شبكة ذي قار
عـاجـل










حين استعرض الرئيس الإيراني الجديد، ولأول مرة، رتلاً عسكرياً ظهرت خلاله أعداداً من الصواريخ البالستية، صرح الجنرال رحيمي ( ، صرنا قوة عالمية يجب أن يحسب لها حساب ) .. فيما قال حسن روحاني بصوت خافت وسَلِسْ ( نحن على استعداد للتعاون، و معاً نستطيع أن نجد حلولاً للمشكلات الإقليمية وحتى للدولية ) .. وكلامه كان موجهاً إلى أمريكا وكأن إيران لم تتعاون مع الشيطان الأكبر في أفغانستان والعراق على وجه التحديد، في ضوء توافق إستراتيجي .!!

 

مشكلة "حسن روحاني" تعكس معضلة النظام الفارسي، الذي يظهر ما لا يقدر عليه ويدعي القدرة على خلاف ما هي عليها، ولا يصل إلى أهدافه إلا من خلال جهود الغير وصراعاتهم، ويتمسك بمقولة ( عدو عدوي صديقي ) في تحالفاته الخبيثة وحروبه الجبانة، ليس في الزمن الراهن فحسب، إنما حتى في الزمن السحيق حين كان الإسبارطيون واليونانيون والرومانيون والعثمانيون وصراعاتهم وحروبهم للاستحواذ على مناطق النفوذ من سواحل شرق البحر الأبيض المتوسط حتى تخوم العمق باتجاه الشرق .!!

 

الجنرال " رحيمي " وصراخه الهستيري المضحك ( ، صرنا قوة عالمية ) ، وحديث " روحاني " السلس المراوغ ( ، باستطاعتنا أن نجد حلولاً للمشكلات الإقليمية والدولية ) .. هذا الصراخ يخفي شعوراً بالأزمة أو بالتأزم البنيوي الذي يأخذ مداه من العسكر إلى الدبلوماسية على خط واحد في هوس إظهار القوة والمخادعة في الإقناع بالتقية.!!

 

وعلى وفق هذا المسار القائم بين إظهار القوة ومنهج الانفتاح الإيهامي المدروس، هنالك بعض المؤشرات والملاحظات :

 

1- إن تطور الملف النووي الإيراني مرتبط بالحالة الاقتصادية المقيدة بالعقوبات وبـ ( المرونة العظمى ) ، التي دعا إليها " خامنئي " لتخفيف الضغط على الاقتصاد الإيراني لكي يستمر الملف النووي بالتطور السريع نحو أهدافه .!!

 

2- حتى بلغ الأمر بـ" حسن روحاني " من اجل الوصول إلى هدف  تخفيف الضغط على الاقتصاد الإيراني المتداعي، أن عرضَ غلق موقع ( فوردو ) النووي الإيراني للوصول إلى هذا الهدف المركزي، الذي تسعى إليه الدبلوماسية الإيرانية بأي ثمن.!!

 

3- العرض الإيراني المخادع هذا يبقي المفاعلات النووية الأخرى في خارج العرض أو خارج إطار المراقبة الدولية من جهة ، فيما يصطدم في الوقت ذاته بتصريحات " روحاني " التي تؤكد على ( أن أجهزة الطرد المركزي يجب أن تستمر في دورانها ) ، في الوقت الذي تعزز فيه إيران العمل بمفاعل البلوتونيوم (IR-40) اراك، لكي تستكمل المفاعلات الأخرى إنتاجها في منتصف عام 2014.. ويتغاضى " روحاني " عن الإشكاليات الخطرة لمفاعل ( بارشين ) .!!

 

4- إن إستراتيجية إيران في ملفها النووي هي ( كسب الوقت ) وإطالة أمد الحوارات والمداولات والاجتماعات والمؤتمرات والمراوغة في المقترحات، من أجل استمرار وضع الملف النووي و ( الترويكا ) الأوربية في حلقة مفرغة لن تؤدي إلا إلى نتيجة واحدة هي حصول إيران على الوقت لإنضاج سلاحها النووي.!!

 

5- المراوغة الإيرانية في منهج التفاوض هي ( إيقاف تخصيب اليورانيوم بدرجة عالية، ونقل المخزون المخصب عالي المستوى بنسبة 20% ) ، مقابل رفع العقوبات، وهو الهدف المركزي لنهج الانفتاح الإيراني المخادع، فيما تُسَخٍر إيران جهودها في الاستفزاز والتدخل في شؤون دول المنطقة وزعزعة أمنها الاجتماعي واستقرارها السياسي.!!

 

6- إيران لديها - حسب الخبراء- ( 190 ) كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% .. فإذا تمكنت من وصول المخزون إلى ( 250 ) كيلوغرام المخصب بنسبة 90% ، فأنها ستتمكن من صنع السلاح النووي .. ولكن الإشكالية الخطرة تكمن في زيادة الطرد المركزي، التي تعجل في زيادة المخزون صوب النسبة المقررة لتختصر الفترة الزمنية في مسألة التخصيب .. وهذا يعتبر من مهمات أجهزة الرقابة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية ( IAEA ) واستخبارات الدول الكبرى وغيرها، التي قد تراقب عن كثب تلك التغيرات، فضلاً عن السلوك السياسي والميداني الإيراني على الأرض .!!

 

7- فإذا كان الملف النووي الإيراني قد تم نقل مسؤوليته من مجلس الأمن القومي إلى وزارة الخارجية الإيرانية مع مجيء "روحاني" على رأس السلطة في إيران .. فهذا لا يعني أن دائرة صنع القرار في إيران ستستجيب في مفاوضات مجموعة ( 5+1 ) ، ولا يعني أن الحرس والاستخبارات ومجلس الأمن القومي الإيراني لن يشاركوا في صنع القرار.. إنما هو منح هامش أكبر لوزارة الخارجية الإيرانية في مجرى المفاوضات التي يراد لها أن تطول، ولكن قرار الحسم سيظل بيد الحاكم المطلق المرشد الذي يمسك بمجلس الأمن القومي الإيراني وبالحرس وبالاستخبارات بقبضة من حديد .. على الرغم من دعوة "خامنئي" الحرس الثوري عدم التدخل في السياسة لبعض الوقت محاولة منه منع عرقلة جهود الدبلوماسية في منهج التفاوض.!!

 

8- يقول الكيان الصهيوني (( إن نزع منظومة السلاح الكيميائي السوري، سيخفف العبء على كاهل المنظومة الكيميائية الإسرائيلية الدفاعية، فضلاً عن التهديد الخارجي )) .. وهذه مغالطة فاضحة، لأن النظام السوري ليس بوسعه استخدام السلاح الكيميائي في حرب إقليمية – إنما هو للردع – أولاً كما أنه ملتزم بما أسماه منذ أكثر من أربعين عاماً بخيار السلام الإستراتيجي ثانياً . ولكن النظام السوري قد استخدم بشكل محدود سلاحه الكيميائي ضد شعبه من أجل عقد صفقة دولية في أروقة ( مؤتمر جنيف2 ) وبرعاية روسية إيرانية، تخلصاً من مأزق السقوط .

 

9- الاهتمام الأمريكي ينصب، منذ بداية المشكلة في سوريا، على السلاح الكيميائي السوري وبدفع إسرائيلي ضاغط .. فيما يبدي "باراك أوباما" اهتماً ملحوظاً بالدور الإيراني لحل مشكلة نزع السلاح الكيميائي السوري .. فمن أجل تخفيف الضغط الاقتصادي على إيران، فهل تعقد أمريكا صفقة، لنزع السلاح السوري مقابل تخفيف الضغط على الاقتصاد الإيراني؟! .. هذا ما تعكسه أمريكا في سياستها، الأمر الذي يعطي انطباعاً إيهامياً بأن إيران جزءاً من المشكلة، وليس المشكلة بعينها.!!

 

10- إن تجاهل "باراك أوباما" العلاقة العضوية القائمة بين نظام دمشق ونظام طهران ( أيديولوجياً وسياسياً وعسكرياً وإستراتيجياً ) ، تشكل لعبه سياسية فاضحة تنطوي على أهداف .. ( أمريكا تريد أن تنزع السلاح الكيميائي السوري حماية لإسرائيل ) و ( إيران تريد أن تخفف من عبء الضغط الذي يتعرض له اقتصادها، وأن تكون لاعباً إقليمياً لحل المشكلات بجهود أمريكية إيرانية مشتركة، تصب أخيراً في المصلحة الإسرائيلية ) .!!

 

11- يطالب "روحاني" الأمم المتحدة بعالم خالٍ من الأسلحة النووية، وهي مطالبه لا أحد يكترث لها، ليس لأن "روحاني" يراوغ في هذا المطلب فحسب، إنما النظام الدولي قائم على نظريات القوة وإنماء عناصرها والتمترس خلف وسائل الردع .. فهو أمام هذا الواقع يخادع العالم وهو يعلم بأنه يخادعهم و ( يتمسكن حتى يتمكن ) ، ولكن من الصعب تصديق منهج ( التقية ) الإيراني أبداً.. وهو كلام لذر الرماد في العيون، كما يقال، يعكس حقيقة الهدف من طرح مثل هذا الكلام من على منبر الأمم المتحدة، وبطريقة إظهار خلاف ما هو مقرر لدى الحاكم الإيراني المطلق .

 

12- أما طلبه انضمام ( إسرائيل ) إلى معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، فهو لإسناد مطالبة الأمم المتحدة بالعمل من أجل عالم خالٍ من هذه الأسلحة، الأمر الذي يمهد الأجواء قبيل اجتماع الدول الكبرى ( 5+1 ) حول ملف إيران النووي، الذي تطالب إيران أن تكون المفاوضات بشأنه عام كامل أو أكثر.. فإذا كان "روحاني" يصور نفسه حمامة سلام، فلماذا لا يطلب من أمريكا نزع سلاح الكيان الصهيوني والكف عن حمايتها له ؟ ولماذا لا ينصح بلاده بالكف عن استخدام السلاح الطائفي الأشد فتكاً في الشعب العربي المسلم من كل أسلحة الدمار الشامل؟!

 

13- يعتبر "روحاني" عدم انضمام ( إسرائيل ) إلى معاهدة حظر انتشار السلاح النووي أمراً يجب معالجته فوراً .. فيما يطالب أن تمتد مفاوضاته عاماً كاملاً، لأن إيران تريد أن تكسب الوقت من أجل التوصل إلى القدرة في صنع السلاح .. ولأن الكيان الصهيوني ما يزال يعلن إستراتيجيته التي تشير إلى ( أنه لن يكون أول من يدخل السلاح النووي إلى المنطقة ) ، على الرغم من امتلاكه فعلاً هذا السلاح، ولكنه يغالط تهرباً من خضوعه لقانون الرقابة الدولية عن طريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية .. فالغموض المدروس تعمل عليه ( إسرائيل ) وكذلك إيران، وكليهما يكرسان سياسة سباق التسلح النووي في منطقة ( الشرق الأوسط ) .. فالعبرة تكمن ليس في التوقيع على حظر الانتشار النووي فحسب، إنما في مخزون السلاح المطلوب نزعه لكي تكون المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل .. وهذا ما أكده قرار مجلس الأمن رقم 687/ لسنة -1991، الصادر تحت الفصل السابع من الميثاق والفقرة ( 14 ) من القرار واجبة النفاد بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، إلا أن ( إسرائيل ) ترفض الامتثال لهذا القرار تساندها في ذلك أمريكا بكل وضوح وصراحة متحدية الميثاق الدولي .!!  

 

14- يربط " روحاني " في تصريحاته قبيل انعقاد مؤتمر ( 5+1 ) حول الملف النووي الإيراني، بين ما أسماه (  ( التزام بلاده العمل على التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي، وبين ضرورة رفع العقوبات عن بلاده )  ) .. والمشكلة تكمن هنا في ( العمل على التوصل إلى اتفاق ) .. هذه العبارة التي قد تمتد لسنة أو أكثر وربما لغاية استكمال القدرة في البرنامج النووي الإيراني الذي قطع شوطاً مقلقاً لدول المنطقة كافة.!!

 

وفي اجتماع ثنائي يجمع بين " جون كيري" وزير الخارجية الأمريكي و"وانغ يي " وزير الخارجية الصيني .. يسأل كيري وانغ عن رأيه بالقيادة الإيرانية الجديدة .!! فهل أن أمريكا ( غشيمة ) إلى هذا الحد؟ ألم تدرك أن ليس هناك قيادة إيرانية جديدة ، وإن معايير أمريكا هي ليست مقياساً وهي ليست كمعايير النظام الإيراني على وجه التحديد؟ ألم تدرك أن السياسة الإستراتيجية الإيرانية ما تزال على حالها منذ ما قبل عام 1979 ولحد الآن، وإن المتغير هو في التكتيك وليس في إستراتيجية الدولة الإيرانية؟! ... إنها دولة قومية شوفينية توسعية على حساب كل مصالح الخارج أيها الأغبياء .!!

 

 





الاحد ٢٤ ذو القعــدة ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / أيلول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة