شبكة ذي قار
عـاجـل










هاهي مصر بعد العراق وسوريه تنزلق نحو الفوضى المخطط لها منذ قرن من الزمن . سبق ان اوضحت ان المخطط الصهيوني وفق بروتوكولات حكماء صهيون يقضي بتقسيم الامة العربية والوطن العربي جغرافيا وديمغرافيا حسب الاقوام والاديان والطوائف والمذاهب . وقد حصل الجزء الاول من المخطط , اي التقسيم الجغرافي عام 1916 , حسبما ورد في اتفاقية ( سايكس – بيكو ) , وبدأ الجزء الثاني باتفاقيات الذل التي وقعتها الانظمة القطرية مع الكيان الصهيوني – كامب ديفيد , اوسلو , وادي عربه - . اما الجزء الثالث من المخطط فقد بدأ باحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة 2003 , بدعوى نشر الديمقراطية في البلاد العربية , وفق الرؤية الغربية للديمقراطية , وهي الوصفة السحرية التي أدت الى انهيار الاتحاد السوفيني السابق . كما عبر عن ذلك بريجنسكي الذي قال " انها افضل وصفة سحرية " لتفكيك الاتحاد السوفيتي .


استعراض لما جرى في هذه الاقطار الثلاثة يؤكد صحة تنفيذ المخطط الصهيوني , فالعراق العربي الذي شكل بوابة الوطن العربي الشرقية , في مواجهة المد الايراني الخميني , تم احتلاله لدواعي واسباب واهية اثبتت الايام عدم صحتها , ولم يكتف المحتل الامريكي بالاحتلال بل دمر كل البنى التحيتية فيه , بعد ان كان العراق في مقدمة دول المنطقة من حيث التقدم التقني والعلمي والثقافي والصناعي , كما تم تدمير كل هياكل الدولة العراقية , وفي مقدمتها حل الجيش العراقي صاحب المأثر الوطنية والقومية المعروفة , وتشريع دستور طائفي من صنع الصاينة بصياغة عربية .


الاغرب في الاحتلال الامريكي للعراق , انه تنكر لكل الوعود التي تحدث بها قبل الاحتلال , فلم يعد يهتم لنشر الديمقراطية في الاقطار العربية وفق النموذج العراقي , بل ركز نظره على سرقة النفط العراقي , وترك مهمة الحرب الطائفية والاقتتال بين العراقيين لنظام ولاية الفقيه في ايران , فهذا النظام الذي تفاهم مع الادارات الامريكية سرا وعلنا على اقتسام الكعكة في الشرق الاوسط , قام بالمهمة وتنفيذ المخطط الصهيوني خير قيام , وما عجزت عنه الدول الاستعمارية طيلة قرن من الزمان , قام به نظام ملالي طهران خلال سنوات . فقد استخدم شعار تصدير الثورة , ومعاداة الغرب والكيان الصهيوني في الاعلام فقط , كما استخدم شعارات المظلومية والاسلام السياسي لتحقيق اطماعه على حساب العرب .


قبل الاحتلال ما كان المواطن العربي يعير بالا لما يسمى التعصب الطائفي , والاحتراب الطائفي بين السنة والشيعة , ولكن نظام الملالي زرع هذه العنصرية البغيضة , وعمقها يوما بعد يوم من الاقوال الى الافعال , ومن خلال وسائل الاعلام العديدة , ومن خلال الرشوة المالية التي يمنحها الى الاشخاص والجمعيات الخيرية التي تعمل لصالحه , بهدف كسب الاصدقاء والانصار لنظام الملالي .


لقد نفذ نظام الملالي ما عجز عنه الاستعمار الغربي طيلة العقود المنصرمة , فقد تمكن من خلال ادواته الاعلامية والارهابية ممثلة في الحرس الثوري وقوات القدس وحزب الله اللبناني والمليشيات الطائفية , ان يبسط سيطرته على العديد من المؤسسات الاعلامية والثقافية في البلدان العربية مثل المؤتمر القومي العربي ومركزه بيروت . وكل هم هذه المؤسسات التابعة لنظام الملالي شيطنة الفكر القومي , وتسفيه الاحزاب القومية والعلمانية واليسارية . ولم تكتفي الوسائل الاعلامية النيل من الاحزاب المدنية , بل وصل الاستهتار والتشهير برموز الاسلام من المذهب السني حد التكفير والحط من قدرهم ومركزهم الديني والسياسي , والنيل من صحابة الرسول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .


لقد امتدت اذرع نظام الملالي الى سوريه بعد لبنان , وأمدت نظام الاسد بالخبرات الفنية والتقنية , وهاهي قواته تقاتل الى جانب قوات الاسد وارتكبت المجازر بحق الشعب السوري كما حصل في القصير , ومعها قوات حزب الله اللبناني ومعها قوات مليشيات عراقية تتبع لحزب الدعوة المرتبط مع نظام الملالي بعلاقات مصالح وثيقة منذ زمن بعيد . ولم يكن تدخل هذه القوات تدخلا سياسيا فحسب , بل هو تدخل ديني طائفي بامتياز , حيث اثار هذا التدخل الجانب المتطرف في الطرف المقابل , اي المتطرفون من المذهب السني , من جماعة " دولة العراق الاسلامية " , و" قوات جبهة النصره " , الاكثر تطرفا وقابلية للارهاب والقتل على الهوية , وارتكاب المعاصي باسم الاسلام , منه زواج " نكاح الجهاد " , الذي يهتك اعراض النساء المغرر بهن .

 

ما جرى في سوريه يتحمل مسؤوليته النظام السوري بالدرجة الاولى , لان هذا النظام لم يأخذ من مبادئ حزب البعث غير الاسم , وقد اساء الى الحزب , كما اساءت الجماعات الاسلامية السياسية المتطرفة للاسلام ايضا . فهذا النظام استهتر بمشاعر الجماهير السورية التي طالبت بابسط حقوقها , وهي الحرية . ولو كان هذا النظام وفيا لمبادئ البعث لوقف مع الشعب في مطالبه ومنحهم الحرية التي يطالبون بها . ولو كان يؤمن بالعمل الجماعي , اي يعترف بالاخر لاصدر عفوا عن كل المعارضين لنظامه وبالذات الاخوان المسلمين الذين انهكنهم سنوات التشرد في بلدان العالم , وكان امل الكثيرين منهم العودة الى مسقط رأسهم ليكملوا بقية عمرهم . ولو كان يؤمن بالعمل الجماهيري لاحترم رموز المنظمات الشعبية , ولما زج بهم في السجون وكمم افواههم حتى لا تنطق بكلمات الحق والحرية والعدالة .


الخطيئة الكبرى ان النظام استعلى وتصور نفسه فوق كل الاعتبارات والاحداث التي وقعت في البلدان العربية , وقال : نحن لسنا مثل تلك البلدان التي عاشت فتنة الربيع العربي . ولم يعتبر بما حصل لزعماء هذه البلدان من مأسي وما حصل لشعوبهم من ويلات .


لقد فتح نظام الاسد ابواب سوريه لكل من هو حاقد على العرب وعلى سورية والسوريين بخاصة . وعندما يتحدث عن الارهاب , فالسؤال هو من فتح الباب امام الارهابيين ؟ . وهل من العدل ان يوصف المعارضون لنظام الاسد بالارهابيين ؟ . ولابد من مراجعة الاحداث لمعرفة من دفع المعارضين الى حمل السلاح ؟ .


بعد عامين من القتال الدامي الذي راح ضحيته اكثر من مئة الف مواطن سوري جلهم من الاطفال والنساء وكبار السن , وتشريد مليوني مواطن خارج سوريه , وملايين مثلهم داخل سوريه , اضف الى ذلك الدمار الذي حل بالممتلكات الخاصة والعامة . بعد عامين لا النظام انتصر ولا المعارضة انتصرت , وما زال النظام قويا من حيث القوة العسكرية , مدعوما بقوى اقليمية من ايران وحزب الله والنظام الطائفي في العراق , ومن قوى دولية مثل روسيا والصين . لقد وجدت روسيا فرصتها في الازمة السورية لكي تحتل موقعا قياديا في النظام الدولي الجديد الذي يتكون , عقب فشل الادارات الامريكية في تكوين نظام عالمي امريكي خالص .


وسواء استخدم النظام السلاح الكيماوي ام لا , فانه ارتكب مجازر افظع من السلاح الكيماوي , وما زال مستعدا لارتكاب المجزرة تلو الاخرى , مقابل ان يبقى في سدة الحكم . لاعتقاده ان بقاءه هو القدر الذي ابتلي به الشعب السوري . وعقب التهديد الامريكي بضرب مرتكزات القوة العسكرية السورية , اثر مجزرة الغوطة , اعلن النظام استعداده لتدمير او تسليم سلاحه الكيماوي الى اي جهة دولية . ومهما كانت براعة نظام الاسد وحلفاءه في ايران في المناورة والدبلوماسية , الا ان القوى الغربية اكثر براعة في الاحتيال والمراوغة , اذا ما بدأت فرق التفتيش بالعمل داخل سوريه . فهذه الفرق سوف تخرق السيادة السورية شاء النظام ام ابى . ولابد من استذكار تجربة العراق مع فرق التفتيش الدولية , التي استباحت السيادة الوطنية العراقية , وتطاولت عليها بتفتيش القصور الرئاسية , والتحقيق مع كل الشخصيات العلمية والعسكرية للتاكد من وجود اسلحة دمار شامل في العراق . ولا نستبعد ان يشمل التفتيش مواقع في العراق ولبنان , لان المعلومات المتسربة تفيد بان النظام هرب اسلحة دمار شامل الى كل من حزب الله والى الحكومة العراقية ومنها الى ايران .


ان هذه العملية ستأخذ زمنا طويلا , اضافة الى الكلفة المالية الكبيرة من اجل تدمير السلاح الكيماوي او نقله الى بلدان اخرى , او التحفظ علية في سوريه , والاغلب انه سيتم جمعه في اماكن محددة في سوريه , وتحت الرقابة الدولية . المهم ان هذه العملية تعد خرقا للسيادة السورية , واتلاف سلاح مهم كان يحقق بعض المعادلة في توازن القوى في المنطقه . اضف الى ذلك اذا ما تم وضع الاسلحة الاخرى تحت الرقابة الدولية مثل الصواريخ البلستية التي تحمل الرؤوس الكيماوية . اي ان القوة العسكرية السورية التي كان يحسب لها حساب ستخرج من المعادلة الاقليمية . وهذا ما يريح الكيان الصهيوني وينعش اماله في اعلان الدولة اليهودية الخالصة , بما فيها القدس الشرقية , وانتهاك الحرم القدسي الشريف وتقاسمه مع المسلمين كما حدث للحرم الابراهيمي في الخليل من قبل .


اما انتفاضة الفيس بوك في مصر ضد نظام حسني مبارك , فقد منحت الاخوان المسلمين فرصة ركوب الانتفاضة وقطف ثمارها عقب تنحي مبارك عن الحكم وتسليمه الى العسكر . وعقب سنة من حكم الاخوان المسلمين ومحاولتهم اقصاء الجميع واحتكار السلطة بحيث تكون سلطة اخوانية بامتياز , وصياغة دستور على مقاس الاخوان , ثبت فشل الاخوان في ادارة السلطة , وظهرت الفتاوى التي اثارت حفيظة العلمانيين والاقباط والاقليات الاخرى .مما حفز المناهضين للاخوان للقيام بانتفاضة جديدة انتهت بعزل مرسي من الحكم ومعه الاخوان , بعد ارتكاب مذبحة بشرية , ما زالت تفاعلاتها قائمة ولن تنتهي في امد قصير .


وقد يتكرر السيناريو الجزائري مرة اخرى في مصر , وبالذات اذا ركب الاخوان رؤوسهم وساروا في طريق العنف والارهاب , ومهما كانت قوة الاخوان فمن غير المتوقع ان ينتصروا على قوة الدولة المدعومة من الجيش والشرطة وقوى الامن الاخرى . فاخوان الجزائر تمردوا قرابة عشر سنوات وبالتالي انقسم الاخوان بفعل الخبرة الامنية لدى قوى الدولة الجزائرية , وهذا ما سيحصل في مصر فلن تتمكن قوات الاخوان من الاستمرار طويلا في تمردهم , الا اذا وجدوا من يدعمهم من دول الاقليم او العالم . لكن المتوقع ان تستمر حركة التمرد لفترة من الزمن تنهك قوى الجيش والشرطة , وبالتالي تخرج مصر من دائرة الصراع , وتصبح قوة هامشية قياسا الى قوة الكيان الصهيوني او القوى الاقليمية الاخرى مثل ايران وتركيا .


هذا السيناريو المتشائم قد يتم تجنبه اذا وعت القوى المصرية ما يدور في الاقليم وما يراد لمصر , وعملت بجد وصدق , وغلبت المصلحة القومية على الانانيات الذاتية .


ان ماتم في الاقطار العربية من انتفاضات شعبية كان امرا طبيعيا , لان النظام العربي الذي تكون عام 1945 بقيام جامعة الدول العربية , بناء على مقترح بريطاني , هو نظام هزيل يجمع قوى عددية , ويسود هذا النظام الانانيات والعقد والنرجسية لدى الزعماء سواء من الملوك او الرؤساء الذين اصبحوا ملوكا اكثر من الملوك الاصليين .


لقد تكلس النظام العربي الرسمي وانحصر في مهمة الحفاظ على سلطة الزعماء , وصار بقاء الزعيم اهم من بقاء الوطن . فساد الفقر رغم كم الثروات الموجودة في الوطن العربي , وحرم المواطن من ابسط حقوقه في الحرية والعدل والمساواة . وعليه صار حتما ان ينتفض الشعب للمطالبة بحقوقه , ولاسيما في عصر العولمة الاعلامية , وانتشار وسائل الاتصال الهائلة .


الانتفاضات الشعبية في الاقطار العربية رد فعل طبيعي على تخلف الانظمة العربية الرسمية , اقول انتفاضات ولا اقول ثورات , لان الثورة لها قيادة سياسية وقيادة ميدانية ولها برنامج تسير علية . ولان الانتفاضات الشعبية افتقدت للقيادة التي ترسم ملامح المرحلة المقبلة , فقد تسسللت قوى محلية واقليمية ودولية وركبت موجة تلك الانتفاضات وسيرتها وفق برنامج اخر لا يحقق الهدف من انتفاضة الشعب العربي في اقطاره .


نظرة على ماحدث في الاقطار العربية نجد انه صب في خانة مخطط الاعداء والصهاينة . اي ان الهدف الجديد القديم هو تقسيم الاقطار العربية بعد ذاك التقسيم الذي حصل لتنفيذ اتفاقية ( سايكس – بيكو ) 1916 ,الى دويلات طائفية وقومية وعرقية ودينية . فالسودان اصبح دولتين , وقد تصبح ثلاث دول اذا انشقت دارفور . والعراق عمليا فيه ثلاث دول , واليمن مقبل على التقسيم , وسوريه مخطط لها ان تنقسم ومصر ليست بعيدة عن هذا المخطط . كل ذلك يحصل تحت وصفة الحكم الفيدرالي .


التوصيف المعلن والمخفي لاوضاع الاقطار العربية مؤلم جدا , ومخيف ايضا .ولا توجد خارطة طريق للمستقبل ابدا لدى الزعماء الذين يحكمون الان , بل ضياع وانسداد في الافق امام المواطن العربي . الخوف يملؤ قلوب الناس من الغد المجهول . وصارت لقمة الخبز او حبة الدواء هي الهدف والسعي وارئها هي الشغل الشاغل للغالبية . اضف الى كل ذلك هذا الانهيار القيمي وتفشي الجريمة والعنف في كل المواقع , حتى وصل العنف المسلح الى ممثلي الشعب في بعض البرلمانات العربية .


ان الامل هو في تبني الجهاد ضد قوى الاحتلال الغربي والصهيوني , هذا هو الجهاد الحقيقي الذي يرضي الله تعالى , وليس القتل والتدمير في بلاد العرب والمسلمين , وكأن دمائهم صارت رخيصة الى هذا الحد . والنموذج الجهادي الذي سارت عليه المقاومة العراقية والذي اجبر القوات الامريكية على الانسحاب نهاية 2011 , هو الاجدر ان يتبع من قبل القوى القومية والاسلامية في الوطن العربي .


ان اعداء الامة العربية كشفوا عن هوياتهم وكشروا عن انيابهم , وبدأوا بنهش اجسادنا وانتهاك اعراضنا , وبتنا عراة لا يكسونا شيئ . وليس امامنا الا مقاومة هذه القوى الشرية واولها نظام الملالي في ايران واتباعه في لبنان والعراق والجزيرة العربية . وعلينا ان لا ننخدع بشعارات الديمقراطية المرفوعة والتي تستعلي على السيادة الوطنية والاستقلال الناجز .

 

 





الخميس ١٤ ذو القعــدة ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / أيلول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. حسن طوالبه نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة