شبكة ذي قار
عـاجـل










برزت في الفترة الأخيرة مواقف تجعلك تصاب بالصدمة. وتقف إزائها ذاهلاً من التبسيط والتبرير من جهة، ومن محاولات التشبيه و المقارنة بين حالات في عمقها وجوهرها لايمكن سياقها أو سوقها في مجال يخدم الموضوعية المرجوة، وتقفز بالتالي على العوامل التي كانت هدفا للعدوان، أو تلك التي تتحدث عن عدوان آخر مفترض!!

 

ما أريد الحديث عنه، موجه لأصحاب النوايا الحسنة، أما أصحاب النوايا السيئة فلا شأن لي بمخاطبتهم، لأنهم يصح بهم المثل الشهير "فالج ولا تعالج"، إذ يجب علينا إحترام التاريخ، فشتان بين رجال صنعوا للأمة العربية تاريخاً مجيداً مشرفاً، وبين من أساء لمجد الأمة وشرفها.

 

"عدوان" لن يحصل لهذه الأسباب في غمرة "الهمروجة" التي كانت تتحدث عن قرب  ضربة من أمريكا أو أوروبا أو الناتو مجتمعين أو منفردين ضد النظام المجرم في دمشق وحتى بعد خفت الضجيج بعد ما أسمي الاتفاق على تسليم السلاح الكيماوي وتدميره، أود أن أؤكد مجدداً أنها لن تحصل. وإذا كنت مخطئاً وحصلت، فلن أكون في صف العدوان، ولكني لن أدافع عن نظام أوغل بتاريخه المشين ضد كل ماهو خير ونقي في أمتنا، تآمراً وخيانة فاقت كل الحدود والأخلاقيات.

 

وفي استعراض سريع لتاريخه الأسود، يمكن الأشارة إلى :

 

1 ـ إخراج سوريا من عروبتها، وتحويلها إلى "حصان طروادة" داخل الوطن العربي.

 

2 ـ ملاحقة منظمة التحرير الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية، تحت شعارات زائفة، وزرع الانشقاقات التنظيمية، سواء داخل المنظمة، أو داخل المنظمات الفلسطينية. ثم عمد، بعد دخول قواته العسكرية إلى لبنان عام 1976 إلى مهاجمة المخيمات الفلسطينية مباشرة (تل الزعتر، البداوي، نهر البارد) أو من خلال عملائه (حرب المخيمات التي شنتها حركة أمل).

 

3 ـ إستهداف الحركة الوطنية اللبنانية، التي كانت على قاب قوسين من إسقاط المشروع الانعزالي للمارونية السياسية. وإنتقل بعدها إلى إستهداف القوى القومية والوطنية كأحزاب (حزب البعث، الناصرين، الحزب الاشتراكي) و تصفية قياداتهم (كمال جنبلاط، رياض طه، موسى شعيب، تحسين الأطراش، عدنان سنو... والعشرات غيرهم)....

 

4 ـ إصطف مع العدوان الإيراني على العراق طوال ثماني سنوات من الحرب الضروس، ضارباً عرض الحائط بالعلاقات الأخوية بين الدول العربية وبميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك.

 

5 ـ شارك مع الأنظمة الخائنة والرجعية، بمنع الحل العربي لأزمة الكويت، خاصة بعد أن أبدت القيادة العراقية القومية والوطنية، موافقتها على المبادرات العربية، لتفويت الفرصة على التدخل الأجنبي.

 

6 ـ أرسل قوات من الجيش السوري ضمن تحالف حفر الباطن المشؤوم، إلى جانب القوات الامريكية والأجنبية في سابقة خطيرة، للقتال ضد الجيش العراقي الباسل الذي "حمى عاصمة الأمويين" في حرب 1973 من السقوط بيد العدو الصهيوني كما اعترف حافظ أسد في خطابه آنذاك.

 

7 ـ شرع أبواب سوريا أمام التمدد الإيراني ومشاريعهم المعادية لأمتنا العربية وشاركها بتسهيل إيصال كافة الإمكانيات للتنظيمات المذهبية التي عملت على إنشائها في لبنان. هذه التنظيمات التي لم تخفي ولائها للمرجعيات في قم وطهران، على ولائها لوطنها وأمتها.

 

محور الشر المعادي

 

كنت قد أكدت في أكثر من مقال، وحديث تلفزيوني، ومنذ سنوات، أن محور الشر الامريكي ـ الصهيوني ـ الفارسي يستهدف أمتنا العربية بشكل جلي وواضح. وقد برز ذلك بعد غزو العراق وإحتلاله. وتجلى تنسيق هذا المحور خلال العمليات العسكرية. حيث تولت الولايات المتحدة مسرح القتال، وايران بالتسهيلات (كما اعترف ابطحي) والايعاز للتنظيمات المرتبطة بها بالمشاركة في القتال. والعدو الصهيوني من خلال بعض القيادات الكردية المرتبطة تاريخياً معه.

 

هنا، لا بد لي من الإشارة، أن قطعات الجيش العراقي الباسل بكل صنوفه وعديده، مدعوماً من مقاتلي حزب البعث والمتطوعين العرب الشرفاء، خاضوا معارك أسطورية، سيكتبها التاريخ بأحرف من ذهب.

 

وبعد الاحتلال، عمد هذا المحور إلى خطوات خطيرة لا بد من توضيحها:

 

1 ـ تفكيك وحل مؤسسة الجيش العراقي، لأنهاء أي دور وطني له من جهة، وللإنتقام منه ومن تاريخه في المواجهات التي خاضها على امتداد الوطن العربي ومن أبرزها:

 

أـ تصديه وإسقاطه لحلم تصدير الثورة الايراني في العراق ودول الخليج كافة.

 

ب ـ مشاركته في كل حروب الدفاع عن فلسطين وعروبتها، ويهمني توضيح ان العراق هو البلد العربي الوحيد الذي لم يوقع على أي اتفاق هدنة أو وقف إطلاق نار مع العدو، وهو الوحيد حسب القانون الدولي لا يزال في حالة حرب مع العدو الصهيوني.

 

ج - كما شارك هذا الجيش الباسل في ظل قيادته الوطنية والقومية بالدفاع عن جنوب السودان، وعن موريتانيا بالأزمة مع السنغال، وبتحقيق الوحدة اليمنية والتصدي لمحاولة إعادة التشطير، وعن عروبة لبنان من خلال قوات الجيش الشعبي العراقي..

 

2 ـ محاولات دؤوبة لإجتثاث عروبة العراق، من خلال القوانين التي صنفت بما يسمى "إجتثاث البعث" ثم "المساءلة والعدالة"...الخ

 

"الربيع العربي" والتغيير الضائع

 

كل التراكم المزمن من الظلم والتهميش وفقدان التنمية وفرص العمل المشروعة التي عانى منها الشعب العربي، والذي ترافق مع تخلي النظام الرسمي العربي، عن القضايا العربية العادلة، أدى للوصول إلى انفجار شرارة الرفض والتمرد التي انطلقت من تونس.

 

ومع بداية سقوط نظامي بن علي في تونس، ومبارك في مصر، وهي مسألة مهمة وبالغة الضرورة ولكنها تبقى قاصرة، تحرك محور الشر المعادي ـ الذي فوجئ بالحراك الشعبي ـ للألتفاف على مساره والسيطرة على نتائجه وإيقاف أي توجه قد يؤدي للإنقلاب الجذري ـ أو الثوري ـ الذي كان لا بد له من الذهاب نحو القضايا الهامة ، التي تتمثل بـ:

 

1 ـ الالتحام مع المقاومة الفلسطينية والعراقية ، اللتان ـ رغم ظروف موضوعية صعبة وشاقة ـ استطاعت الأولى (الفلسطينية) أن تربك استقرار العدو الصهيوني، والأهم أن الثانية (العراقية) كبحت جماح التغول الامريكي ـ الايراني في العراق والوطن العربي.

 

2 ـ التوجه نحو الهدف الاستراتيجي لأمتنا العربية، أي التوجه نحو تحقيق خطوات على طريق الوحدة العربية.

 

إن تقوقع الحراك الشعبي العربي، كلاً منه، داخل قطره، أفقده العمق القومي المطلوب، كما أن غياب الدور الفاعل والمؤثر للقوى القومية ـ لعوامل موضوعية وذاتية ـ عن تأطير وتوجيه وتجذير وتثوير الحراك الشعبي. كل هذه العوامل الآنفة الذكر يضاف لها معطيات أخرى، أدت إلى حصول الهجوم المعاكس (إن صح التعبير) لمحور الشر، وإستخرج كلاً منهم مشاريعه ووضعها قيد التنفيذ:

 

الولايات المتحدة: وضعت رؤى منظري تيار المحافظين الجدد موضع التنفيذ، فها هي الفوضى المنظمة والفوضى الخلاقة تعصف بأكثر من قطر عربي، وها هي خرائط "الشرق الأوسط الجديد" أو "الشرق الأوسط الكبير" تسرب لوسائل الاعلام الغربية التي بدأت تنشرها على صدر صفحات الصحف الأمريكية والعالمية.

 

ايران: أوغلت في بث الفتن المذهبية، من خلال الحركات التي انشأتها أو تمولها، وهي محاولات قذرة تريد من خلالها تقاسم النفوذ في الوطن العربي مع الكيان الصهيوني.

 

العدو الصهيوني: يعمل على إضعاف وتفكيك الدول العربية، والتصدي لأي محاولة نهوض عربية، وإغراق أمتنا في صراعات داخلية طائفية مذهبية وعرقية وخلافه، كي تتوصل إلى الأمن والاستقرار في ظل محيط مجاور لكيانها المغتصب تعصف به المشاكل من كل نوع. و من جهة ثانية، بدأ العدو يطالب "دعاة السلام" من عرب الردة و الخيانة بالأعتراف بكيانه كدولة يهودية، لأنها تتماشى مع مشاريع الشرق الاوسط الجديد من ناحية، و لأنها الفرصة لطرد "عرب ال48" من كيانه باعتبارهم ليسوا يهودا.

 

الانتصار الآتي

 

بالعودة الى الوضع السوري، يهمني التأكيد مجددا، أن محور الشر الآنف الذكر، اضافة لقوى دولية و اقليمية، بدأوا يعملون على اعادة تسويق النظام السوري، كونه ركن اساسي و هام ضمن مشاريع النفوذ الفارسي، و المحافظ على امن العدو الصهيوني، و كان منفذا لكل اوامر و توجيهات الادارات الامريكية المتعاقبة.

 

و أن مسألة السلاح الكيماوي السوري، و بالطريقة "الاستعراضية" التي تمت، كانت ضرورة لاطراف محور الشر للتخلص منه، خوفا من وقوعه في مرحلة ما، بأيدي اطراف بالمعارضة السورية مما يشكل تهديدا لأمن الكيان الصهيوني.

 

و ان دخول قوات "حزب الله" و المليشيات العراقية المرتبطة بمرجعيتها مع ايران للدفاع عن النظام السوري، ليست بناء لطلب ايران و حسب، بل –ايضا- و الاهم بضؤ اخضر امريكي – صهيوني.

 

ان ما يثير الاسى، ان المعارضة السورية –مع الاسف- لم ترتقي الى مستوى الحراك الشعبي السوري، و لم تستطع ان تقود ميدانيا و سياسيا هذا الحراك العادل و المشروع الى نتائجه المرجوة باسقاط نظام الردة و الخيانة و التآمر.

 

و أن ما يثير الاسى –أيضا- ان ينبري بعض الكتاب الى سياق تبريرات تخدم النظام السوري. ان السياسة الامريكية في الوطن العربي، لا يمكن حصرها ب"اللحظة الراهنة" لأنه من المعروف ان سياساتها توضع لأهداف استراتيجية تمتد عقودا.

 

و أخيرا، فأني على ثقة مطلقة بانتصار شعبنا في سوريا على جلاديه، لأننا تعلمنا من التاريخ و جدليته بحتمية انتصار الشعوب. و كما وصف جاك فرجيس  حالة الصراع بين الاستعمار و حركات التحرر بقوله:" يستطيع المستعمر ان يكسب المعارك، و لكن الشعوب تكسب الحرب دائما"...

 

 





الاثنين ٢ ذو الحجــة ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / تشرين الاول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي نافذ المرعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة