خطط الشرق الأوسط الجديد. وهي بالتالي لا تعدو أن تكون صفعة اهانة جديدة للعرب وخاصة الرسميين.

 

إن قبول أي عربي بفكرة الاستقواء بالأجنبي لتغيير النظام في أي من أقطار الوطن العربي هو خيانة للوطن وللأمة وللدين ولا تعريف لها غير الخيانة العظمى. ومؤكد إن النجاح الجزئي أو شبه الكلي الذي تحققه القوة الغاشمة الآن لن يثني شعبنا العربي وقواه المجاهدة من الاستمرار في المقاومة حتى تنتج صورة أخرى مشرفه للمشهد العربي.

 

 





الاحد ٣ ذو القعــدة ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / أيلول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة